رجّح محللون سياسيون فلسطينيون إمكانية تغيير إسرائيل سياستها في التعامل مع فصائل "المقاومة المسلحة" في الضفة الغربية، من خلال تكرار عملية "جنين" في مدن أخرى أو إدخال تكتيكات وأدوات عسكرية جديدة.
وقال المحللون، في حوارات منفصلة مع الأناضول، إن "عملية جنين العسكرية المركزة والمكثفة قد تصبح آلية عمل جديدة في الضفة كونها قصيرة المدى ومحدود التكلفة بالنسبة لإسرائيل".
فيما رأى آخرون أنه من الممكن أن "تعود إسرائيل لتكتيكها القديم المعتمد على الاقتحام السريع للمدن الفلسطينية مع إدخال سلاح الطائرات المُسيرة لتنفيذ عمليات اغتيال خاطفة ومباغتة".
وأرجع بعضهم تغيير هذه السياسة إلى عدة عوامل "مرتبطة بتطور أساليب وأسلحة المقاومة في الضفة، فضلاً عن تقدير إسرائيل بأن الاكتفاء بالعمليات الموضعية فقط بات محدود الجدوى، وهو ما يلزمه نمط عمليات موسعة متعددة الأبعاد يدمج قطعاً برية وجوية مع البُعد الاستخباراتي".
والإثنين، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية واسعة في مدينة جنين ومخيمها بداعي ملاحقة مسلحين، استمرت لنحو 48 ساعة، وأسفرت عن استشهاد 12 فلسطينياً وإصابة نحو 120 آخرين بينهم 20 في حالة حرجة.
وبحسب مصادر إسرائيلية، فقد شارك في هذه العملية نحو ألف جندي إسرائيلي وعشرات الآليات العسكرية والطائرات المروحية والمُسيرة.
وقالت فصائل المقاومة في جنين، في بيانات، إنها نفذت "عمليات هجومية وكمائن وخاضت اشتباكات مع القوات المقتحمة".
"جنين".. آلية جديدة
يعتقد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية وديع أبو نصار، أن "عملية جنين" قد تتحول لـ"طريقة عمل جديدة ضد المقاومة في الضفة".
وقال للأناضول: "قد تعتمد إسرائيل في المرحلة المقبلة على خلق آلية جديدة من الاقتحام الواسع والمركز وقصير الوقت، سواء في عمق الضفة أو في جنين".
وأوضح أن إسرائيل تفضل هذه العمليات "كونها تدرك أن العملية ذات الأمد الطويل ممكن أن تعقد الأمور من شقين؛ الأول مرتبط بوقوع خسائر كبيرة في صفوف الجيش أو المدنيين الفلسطينيين؛ ما يضع إسرائيل في حرج أمام المجتمع الدولي".
أما الثاني، بحسب نصار، فهو متعلق بـ"إمكانية أن تساهم العملية طويلة الأمد في توحيد الساحات الفلسطينية والعربية ضد إسرائيل، وهو ما لا تريده الأخيرة".
ورغم هذا "التكتيك"، إلا أن إسرائيل "لم تنجح في تحقيق جميع أهدافها في جنين؛ حيث إن المقاومة استمرت حتّى الدقيقة الأخيرة من الاجتياح"، قال نصار.
وتأتي التوقعات بهذا التغيير وسط تخوفات إسرائيلية من "انتقال نموذج المقاومة في جنين إلى مدن ومخيمات فلسطينية أخرى"، وفق قوله.
وقال عن ذلك: "استعمال وسائل قتالية تم تطويرها ميدانياً في جنين تطور مهم في أداء المقاومة، كما أن المنخرطين في صفوفها هم بضع عشرات من الشباب في مقتبل العمر غير مدربين عسكرياً لكن لديهم معنويات عالية".
وأضاف: "المعنويات العالية والقدرات على تطوير أسلحة يدل على استعداد للتضحية وهذا ينتقل بدوره لمناطق أخرى في الضفة وشاهدنا قبل شهر الصاروخ الذي تم اكتشافه قرب بيت حنينا وهو نموذج لهذه التخوفات".
ولفت إلى أن "غضب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال ينفجر كل فترة بطرق لا تجيد إسرائيل إدراكها".
تكرار نمط المواجهة في الضفة الغربية
يتفق الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم مع سابقه، حول إمكانية تكرار إسرائيل لنمط العملية المركزة وقصيرة المدى في مدن أخرى خلال المرحلة المقبلة.
ويقول للأناضول: "السيناريو قائم حيث تقول إسرائيل إنها حققت أهدافاً في جنين كالقضاء على بؤر المقاومة والمسلحين، ومتوقع استخدامه في المرحلة المقبلة".
ويعتقد إبراهيم أن تعميم هذه الآلية ترتبط بقدرة الفلسطينيين على المقاومة "بحيث قد تصبح المدة الزمنية القصيرة مكلفة بالنسبة لإسرائيل".
وأضاف مستكملاً: "مثلاً من الممكن سقوط عدد من الجنود، أو فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل سواء من فلسطين أو بالخارج، هذا ما تحدده طبيعة المواجهة".
ومع انعدام الحل السياسي للقضية، يعتقد إبراهيم أن إسرائيل "ستواصل تشديد قبضتها الأمنية على الضفة كونه الخيار الوحيد أمامها".
ويشير إلى أن إسرائيل تحاول "خلق تكتيكات جديدة للوصول للمقاومين، إما بعمليات اقتحام قصيرة، أو باستخدام الطائرات المروحية التي أدخلتها للخدمة في الضفة لأول مرة منذ أكثر من 20 عاماً في شهر يونيو/حزيران الماضي".
الطائرات المُسيرة
يعتقد الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض أن إسرائيل ستعتمد خلال الفترة المقبلة في مواجهتها للمقاومة بالضفة على "الطائرات المسيرة إلى جانب الاقتحامات السريعة".
ويقول للأناضول: "إسرائيل ستعود للتكتيك القديم وهو الاقتحامات السريعة التي تمتد لساعات قليلة، مع إدخال تكتيك الطائرات المُسيرة".
وأرجع ذلك إلى "إمكانية الوصول للأشخاص المطلوبين من خلال هذه المُسيرات بطريقة أسهل من الاقتحامات".
كما أن هذه المُسيرات لا تحتاج "إلى قوات برية كبيرة على أرض الميدان فتكون المعركة حينها بدون أضرار كبيرة وقد تحقق الهدف"، وفق قوله.
وأضاف قائلاً: "اقتحام جنين لمدة يومين أحرج الجيش لأنه لم ينجح في تحقيق أهدافه ولم يحصل على صورة نصر".
ويشير عوض إلى أن فكرة "الاقتحامات والوقوف داخل المدن والمخيمات باتت محرجة ومكلفة لإسرائيل يمكن تجاوزها باستخدام المسيرات".
ولفت إلى أن إسرائيل باتت تتعامل مع الضفة "كجبهة عسكرية يمكن ضربها بالطائرات، الأمر الذي سيدفع المقاومين لتطوير أساليبهم في التخفي والتحرك".
تكتيكات قديمة
بدوره، يقول الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، إن العملية العسكرية في جنين "كانت واسعة وغير بسيطة النتائج من تدمير للبنى التحتية وتهجير السكان".
وأضاف: "العملية كانت قصيرة المدى وذلك لخوف إسرائيل من أن يتسبب المزيد من الوقت بانفجار الوضع على نطاق واسع، وخشيتها من مقتل عدد من جنودها".
وأوضح أن إسرائيل "تحاول دائماً القضاء على أي مقاومة للفلسطينيين في الضفة باستخدام وسائل وتكتيكات وأدوات مختلفة استخدمتها سابقاً".
كما تخشى إسرائيل، وفق عوكل، من تكرار نموذج المقاومة في جنين "وانتشاره لمدن أخرى في الضفة، خاصة بعد أن ساهمت كتيبة جنين (تابعة لسرايا القدس الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي) بظهور عدد من المسلحين في مدن أخرى؛ حيث أصبحت إسرائيل أمام ظاهرة المقاومة هناك".
الدوافع الإسرائيلية
يقول المحلل السياسي، أسامة محمد، للأناضول، إن إسرائيل تسعى لتغيير نمط عملياتها في الضفة كي "تتلاءم مع طبيعة التهديدات الجديدة ومستوياتها وأشكالها".
وأضاف: "هذا التغيير اقتضى الانتقال من أسلوب العمليات الموضعية ضد أفراد المقاومة، إلى العمليات الموسعة".
وأرجع محمد هذا التغيير إلى عدة عوامل، أبرزها "تطور الفعل المقاوم من الفردي إلى الجماعي والمنظم، وهو تهديد من شأنه أن يتطور ويسمح للفصائل أن تعيد تشكيل بنيتها العسكرية، ومن ثم تنظم أنشطة أكثر خطورة ضد الجيش والمستوطنات".
وأضاف مستكملاً: "يخلق المسلحون مناطق آمنة لهم في المدن والمخيمات تمكنهم من الاحتماء فيها واتخاذها كمحطات عمل وإقامة، بما يفقد إسرائيل حرية العمل فيها بسهولة".
إلى جانب ذلك، فإن "نجاح المسلحين في الضفة بتطوير بعض الأسلحة الجديدة واستخدامها ضد إسرائيل على الرغم من أنها بدائية ومحلية التصنيع كالعبوات الناسفة والمقذوفات الصاروخية الصغيرة، شكّل عاملاً آخر لتغيير هذه السياسة"، وفق قوله.