في انتقاد لافت، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً إيران بأنها هي التي تعرقل إنشاء، "ممر زنغزور" الذي يربط بلاده بأذربيجان، وبالتالي يربط بين آسيا وأوروبا، ويأتي ذلك في ظل توترات بين باكو وطهران، وصلت لتلويح ضمني للأخيرة بالحرب، فيما ردت باكو بمناورات مع أنقرة.
وخلال عودته من أذربيجان يوم 14 يونيو/حزيران الجاري، والتي كانت أول دولة زارها بعد إعادة انتخابه، انتقد أردوغان، في تصريحات للصحفيين على متن طائرته، موقف إيران "السلبي" الرافض لـ"ممر زنغزور"، قائلاً: "إن المشكلة في مشروع الممر لا تتعلق بأرمينيا، وإنما بإيران".
واعتبر أن موافقة طهران على فتح ممر زنغزور ستسهم في التكامل بين إيران وتركيا وأذربيجان، بل قد تمهّد لتدشين طريق بكين-لندن.
ما هو ممر "ممر زنغزور" الذي اتفقت على فتحه أرمينيا وأذربيجان؟
وقبل حوالي شهر؛ أعلن رئيس أذربيجان "إلهام علييف" الاتفاق مع رئيس وزراء أرمينيا "نيكول باشنيان" على فتح "ممر زنغزور"، عقب لقائهما مع رئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشيل"، في بروكسل.
وشكل هذا الاتفاق نقلة نوعية في العلاقة المتوترة بين البلدين التي تعود جذورها لأكثر من مئة عام منذ ما قبل ضم البلدين للاتحاد السوفييتي، حيث خاضا مواجهات خلال خضوعهما للحكم السوفييتي، تحولت لحرب مفتوحة بين البلدين حول إقليم ناغورنو قره باغ الأذربيجاني ذي الأغلبية الأرمنية عقب استقلاله عن موسكو، أدت إلى احتلال أرمينيا لمساحة تقارب 20% من أراضي أذربيجان قبل أن تحرر الأخيرة معظم أراضيها خلال حرب عام 2020.
وتفصل الأراضي الأرمينية بين أذربيجان وإقليم ناختشيفان الأذري المتمتع بالحكم الذاتي، ولكنه ملاصق لتركيا.
يعني الوضع الحالي أنه لا يوجد اتصال بري مباشر بين أذربيجان وتركيا، ولا بين باكو وإقليم ناختشيفان الأذري (جمهورية أذربيجانية ذات حكم ذاتي).
لكنّ انتصار أذربيجان في حربها ضد أرمينيا عام 2020 ساهم في استعادتها من أرمينيا ما يزيد عن 130 كيلومتراً من أراضيها الحدودية مع إيران، وعليه بدأت باكو الضغط لفتح ممر زنغزور الأرميني الرابط بينها وبين ناختشيفان عبر شريط يبلغ طوله 40 كيلومتراً يمر بمنطقة أرمينية تدعى زانجيزور، حسبما ورد في تقرير لمركز أسباب للدارسات السياسية والاستراتيجية.
اتفاق وقف إطلاق النار نص على ضرورة سماح أرمينيا بالربط بين أذربيجان وإقليم ناختشيفان
في نهاية حرب قره باغ التي استمرت 44 يوماً عام 2020، والتي توجت بانتصار أذربيجان، وقع البلدان اتفاقية وقف إطلاق النار الثلاثية التي تضم روسيا كضامن والتي تتألف من أقسام تتعلق بفتح طرق النقل.
ورد في المادة 9 من اتفاق وقف إطلاق النار "يجب إلغاء حظر جميع الروابط الاقتصادية والنقل في المنطقة، على أن تضمن جمهورية أرمينيا أمن اتصالات النقل بين أذربيجان وجمهورية ناختشيفان الأذربيجانية".
بالنظر إلى أن بنود اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020 المتعلقة بالنقل كانت خطوطاً عامة دون تفاصيل محددة، فإنها أفضت لظهور تأويلات مختلفة للأمر، وهو ما يسبب مشاكل حالياً بين باكو ويريفان.
وتعتقد أذربيجان اعتقاداً راسخاً أن المادة 9 تشمل فتح ما يعرف باسم ممر زانجيزور بين ناختشيفان وبقية أذربيجان.
وفقاً لباكو وأنقرة، فإن فتح الممر هو من شروط البيان الثلاثي الصادر في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 الذي أنهى الحرب بين البلدين.
ما هو موقف روسيا من "ممر زنغزور"؟
لموقف روسيا القوة الأهم في المنطقة أهمية بالغة في تحديد مستقبل "ممر زنغزور"، فهي حليف وثيق لأرمينيا، كما ما زالت تحتفظ بعلاقة جيدة مع أذربيجان، وهي الضامن لوقف إطلاق النار، إضافة لعلاقتها القوية المتقلبة مع تركيا، وتحالفها المتنامي مع طهران.
وبينما كانت تؤيد روسيا الربط بين أذربيجان وجمهورية ناختشيفان، فإنها لا تشير إلى الطريق على أنه ممر زنجزور ولا على أنه "ممر"، إلا أنها تدعم افتتاحه.
بعد الحرب على أوكرانيا، بات لروسيا مصلحة أكبر في فتح هذا الممر، بعد أن تم قطع خطوط إمدادها نحو أوروبا، وأصبحت روسيا مهتمة بشدة بفتح خطوط النقل عبر أرمينيا للحصول على طرق نقل إضافية مع تركيا.
لذلك، تضغط روسيا على أرمينيا من أجل إتمام هذا الممر، وربما تجدها أرمينيا فرصة لتعزيز أهميتها في نظر روسيا، بحيث تستطيع الأخيرة مساعدتها في التوصل إلى اتفاق مع أذربيجان.
بهذه الطريقة ستتمكن روسيا من السيطرة على ممرين في وقت واحد، أحدهما يربط أرمينيا بـ"قره باغ" (الذي تنظم المرور به حالياً القوات الروسية) والآخر يربط أذربيجان بـ"ناختشيفان"، ومن ثم يزداد اعتماد الدولتين عليها.
ومن المفترض أن يكون حرس الحدود الروسي مسؤولين عن الإشراف على النقل بين أذربيجان وأرمينيا.
لماذا وافقت أرمينيا على الممر؟
كانت مواقف أرمينيا تميل لرفض فكرة الممر، مع إظهار تقبلها الجزئي أحياناً لفكرة الربط بين أذربيجان وإقليم ناختشيفان التابع لها الملاصق لتركيا، لكن دون تلبية شروط باكو.
ولكن يبدو أن المشكلة لم تعد لديها بل لدى حليفتها إيران.
وتأتي الموافقة الأرمينية على فتح ممر زنغزور في ظل انشغال موسكو بملف الحرب في أوكرانيا وعدم تقديمها لدعم ملموس للجانب الأرميني في النزاع مع أذربيجان. كما أن يريفان تطمح في المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها من تشغيل الممر، فضلاً عن أن تلك الخطوة تأتي ضمن مشروع اتفاق أوسع لتطبيع العلاقات بين أرمينيا وتركيا بما يضمن إنهاء الصراع الأرميني الأذري عبر ترسيم حدود كل منهما، وفتح خطوط النقل والمواصلات في المنطقة برعاية الاتحاد الأوروبي، وهو ما يضعف الموقف الروسي جنوب القوقاز، ويمثل خسارة استراتيجية لموسكو في منطقة نفوذ تاريخي، خاصة أن أرمينيا تعتبر أن موسكو تخلت عنها خلال حرب عام 2020.
ما أهمية "ممر زنغزور" لتركيا وأذربيجان؟ تمهيد لإعادة إحياء العالم التركي
في حال فتحه أمام حركة النقل، سيعزز ممر زنغزور اتصال تركيا برياً بدول آسيا الوسطى ذات العرق التركي (العالم التركي)، ويخدم مساعي أنقرة لتأكيد دورها كقائد لمنطقة أوراسيا التركية، ويرفع من أسهم "منظمة الدول التركية" التي تتكون من تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، فضلاً عن تركمنستان بصفة مراقب.
من الناحية الاقتصادية؛ سيربط ممر زنغزور تركيا بأذربيجان برياً بشكل مباشر دون الاضطرار للمرور بإيران ودفع رسوم عبور لها، كما ستتقلص المسافة بين أذربيجان وتركيا، حيث سيكون الخط الجديد أقصر من خط سكة الحديد الممتد من مدينة قارص التركية مروراً بالعاصمة الجورجية تبيليسي، وصولاً للعاصمة الأذرية باكو.
وكذلك طريق حيوي للممر الأوسط الذي يربط آسيا بأوروبا
وسيزيد ذلك من مكانة تركيا كمركز لنقل الطاقة والبضائع من آسيا الوسطى إلى الأسواق الأوروبية عبر طرق بديلة تتجاوز الأراضي الروسية، وسينعش منطقة جنوب القوقاز التي تمثل ممراً بين الشرق والغرب، وتربط بين البحر الأسود وبحر قزوين.
ويمكن اعتبار ممر زنغزور، ضرورياً لمشروع الممر الأوسط الذي تتنباه تركيا ويقال إن الصين مهتمة به، ويعد أقصر طريق بين شرق آسيا وأوروبا.
ويمتدّ الممر الأوسط بدءاً من الصين أكبر مصنع ومصدر في العالم، مروراً بكازاخستان، وقيرغيزستان وأوزبكستان، وتركمانستان في آسيا الوسطى، ليعبر بحر قزوين وصولاً إلى أذربيجان ومنها إلى جورجيا قبل أن يتصل بأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ التركية.
ولكن إقامة "ممر زنغزور"، تعني إمكانية الانتقال مباشرة من أذربيجان لشرق تركيا.
تلوح بالحرب لوقف الممر، لماذا ترفض إيران المشروع بهذه الحدة؟
إيران، التي تتمتع بعلاقات قوية مع أرمينيا، لا تريد أن ترى ممر زنجزور يعمل، وفقاً للخبراء، حيث تشعر طهران بالقلق من التقارب المحتمل بين أرمينيا وأذربيجان وتركيا، والذي تعتقد إيران أنه سيضعف مواقفها السياسية ومصالحها، كما أنه سيقوي صلات تركيا بمنطقة آسيا الوسطى وهي الدولة التي تتحدث لغات مشابهة للتركية والأذربيجانية.
إذ تتصل جمهوريات آسيا الوسطى بأذربيجان عبر بحر قزوين، وإذا أصبح هناك اتصال بري مباشر بين أذربيجان وتركيا، فهذا يعني فتح الطريق بين آسيا الوسطى وأوروبا دون المرور بروسيا أو إيران.
كما أن طهران تنظر بتوجس دوماً لأذربيجان رغم أن الأخيرة دولة ذات غالبية شيعية مثل إيران، ويرجع ذلك إلى أن الأذربيجانيين يمثلون نحو 16% من سكان إيران، ويمثلون ثاني أهم قومية في إيران بعد الفرس، (يمثلون نحو 55% من السكان). بالنسبة لطهران، نجاح أذربيجان العلمانية القريبة من الغرب التي تتبنى القومية الأذربيجانية ذات المضمون التركي، يمثل خطراً قد يؤدي لصعود المشاعر القومية لدى الأذربيجانيين الذين هم أكثر عدداً من سكان جمهوري أذربيجان نفسها، ظهر ذلك واضحاً عندما نفت طهران دعمها لأرمينيا ضد أذربيجان في حرب عام 2020، بعد أن تصاعد الاستياء من هذا الدعم لدى أذربيجانيي إيران، ووصل لخروج مظاهرات نادرة تدعم سيادة أذربيجان على إقليم ناغورنو قره باغ الذي تحتله يريفان وقامت بسببه الحروب بين البلدين.
تنفيذ ممر زنغزور يعني من وجهة نظر إيران أيضاً، وصول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى بحر قزوين عبر تركيا وأذربيجان، ما يؤدي إلى تطويق إيران وروسيا.
كما يصطدم فتح الممر بالمساعي الإيرانية الروسية لتفعيل ممر الشمال الجنوب لتعزيز النقل والتجارة بين روسيا وإيران والهند والقوقاز وآسيا الوسطى؛ حيث سيتيح ممر زنغزور نقل المزيد من البضائع والأفراد بين الصين وأوروبا عبر الممر الأوسط الذي يمر بالأراضي الآذرية، وهو ما أشار إليه أردوغان بطريق بكين-لندن، ولا شك أن هذا سيؤثر على مساعي إيران للتحول إلى مركز للنقل الدولي حال رفع العقوبات الغربية عنها.
وتعتمد إيران بشكل كبير في نقل صادراتها إلى دول البحر الأسود، على حدودها مع أرمينيا، كما أن مقابل وصول الصادرات الإيرانية إلى أوروبا عن طريق تركيا، أن تمنح طهران أنقرة وصولاً إلى تركمانستان ودول آسيوية أخرى.
مناورات واغتيالات
في هذا الصدد، سبق أن قال مسؤول أمني إيراني رفيع المستوى، في تصريح سابق لـ"عربي بوست"، إن ممر زنجزور من شأنه أن يقطع الطريق الوحيد أمام إيران للعبور إلى جنوب القوقاز ومنه إلى روسيا وأوروبا، "ستخسر إيران الكثير بإنشاء هذا الممر، لذلك تعتبره طهران تهديداً لأمنها القومي"، على حد قوله.
لذلك؛ تمارس إيران ضغوطاً على أرمينيا لوقف المشروع، وقد حذر وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان في 20 أكتوبر/تشرين أول 2022، خلال زيارة إلى يريفان، من أن بلاده لن تتسامح مع أي تغييرات في الحدود الجيوسياسية والممرات التاريخية لجنوب القوقاز، معتبراً أن هذا الموضوع خط أحمر، مهدداً باستخدام جميع الإجراءات اللازمة لمنع حدوث ذلك.
وأعقبت إيران تصريحاته بتنفيذ الحرس الثوري مناورة عسكرية ضخمة في أكتوبر/تشرين أول 2022 تضمنت نصب كباري لعبور نهر أراس الفاصل بين أذربيجان وإيران. وقد ردت باكو في ديسمبر/كانون أول الماضي بتنفيذ مناورة عسكرية مشتركة مع تركيا باسم "قبضة الإخوة" للمرة الأولى على امتداد حدودها مع إيران بحضور وزير الدفاع التركي ورئيس هيئة الأركان وقادة القوات البرية والجوية والبحرية التركية.
كما سبق أن أجرت أذربيجان في عام 2021، تدريبات عسكرية مع تركيا وباكستان، والأخيرة جارة شرقية مع إيران، ولديها معها علاقة تشبه علاقة تركيا بطهران، يجتمع فيها التنافس (خاصة على أفغانستان)، مع التنسيق.
إسرائيل تشعل الموقف
من جهة أخرى؛ فإن التحالف بين أذربيجان و"إسرائيل" يزيد من حدة موقف طهران، ما أدى مؤخراً إلى تدهور في العلاقات بين أذربيجان وإيران.
ففي أواخر شهر مارس/آذار 2023، قامت باكو بافتتاح سفارتها في تل أبيب، وكانت هناك محاولة لاغتيال نائب برلماني أذربيجاني عُرف بانتقاده لطهران.
كما قُتل مسؤول أمن السفارة الأذرية في طهران في عملية إطلاق النار في مطلع العالم الحالي من قبل مسلح إيراني، كما أصيب آخرون في الهجوم، ما دفع باكو إلى إغلاق سفارتها "مؤقتاً" في إيران.
وخلال العام الجاري؛ طردت باكو أعضاء من البعثة الدبلوماسية الإيرانية، واعتقلت مقربين من طهران بتهمة التخطيط لتنفيذ انقلاب عسكري.
هذا التدهور ألهبه وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بحديثه عقب لقائه مع نظيره الأذري في تل أبيب حول تدشين جبهة موحدة مع أذربيجان ضد إيران.
وفي 30 مايو/أيار، أجرى الرئيس الإسرائيلي أول زيارة من نوعها إلى أذربيجان، كما أرسل رسالة واضحة قبل إقلاعه من مطار ديفيد بن غوريون قائلاً: إنه بالإضافة إلى العلاقات التجارية، والعلاقات التاريخية، فإن "أذربيجان هي جارة إيران".
على ضوء الخلفية السابقة، وتاريخ العلاقة المتوترة بين طهران وباكو، سبق أن ذكرت مصادر إيرانية مطلعة لـ"عربي بوست"، أن هناك تفكيراً وآراء داخل مؤسسة القيادة الإيرانية، للقيام بعمل عسكري ولو كان محدوداً ضد جمهورية أذربيجان، لمنع الأخيرة من تحركاتها ضد ما أطلقت عليه المصادر الإيرانية "اختراقاً للأمن القومي الإيراني".
في هذا الصدد، يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست" في تقرير سابق: "التقارب الأخير بين باكو وتل أبيب بعد فتح سفارة أذربيجان في إسرائيل، والتحدث عن إقامة حلف أذربيجاني إسرائيلي لمواجهة إيران، بالإضافة إلى مسألة تصميم جمهورية أذربيجان على المضي قدماً في مسألة ممر زنجزور، خلق اتجاهاً بين القيادات الإيرانية للتفكير في مسألة القيام بعمل عسكري محدود ضد جمهورية أذربيجان".
وقال المصدر المقرب من الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست": "إنشاء ممر زنجزور سيكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين طهران وباكو". حاولت القيادة الإيرانية على طول العقود الماضية أن تحتوي خلافاتها مع جمهورية أذربيجان، لكن على ما يبدو باكو مصرة على تطوير هذه الخلافات، والمجيء بها على حدودنا".
وأضاف المصدر ذاته أنه في الآونة الأخيرة كانت هناك اجتماعات مكثفة بين قادة الحرس الثوري، والمسؤولين الأمنيين والسيد علي شمخاني، لمناقشة الرد الإيراني في حال إنشاء هذا الممر، "كانت أغلب الآراء في هذه الاجتماعات تميل إلى فكرة التأكيد على سيادة إيران على حدودها، وحمايتها لأمنها القومي، حتى ولو وصل الأمر إلى عمل عسكري ضد جمهورية أذربيجان، مع دراسة العواقب بالتأكيد".
يذكر أن المسؤولين الإيرانيين يصممون على استخدام اسم "جمهورية أذربيجان"، بدلاً من أذربيجان فقط، للتفريق بينها وبين أذربيجان الإيرانية في شمال غربي إيران.
انتقادات أردوغان لإيران تظهر طبيعة العلاقة المركبة بين طهران وأنقرة
تظهر التهديدات الإيرانية لأذربيجان والدعم التركي للأخيرة ثم انتقادات أردوغان لطهران العلاقة المعقدة بين إيران وتركيا، كان الرئيس التركي من أشد المنتقدين للعقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب على إيران، وانتقد بشدة اغتيال أمريكا لقاسم سليماني قائد فيلق القدس، وعزز علاقات تركيا وإيران الاقتصادية، معرضاً أنقرة لغضب الغرب.
وفي الوقت نفسه، خاض البلدان تنافساً مريراً في الشرق الأوسط وتحديداً في سوريا، حيث دعمت إيران نظام الأسد وأرسلت الميليشيات الشيعية الموالية لها لدحر المعارضة التي تدعمها تركيا.
ولكن في حتى في ذروة المواجهات بين الميليشيات الشيعية وجيش الأسد وبين المعارضة السورية، والتي غالباً ما كان يشرف على معاركها، ضباط أتراك وإيرانيون، كان التنسيق بين البلدين على أعلى مستوى، بما في ذلك تنسيق لعدم وقوع أي انتهاكات بحق الأقلية العلوية في شمال غرب سوريا أثناء فترة تفوق المعارضة، أو اتفاقات لإجلاء المعارضين المسلحين والمدنيين من المناطق التي هزمت فيها المعارضة على يد نظام الأسد والميليشيات الشيعية.
أدى دخول الروس لسوريا، لتقليل التنسيق الإيراني التركي لصالح الروسي التركي، ولكن ظلت علاقة البلدين قائمة على خليط من الشراكة لا سيما في الاقتصاد، والتنسيق التنافسي المشوب بالحدة الذي وصل في بعض الأوقات لقصف الجيش التركي لمقاتلي حزب الله الموالين لإيران.
تؤشر انتقادات أردوغان النادرة لإيران، لصعود دينامية التنافس مرة أخرى، ويبدو أنها إضافة للمناورات التركية المشتركة، رسالة لإيران أن أنقرة تقف وراء حليفتها المقربة أذربيجان، وهو أمر يغضب طهران ولا شك والتي تنظر إلى أن القوقاز كان يوماً حديقتها الخلفية حتى في أوقات قوة الدولة العثمانية.
في المقابل، فإن التحالف مع إيران مسألة محورية في السياسة التركية، ومن القضايا القليلة التي ليست محل خلاف بين حزب العدالة والتنمية والمعارضة التركية.
ولكن يظل خطر الحرب المباشرة محدوداً، فالنظام الإيراني الحالي تقليدياً، لم يشن أي حرب شاملة منذ توليه السلطة باستثناء خوضه الحرب العراقية الإيرانية التي بدأها صدام حسين.
في المقابل، يفضل النظام الإيراني الأساليب الاستخباراتية والميليشياتية للتسبب بالمشاكل لخصومه.
المشكلة بالنسبة لإيران أن قدرتها على اختراق أذربيجان أقل كثيراً من اختراقه للبلدان العربية ذات الوجود الشيعي الكثيف، يبدو أن قدرتها على التلاعب بالمشاعر الطائفية الشيعية، في أذربيجان محدودة بالنظر للعلمنة المكثفة التي تعرضت لها الأخيرة في العهد السوفييتي، والطابع القومي القوي للسياسة في أذربيجان، إضافة لأن الأغلبية الشيعية التي تحكم البلاد، مما يفقد طهران قدرتها على اللعب بورقة المظلومية الشيعية كما تفعل في البلدان العربية التي بها وجود شيعي كثيف، كما أن طهران بصورة أقل من موسكو هي الخصم للقومية الأذربيجانية الحديثة.
في حال نشوب نزاع بين طهران وأذربيجان، من المستبعد أن تتدخل تركيا بشكل مباشر ضد إيران، ولكن تجربة الدعم المقدم من الجيش التركي كما ظهر في حروب حلفاء أنقرة في سوريا وليبيا والقوقاز، أثبتت قدرته على توفير مساعدة فعالة عبر الأسلحة لاسيما الطائرات المسيرة، وكذلك التوجيهات والخبراء العسكرية، كما أن مثل هذا النزاع قد يستدعي دعماً غربياً وإسرائيلياً لأذربيجان، بينما يبقى الموقف الروسي غير واضح بين تحالفها المتصاعد مع طهران وقلقها من توسع نفوذها في القوقاز.
باكو تريد شكلاً من أشكال السيادة على الممر.. فهل يمكن حل الخلاف مع أرمينيا؟
في الماضي، كانت "زَنغِزور" المقترح أن يمر بها الممر، منطقة أذربيجانية يسكنها مسلمون أتراك، قبل أن يضمها الاتحاد السوفييتي إلى أرمينيا في عشرينيات القرن الماضي، الأمر الذي تسبب في فقدان أذربيجان اتصالها مع المقاطعة الأذرية المتمتعة بالحكم الذاتي، ومع تركيا من بعدها.
وتصر أذربيجان مدعومة من تركيا على إقامة الممر، حتى إنه سبق أن هدد الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" بأنه في حال لم تُعطِ أرمينيا لباكو ما تريده الأخيرة، فإن أذربيجان ستضع يدها على أراضي ممر "زَنغِزور" بالقوة.
وسبق أن نسب إلى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف تلويحه باستخدام القوة لإنشاء "ممر" عبر جنوب أرمينيا يربط غرب أذربيجان بجمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي.
ولكن باكو وأنقرة أبديتا مرونة لإقامة الممر بطريقة لا تنتقص من سيادة أرمينيا.
في المقابل، من جهته، سبق أن قال رئيس الوزراء الأرميني "نيكول باشينيان" إن "أذربيجان تتحدث عن ممر، لكنني أريد أن أقول بوضوح شديد إننا لن نمنح أياً مَن كان ممراً عبر الأراضي الأرمينية. ومع ذلك، نحن مستعدون لتوفير وفتح طريق في أي لحظة، وقد قدَّمنا هذه الاقتراحات إلى أذربيجان، وما أن تقبل بها، فإننا سنكون قادرين على تنفيذ هذا الاتفاق على وجه السرعة".
تُشير "الاقتراحات" التي ذكرها "باشينيان" إلى مشروع قرار نشره جهاز الأمن القومي الأرميني في 18 أغسطس/آب 2022، حيث اقترح إنشاء ثلاث نقاط عبور حدودية جديدة للسماح بعبور المركبات الأذربيجانية لبلاد وإقليم ناختشيفان الأذري على الجهة الأخرى من الممر. وقد يفي ذلك نظرياً بأحد الشروط الرئيسية لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020.
وانصب جُلُّ اهتمام أذربيجان على تنفيذ طريق يمتد بطول الحدود الجنوبية لأرمينيا (مع إيران) عبر مدينة "مِغري"، وهي المسافة الأقصر بين إقليم ناختشيفان الأذري (نَخجِوان)، وبقية أذربيجان، وقد اتفق الطرفان بالفعل على إعادة بناء خط سكة حديد يعود إلى الحقبة السوفييتية.
المشكلة أن استخدام مصطلح "ممر" يشير إلى مستوى من السيادة الأذربيجانية على الطريق، على الرغم من أن الطبيعة الدقيقة لمن سيستمتع بالسيطرة على الطريق وكيف لم يتم تحديدها نهائياً في اتفاق وقف إطلاق النار.
وينقسم الطرفان في رأيهما حول الوضع القانوني لذلك الطريق أو الطرق عموماً. فوفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، يجب أن "يُسيطر" حرس الحدود الروسي على خطوط النقل الجديدة.
وتحاجج أذربيجان أنه وفاً استناداً إلى مصطلح "الممر"، الطريق يجب أن تسمح للمركبات الأذربيجانية بالمرور عبر الأراضي الأرمينية دون أن تخضع لفحوصات جمركية من الجانب الأرميني. وهذا من شأنه أن يجعلها قابلة للمقارنة مع وضع ممر "لاتشين" (لاجين)، الطريق الذي يربط أرمينيا بإقليم "ناغورنو قره باغ" ويمُر عبر الأراضي الأذربيجانية، إذ لا تسيطر أذربيجان على ممر "لاتشين"، حيث تتولى إدارته القوات الروسية.
غير أن أرمينيا ترفض إمكانية إنشاء "ممر زَنغِزور" دون أن تكون لها سيطرة عليه، وذلك خشية أن تفقد سيطرتها على حدودها الجنوبية، التي تُعَدُّ المنفذ الوحيد إلى إيران (بالنظر إلى أن بقية حدودها مع دول غير صديقة مُقرَّبة من حلف الناتو مثل أذربيجان وجورجيا، أو عضوة فيه بالفعل مثل تركيا، في حين تتمتَّع هي بعلاقات قوية مع روسيا وإيران).
ولكن يقول بعض الخبراء الأذربيجانيين إن باكو قد تقترح أسماء أخرى إذا كان مصطلح "الممر" يزعج أرمينيا، مثل "منطقة العبور الخاصة".
وسبق أن تفاوض البلدان حول "الممر"، وفي البداية لم ترفض أرمينيا الفكرة، ولكنها علقتها بدعوى أنه لم يمكن مناقشة طرق النقل الجديدة مع أذربيجان بينما كان هناك الكثير من التوتر على طول حدودهما، ثم صعدت يريفان موقفها برفض الفكرة برمتها، قبل أن تبدي موافقتها مؤخراً، ولا ترتبط المواقف الأرمينية المتقلبة فقط بعلاقتها بالقوى الخارجية ولكن أيضاَ بالمزايدات الداخلية والمشاعر الشعبية المناهضة لأذربيجان وتركيا.
ولكن في حال دعم روسيا للاتفاق وتقبله من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإنه يمكن للطرفين التوصل لترتيبات تسمح لإقامة الممر بطريقة تضمن لأرمينيا سيادتها واتصالها بالحدود الإيرانية وتضمن لأذربيجان، مروراً بطريقة مقبولة، وتضمن لتركيا وصولاً لأذربيجان ومنها لآسيا الوسطى في إطار مشروعيها الطموحين بتأسيس العالم التركي والممر الأوسط للربط بين لندن وبكين وبين آسيا وأوروبا.