“انتصار كييف أمر محقق”.. ما مخاطر تعامي أوروبا عن حرب طويلة الأمد في أوكرانيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/01 الساعة 14:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/01 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفقة جنود أوكرانيين - رويترز

لأكثر من 15 شهراً، أصر القادة الغربيون على أن انتصار أوكرانيا أمرٌ مُحقَّق. وهناك تذكير دائم بالمخاطر الكبيرة: "هزيمة أوكرانيا لروسيا هي ضمان أوروبا لمستقبل سلمي ومزدهر". يدعي فولوديمير زيلينسكي أن أوكرانيا تحمي القارة من "أكثر القوى المعادية لأوروبا في العالم الحديث". 

ووفقاً للتفسير الثنائي السائد للصراع، فإن البديل عن النصر الأوكراني هو الاستسلام المُذِل للعدوان الروسي، الذي من شأنه أن يجر أوروبا إلى عصر مظلم جديد، كما يقول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

لماذا تحاول أوروبا إنكار مخاوفها؟

هذه الرؤية للحاضر والمستقبل، التي تقسم العالم، يدعمها "تفاؤل الحرب"، وهو الإصرار على أن روسيا على طريق الانهيار الاقتصادي والسياسي والعسكري. وبعد ذلك يأتي "المستقبل المشرق" كما يعد بذلك زعماء أوروبا. 

وتُظهر التصريحات الأخيرة في قمة الدول الصناعية السبع في طوكيو، وكذلك تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في هلسنكي تغييراً طفيفاً، ألا وهو أن المفاوضات لا تزال مرفوضة، وأن هناك وعوداً بالمزيد من الأسلحة، وتأكيدات بشأن النصر النهائي. والتمرد الفاشل الأخير الذي قام به قائد المرتزقة، يفغيني بريغوجين، سيعزز من رواية الغرب بأن روسيا كدولة هشة بالكاد تجمعها أي وحدة. 

لكن وراء الكواليس، يجب أن تكون هناك مخاوف. لم تنكسر روسيا اقتصادياً، ومع كل الضجيج الذي أثير حول بريغوجين، لم يحدث انقسام سياسي خطير، وحافظ النظام على صموده. ساهمت التعبئة الجزئية في استقرار الدفاعات الروسية، وقد نجح الجيش الروسي في تكييف تكتيكاته المضادة للطائرات المسيَّرة والمشاة والمدفعية. 

وتحتفظ روسيا بميزة في إنتاج المدفعية؛ حيث تكافح دول الناتو لزيادة القدرات الصناعية العسكرية. ويُعد التوسع الناجح للجيش الروسي وإعادة تنظيمه جزءاً من السبب وراء عدم الحاجة إلى مجموعة فاغنر التابعة لبريغوجين، إذ كان الجيش الروسي النظامي قادراً تماماً على مواجهة الهجوم المضاد الأوكراني من دونها، كما يقول الموقع الأمريكي.

حرب طويلة على الجناح الشرقي

إذا كانت روسيا الآن قوية بما يكفي لمواجهة أوكرانيا المدعومة من الناتو، فإن أوروبا تواجه حرباً طويلة على جناحها الشرقي. تعِد إدارة بايدن بأنها ستظل داعمة على المدى الطويل. ويتوقع رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي "معركة عنيفة للغاية" من شأنها أن "تستغرق وقتاً طويلاً وتكلفةً عالية". 

وبينما يرفض بلينكن فكرة وقف إطلاق النار، صاغ الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، مؤخراً الهجوم المضاد الأوكراني كوسيلة لتعزيز موقف كييف على طاولة المفاوضات. ومع ذلك، وبالنظر إلى المسافة الهائلة بين تموضع كلا الجانبين على الأرض والحياد والضمانات الأمنية، فمن الصعب رؤية أساس معقول لسلام تفاوضي. 

تكافح النخب في أوروبا لفهم تداعيات حرب طويلة الأمد على جناحها الشرقي ضد قوة نووية كبرى. خلال الشهرين الماضيين، ظهرت بعض الاختلافات في السياسة الخارجية. 

في قمة مجموعة السبع، انضمت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إلى الاتحاد الأوروبي مع الخط المتشدد لإدارة بايدن بشأن الصين، بينما قاوم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، محاولات توسيع نفوذ الناتو إلى مسرح المحيط الهادئ. قبل شهر من ذلك، سخر ماكرون كثيراً عندما حث أوروبا، خلال زيارة رسمية لبكين، على تجنب الانحياز إلى جانب تايوان، والسعي في المقابل إلى "الاستقلال الذاتي الاستراتيجي" كقوة ثالثة في نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. 

بالنظر إلى سجله الحافل بالانتهازية السياسية، من السهل استبعاد ماكرون. ومع ذلك، فإن تعليقاته تعكس خط تفكير ليس قصير المدى، وليس أبيض وأسود، ولكنه استراتيجي وطويل المدى. لم يتحقق النصر السريع لأوكرانيا، الذي كان يراهن على إعادة ترتيب فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي بسرعة لصالح أوروبا. والآن، مع استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى، تظهر 3 تهديدات خطيرة لـ"الاستقلال الاستراتيجي" في أوروبا في المستقبل. 

3 مخاطر تهدد أوروبا

التهديد الأول يتمثل في مشكلة أمنية صعبة وفورية ووجودية. إذا عُقِدَت قمة الناتو المقبلة في يوليو/تموز كما هو متوقع، فسوف تُقدَّم المزيد من الأموال والأسلحة لأوكرانيا، وربما حتى منحها عضوية الناتو. خوفاً من اندلاع حرب شاملة مع روسيا، لن يرسل الناتو قواته وطياريه إلى أوكرانيا، تاركاً كييف تعتمد على إمدادٍ شحيحٍ بأسلحة أكثر تقدماً غير كافية لهجوم عام ناجح. 

وإذا كانت الاتجاهات الأخيرة تدل على ذلك، فقد تلجأ كييف إلى استخدام أسلحة الناتو الجديدة لشن طلعات جوية مدمرة بشكل متزايد على الأراضي الروسية. قد يجبر هذا روسيا على الرد بالمثل، باستخدام أسلحتها بعيدة المدى لاعتراض خطوط إمداد الناتو إلى أوكرانيا من بولندا ورومانيا. 

ومن الواضح أن ذلك سيضع القادة الأوروبيين في موقف صعب للغاية، فإذا لم يستجب حلف الناتو فسوف تتضرر سمعته بشدة، وإذا حدث ذلك فقد يتصاعد الأمر ليصبح تهديداً وجودياً على أوروبا ذاتها، ناهيكم عن استقلاليتها الاستراتيجية. 

أما التهديد الثاني، فهو مشكلة أمنية صعبة على المدى المتوسط إلى الطويل. وهذا بدوره يفترض التحكم في التصعيد، وتجمُّد الصراع أو سيناريو "حرب أبدية". في هذه الحالة، ستكون أوكرانيا أشبه بإسرائيل، إذ ستكون الدولة الغربية المسلحة في حالة استعداد دائم للعمليات العسكرية. يمكن لروسيا، المنقطعة عن أوروبا وغير القادرة على هزيمة أوكرانيا أو وقف هجماتها، أن تصبح أكثر راديكالية، وتسعى إلى جعل أوروبا تدفع ثمن حرب غير متكافئة. ومن شأن مثل هذا النهج أن يعكس صدى إيران المعزولة في الشرق الأوسط، ولكن بالنظر إلى حجم روسيا وترسانتها النووية وشراكتها مع الصين، سيكون الأمر مختلفاً تماماً. ستقع أوروبا في معضلة أمنية كلاسيكية، حيث زيادة المساعدة العسكرية لأوكرانيا بهدف تعزيز أمن أوروبا، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن فحسب. 

وأما التهديد الثالث، فهو اقتصادي. يمثل فقدان الطاقة الرخيصة من روسيا تحدياً خطيراً لأوروبا ومن المرجح أن يُحَل من خلال الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة والاستثمار طويل الأجل في الطاقة الخضراء باهظة الثمن. وهذا يعني أن أسعار الطاقة المرتفعة ستكون "الأمر الطبيعي" الجديد لأوروبا. في الوقت نفسه، في سيناريو "الحرب الأبدية" في أوكرانيا، سيستمر الأمريكيون في دفع أوروبا لإنفاق المزيد على الإنتاج العسكري. ومن حيث التجارة العالمية، ستواجه أوروبا ضغوطاً أمريكية للوقوف إلى جانب واشنطن في الخلافات المستقبلية مع الصين. لكن مع انتقال الولايات المتحدة إلى السياسات شبه الحمائية، مثل قانون خفض التضخم، لم تستطع أوروبا حتى التأكد من الوصول إلى أسواق أمريكا الشمالية. 

أوروبا ليس أمامها مخرج

وأخيراً، لا يمكن لأوروبا أن تتوقع شيئاً يشبه خطة مارشال لمساعدتها على التغلب على التوترات. على العكس من ذلك، من المتوقع أن تساهم بمساعدات لأوكرانيا بمبالغ ضخمة، في حين تعاني أوكرانيا من مشكلات فساد متعددة المستويات وموثقة جيداً. 

تشير الأبعاد الاقتصادية لهذه الصورة إلى أن العقد الاجتماعي في أوروبا لن يكون مستداماً. مع انخفاض مستويات المعيشة وتقلص الاقتصاد، من المرجح أن يسأل الناخبون من يلقون عليه اللوم وما الذي يجب فعله. لن يكون القادة الأوروبيون قادرين على توجيه أصابع الاتهام إلى بوتين إلى الأبد، الأمر الذي من شأنه أن يخلق مساحة لموجة خبيثة جديدة من الشعبوية. 

مع اقترابنا من قمة الناتو في فيلنيوس الشهر المقبل، فمن غير الواقعي توقع أي تغييرات جادة بشأن الحرب في أوكرانيا. يبدو أن أوروبا ليس أمامها مخرج. إنها لا تسيطر على السياسة، وهي مدفوعة إلى الأمام بأحداث لا يمكن السيطرة عليها. يتطلب الهروب من الاحتمالات المظلمة على المدى المتوسط إلى الطويل حنكة سياسية مسؤولة وقيادة حازمة في الوقت الحاضر. على المدى القصير، يتعين على زعماء أوروبا التوقف عن الاستسلام لحمى الحرب والتوقعات المبتهجة بالنصر. لقد حان الوقت لأن تعيد أوروبا تقييم عواقب حرب طويلة في أوكرانيا بجدية، بدلاً من السير بشكل أعمى نحو مستقبل من عدم الاستقرار والحرب الأبدية والانحدار والعجز. 

تحميل المزيد