بعد ساعات من إعلان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، أن تركيا والسويد والحلف توصلوا إلى "اتفاق ثلاثي" يوم الثلاثاء، 11 يوليو/تموز 2023، وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرر نقل عضوية السويد بـ"الناتو" إلى البرلمان التركي، أعلنت واشنطن عزمها المضي قدماً في نقل طائرات إف-16 إلى تركيا بالتشاور مع الكونغرس الأمريكي، فيما لمّح سيناتور أمريكي كبير إلى تخليه عن معارضة بيع المقاتلات المتطورة إلى أنقرة.
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بوب مينينديز، إنه يجري محادثات مع إدارة الرئيس جو بايدن بشأن التعليق الذي فرضه على المبيعات الأمريكية المستقبلية لطائرات (إف-16) المقاتلة إلى أنقرة. أضاف مينينديز، وهو ديمقراطي، أنه يمكنه اتخاذ قرار في غضون الأسبوع المقبل بشأن التعليق.
ما خلفية صفقة طائرات إف-16 ولماذا كانت مجمّدة؟
كانت الولايات المتحدة في عام 2019 قد أخرجت تركيا من برنامج اقتناء طائرات إف 35-الأمريكية الشبحية، التي كانت تشارك تركيا في تصنيعها، وذلك بسبب شرائها منظومة صواريخ إس-400 الروسية، بعد تلكؤ الدول الغربية في تزويدها بصواريخ مضادة للطائرات.
وحينها، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعض العقوبات على مشتريات الدفاع التركية، بموجب قانون مكافحة خصوم أمريكا (CAATSA)، بسبب صواريخ إس 400.
بعد وصول إدارة بايدن للحكم، وكحل للأزمة، قالت أنقرة إن واشنطن اقترحت عليها أن تبيعها طائرات إف-16 مقابل استثمارات تركيا في برنامج المقاتلة إف-35، الذي أقصيت منه.
وبالفعل، في عام 2021 طلبت تركيا من الولايات المتحدة الأمريكية تزويدها بـ40 مقاتلة من طراز إف-16 بقيمة 20 مليار دولار، ضمن صفقة تشمل تحديث 79 طائرة موجودة لديها.
لكن منذ ذلك الحين تعثرت عملية البيع بسبب اعتراضات الكونغرس رغم تكرار حكومة بايدن القول إنها تدعم الصفقة. ويرجع تحفظ الكونغرس على الصفقة إلى اعتراضه على ما يقول إنه سجل أنقرة في مجال حقوق الإنسان وسياستها تجاه سوريا، ولاحقاً رفضها انضمام السويد لحلف الناتو، بسبب اتهامات من تركيا للسويد بإيواء ناشطين من حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً.
غير أن الكونغرس وافق قبل نحو شهرين على حزمة أصغر بكثير قيمتها 259 مليون دولار، تشمل تحديث برامج إلكترونيات الطيران لأسطول تركيا الحالي من مقاتلات "إف-16″، بعد أيام من تصديق أنقرة على انضمام فنلندا إلى حلف الناتو.
وعلى مدار العام الماضي، حاول أعضاء في الكونغرس الأمريكي فرض شروط على الصفقة، عبر ربطها بضرورة موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا لحلف "الناتو"، فيما أعلنت أنقرة رسمياً رفضها هذا الربط، واشترطت وفاء الدولتين بتعهداتهما بـ"استئصال العناصر الإرهابية التي تستهدف تركيا من أراضيهما".
ماذا تمثل صفقة طائرات إف-16 بالنسبة لتركيا؟
تمتلك تركيا نحو 270 طائرة من طراز إف 16 الأمريكية، فيما يعد ثالث أكبر أسطول من هذه الطائرة في العالم بعد الولايات المتحدة وإسرائيل، وعدد كبير من هذا الأسطول تم تجميعه في تركيا، بما في ذلك تصنيع المحركات.
وتعد المقاتلات الأمريكية إف-16 العنصر الرئيسي في سلاح الجو التركي، فهي القوة الرئيسية الضاربة التي تستخدمها قواته، إذ اشترت أنقرة بين عامي 1987 و2012 ما مجموعه 270 طائرة إف-16 من واشنطن.
وتعتمد أنقرة على الطائرة بسبب المشكلات الأمنية، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما يعني أن قواتها المسلحة امتلكت خبرات تشغيلية مهمة لهذه الطائرة المقاتلة، التي أصبحت الخيار الأكثر منطقية بالنسبة لقيادة القوات الجوية التركية، كما يقول رفعت أونجل الباحث في شؤون الدفاع بمركز "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات، في تقرير سابق.
من ناحية أخرى، تتطلع تركيا إلى استيراد مجموعة طائرات جديدة من طراز إف-16، لتحديث وتجديد مخزونها الحربي، لا سيما أن معظم أسطولها من هذه المقاتلات دخل الخدمة بين عامي 1987 و1995.
وهذا يعني أن تطوير وتحديث القوات الجوية التركية بات ضرورة بالنسبة لوزارة الدفاع التي تعمل على جلب أحدث طراز للمقاتلة التي تحتوي على بعض ميزات طائرات الجيل الخامس (قدرات تقنية وقتالية أعلى).
إضافة إلى ذلك، وبحسب أونجل، فإن الصناعات الدفاعية التركية لديها تاريخ طويل مع مقاتلة إف-16، إذ نفّذت عليها شركات تركية برامج تحديث هيكلي وإلكتروني خلال السنوات الأخيرة.
وبهذه الطريقة، جرى تمديد العمر الافتراضي لطائرات إف-16 في تركيا وتجهيزها بمعدات أكثر حداثة، إضافة إلى أن 160 من الطائرات التي اشترتها أنقرة بين عامي 1987 و1995 أُنتجت في تركيا.
كما أن طائرات إف-16 الـ46 التي صُدرت إلى مصر بين عامي 1993 و1995 أنتجت أيضاً في تركيا، إضافة إلى تحديث أنقرة طائرات إف-16 الباكستانية والأردنية خلال السنوات العشرين الماضية.
لهذه الأسباب وغيرها سعت تركيا لاستيراد مجموعة تحديث لطائرات إف-16، بالإضافة إلى الطائرات الجديدة الأحدث من الطراز نفسه، من أجل تحديث أسطولها من المقاتلات الأمريكية.
ما هي مقاتلات إف-16 وبماذا تتميز؟
تعد طائرات F-16 الأمريكية واحدة من أشهر المقاتلات في التاريخ، وأكثر مقاتلة جيل رابع تم إنتاجها، فهي تجمع بين السعر المناسب وانخفاض التكلفة والرشاقة والقدرات الهجومية والدفاعية العالية.
ودخلت أول طائرة من طراز F-16 الخدمة في عام 1978، ما يعني أن هيكل الطائرة يقترب الآن من 45 عاماً، مع عدم وجود طلبات لهذا النوع من الجيش الأمريكي لعدة سنوات.
ونشأت الإف 16 كبرنامج أمريكي ضمن مقاربة لإنتاج طائرتين، الأولى طائرة كبيرة بمحركين ورادار كبير ذات قدرات قتال جوي عالية لتحقيق الهيمنة الجوية، ولكنها طائرة مكلفة وباهظة تنتج بأعداد قليلة، وتمخض هذا المشروع عن الإف 15.
أما الطائرة الثانية فهي مقاتلة بمحرك واحد متعددة المهام، ليست ذات مدى كبير أو رادار ضخم أو قدرات قتال جوي عالية، بل ميزتها في مرونتها والقدرة على إنتاج أعداد كبيرة منها، وهي الطائرة الإف 16.
ولكن سرعان ما أثبتت الإف 16 كفاءتها بشكل فاق التوقعات، وتحولت تدريجياً لطائرة متوسطة ناجحة تمثل أكثر مقاتلات الجيل الرابع إنتاجاً، ومن أنجح الطائرات في تاريخ أمريكا، التي لديها منها أكثر من ألف طائرة، وأنتجت منها نسخاً متطورة بمدى أطول، وبقدرات قصف عالية لدول عديدة حول العالم، مثل تركيا وإسرائيل وغيرهما.
وطائرات F-16 هي مقاتلات متعددة الأدوار، ومتوفرة بنماذج ذات مقعدين. منذ بدء إنتاجها في عام 1979، وتمت ترقية الطائرة F-16 وتحسينها، ما يعني أن لديها بعض قدرات الجيل الخامس، بما في ذلك الرادار المتقدم.
الإف 16 صغيرة نسبياً، من الصعب جداً رؤية طائرة F-16 لأنها أصغر من معظم الطائرات، خاصةً عندما تستهدف بشكل مباشرة، كما يمكنها أن تحمل ستة صواريخ جو-جو.