على عكس الصين وروسيا.. لماذا يعاني البنتاغون في تعزيز قوته باستخدام الذكاء الاصطناعي؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/01 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/01 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
لماذا يعاني البنتاغون مع الذكاء الاصطناعي؟ - تعبيرية / Department of US Defense

تنامى استخدام روسيا للطائرات من دون طيار، المسلحة بصورة كبيرة للغاية، لدرجة أنَّ المُصنِّعين يعانون لمواكبة الطلب كما تقول تقارير عديدة. ووفقاً لخطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ، الرئيسي أمام الحزب الحاكم العام الماضي، 2022، فإنَّ استراتيجية الصين من أجل الحصول على "جيش عالمي الطراز" تتسم بذكاء اصطناعي متطور.

في غضون ذلك، تعاني وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) خلال سلسلة من البرامج لتعزيز قواها عالية التقنية في السنوات الأخيرة، كما يقول تقرير لمجلة Politico الأمريكية.

ويحاول الكونغرس الآن فرض ضغوط جديدة على الجيش، من خلال مشروعات قوانين وبنود في قانون تفويض الدفاع الوطني القادم، ليصبح أكثر ذكاءً وسرعة بشأن التكنولوجيا المتطورة.

لماذا يعاني البنتاغون مع الذكاء الاصطناعي؟

يعتقد الخبراء على نطاق واسع أنَّ التنافسية المستقبلية للجيش الأمريكي تعتمد على مدى السرعة التي يمكن بها شراء وتشغيل الذكاء الاصطناعي والبرمجيات المتطورة الأخرى لتحسين جمع المعلومات الاستخباراتية، والأسلحة ذاتية التشغيل، ومنصات المراقبة، والمركبات الروبوتية. ومن دون ذلك، يمكن للمنافسين أن يحدوا من الهيمنة الأمريكية. 

والكونغرس يتفق مع ذلك، ففي إحدى جلسات الاستماع للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في أبريل/نيسان الماضي، قال السيناتور جو مانشين، (ديمقراطي عن ولاية ويست فرجينيا) إنَّ الذكاء الاصطناعي "يُغيِّر قواعد" الحرب تماماً.

لكنَّ متطلبات الجيش للشراء والتعاقد جعلته عالقاً في عملية بطيئة الحركة مُوجَّهة نحو المزيد من العتاد التقليدي.

كيف يمكن لأمريكا مواكبة المنافسين في تطوير قواها بواسطة الذكاء الاصطناعي؟

من أجل ضمان مواكبة البنتاغون الأمريكي لخصومه، تقدَّم السيناتور مارك وارنر (ديمقراطي عن ولاية فرجينيا)، والسيناتور مايكل بينيت (ديمقراطي عن ولاية كولورادو)، والسيناتور تود يونغ (جمهوري عن ولاية إنديانا) بمشروع قانون في يونيو/حزيران 2023، لتحليل كيف تبلي الولايات المتحدة في التقنيات الرئيسية مثل الذكاء الاصطناعي مقارنةً بالمنافسين.

ويتضمَّن مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2024، والذي يجري التفاوض حوله حالياً في الكونغرس، بنوداً تستهدف الذكاء الاصطناعي تحديداً، مثل الأنظمة الجديدة ذاتية التشغيل.

وبدأ أعضاء آخرون بالكونغرس يُعبِّرون عن مخاوفهم علانيةً، فصرَّح النائب سيث مولتون (ديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس)، وهو عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، لمجلة Politico الأمريكية بأنَّ الجيش "تخلَّف كثيراً" في الذكاء الاصطناعي، وأنَّ قادة الجيش لم يتلقوا "توجيهاً".

واتصل السيناتور أنغوس كينغ (مستقل عن ولاية ماين)، وهو عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، برئيس هيئة الأركان، الجنرال مارك ميلي، في مارس/آذار الماضي بحثاً عن إجابات بشأن ما إن كانت وزارة الدفاع تتكيَّف مع "الطبيعة المتغيِّرة للحرب". ورداً على ذلك، قال ميلي إنَّ الجيش في "مرحلة انتقالية"، واعترف بأنَّه في حاجة ماسة لتبنّي المتطلبات الجديدة للحرب.

ما مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب؟

ومع التطور السريع للذكاء الاصطناعي، تنامت استخداماته الممكنة في الحرب. وتتراوح الاستخدامات الملموسة للذكاء الاصطناعي في الحرب اليوم من قيادة الطائرات من دون طيار المقاتلة إلى تقديم اقتراحات تكتيكية لقادة الجيش اعتماداً على بيانات فورية من ساحة المعركة. 

لكنَّه لا يزال يُمثِّل جزءاً بسيطاً فقط من الاستثمارات الدفاعية؛ إذ طلب البنتاغون هذا العام 1.8 مليار دولار من أجل البحث والتطوير والاختبار والتقييم للذكاء الاصطناعي، وهو رقم قياسي، لكنَّه يبقى جزءاً بسيطاً من ميزانية الدفاع البالغة قرابة 900 مليار دولار.

ويعاني البنتاغون منذ سنوات من أجل التبنّي السريع ليس فقط للذكاء الاصطناعي، بل أيضاً لأي تكنولوجيا جديدة. فالكثير من هذه المنصات والأدوات، لاسيما البرمجيات، تُطوِّرها شركات ناشئة صغيرة سريعة الحركة لم تمارس الأعمال تقليدياً مع البنتاغون. والتكنولوجيا نفسها تتغيَّر بسرعة أكبر مما يمكن للجيش أن يتبنَّاه في أنظمته الداخلية لشراء واختبار المنتجات الجديدة.

ما أبرز التحديات التي يواجهها البنتاغون مع الذكاء الاصطناعي؟

يتمثَّل أحد التحديات الخاصة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي المنصات الحديثة السريعة التي تتواصل وتفكر مثل البشر، والتي تتنامى قوتها من شهر إلى آخر.

ومن أجل تسريع التحرك بشأن الذكاء الاصطناعي التوليدي، من شأن نسخة مجلس الشيوخ من مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2024 أن تُنشئ مسابقة بجائزة من أجل اكتشاف المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو مبعث قلق رئيسي للبنتاغون بسبب قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج تزييف عميق مضلل، لكن في نفس الوقت مُقنِع. 

كما يأمر مشروع القانون البنتاغون بتطوير أدوات ذكاء اصطناعي لمراقبة وتقييم الحملات المعلوماتية، والتي يمكن أن تساعد الجيش في تتبُّع شبكات المعلومات المضللة وفهم كيفية انتشار المعلومات بين السكان بطريقة أفضل.

وفي استخدام أكثر تقليدية للذكاء الاصطناعي في الدفاع، يريد مجلس الشيوخ الاستثمار في عمليات البحث والتطوير لمواجهة أنظمة الطائرات من دون طيار.

واعترف قادة البنتاغون بأنَّ قواعد الشراء التي نجحت في الحصول على الأسلحة التقليدية مثل المقاتلات لا تحقق نجاحاً جيداً في شراء تقنيات البرمجيات الجديدة التي تدعم الذكاء الاصطناعي. فقال يونغ بانغ، الذي يقود عمليات الاستحواذ التكنولوجية للجيش بصفته النائب الأول المساعد لوزيرة الجيش: "هنالك بعض العقبات المؤسسية الموجودة في الطريقة القديمة للشراء، والتي لا تُعتَبَر فعَّالة مع شراء البرمجيات".

مشاريع قوانين لتوجيه الذكاء الاصطناعي

تأتي هذه الجهود عقب العديد من المحاولات المُحبِطة لجعل البنتاغون أفضل في شراء وتشغيل التكنولوجيا المتطورة.

إذ أُطلِقَ "مشروع مافن"، وهو محاولة من البنتاغون لجلب المزيد من الذكاء الاصطناعي المُطوَّر تجارياً إلى الجيش الأمريكي، في عام 2017 بدفعة قوية من جانب المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا إريك شميدت وبيتر ثيل. وتقع أجزاء من هذا المشروع الآن في الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية.

وقبل ذلك، كان البنتاغون قد أطلق، ثُمَّ أعاد إطلاق، "وحدة الابتكار الدفاعي"، والتي تُركِّز على تسريع عملية تبنّي التكنولوجيا التجارية. وخفَّض وزير الدفاع الأسبق، جيم ماتيس، هذه الوحدة عملياً إلى مستوى اختصاص وكيل وزارة، ومن المنتظر ترقيتها مجدداً إلى مستوى الإشراف المباشر لوزير الدفاع في مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2024.

وبدعم من "مشروع مافن، أنشأ الكونغرس في 2019 "مركز الذكاء الاصطناعي المشترك" لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتنميتها وتوظيفها للاستخدام العسكري، وكان الهدف من المركز تسريع تبنّي البنتاغون للتكنولوجيا الحديثة.

لكن بالرغم من التفويض الإضافي من جانب الكونغرس لتوسيع نطاق وميزانية المركز من 89 مليون دولار إلى 242 مليون دولار بين قانوني تفويض الدفاع الوطني لعامي 2019 و2020، أُلغي المركز بحلول عام 2021 وجرى تحويله إلى هيئة أخرى مُفوَّضة من الكونغرس: المكتب الرئيسي للذكاء الرقمي والاصطناعي.

قال كريغ مارتل، وهو موظف من القطاع التجاري يرأس المكتب الآن، إنَّ استراتيجية الجيش السابقة الخاصة بالذكاء الاصطناعي كانت جيدة بالنسبة لوقتها، لكنَّ التكنولوجيا نفسها تجاوزتها. وأضاف: "تغيَّرت حالة الذكاء الاصطناعي في القطاع التجاري واستخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية بصورة كبيرة منذ وضع الاستراتيجية".

وأصدر البنتاغون دليلاً إرشادياً جديداً للذكاء الاصطناعي منذ أيام مركز الذكاء الاصطناعي المشترك. وأشارت كاثلين هيكس، نائبة وزير الدفاع الأمريكي الحالية، إلى وثيقة "استراتيجية الذكاء الاصطناعي المسؤول ومسار التنفيذ" لعام 2022 باعتبارها دليلاً على التزام البنتاغون بالاستخدام العسكري المسؤول للذكاء الاصطناعي والمنظومات ذاتية التشغيل.

وقال مارتل إنَّ المكتب الرئيسي للذكاء الرقمي والاصطناعي يعمل على استراتيجية غير مُصنَّفة سرية بخصوص بيانات الذكاء الاصطناعي وتحليلاته وتبنِّيه، وذلك من أجل استبدال الاستراتيجية القديمة التي تعود لعام 2018، وستصدر هذه الاستراتيجية في وقتٍ لاحق هذا الصيف.

ويراقب الكونغرس هذه العملية. ففي نسخة مجلس النواب من مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2024، طلب النائب مورغان لوتريل (جمهوري عن ولاية تكساس) من وزير الدفاع تقديم إحاطة للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب بحلول يونيو/حزيران العام المقبل بشأن جهود البنتاغون المؤسسية لتوجيه الذكاء الاصطناعي باستخدام البيانات المنسوبة والموسومة بشكل صحيح.

وسيتعين على مجلسي النواب والشيوخ الآن التوفيق بين نسختيهما من مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني قبل أن يُوقِّع الرئيس بايدن النسخة النهائية لتحويلها إلى قانون. 

تحميل المزيد