بعد زيارته المثيرة للجدل إلى روسيا، منتصف يونيو/حزيران الماضي، يقوم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بزيارة الصين لخمسة أيام كاملة، بدأت من الإثنين، بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ، وفق ما أعلنت عنه الرئاسة الجزائرية والخارجية الصينية في بيانين منفصلين.
وتأتي الزيارة قبيل نحو شهر من انعقاد قمة "بريكس"، بجنوب إفريقيا، حيث يبدي الرئيس الجزائري اهتماماً بالانضمام إلى هذه المنظمة، التي تضم، إلى جانب روسيا والصين وجنوب إفريقيا، كلاً من البرازيل والهند.
وتدخل الزيارة "في إطار تعزيز العلاقات المتينة والمتجذرة، وتقوية التعاون الاقتصادي، بين الشعبين الصديقين الجزائري والصيني"، وفق بيان الرئاسة الجزائرية.
ولكن الجزائر تعول أيضاً على دفعة جديدة للشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين، الموقعة في 2014، لتنويع اقتصادها، والاستفادة من خبرتها في الصناعات الاستخراجية والتحويلية والتكنولوجيات الدقيقة والمتطورة.
لماذا يزور الرئيس الجزائري الصين بعد نحو شهر من زيارته لروسيا، وقبيل أسابيع من قمة بريكس بجنوب إفريقيا؟
يراهن الرئيس تبون، على الثقل الذي تمثله الصين داخل بريكس، في إقناع بقية الدول الأعضاء بالموافقة على انضمام الجزائر للمنظمة، كعضو ملاحظ أولاً، ثم عضو كامل الصلاحيات.
وسبق أن أعلنت الصين دعمها "الكامل وترحيبها الكبير بانضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس"، خلال لقاء السفير الصيني بالجزائر لي جيان، بالأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني، في مارس/آذار الماضي.
وبذلك تكون الجزائر ضمنت دعم أهم بلدين في مجموعة بريكس، وهما الصين وروسيا، الأخيرة أعلنت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، أن "الجزائر بمؤهلاتها هي المنافس الرئيسي" للانضمام إلى بريكس.
ومن المقرر أن تعقد قمة بريكس في جنوب إفريقيا، ما بين 22 و24 أغسطس/آب المقبل، وقدمت نحو 20 دولة طلب انضمامها إلى بريكس، بينها السعودية ومصر والإمارات ونيجيريا وإثيوبيا والسنغال.
بينما أعلنت الجزائر في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تقديمها طلبًا رسميًا للانضمام إلى منظمة بريكس، بعدما تمت دعوة الرئيس تبون، في يونيو/حزيران 2022، للتحدث خلال قمة بريكس التي عقدت بالصين.
لكن الانضمام إلى بريكس يحتاج توفر جملة من الشروط، لم يتم الاتفاق بشأنها أو الإعلان عنها، وهو ما أشار له الرئيس الجزائري أكثر من مرة تصريحاً أو تلميحاً، حيث قال في أحد تصريحاته الصحفية "عضوية بريكس تعتمد على الظروف الاقتصادية التي تعتمدها الجزائر إلى حد كبير".
لكن العديد من المحللين والسياسيين يربطون ذلك بحجم الاقتصاد، وتنوعه، وانفتاحه على الأسواق الدولية، وحجم الصادرات، ونسبة النمو، والتعداد السكاني، والمساحة الجغرافية، واستقلالية القرار السياسي.
ومن الصعب أن تتوفر كل هذه الشروط في دولة واحدة، لكن الجزائر لها عدة ميزات وتحديات، فهي أكبر بلد إفريقي مساحة، وليست لها ديون خارجية تستحق الذكر، ما يمنحها استقلالية في قرارها السياسي، ومعدل النمو السكاني عال (1.34 بالمئة)، وغالبية سكانها من الشباب، وتعتبر أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي في إفريقيا، ورابع أكبر اقتصاد في القارة.
لكن أبرز العقبات أمام انضمامها إلى بريكس عدم تنوع اقتصادها واعتمادها على مداخيل النفط والغاز، وتواضع ناتجها الداخلي الخام، وعدم انفتاحها على الأسواق العالمية بالشكل الكافي.
ويراهن الرئيس الجزائري على معالجة هذا الخلل في الاقتصاد، حيث وضع نصب عينيه رفع الناتج الداخلي الخام فوق 200 مليار دولار، بعد أن كان 145.74 مليار دولار في عام 2020، ليرتفع في 2022 إلى 191.9 مليار دولار، وفق بيانات البنك الدولي، ومن المتوقع أن يصل إلى 206 مليارات دولار نهاية العام الجاري.
وهذا الارتفاع في الناتج الداخلي الخام راجع لسببين، الأول مرتبط بارتفاع مداخيل النفط والغاز بعد انقشاع سحابة وباء كورونا، واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والثاني ارتفاع الصادرات خارج المحروقات.
وفي هذا الصدد، نجحت الجزائر في رفع الصادرات خارج المحروقات من 1.7 مليارات دولار في عام 2019، إلى 5 مليارات دولار في عام 2021، ثم إلى 7 مليارات دولار في 2022، بحسب أرقام رسمية.
ويقول تبون، الجزائر "التي لم تتجاوز صادراتها خارج المحروقات في 2018 و2019 ما نسبته 3% من إجمالي الصادرات، تحقق اليوم 11%، وبنهاية 2023 أو بداية 2024 ستصل هذه النسبة إلى 16، بل إلى 22%".
كما عدلت الجزائر قوانين الاستثمار لتجعلها أكثر مرونة وجاذبية للشركات الأجنبية، وتواصل شق طريقين استراتيجيين نحو موريتانيا ونيجيريا يربطها بعدة بلدان في غرب وقلب إفريقيا لتعزيز التجارة الخارجية مع الدول الإفريقية، وفتح خطوط جوية مع عدة عواصم إفريقية.
ما هي المشاريع الكبرى التي تسعى من خلالها الجزائر للاستفادة من الخبرة الصينية للخروج من تبعية اقتصادها للنفط والغاز؟
تمثل الصين رهاناً كبيراً بالنسبة للجزائر من أجل استغلال قدراتها المنجمية خاصة الحديد الخام في منجم غار جبيلات (جنوب غرب)، باستثمار ملياري دولار، واستغلال وتحويل الفوسفات في منجم وادي الهدبة (شرق)، بنحو 7 مليارات دولار، وتطوير منجم الزنك والرصاص في وادي أميزور ببجاية (شمال).
ناهيك عن إنجاز مشروع ميناء الحمدانية بمدينة شرشال (شمال)، والذي من المخطط له أن يكون أكبر ميناء في إفريقيا، ويشكل إحدى اللآلئ الصينية في مبادرة الحزام والطريق.
وجميع هذه المشاريع فازت بها شركات صينية، التي انطلقت في بعضها وتأخرت في أخرى على غرار ميناء الحمدانية بشرشال.
لذلك فزيارة تبون إلى بكين، تهدف إلى تسريع تجسيد هذه المشاريع "المضمّنة في الخطة الخماسية الثانية للشراكة الاستراتيجية (2022-2026) والخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق وكذا الخطة الثلاثية (2022-2024) للتعاون في المجالات الرئيسية".
ومن المرجح أن يتم التوقيع على اتفاقيات جديدة خاصة في قطاع المناجم؛ حيث تتوفر الجزائر على عدة خامات على غرار الذهب واليورانيوم، ناهيك عن المعادن النادرة التي يشتد عليها الطلب في تصنيع الرقائق الإلكترونية والأسلحة المتطورة والهواتف النقالة، والتي تخوض فيها بكين وواشنطن لعبة شد الحبل.
كما تسعى الجزائر للاستفادة من الخبرة الصينية في مجال الصناعات الدفاعية والفضاء والتكنولوجيات الحديثة.
ومن المرتقب أن يتم الإعلان خلال الزيارة عن "مجلس أعمال مشترك" جزائري صيني، "لتمكين رجال الأعمال من كلا البلدين من البحث في تنفيذ مشاريع شراكة مثمرة ومربحة للطرفين" وفق المقترح الجزائري.
كيف يمكن للجزائر والصين التعاون من أجل عالم متعدد الأقطاب؟
إحدى القضايا الدولية التي تناضل من أجلها كل من الصين والجزائر المطالبة بإعادة تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وإنهاء الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة.
والآلية التي يقترحها البلدان من أجل تحقيق هذا الهدف تتمثل في إصلاح منظومة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، "على النحو الذي يضفي أكثر عدالة في صيغته التمثيلية، وأكثر شفافية في طرق عمله"، وهو ما تم التباحث بشأنه في لقاء الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية بالسفير الصيني في مارس/آذار الماضي.
وبينما تطالب الجزائر بمقعدين دائمين لإفريقيا في مجلس الأمن الدولي، تأمل أن تشغل أحدهما، فإن الصين أعلنت دعمها "لمطالب الدول الإفريقية العادلة برفع الظلم التاريخي الذي تعرضت له القارة السمراء بحرمانها من التمثيل الدائم داخل مجلس الأمن".
كما من المتوقع أن يبحث الرئيسان الصيني والجزائري مسألة هيمنة الدولار على المعاملات التجارية الدولية، حيث سبق أن بحث تبون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسألة التحرر من هيمنة الدولار.
يُذكر أن الصين كانت تعتبر الشريك التجاري الأول للجزائر منذ 2013، لكن يبدو أنها فقدت هذه المكانة لصالح إيطاليا، التي بلغت مبادلاتها التجارية مع الجزائر في عام 2022، أكثر من 16 مليار دولار بحسب الرئيس تبون.
وتراجعت فيه المبادلات بين الجزائر والصين إلى نحو 7.3 مليارات دولار في عام 2021، منها أكثر من 6.3 مليارات دولار صادرات صينية، وفق موقع The Observatory of Economic Complexity، في غياب إحصائيات عن العام الماضي.