أعادت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بشأن استهداف المسلمين إذا وصل للبيت الأبيض في الانتخابات المقبلة، الجدلَ حول علاقة المسلمين في الولايات المتحدة بالحزب الجمهوري، نظراً لتلاقي العديد من السمات الأخلاقية بين المحافظين والمسلمين.
وأدت الحرب الثقافية المستعِرة في عالم السياسة الأمريكية مؤخراً إلى تشكيل تحالف غير متوقع، يجمع بين الحزب الجمهوري وبين بعض المسلمين الأمريكيين المحافظين. وبعد أن كانوا يتعرضون للسخرية باعتبارهم من الطابور الخامس، انضمت أعداد متزايدة من المسلمين إلى قاعدة الحزب الجمهوري في الاحتجاجات المناهضة لبرامج تعليم الجنس والنوع في المدارس الحكومية، كما ظهر العديد منهم بصورةٍ تُثير التعاطف عبر منافذ إعلامية مثل شبكة Fox News الأمريكية.
ويتناقض هذا التحول بشكلٍ صارخ مع العلاقات العدائية بين الجمهوريين والمسلمين على مدار العقدين الماضيين، ناهيك عن انضمام العديد من الشباب الأمريكي المسلم إلى تيار السياسات التقدمية. بينما تحدث موقع Semafor الأمريكي وغيره من المنافذ عن تواصل الحزب الجمهوري مع القاعدة المسلمة، الذي يأتي بالتزامن مع تأكيد المرشح الجمهوري الأساسي -للمرة الثالثة- على التزامه بأكثر سياسة حكومية معادية للمسلمين في تاريخ الولايات المتحدة. ونتحدث هنا عن السياسة التي تُسمى بـ"حظر المسلمين"، بحسب تقرير لموقع The Intercept الأمريكي.
حظر المسلمين.. هدف مكرر من ترامب
إذ طرح ترامب فكرة الحظر للمرة الأولى خلال حملته الرئاسية عام 2016، وروّج له صراحةً باعتباره حظراً لدخول جميع المسلمين إلى الولايات المتحدة. وفرض ترامب إثر انتخابه حظراً يستهدف المسافرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، ما أثار الفوضى في المطارات وبين أروقة الحكومة، وبعدها بدأت إدارة ترامب في الإشارة إلى السياسة بمُسمى "حظر السفر"، ثم عدلوا الحظر ليشمل فرض قيودٍ على بعض الدول غير الإسلامية مثل فنزويلا وكوريا الشمالية.
لكن ترامب أوضح في خطابه بولاية آيوا، الأسبوع الماضي، أن المسلمين سيكونون هدف سياسته، ليخلط بذلك بين الإسلام وبين الإرهاب والتطرف.
وتُسلّط تصريحات ترامب الضوء على تناقضٍ محرج، إذ يتمتع بعض المسلمين الأمريكيين بفترة علاقات دافئة مع الحزب الجمهوري والنشطاء المحافظين، مدفوعين بالتزامٍ مشترك تجاه القيم الاجتماعية المحافظة، بينما يتعهّد المرشح الرئاسي الذي يحظى بشعبيةٍ واسعة بأن يُعيد إحياء سياسة تستهدف تقليص وجود المسلمين في البلاد بالكامل، وعلى الملأ.
المجتمع المسلم في حيرة
وتقول آني زونيفيلد، رئيسة منظمة Muslims for Progressive Values: "ستكون هذه اللحظة عصيبة على المجتمع المسلم، لكنني مؤمنة بأن مسألة التعليم المثلي في المدارس ستكون مسألةً فاصلة.
ومن المرجح أن يصوت العديد من الناخبين المسلمين المحافظين للمرشحين المناهضين للمثلية، على المستويين المحلي والولائي، بينما قد يختار هؤلاء الأشخاص التصويت لديمقراطيٍّ على المستوى الوطني في الوقت نفسه".
وفي إحدى الدلالات على تحسُّن العلاقات بين المسلمين وبين الحزب الجمهوري، دعّمت منظمات الحقوق المدنية الإسلامية الكبرى علناً احتجاجات الجمهوريين الأخيرة. حيث طالبت تلك الاحتجاجات بالسماح لأولياء الأمور بأن يمنعوا تدريس قراءات المثلية لأطفالهم في المدارس. وكان مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية تحديداً من أشد الداعمين للاحتجاجات، إذ جمع المجلس مئات التوقيعات المطالبة بالسماح لأولياء الأمور أن يسحبوا أطفالهم من بعض الصفوف، التي تدور حول الجنس والنوع.
وسبق لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية أن كان الهدف المفضل للحزب الجمهوري والنشطاء المحافظين على مدار العقدين الماضيين، لدرجة وصف المجلس بأنه واجهة للإرهاب والتشدُّد الإسلامي، لكنهم يجدون أنفسهم منحازين لألد خصومهم في هذه القضية اليوم، بل ويتمتعون بدعمهم أيضاً.
حيث قال المجلس في تصريح لموقع The Intercept الأمريكي، إن مواقفه تعكس عدم إيمانه بالانقسام الحزبي الذي يُهيمن على السياسات الأمريكية.
وأوضح كوري سايلور، مدير الأبحاث والمناصرة في المجلس: "يدافع المجلس عن حقوق الأمريكيين في العيش بما يتوافق مع ما يؤمنون به من معتقدات دينية، ونحن نقرر موقفنا السياسي بناءً على المبدأ، وليس الحزب".
أثار الحظر الأوّل حالة فوضى في المطارات الأمريكية، إثر اعتقال هيئة حماية الحدود الأمريكية لأشخاص من الدول المستهدفة، رغم سلامة الوثائق التي كانوا يحملونها في حوزتهم. وفي بعض الحالات انتهى المطاف بحاملي تصاريح دخول الولايات المتحدة إلى البقاء عالقين في الخارج دون حق الرجوع، ووصل الأمر ببعضهم إلى الموت أو الانتحار بعد أن أصبحوا عالقين في أزمة هجرةٍ نتيجة الإجراء.
كما أثّرت قسوة الحظر والسخافات الناجمة عنه على حياة العديد ممن يعيشون داخل الولايات المتحدة، بعد أن وجدوا أنفسهم منفصلين عن أحبابهم.
ورفضت المحكمة العليا نسختين من "حظر المسلمين" باعتبارهما غير دستوريتين، قبل الموافقة على تمرير الإجراء في النهاية عام 2018.
وبعد تولّي الرئيس جو بايدن المنصب، وقّع على أمر تنفيذي يرفع الحظر بالكامل، لكن السابقة ستظل موجودةً رغم ذلك.
المسلمون في واجهة حملة ترامب
وقد جعل ترامب إعادة إحياء هذا الإجراء جزءاً مهماً من حملة إعادة انتخابه، حيث تُشير التقارير إلى أنه أخبر مستشاريه، في مايو/أيار، بأنه سيقدم نسخةً موسعة من قيود السفر الشهيرة، وهي السياسة التي وصفها بأنها "جميلة".
يأتي تجديد ترامب لوعوده بحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، في وقتٍ يشهد عودة بعض المسلمين الأمريكيين إلى أحضان الحزب الجمهوري. فقبل هجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول، كان غالبية المسلمين الأمريكيين يميلون إلى التصويت لصالح الجمهوريين، وتقول بعض الحسابات إنهم مثلوا الأصوات المتأرجحة التي حسمت فوز جورج بوش الابن في ولاية فلوريدا عام 2000.
وندم العديد من الأمريكيين المسلمين على قرارهم بدعم الحزب الجمهوري، بعد أن تحولوا إلى كبش فداء للساسة الجمهوريين خلال السنوات التالية. ولا شك أن مقترح ترامب الأول بـ"حظر المسلمين" قد حظي بقبول حماسي وسط قاعدته الانتخابية، لكنه لم يكن سوى الحلقة الأخيرة في الخلاف القبيح والطويل بين المسلمين والجمهوريين.
لكن مع انحسار التوترات المحيطة بالإرهاب والحروب الأمريكية في الشرق الأوسط، يبدو أن بعض المسلمين المحافظين يعودون لأحضان الحزب الجمهوري اليوم.
وستكشف الأيام ما إذا كانت دعاية ترامب لسياسة جديدة ومُحسّنة لـ"حظر مسلمين" ستؤدي إلى تعطيل إعادة التقارب بين هاتين المجموعتين. إذ تحول المسلمون الأمريكيون إلى ناخبين ديمقراطيين بقوة خلال العقود الأخيرة، مع تولي العديد من أعضاء الكونغرس المسلمين لأدوار شديدة البروز في الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي.
ومع ذلك، تُشير بعض استطلاعات الرأي في انتخابات 2020 إلى أن 35% من المسلمين دعموا المرشح الذي قنّن طرد أبناء دينهم من البلاد، وجعله أبرز سياسات رئاسته، وذلك خلال فترةٍ كانت تشهد فرض ترامب للحظر.
ولن يجد الناخبون المسلمون كثيراً من العزاء في كبار منافسي ترامب على ورقة الترشح الجمهورية. إذ رعى حاكم فلوريدا رون دي سانتيس في عام 2015 مشروع قانون لحظر اللجوء إلى الولايات المتحدة، واستهدف القانون عدداً من الدول ذات الأغلبية المسلمة التي أجرت الولايات المتحدة عمليات عسكرية داخلها.
كما ضغط دي سانتيس لتمرير إجراءات أخرى في المجالس التشريعية للولايات خلال الأشهر الأخيرة. وتستهدف تلك الإجراءات حظر امتلاك عقارات بعينها، أو حتى الالتحاق بالجامعات الحكومية لمن ينحدرون من دول مثل روسيا، والصين، وإيران. وتمنحنا تلك الإجراءات فكرةً عن كيفية استخدام قوائم الجنسيات المستهدفة لحرمان الأفراد من حقوقهم في المستقبل، وهو الأمر الذي لن يقتصر على حظر السفر فقط.
فيما تُشير تصريحات ترامب في آيوا إلى أنه قد يفرض بعض القيود الأخرى على هجرة المسلمين، إذ أدلى بتعليقات تستهدف الإرهابيين المتطرفين وملكية المزارع في جملةٍ واحدة، قائلاً: "لا نريد أشخاصاً يفجرون مراكز تسوقنا، ولا نريد أشخاصاً يفجرون مدننا، ولا نريد أشخاصاً يسرقون مزارعنا، لن يحدث ذلك".