تتضخم الأزمة الإنسانية في السودان بسرعة ككرة ثلج متدحرجة، بعد أن تجاوز عدد النازحين 3.1 مليون نازح، منهم نحو 740 ألفاً لجأوا إلى دول الجوار، في أقل من ثلاثة أشهر، وفق أحدث تقرير للمنظمة الدولية للهجرة.
فالحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان الماضي، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (شبه عسكرية)، تلقي بظلال قاتمة على الوضع الإنساني في البلاد، التي أصلاً كانت تحصي 3.2 مليون نازح في إقليم دارفور العام الماضي، فضلاً عن 1.1 مليون لاجئ من دول الجوار.
وجاء النزاع الأخير ليلقي عبئاً إضافياً على المعاناة الإنسانية السودانية، وهذا ما تضمنه التقرير الأخير للمنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة.
وكشف التقرير، الصادر في 11 يوليو/تموز الجاري، أن عدد النازحين داخلياً منذ بداية الصراع الأخير بلغ مليونين و414 ألفاً و625، بالإضافة إلى 737 ألفاً و801 لاجئاً فاراً خارج البلاد، أي ما مجموعه 3 ملايين و152 ألفاً و426.
ومقارنة بإجمالي عدد النازحين قبل نحو شهر، فإن العدد ارتفع بقرابة مليون نازح، إذ تم تسجيل في 13 يونيو/حزيران الماضي، نحو 2.2 مليون نازح.
وتعكس هذه الأرقام تسارع الأزمة الإنسانية في البلاد، واستمرارها لأشهر أخرى من شأنه أن يضيف ملايين آخرين لعدد النازحين.
إذ إن 24.7 مليون سوداني بحاجة إلى مساعدة إنسانية، وهو رقم يعادل أكثر من نصف عدد سكان البلاد البالغ أكثر من 45 مليون نسمة.
خريطة النزوح
تتركز الاشتباكات حالياً في ولاية الخرطوم، وإقليم دارفور بولاياته الخمسة، وبولايتين من إقليم كردفان المكون من ثلاث ولايات.
لكن وفق خريطة للمنظمة الدولية للهجرة فإنه لم ينجُ من هذه الاشتباكات سوى عدد قليل من الولايات من إجمالي 18 ولاية، وهي: سنار، الجزيرة، وغرب كردفان.
وبناء على خريطة الاشتباكات، فإن ولاية الخرطوم شهدت أكبر نسبة نزوح، يليها إقليم دارفور وبالأخص ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة الحدودية مع تشاد، والتي شهدت عدة مجازر، فالولاية الشمالية الحدودية مع مصر، والتي انطلقت منها الأحداث، بعد اقتحام قاعدة مروي الجوية.
ووفق مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية ودراسات الرأي العام (مستقل) فإن العمق الاجتماعي في القرى والولايات وفَّر حاضنة اجتماعية للنازحين، حيث تمت استضافة الكثير من النازحين لدى أقاربهم، بينما اتجهت مجموعات أخرى لاستئجار مساكن منفصلة، وهو ما يفسر عدم إقامة مخيمات للنازحين خارج الخرطوم.
وكانت أكثر المدن استضافة للنازحين بورت سودان (ولاية البحر الأحمر)، وحلفا، ودنقلا (الولاية الشمالية) وعطبرة (ولاية نهر النيل)، وفق مركز الخبراء العرب.
أما حركة اللجوء فتركزت نحو مصر بأكثر من 255 ألف لاجئ، تليها تشاد بنحو 240 ألف لاجئ، ثم دولة جنوب السودان بأكثر من 160 ألف لاجئ، فإثيوبيا بأزيد من 62 ألف لاجئ، وجمهورية إفريقيا بنحو 17 ألف لاجئ، وأخيراً ليبيا بقرابة 3 آلاف لاجئ، بينما لم يسجل أي لاجئ في إريتريا.
مستشفيات منهوبة ودراسة معطلة
الأزمة الإنسانية في السودان لا تقتصر مظاهرها على النزوح واللجوء فراراً من نيران الحرب، إذ إن اقتحام المستشفيات ونهب المحلات التجارية وتوقيف الدراسة وحرق السجلات الإدارية والقضائية أصبحت هي الأخرى جزءاً من المأساة السودانية.
ووفق آخر الإحصائيات المتوفرة عن مركز الخبراء العرب، فإن المستشفيات العامة والخاصة العاملة بالخرطوم انخفضت إلى 58% في يونيو/حزيران الماضي، نزولاً من 63% في مايو/أيار الماضي.
فمن إجمالي 134 مستشفى في الخرطوم قبل اندلاع الاشتباكات، لم يبق سوى 79 مستشفى يقدم خدماته للمرضى، في الشهر الماضي، بعد اعتداء قوات الدعم السريع على 24 مستشفى، وفق مركز الخبراء العرب.
ولأول مرة في تاريخ السودان يتم إيقاف إجراء امتحانات الشهادة العامة (البكالوريا) منذ انطلاقها في عام 1838، أي حتى قبل استقلال البلاد في 1956، إذ بات مصير نحو 560 ألف طالب مجهولاً في ظل هذا الوضع، بحسب مركز الخبراء العرب.
وحتى الجامعات توقفت الدراسة بها، وطال النهب والحرق أكثر من 45 مؤسسة جامعية في عموم البلاد، خاصة بعدما تم إتلاف الوثائق الرسمية للطلبة، البالغ عددهم نحو 600 ألف طالب.
ما يجعل مستقبل الطلبة الجامعيين مهدداً بالضياع، خاصة بالنسبة للطلبة العرب والأفارقة الذين يرغبون في إكمال دراستهم في بلدانهم أو بالخارج، على غرار الطلبة الصوماليين.
أما على الصعيد التجاري والغذائي الذي يمس حياة كل سوداني، فإن نحو 118 ألف محل تجاري، و21 سوقاً بينها 6 أسواق مركزية تعرضت محتوياتها للسرقة.
ووفق تقدير مركز الخبراء العرب، فإن 70% من المصانع والمؤسسات الإنتاجية بولاية الخرطوم في حالة شلل.
ناهيك عن انتشار سرقة السيارات ونقلها إلى دارفور وبيعها في ليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، وفق نفس المصدر، حيث تم تسجيل 47 ألف بلاغ لسيارات مسروقة.
فتواصل الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالأسلحة الثقيلة وسط أحياء مكتظة بالسكان، يضاعف الضحايا من المدنيين، ناهيك عن الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في حق العزل منهم على غرار التهجير القسري والاستيلاء على المنازل وانتهاك الحرمات وسرقة المحتويات الثمينة، والنقص الحاد في المواد الغذائية والأدوية يضاعف المعاناة الإنسانية للشعب السوداني، في ظل نقص للمساعدات الإنسانية المحلية والدولية.