بعد مرور 10 سنوات.. هل كان من الممكن منع الانقلاب العسكري في مصر أم أن النتيجة كانت حتمية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/02 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/02 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/ GettyImages

في الذكرى العاشرة للانقلاب العسكري في مصر، ينقسم الخبراء حول ما إذا كانت إطاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي نتيجةً محتومةً للتوترات بين الديمقراطية والجيش، أم أنه كان من الممكن منع الانقلاب.

"الجيش المصري تضرر من الديمقراطية"

ويقول شاران جريوال، الباحث غير المقيم في معهد بروكينغز ومؤلف كتاب منتظر عن الجيوش العربية وثورات الربيع العربي، لموقع Middle East Eye البريطاني، إن السبب الرئيسي لانهيار الانتقال الديمقراطي في مصر هو الجيش. وأوضح: "لقد تضرر من الديمقراطية".

وذكر جريوال كيف دأب الجيش في مصر على إثارة المخاوف الشعبية من حكم مرسي المضطرب. إذ إن الرئيس مرسي، المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين والذي فاز في الانتخابات الرئاسية بفارق طفيف، نُظر إليه بحذرٍ من جانب المعارضة العلمانية في البلاد، وبعض رجال الأعمال، وكثيرين من الأقلية المسيحية الكبيرة في مصر.

اضطلع الجيش بدور مهيمن في مصر منذ إطاحة الملكية في عام 1952. وكان جميع الرؤساء السابقين، جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك، من رجال الجيش.

قال جريوال: "مجرد وجود جيش مسيس مثل جيش مصر، جعل المفاوضات أكثر صعوبة بين الحكومة والمعارضة. بالنسبة للمعارضة، (كانت المسألة كما لو أنهم يقولون) لماذا نعمل مع مرسي في حين أننا قادرون على العمل مع الجيش والتخلص منه؟". وأوضح: "في مصر… منح هذا الجيش سلطات واسعة… وفي نهاية المطاف أنهى التحول الديمقراطي".

لكن ديفيد كيركباتريك، الصحفي لدى مجلة The New Yorker، والذي شغل منصب رئيس مكتب صحيفة The New York Times خلال الانقلاب الذي وقع في 2013، عارض فكرة أن مصير التحول الديمقراطي كان محتوماً.

قال كيركباتريك خلال فعالية استضافتها، الجمعة 30 يونيو/حزيران 2023، منظمة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED) وحضرها معه جريوال: "كان هناك صراع يدور بين الجيش المصري وأحد التحولات الديمقراطية. كيف جرى حل هذا الصراع… أتردد في قول أي شيء باستثناء أنه حتمي".

"إذا لم يقدم الخليج كمية هائلة من المال، هل كان السيسي سينفذ الانقلاب؟"

قال كيركباتريك إن الجيش أُزعج بـ"التصدعات" حول كيفية الرد استجابةً للاستياء من رئاسة مرسي.

وأوضح أن أبلغ مثال على انعدام اليقين في الشهور التي سبقت الانقلاب، يتمثل في "الذعر واليأس" بصفوف جبهة الإنقاذ الوطني في مصر -وهو تكتل سياسي من المعارضة العلمانية ضد مرسي- من أن أي انقلاب عسكري قد لا يحدث على الإطلاق.

وأضاف: "منذ لحظة خلع مبارك وصولاً إلى الانقلاب، كانت هناك محاولات متكررة من الجيش لفرض سلطته مجدداً، وكانوا يتراجعون مرة تلو أخرى".

أضاف كيركباتريك أن السيسي نفسه حصل على منصب وزير الدفاع تحت حكم مرسي، وأي انتقال إلى الديمقراطية لم يكن سيصير "غير جذاب تماماً" إذا ضمن له موقعه وامتيازاته.

وقال إنّ تردد السيسي في تنفيذ الانقلاب حتى بعد أن عزز الدعم بين صفوف الجيش، يسلط الضوء على نفوذ الأطراف الخارجية. وتابع قائلاً: "إذا لم يقدم الخليج ضمنياً كمية هائلة من المال، هل كان السيسي سينفذ الانقلاب؟ لدي بعض الشكوك حول ذلك".

في أعقاب الربيع العربي، كانت مصر بؤرة لمعركة دارت بين دول الخليج على النفوذ في الشرق الأوسط، حيث كانت قطر تدعم جماعة الإخوان المسلمين، بينما سعت الإمارات والسعودية لسحق الجماعة.

ومنذ ذلك الحين، سعت دول الخليج لرأب الصدع. أودعت قطر، بجانب السعودية والإمارات، مليارات الدولارات في البنك المركزي المصري لمساعدة حكومة السيسي التي تعاني من نقص السيولة. ومؤخراً، طالبت دول الخليج مقابل ذلك بعوائد على استثماراتها.

"الرسائل المتعارضة للولايات المتحدة"

أرسلت الولايات المتحدة أيضاً رسائل مختلطة قبل الانقلاب. إذ إن قرار إدارة أوباما المبكر الابتعاد عن مبارك عندما واجه الاحتجاجات الشعبية، ارتأى الحكام المستبدون الآخرون في الشرق الأوسط أنه خيانة من جانب الولايات المتحدة.

قال كيركباتريك: "مرسي كان يسمع من أوباما بعض الدعم الحقيقي للديمقراطية، وظن بسذاجةٓ أن حكومة الولايات المتحدة كانت موحدة".

لكن واشنطن كانت ممزقة حول ما إذا كانت ستدعم الرئيس مرسي المنتخب ديمقراطياً أم السيسي، وهو الاتجاه الذي دفعت نحوه بعض وكالات الاستخبارات والدفاع، لاسيما في ظل الاحتجاجات آنذاك ضد مرسي.

وأوضح كيركباتريك: "السيسي والجنرالات من حوله كانوا يسمعون رسالتين متعارضتين من الولايات المتحدة. فإذا لم يكونوا قد حصلوا على ضوء أخضر، فمن المؤكد أنهم حصلوا على ضوء أصفر".

وأضاف: "ليس من المستحيل تخيل أن وجود موقف مختلف من الولايات المتحدة، ربما كان سيحمل نتيجة مختلفة".

المصريون يهربون عبر البحر المتوسط

عندما أعلن السيسي إطاحة مرسي، تعهد بالسعي لـ"المصالحة الوطنية" في أكبر بلد عربي من حيث التعداد السكاني. وبدلاً من خارطة الطريق التي وعد بها من أجل الانتخابات المستقبلية والاستقرار، فرض السيسي حكماً استبدادياً يقول الخبراء إنه يتجاوز أي شيء شهدته مصر في حكم عبد الناصر والسادات ومبارك.

وفي غضون ذلك، يغرق الاقتصاد المصري. إذ إن ارتفاع التضخم وأزمة العملة دفعا الطبقة المتوسطة نحو السقوط في الفقر، ويخوض كثير من المصريين الرحلة الخطيرة عبر البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا.

كان المصريون أكثر جنسية عبرت البحر المتوسط في النصف الأول من عام 2022، إذ بلغوا 20% من إجمالي الجنسيات، وذلك وفقاً لبيانات حديثة صادرة عن الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس).

حاول السيسي الإيحاء بأنه يتواصل مع المعارضة في خضم الأزمة الاقتصادية. وأطلق مبادرة الحوار الوطني، التي واجهت انتقادات واسعة من جانب الجماعات الحقوقية.

لمحت الحكومة إلى أن الانتخابات الرئاسية ستعقد في وقت لاحق من هذا العام، لكن قليلين يتوقعون أن تكون انتخابات حرة أو نزيهة، في ظل اعتقال أقارب المرشح الرئاسي المحتمل الوحيد المنافس للسيسي. وتشير التقديرات إلى أن السلطات المصرية تعتقل 60 ألف معتقل سياسي.

وتأتي الذكرى السنوية للانقلاب العسكري في مصر، بينما يرى جيرانها تلاشي آمالهم الخاصة من أجل الديمقراطية. في تونس، رسخ الرئيس قيس سعيّد سلطته في انزلاقٍ نحو الحكم الاستبدادي، وتودد إلى الجيش التونسي، الذي تدربه وتموله الولايات المتحدة، من أجل الحصول على دعمه.

وفي غضون ذلك، انهار الانتقال الديمقراطي قصير الأمد في السودان، ويُحاصَر السودانيون بسبب القتال الدائر بين الجيش، الذي يقوده عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، التي يقودها محمد حمدان دقلو.

تحميل المزيد