توابع زلزال بريغوجين.. هل يؤثر تمرد “فاغنر” الفاشل على التجنيد الإجباري في روسيا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/06/28 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/29 الساعة 05:43 بتوقيت غرينتش
جنود من الجيش الروسي - Getty Images

تقوم روسيا بعملية التجنيد الإجباري مرتين كل عام، فما مدى تأثير محاولة التمرد التي قام بها زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين على ضم الجيش جنوداً جدداً يحتاجهم للحرب في أوكرانيا؟

كانت روسيا قد شهدت خلال 24 ساعة، من مساء الجمعة حتى مساء السبت، 24 يونيو/حزيران، أخطر تحدٍّ يواجه حكم الرئيس فلاديمير بوتين عندما استولت قوات فاغنر على مدينتي روستوف أون داي وفورونيغ في الجنوب، وأعلن زعيمها بريغوجين "الزحف" نحو موسكو لتخليص البلاد من "القيادة العسكرية الفاسدة"، بحسب تعبيره.

انتهت الأزمة سريعاً جداً، ودون إراقة دماء بعد توسط رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو، فأعلن بريغوجين وقف "الزحف"، وأسقطت الاتهامات ضده وضد قواته المشاركة في "التمرد المسلح"، لكن تداعيات وأصداء محاولة التمرد الفاشلة لا تزال تتردد داخل موسكو وخارجها.

التجنيد الإجباري في روسيا

تناولت مجلة Foreign Policy الأمريكية أحد أوجه تداعيات محاولة التمرد الفاشلة، التي وضعت العالم على أطراف أصابعه كون روسيا أكبر دولة نووية. ورصد تقرير عنوانه "تمرد فاغنر قد يضعف التجنيد الإجباري في روسيا"، مدى التأثير المحتمل على التجنيد الإجباري في البلاد.

فقبل شهرين، أطلقت روسيا حملتها للتجنيد، وهي حملة تنطلق مرتين سنوياً، حيث يخضع كل الرجال المؤهلين للانضمام إلى الجيش لتقييمٍ، ثم يوزعون على الوحدات العسكرية. ويعود هذا النظام إلى قرون ماضية وبأشكال متنوعة، لكنه في هذا العام خضع لتحديث ليصير استدعاءً إلكترونياً وليس ورقياً.

وفي فصلي الخريف والربيع، يتلقى الذكور الشباب أوامر لتسليم أنفسهم للخضوع للتقييم من أجل أداء الخدمة العسكرية. وفي كل عام، يحاول الرجال تجنب أداء الخدمة العسكرية بوسائل تتضمن الانضمام إلى برامج الدراسات العليا، أو السفر إلى الخارج، أو ادعاء الإعاقة. وفي المعتاد، تؤدي هذه المساعي إلى ترك التجنيد إلى الفقراء والمنعزلين، وهذا حال أغلب الدول التي تتبع التجنيد الإعلامي.

وتقول القوات المسلحة الروسية إن المجندين يوزَّعون إلى وحداتهم، بالإضافة إلى أنها بذلت جهداً كبيراً للتأكيد على أن المجندين لن يُرسَلوا للقتال في أوكرانيا. ولكن بعد محاولة التمرد الفاشلة التي وقعت مطلع هذا الأسبوع عن طريق مجموعة فاغنر شبه العسكرية، فقد تبدو الأمور مختلفة تماماً، وقد يصير الشباب الروس أقل حرصاً على طاعة أوامر استدعاءات الخدمة العسكرية، بحسب تحليل فورين بوليسي.

إذ كانت الرغبة في الخروج من الخدمة العسكرية في القوات المسلحة الروسية موجودة بالفعل خلال العصور السوفييتية. قال أرتيس بابريكس، الذي كان وزير الدفاع في لاتفيا حتى العام الماضي، والذي خدم في جيش الاتحاد السوفييتي عندما كان شاباً: "تمنيت لو أني لم أُرسل إلى أفغانستان. واليوم، أعتقد أن كثيراً من المجندين الروس الشباب يأملون أن تنتهي هذه الحرب وألا يُجبروا على قتال الأوكرانيين سُدى".

فاغنر
رئيس ومؤسس مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين/رويترز

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، سادت الانتهاكات المتوطنة والوحشية، التي تضمنت أحياناً اغتصاب المجندين أو قتلهم. وساد الفساد كذلك، مما ترك الجنود جوعى وبملابس غير لائقة، وبدون المعدات الضرورية أثناء الحرب، بحسب تقارير غربية.

وبمعرفة أن الجيش الروسي في أوكرانيا كان يعاني من قلة الأفراد -واضطر للاعتماد على مجموعة فاغنر بوصفه إجراءً موقتاً- يشعر كثير من الروس بالقلق من أن حملة التجنيد التي انطلقت في فصل الربيع سوف تشهد عدم وفاء الحكومة بتعهدها بعدم إرسال المجندين إلى الحرب في أوكرانيا، التي تصفها موسكو بأنها "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر".

 وتقول تقارير إن روسيا قد أرسلت بالفعل بعضاً منهم، فيما أُجبر آخرون على الانضمام إلى الجيش، والتحول من مجندين إلى جنود متعاقدين. ولكن في العموم، تجنبت روسيا استخدام المجندين بأعداد كبيرة، ويُعزى جزء من هذا إلى الخوف من ردة الفعل العامة.

التعبئة الجزئية بسبب حرب أوكرانيا

عندما أعلنت روسيا التعبئة العامة في العام الماضي، فر الشباب عبر الحدود إلى البلاد الأخرى لتجنب الحرب. ولكن حتى الآن، مرت حملة استدعاءات الربيع الماضي من دون تعقيدات، وفقاً لما أفاد به الجيش الروسي، ولعل السبب في هذا أن النظام الإلكتروني الجديد يعني أن البنوك والمؤسسات الحيوية الأخرى سوف تعرف إذا كان شخص ما تهرّب من التجنيد أم لا.

غودرون بيرسون، خبير شؤون القوات المسلحة الروسية لدى الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع، قال لفورين بوليسي: "خلال حملة التجنيد في خريف العام الماضي، حاول عدد قليل من الرجال مغادرة البلاد. لكن النظام الإلكتروني الجديد يجعل ذلك أصعب".

وقبل أيام قليلة من محاولة تمرد مجموعة فاغنر، مرر مجلس الدوما تشريعاً يسمح للمدانين بأداء الخدمة العسكرية في الجيش. وبموجب التشريع الجديد، لن يُسمح للأشخاص المدانين في جرائم سياسية محددة، مثل التطرف، بأداء الخدمة العسكرية في الجيش، لكن الآخرين سوف يُسمح لهم بذلك. يتعلم الجيش الروسي من مجموعة فاغنر استغلال المدانين، وذلك أدعى لأن يدفع الشباب القلقين من الانتهاكات السيئة في الجيش، إلى عدم طاعة الاستدعاءات.

والآن، وقعت محاولة التمرد المسلح الاستثنائي من جانب فاغنر ضد الجيش الروسي، وعرضت مجموعة فاغنر، وقائدها يفغيني بريغوجين، أنه حتى الروس الذين يحملون السلاح قادرون على تحدي كبار قادة الجيش بدون مواجهة عقوبات شديدة.

أوكرانيا روسيا ألمانيا اسلحة صواريخ كروز
دبابتان تابعتان للقوات الروسية – Gettty Images

قال بيرسون: "الجنود والضباط، ومن بينهم كبار الضباط، يرون بكل تأكيد أن بوتين أُضعف. هؤلاء الذين يُدعون لأداء الخدمة العسكرية لا يزالون من دون خيار آخر. لكن هذه الـ24 ساعة العصيبة سيكون لها تأثير".

صحيحٌ أن الأمر صار صعباً، لكن الهاربين من حملة التجنيد الجديدة المرتقبة قد يبذلون محاولات للعثور على ملاذ لهم في بلاد أخرى، مثلما فعل الآلاف بالفعل منذ بداية الحرب في أوكرانيا.

وتشكل ندرة الجنود التي تلوح في الأفق مشكلة ملحة بالنسبة للجيش، الذي يعتمد على المجندين والذي يحاول جاهداً تحفيزهم كي يبقوا في الخدمة بوصفهم جنوداً متعاقدين. الأكثر من هذا، أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي لا يزال مستقبله غير معروف بعد الأحداث العصيبة التي شهدتها الأيام القليلة الماضية، لا يزال في خضم توسع يشهده الجيش الروسي -أُعلن عنه في ديسمبر/كانون الأول الماضي- سوف يشهد نمو القوات بحوالي 30%، لتصل إلى حوالي 1.5 مليون فرد.

هل لتمرد فاغنر تبعات طويلة الأمد؟

تعد تلك الخطة طموحة، لاسيما بالنظر إلى أن روسيا فقدت ما لا يقل عن 100 ألف جندي خلال الحرب في أوكرانيا، بحسب التقارير الصادرة عن البنتاغون، والتي تنفيها موسكو.

على أية حال، هذه الحاجة إلى النمو، وازدراء بريغوجين الصريح للقيادة العسكرية الروسية، أدت إلى شروع وزارة الدفاع في التطلع إلى ضم جنود فاغنر ضمن صفوفها. وحتى إذا حدث ذلك، سيكون تعزيزاً مؤقتاً فحسب. إذ قال بيرسون: "سوف ينضم كثير من جنود فاغنر إلى الجيش الروسي الرسمي، لكن كثيرين سوف يغادرون على الأرجح". وذكر بابريكس أننا شاهدنا من خلال مسيرة بريغوجين إلى موسكو، "مدى هشاشة ولاء الروس لنظامهم الحالي".

روسيا الجيش الروسي بوتين
بوتين وعلى يسار ه الجنرال فاليري جيراسيموف، وعلى يمينه وزير الدفاع سيرغي شويغو، أرشيفية/ Getty

من المعروف أن التجنيد هو واجب إلزامي، ولكن لإنجاحه يجب على الجيش جعل أداء الخدمة جذاباً. لاشك أن واجبات الجندية تكون مرهقة في كثير من الأحيان، ولكن من أجل تحسين أداء الجنود -وبالتأكيد من أجل ضمان حضورهم لأداء الخدمة العسكرية- يجب أن يشعروا أنهم يحظون بقدر محدد من الاحترام.

ومع ذلك، فشلت روسيا في اقتلاع جذور الانتهاكات المنتشرة ضد المجندين. تتخذ فنلندا، التي لديهما أيضاً نظام تجنيد إجباري للرجال، نهجاً مختلفاً. فهي تعامل المجندين معاملة كريمة، ودشنت قبل حوالي 20 عاماً نظاماً لضمان رضا المجندين، يسمح لهم بتقييم جوانب تتنوع بين أماكن الإقامة والضباط. 

بالرغم من أن أداء الخدمة العسكرية إجباري في روسيا، لم يتقدم لأداء الخدمة سوى 245 ألف مجند، يُعزى جزء من هذا إلى التركيبة السكانية السيئة في روسيا. فمن بين 1.4 مليون ذكر ولدوا في 2005 -نصفهم ذكور- يعني هذا أن معدل التجنيد لا يتجاوز 40% من الذكور في سن التجنيد.

بينما على النقيض من هذا، تبلغ نسبة التجنيد في فنلندا أقل بقليل من 80%. والآن يُرجح أن تقل النسبة في روسيا، في الوقت الذي تحتاج فيه القوات المسلحة إلى المجندين بشدة.

وتلك هي العواقب طويلة الأمد للفوضى المشهودة مطلع هذا الأسبوع، ولسنِّ مجلس الدوما تشريعاً للتجنيد يشبه حملة فاغنر السابقة لتجنيد المجرمين. فحتى أشد الأشخاص التزاماً لن يضحوا بأنفسهم في مؤسسة لن تجلب لهم على الأرجح إلا الألم.

تحميل المزيد