فتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خط مفاوضات جديداً مع حلفائه الغربيين، الإثنين 10 يوليو/تموز؛ إذ ربط صراحةً للمرة الأولى بين ملف عضوية السويد في الناتو وبين ملف تركيا القديم للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.
وتحدث أردوغان عبر شاشات التلفزيون قبل مغادرته للمشاركة في قمة الناتو بليتوانيا، قائلاً: "افتحوا الباب أمام عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي أولاً، وسنفتح بعدها باب عضوية الناتو أمام السويد كما فعلنا مع فنلندا".
كما أثار أردوغان مسألة عضوية الاتحاد الأوروبي خلال مكالمةٍ هاتفية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الأحد، التاسع من يوليو/تموز.
وقال بيان للرئاسة التركية: "صرّح الرئيس أردوغان بأن تركيا ملتزمة بالمبدأ وصادقة في ملف عضوية الاتحاد الأوروبي، وقال إن تركيا تريد إحياء عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وفي قمة فيلنيوس، تريد أنقرة من الدول البارزة في الاتحاد الأوروبي وقيادة الاتحاد إرسال رسالة دعم قوية وواضحة لملف عضوية تركيا".
عمليةٌ مُجمّدة
حاول بايدن الحصول على موافقة أردوغان في مطلع العام الجاري لنيل موافقة أنقرة على ضم السويد لحلف الناتو، وذلك عن طريق ربط ملف السويد بطلبات أنقرة من واشنطن لشراء مقاتلات إف-16 بعدة مليارات من الدولارات. لكن أردوغان رفض تلك الفكرة مراراً، وقال يوم الأحد إنه من الخطأ الربط بين هذين الملفين.
ويُمكن القول إن عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مجمدةٌ في الواقع بسبب عدة عقبات على الطريق، ومنها الجدل بشأن قبرص مثلاً، بحسب موقع Middle East Eye البريطاني.
وتريد أنقرة في الوقت الراهن تحديث الاتحاد الجمركي وتحرير التأشيرات مع أوروبا. وقد أصبح تحرير التأشيرات موضوعاً دائم النقاش على الشبكات الاجتماعية التركية، وذلك نتيجةً لحالات رفض الدول الأوروبية منح التأشيرات للأتراك بصورةٍ تبدو تعسفية.
لكن طلب أردوغان من بايدن لم يأتِ عفوياً؛ إذ صرّح مصدر مطلع على المسألة لموقع Middle East Eye البريطاني بأن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان طرح الطلب نفسه بشأن الانضمام للاتحاد الأوروبي، خلال مكالمته الهاتفية مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في عطلة نهاية الأسبوع.
وأوضح المصدر أن بايدن فوجئ بسرور خلال المكالمة الهاتفية عندما سمع تعليقات أردوغان بشأن إحياء عملية الاتحاد الأوروبي؛ حيث تحدث بايدن عن دوره المحوري في الضغط على الاتحاد الأوروبي لقبول عضوية تركيا، وذلك في عهد إدارة بيل كلينتون.
أردوغان يعطي السويد ما أرادت.. فهل يحصل على ما يريد من أوروبا؟
يوم الإثنين 10 يوليو/تموز 2023، وافقت تركيا على السماح بانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، حيث خيَّم بروتوكول انضمام السويد إلى الحلف على التحضيرات لقمة الناتو التي تعقد الثلاثاء في ليتوانيا، إلا أن السويد وتركيا توصلتا إلى تسوية للخلافات بينهما في ربع الساعة الأخير بحسب وكالة فرانس برس.
عقب محادثات في فيلنيوس مع أردوغان ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ: "يسرني أن أعلن أن الرئيس أردوغان وافق على عرض بروتوكول انضمام السويد" على البرلمان "في أسرع وقت ممكن، وعلى العمل مع المجلس لضمان المصادقة" عليه، مضيفاً: "إنه يوم تاريخي".
وتابع ستولتنبرغ بأن "استكمال انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي خطوة تاريخية تفيد أمن كل الحلفاء في حلف شمال الأطلسي في هذه الأوقات الحرجة، وتجعلنا جميعاً أكثر قوة وأمناً".
ورحب رئيس وزراء السويد بالموافقة التركية، واصفاً موقف أنقرة المستجد بأنه "يوم جيد للسويد" و"خطوة كبيرة جداً".
ويتعين أن يصادق البرلمان التركي على بروتوكول انضمام السويد، لكن أردوغان تعهد الدفع باتجاه المصادقة عليه.
وفي البيان الصادر إثر محادثات ثلاثية أشار إلى أن تركيا والسويد ستعملان بشكل وثيق "لتنسيق مكافحة الإرهاب"، وتعزيز الروابط التجارية الثنائية. وجاء في البيان أن "السويد ستدعم جهود تنشيط عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وتحرير التأشيرات".
وتم التوصل للاتفاق بعدما علق أردوغان محادثاته مع ستولتنبرغ وكريسترسون لعقد اجتماع جانبي مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
وأشاد ميشال في تغريدة "بالاجتماع الجيد"، مضيفاً أنهما "تباحثا في الفرص المستقبلية لإعادة التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى الواجهة، وإعادة تنشيط علاقاتنا".
هل تريد تركيا الانضمام حقاً للاتحاد الأوروبي؟
يقول الموقع البريطاني إن الرئيس أردوغان، المُحنّك تكتيكياً، يشتهر بإجراء تغييرات استراتيجية على سياسته الخارجية بعد كل انتخابات.
ويحتفظ أردوغان بعلاقات ودية مع أوكرانيا وروسيا منذ العام الماضي، حيث لعب دور الوساطة وتفاوض على صفقة حبوب بين الطرفين المتحاربين. كما حافظ على مبيعات الطائرات المسيرة والأسلحة لكييف، مع استقبال المستثمرين والسياح الروس في الوقت ذاته. علاوةً على قبوله مساعدة موسكو لإنقاذ اقتصاد تركيا المتعثر عبر مشروع محطة طاقة نووية.
أضف إلى ذلك أنه قرر إعادة بعض أسرى الحرب الأوكرانيين الذين كانت تستضيفهم أنقرة بموجب اتفاقٍ بين روسيا وأوكرانيا. بينما أدان الكرملين خطوة أردوغان بالإفراج عن الضباط الأوكرانيين.
ولكن ما الأسباب التي قد تدفع أردوغان لاتخاذ خطوةٍ كهذه على صعيد الاتحاد الأوروبي؟
يقول الموقع البريطاني إن تركيا تعاني حالياً من أزمة اقتصادية، وارتفاع في معدل التضخم، واستنزاف كامل احتياطياتها من النقد الأجنبي.
وتكهّن أحد المصادر التركية لموقع MEE بأن أردوغان ربما يفكر في أن الأموال الروسية ليست كافيةً لإنقاذ الاقتصاد. بينما يتطلّع وزير المالية الجديد محمد شيمشك لإصلاح الاقتصاد التركي عبر خفض معدل التضخم، وخفض عجز الميزانية والتجارة على حد سواء.
لكن أنقرة تحتاج لعودة المستثمرين الأجانب. لهذا سافر شيمشك في أولى رحلاته الخارجية إلى الإمارات وقطر بحثاً عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ورغم ذلك، هناك قناعة في أنقرة بأن تلك الاستثمارات لن تكون كافيةً أيضاً.
يُذكر أن أردوغان صاغ سياسةً خارجية وأوراق اعتمادٍ ديمقراطية تركية تتوافق مع الاتحاد الأوروبي بين عامي 2002 و2013، وأجرى إصلاحات تمنح المزيد من الحقوق والحريات للشعب التركي. وأدت الإصلاحات المؤسسية اللاحقة إلى زيادة ثقة المستثمرين في تركيا، ما أسفر عن تدفق مليارات الدولارات على البلاد.
هل تبدأ أوروبا بتسهيل العقبات أمام تركيا لضمها للاتحاد؟
بعيد إعلان تركيا موافقتها على ضم السويد لحلف الناتو، أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة الأمريكية "كانت ولا تزال تدعم مساعي وتطلعات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي". جاء ذلك في معرض رد مكتب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، على استفسار لوكالة الأناضول حول الموضوع. وأكد أن "مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي تخص الطرفين"، مشدداً على أن "نقطة تركيزنا حالياً هي السويد المستعدة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
وتحظى تركيا بوضع مرشح رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 2005، وهي تطمح للعضوية منذ فترة طويلة قبل ذلك، لكن المحادثات متوقفة منذ أعوام.
لكن تصريحات الإثنين تشير إلى إمكان مضي أنقرة وبروكسل قدماً في تعزيز التجارة، وتحديث اتفاقياتهما الجمركية، وتخفيف القيود المفروضة على منح التأشيرات، بسبب توقف مفاوضات الانضمام.
وقدمت تركيا ملف ترشحها للمجموعة الاقتصادية الأوروبية، سلف الاتحاد الأوروبي، في 1987. ونالت وضع دولة مرشحة للانضمام للاتحاد في 1999، وأطلقت رسمياً مفاوضات العضوية مع التكتل في 2005.
من جهته، يقول وولف بيكولي، خبير الشأن التركي المخضرم في شركة Teneo الاستشارية، إنه "من المؤكد أن المستثمرين سيرحبون باللهجة البناءة الأقل تصادمية مع الغرب؛ لكن ما تفعله تركيا في ملف انضمام السويد إلى الناتو يمثل مؤشراً مهماً".
وأردف بيكولي أن الولايات المتحدة ليس لها تأثير كبير على الشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي. ولم يكن لها تأثير كهذا في الماضي حتى في ذروة نفوذ إدارة كلينتون خلال التسعينيات، حسب تعبيره.
ثم أضاف: "ليس المناخ في عواصم الاتحاد الأوروبي -مثل برلين وباريس- مواتياً لإحراز تقدم فعال على بعض الأصعدة، مثل تحديث الاتحاد الجمركي وتحرير التأشيرات. إذ كانت هذه خطوات غير مرغوبةٍ سياسية. كما أن المستثمرين لا يكترثون لعملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي اليوم".
لكن في الوقت نفسه، نقلت وكالة بلومبيرغ الأمريكية يوم الإثنين عن مسؤول تركي قوله إن مسؤولي الاتحاد الأوروبي وافقوا على تسريع مفاوضات عضوية أنقرة في التكتل الأوروبي، وإن المفاوضات تشمل انضمام تركيا للاتحاد الجمركي والسماح لمواطنيها بالسفر دون تأشيرة.