“أوكرانيا تستحق الاحترام”.. كيف أفسد زيلينسكي خطة بايدن للعودة “منتصراً” من قمة الناتو؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/12 الساعة 12:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/12 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش
اجتماع قادة حلف الناتو بالعاصمة الليتوانية فيلنيوس /وكالة الأناضول

أراد جو بايدن العودة من قمة الناتو مكللاً بانتصار يحتاجه بشدة في انتخابات 2024، لكن "خيبة أمل" حليفه زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، أفسدت الأمر وأعطت منتقدي رئيس أمريكا ذخيرة غير متوقعة، فما القصة؟

عندما توجّه الرئيس الأمريكي إلى أوروبا، حيث زار لندن أولاً قبل أن يتجه إلى ليتوانيا لحضور قمة حلف الناتو، كان هدفه الرئيسي هو إظهار قدرته على توحيد الصف الغربي في مواجهة روسيا، كأحد أهم أوراقه الانتخابية، بحسب المراقبين والمحللين في واشنطن.

وعندما توجّه الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى ليتوانيا لحضور قمة الحلف العسكري الغربي، كان هدفه الوحيد هو أن تحظى أوكرانيا بدعوة صريحة للانضمام إلى "الناتو"، وجدول زمني محدد كي تصبح العضو رقم 33 في الحلف.

بايدن.. زعيم الغرب في مواجهة روسيا؟

تحقق لبايدن ما أراد، بغضّ النظر عما قدمه من تنازلات لضمان أن تصبح السويد عضواً في "الناتو"، لكن ماذا عن أوكرانيا؟ الدولة التي تقف في المواجهة ضد روسيا، ويقدم لها بايدن وحلفاؤه الغربيون دعماً عسكرياً غير مسبوق، لكن رئيسها يريد أكثر بكثير؟

"ضمن بايدن انتصاراً كبيراً من رحلة أوروبا"، كان هذا العنوان الذي اختارته شبكة CNN الأمريكية لتحليلها المتعلق بتغطية رحلة الرئيس الديمقراطي، رصدت خلاله كيف ضمن ساكن البيت الأبيض تحقيق انتصار مهم قد يفيده كثيراً خلال المعركة الانتخابية الشرسة التي تنتظره.

والمقصود بالانتصار الذي ضمنه بايدن هو إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن موافقته على فتح الباب أمام انضمام السويد رسمياً إلى حلف الناتو، بعد موافقة واشنطن وستوكهولم على شروط أنقرة. وجاء إسقاط تركيا لمعارضتها على انضمام السويد إلى الناتو، عشية قمة الحلف في ليتوانيا، كخطوة مهمة ومفاجئة، سعى بايدن إليها بموافقته على بيع مقاتلات إف-16 إلى أنقرة ودعم سعيها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.

وبمجرد أن تصبح السويد رسمياً العضو رقم 32 في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، سيضيف ذلك رصيداً كبيراً إلى سمعة بايدن كزعيم أمريكي أعاد تنشيط وتوسيع الحلف العسكري، بعد أن انضمت فنلندا أيضاً، حيث أصبح "الناتو" موجوداً على الحدود الروسية مباشرة، بحسب تحليل الشبكة الأمريكية.

كما يعتبر الدعم العسكري غير المسبوق الذي تقدمه إدارة بايدن إلى أوكرانيا منذ بدأ الهجوم الروسي في فبراير/شباط ورقة مهمة أيضاً في حملة بايدن لإعادة انتخابه رئيساً خلال الانتخابات المقررة في 2024، وهو ما يجعل منه أبرز رئيس أمريكي في مجال السياسة الخارجية منذ جورج بوش الابن، بحسب داعمي الرئيس الديمقراطي.

وترسم هذه المعطيات جزءاً مهماً في الصورة التي يريد بايدن أن يسعى لفترة ثانية على أساسها، على الرغم من أن الحرب في أوكرانيا، التي تصفها روسيا بأنها "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفها الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، تسببت في ارتفاعات قياسية في أسعار النفط والغاز وأصابت الاقتصاد العالمي، وضمنه الاقتصاد الأمريكي بطبيعة الحال، بتضخم غير مسبوق منذ أكثر من 4 عقود.

بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن – رويترز

على أية حال، ومع دخول الحرب في أوكرانيا مرحلة استنزاف لا تلوح لها نهاية في الأفق، وهي النتيجة التي أصبحت تتردد على ألسنة أغلب المحللين الغربيين، يمكن القول إن تلك الحرب الكارثية قد تحوّلت إلى مواجهة "صفرية" بين روسيا وأمريكا، بحسب تحليل لمجلة Foreign Affairs الأمريكية عنوانه "حرب يستحيل الانتصار فيها"، يرصد تحول المواجهة، التي كان من الممكن جداً تجنبها، إلى معادلة "صفرية" بين موسكو وواشنطن بالتحديد.

وفي هذا السياق، أصبح إظهار وحدة الغرب، بقيادة بايدن، في مواجهة ما يوصف بأنه "عدوان روسي على أوكرانيا"، هو الرسالة الرئيسية التي يريد الرئيس الأمريكي التأكيد عليها طوال الوقت، وعندما استقل طائرته الرئاسية إلى أوروبا، كان التوصل إلى حل لإقناع تركيا بإسقاط معارضتها لانضمام السويد إلى الناتو الهم الرئيسي للبيت الأبيض.

ماذا قال زيلينسكي عن قمة الناتو؟

فعندما اجتمع قادة الدول الأعضاء في حلف الناتو في عاصمة ليتوانيا، فيلنيوس، التي لا تبتعد كثيراً عن حدود بيلاروسيا، في قمتهم الهادفة بالأساس إلى إظهار التضامن والوحدة والدعم لأوكرانيا في مواجهة ما يصفه الغرب بأنه "غزو روسي عدواني وغير مبرر"، كان الشيء الوحيد الذي يريده زيلينسكي هو "فتح الباب" أمام انضمام كييف للناتو.

كان زيلينسكي قد عبر، الثلاثاء، 11 يوليو/تموز، عن خيبة أمله لعدم دعوة أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو، وقال لمؤيديه في العاصمة الليتوانية "هل هذه أمنية مبالغ فيها؟"

وأمام آلاف الأشخاص الذين تجمعوا في وسط العاصمة الليتوانية فيلنيوس، حيث تقام قمة الناتو، بينما كان قناصة يقفون للحراسة على أسطح المباني، "الحلف سيجعل أوكرانيا أكثر أمانا، وأوكرانيا ستجعل الحلف أقوى". وشكر ليتوانيا على "موقفها الواضح والصادق والشجاع" الداعم لعضوية أوكرانيا.

فقبل وقت قصير من الكلمة، كان الزعماء قد اتفقوا على أن الحلف سيوجه دعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الحلف العسكري عندما "يوافق الأعضاء وتُستوفى الشروط"، وقال زيلينسكي في وقت سابق إنه سيكون من "العبث" عدم عرض قادة الحلف إطاراً زمنياً لبلاده للعضوية.

وخاطب زيلينسكي الجمهور باللغة الأوكرانية قائلاً "جئت إلى هنا اليوم معتقداً في قرار، ومعتقداً بشركاء، وبحلف شمال الأطلسي القوي، بحلف لا يشك ولا يضيّع وقتاً ولا يأبه لأي معتدٍ"، ومضى يقول "أتمنى أن يصبح هذا الاعتقاد يقيناً.. يقيناً في القرارات التي نستحقها جميعاً، والتي يتوقعها كل جنودنا وكل مواطنينا وكل أمهاتنا وكل أطفالنا. وهل هذه أمنية مبالغ فيها؟".

وأيد أعضاء الحلف في أوروبا الشرقية موقف كييف، قائلين إن وضع أوكرانيا تحت مظلة الأمن الجماعي للحلف هو أفضل طريقة لردع روسيا عن الهجوم مرة أخرى.

فولوديمير زيلينسكي الناتو أوكرانيا
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي / رويترز

إذ سلم الرئيس الليتواني جيتاناس نوسيدا زيلينسكي علماً أوكرانياً مثقوباً بالرصاص رفع بعدئذ على سارية. وكان العلم مرفوعاً من قبل على دبابة أوكرانية خلال المعارك في باخموت. وأحضر العلم إلى فيلنيوس مجموعة مؤلفة من 33 عداء أوكرانياً وليتوانياً لدعم أوكرانيا، باعتبارها العضو الثالث والثلاثين المحتمَل في الحلف. وطلب النشطاء من سكان فيلنيوس عرض 33 ألف علم في نوافذ منازلهم لإظهار الدعم. وقال نوسيدا للجمهور "أوكرانيا تمنحنا بدمائها الوقت، ومن ثم يمكننا الاستعداد وتقديم رد قوي لروسيا".

لكن القمة لم تقدم لزيلينسكي ما أراده، فلم تحصل أوكرانيا على دعوة رسمية للانضمام إلى الحلف، أو جدول زمني محدد لحدوث ذلك. فكيف كان رد فعل زيلينسكي؟

قال زيلينسكي: "تردد حلف شمال الأطلسي حيال أوكرانيا يشجّع الإرهاب الروسي"، معتبراً أن "عدم تحديد إطار زمني لعضوية أوكرانيا في الناتو أمر غير مسبوق وسخيف"، وأضاف: "نقدر حلفاءنا وأمننا المشترك، لكن أوكرانيا تستحق الاحترام أيضاً".

هل أجهضت أوكرانيا طموحات بايدن؟

أثارت تصريحات زيلينسكي الشكوك حول نجاح خطة بايدن في إظهار وحدة الصف، ونشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تحليلاً بعنوان "زيلينسكي ينتقد الناتو للإحجام عن تقديم جدول زمني لضم أوكرانيا"، وصف فيه تغريدات الرئيس الأوكراني بأنها "نارية".

ووصف تحليل الصحيفة تصريحات الرئيس الأوكراني بأنها مثلت "إحباطاً لرعاة أوكرانيا داخل حلف الناتو"، خصوصاً هؤلاء الذين اعتقدوا أنهم حققوا انتصاراً لكييف بدفع الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى مترددة إلى الموافقة على دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الحلف "حين يجمع الحلفاء على ذلك وتتوفر شروط الانضمام".

وأضافت أن "تصريح زيلينسكي الحاد كان أحدث مقامرة له، حيث لم يتردد في انتقاد مؤيديه عندما شعر بلحظة اغتنام المزيد من الدعم لأوكرانيا"، لافتة إلى أن "زيلينسكي بدا مستاء بشكل خاص من فكرة أن الظروف لم تكن مواتية حتى لدعوة كييف للانضمام، فما بالك للعضوية الكاملة".

بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين / رويترز

وخلص تحليل "واشنطن بوست" إلى أن "رسالة زيلينسكي الفظة والمكونة من 170 كلمة، فاجأت صانعي السياسة في القمة، حيث كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يأمل في قيادة استعراض وحدة الصف ضد روسيا، وإبراز قدرته على حشد شركائه العالميين، وهو عنصر أساسي في خطة إعادة انتخابه".

وأوضحت أنه "في حين أن زيلينسكي لم يذكر بايدن في التغريدة، فقد وصف الرئيس الأوكراني، الرئيس الأمريكي بأنه صانع القرار في الناتو". وكشف مسؤول للصحيفة أن "تغريدة زيلينسكي أثارت غضب أعضاء الوفد الأمريكي".

ويبدو أن بايدن وإدارته أرادوا امتصاص الموقف حتى لا يتفاقم، حيث أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة "ستبدأ قريباً" مفاوضات مع أوكرانيا حول تقديم مساعدة أمنية طويلة الأمد.

وقال مسؤول في البيت الأبيض للصحفيين "يوافق قادة مجموعة السبع على الدخول في مفاوضات ثنائية مع أوكرانيا لتقديم مساعدة أمنية طويلة الأمد، والتأكد من أن لديها قوة قتالية قادرة على ردع أي عدوان روسي في المستقبل وتقديم الدعم للإصلاحات الحكومية الصائبة في أوكرانيا وتعزيز الاقتصاد الأوكراني"، وأضاف "ستبدأ الولايات المتحدة مفاوضاتها مع أوكرانيا قريباً"، بحسب رويترز.

تحميل المزيد