الأضاحي في الدول العربية.. كيف تؤثر الأزمة الاقتصادية على ارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/26 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/26 الساعة 08:40 بتوقيت غرينتش
ارتفاع أسعار الأضاحي في تونس/ رويترز

شهدت أسعار الأضاحي خلال عيد الأضحى للعام الجاري 2023 ارتفاعات غير مسبوقة في بعض الدول العربية، فكيف ضاعفت الأزمة الاقتصادية الأسعار مقارنة بالأعوام الماضية؟

ولهذا الارتفاع أسباب معلومة تتمثل في ارتفاع أسعار الأعلاف عالمياً؛ بسبب الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على الأسعار عموماً وأسعار المواد الغذائية بشكل خاص.

ويحل عيد الأضحى المبارك، الأربعاء 28 يونيو/حزيران 2023، وتسبقه وقفة عرفات ركن فريضة الحج، وتبدأ شعيرة ذبح الأضاحي بعد صلاة العيد وتستمر لمدة 4 أيام، وهي سنة واجبة على القادرين من المسلمين، وتعتبر شكلاً من أشكال التكافل الاجتماعي.

أسعار الأضاحي في مصر وتونس

بشكل عام تضاعفت أسعار اللحوم في مصر بنسبة تزيد عن 130% خلال الفترة من عيد الأضحى 2022 وحتى عيد الأضحى هذا العام، حيث كان سعر كيلو اللحم نحو 140 جنيهاً مصرياً (الدولار = 30.9 جنيه في السوق الرسمي ونحو 39 جنيهاً في السوق الموازي)، بينما وصل السعر حالياً إلى متوسط 320 جنيهاً.

وبنفس النسبة وربما أكثر ارتفعت أسعار الأضاحي، سواء كانت من الماشية أو الخراف أو الماعز أو الجمال، مما يجعل الأمر غاية في الصعوبة بالنسبة للغالبية العظمى من الأسر المصرية بشأن شراء الأضحية.

ولارتفاعات الأسعار الجنونية هذه أسباب متعددة، منها ما يتعلق بالظروف العالمية، ومنها ما يتعلق بالظروف الداخلية. فقد عانت مصر من أزمات متلاحقة بدأت بجائحة كورونا ثم تداعيات الهجوم الروسي على أوكرانيا، ثم رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة؛ مما أفقد الأسواق الناشئة، ومنها مصر، مليارات الدولارات من الأموال الساخنة.

وتسببت تلك العوامل، إضافة إلى أزمة الديون الخارجية المتفاقمة على مصر خلال السنوات الماضية، في انخفاضات متتالية في قيمة العملة المصرية الجنيه مقابل العملات الأجنبية، وبخاصة الدولار الأمريكي، ليفقد الجنيه أكثر من 60% من قيمته خلال عام تقريباً، وهو ما انعكس على أسعار جميع السلع في السوق المحلية، التي تعتمد على الاستيراد بنسب كبيرة للغاية.

مصر
الجنيه المصري – تعبيرية/getty images

ولا يختلف الوضع كثيراً في تونس، إذ تبدو أسواق بيع أضاحي العيد فاترة هذا العام على عكس السنوات الماضية، جراء ابتعاد أسعار الماشية عن متناول الكثير من العائلات الراغبة في إقامة الشعيرة الدينية وتحقيق فرحة العيد.

ففي رصد قامت به وكالة الأناضول في أسواق الماشية بتونس، صعدت أسعار الأضاحي إلى أكثر من ألف و500 دينار (نحو 500 دولار) للخروف الواحد، بينما لم تنزل أسعار أصغر الخراف عن 600 دينار (200 دولار).

وبين ارتفاع تكلفة الأعلاف وغلاء أسعار الخراف وشح المعروض، يبدو الربح والفرح بعيدين عن مربي الماشية والمستهلكين على حد سواء، حيث يتوقع كثير من البائعين إقبالاً ضعيفاً لا يلبي طموحاتهم، مشيرين إلى أن كثيراً من الأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل لن تستطيع توفير الأضحية هذا العام بسهولة.

ارتفاع أسعار الأعلاف

يقف مختار العياري، بائع ماشية من منطقة الروحية بولاية سليانة شمال غربي البلاد، في سوق المروج جنوب العاصمة تونس وسط قطيع من ماشيته التي قام بتربيتها من أجل بيعها في عيد الأضحى، وقال العياري للأناضول إن سعر الخروف "معقول حسب تكاليف عيشه"، مضيفاً أنهم يشترون 100 كلغ شعير لعلف الماشية بـ 150 ديناراً (50 دولاراً) والقرط (أعلاف خشنة) بـ30 ديناراً للحزمة الواحدة، وكلغ واحد من القرط يكلف دينارين (0.650 دولار).

وأوضح بائع الماشية أنه "مهما كان ثمن البيع فلن نسدد خسائرنا هذا العام. توفر السلطة العلف، هذا ما نطلبه لكن حالنا صعب ونحن نبيت هنا في سوق المواشي لبيع خرافنا وبتنا معرضين لكل الأخطار بسبب غلاء الأسعار".

وحول طبيعة الأسعار، قال العياري: "هناك خروف بألف دينار (330 دولاراً) لا يسدد ثمن الأعلاف التي أكلها، فالخروف كل يوم يأكل 2 كلغ من الشعير، بينما هناك خراف بين 600 دينار (200 دولار) و1500 دينار (500 دولار). نذهب لتجار الأعلاف ولا نحصل على ما نطلب، فلثلاثين شاة يعطوننا 100 كلغ من الشعير وهي كمية لا تكفيها".

وبدا العياري متشائماً من خسائر يتوقعها هذا العام، وقال: "بهذه الأسعار لن نربح شيئاً، والذين يشترون يعطون أسعاراً بخسة لا تسدد خسائرنا هذا العام".

وفي السياق نفسه، اعتبر لطفي الفرشيشي، أحد باعة الماشية، أن ارتفاع أسعار الأعلاف وشح الموجود منها في الأسواق جر مربي الماشية إلى خسائر كبيرة.

وقال الفرشيشي للأناضول إن "قطيع الماشية تقلص كثيراً هذا العام أمام الارتفاع المهول للأسعار، فهناك من كان يملك 25 شاة بقيت له 15، ومن كان له 100 شاة بقيت له 40، بل هناك من باع كامل قطيعه".

الأضحية
الأضحية في الدول العربية

"اشترينا 70 كلغ شعير بـ120 ديناراً (40 دولاراً) وعندما تقلصت الأسعار قليلا أصبحت بـ90 ديناراً (30 دولاراً)، وبهذه الأثمان لن يكون مربو الماشية قادرين على تحقيق أي ربح، بل سيفرحون إذا تمكنوا من تسديد ديونهم".

وبنبرة يائسة، قال الفرشيشي: "مربو الماشية يعانون ونرجو أن يتم الالتفات لمشاكلنا، فهل نسرق لنبيع خروفاً رخيص السعر للناس؟ يمكن أن أقسم أننا لن نستطيع تسديد خسائرنا هذا العام".

عمار ضيّة، رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك (مستقلة)، قال إن العائلات الفقيرة ومتوسطة الدخل لن تتمكن هذا العام من شراء أضحية. وذكر للأناضول أن "سعر الأضحية مكلف فمتوسط سعر الأضحية يتجاوز 50 بالمئة من دخل العمال والموظفين، وبالتالي نرى أن 800 دينار (263.5 دولار) سعر الأضحية يساوي مرتين الأجر الأدنى، ويعد نسبياً مرتفعاً بالنسبة للطاقة الشرائية للتونسي".

وأضاف: "يبقى المحدد للأسعار دائماً بالنسبة للمزارعين ومربي الماشية هو ارتفاع الكلفة بالنسبة للأعلاف وكل ما يحيط بعملية تربية الماشية. قمنا قبل انطلاق البيع بالاتصال مع كل من له علاقة بتربية وبيع الماشية لنفهم الوضع، لأنه لا يمكن أن نطلب من مربي الماشية أن يبيعوا بالخسارة، ووقع الاتفاق على سعر مرجعي 17.8 دينار (5.8 دولار) للكلغ، وعند البيع بهذا السعر يتم ضمان هامش الربح للمربين، لكن للأسف لم يتم الالتزام بهذا السعر".

"السعر تجاوز العشرين ديناراً (6.06 دولار)، وحتى 22 ديناراً (7.3 دولار) للكلغ من الخروف الحي، وهذا يتحكم فيه قانون السوق والعرض والطلب". ووفق ضيّة، فإن العرض من ماشية الأضحى يفوق الطلب، ولكنه يتوقع أن "عائلات عديدة ستكون عاجزة عن شراء الأضاحي؛ لأن الأسعار تتجاوز إمكانياتها. هناك شرائح اجتماعية ستقتني أضاحي وهناك طبقة وسطى منها من يقدر ومنها من سيستدين لشراء خروف".

أسعار الأضاحي في المغرب وسوريا والأردن

وفي المغرب توجد العديد من أنواع الأضاحي، فهناك من يفضل الأبقار أو الماعز أو الجمال في بعض المناطق الصحراوية، فيما يفضل البعض أن تكون أضحية العيد خروفاً، حيث تختلف الأنواع فيه بالمغرب، لكن يجمع المغاربة على كون الصردي من أجمل سلالات الأغنام.

واتخذت الحكومة المغربية خطوات لزيادة المعروض من الأضاحي عبر استيراد عدد كبير من رؤوس الماشية من إسبانيا لتخفيض أسعار اللحوم، وضمان توفرها بكميات تناسب الطلب فى عيد الأضحى، لكن ذلك لم يمنع ارتفاع سعر الأضحية في المملكة، بحسب وسائل إعلام محلية.

الصردي
أغلى أنواع الخراف بالمغرب/ التواصل الاجتماعي

ويتراوح سعر الخروف الصغير فى أسواق المغرب ما بين 2200 و2400 درهم للخروف الصغير الواحد، أما سعر الخراف المتوسطة، فتأتي ما بين 2700 و3000 درهم للخروف الواحد، يبلغ سعر الأضحية الكبيرة 4000 درهم. ويعد الخروف "الصردي" المعروف بـ"السوبر" في المملكة المغربية والذي ترغب الكثير من الأسر في شرائه هو الخيار المفضل للمغاربة ويصل سعره لـ 1700 دولار للخروف الواحد، على أن يكون وزنه 80 كغم تقريباً.

أما في سوريا، التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، فتعد مدن الشمال وتحديداً إدلب وريف حلب إحدى أبرز المناطق التي تعاني ظروفاً معيشية واقتصادية قاسية؛ ما يصعب قدرة السوريين على شراء أضحية هذا العام.

وتتراوح أسعار الأضاحي من الأغنام بين 250 و300 دولار، وذلك حسب الوزن، وتتراوح أوزانها بين 70 و100 كيلوغرام، وسعرها بين 50 و60 ليرة تركية، بينما كانت أسعارها العام الماضي تتراوح بين 200 و250 دولاراً أمريكياً، وسعر الكيلو منها لم يتجاوز 25 ليرة تركية، وذلك نتيجة تراجع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، والتي تسجل أسعارها أكثر من 25 ليرة مقابل كل دولار واحد.

 ولا يختلف الأمر كثيراً في الأردن، حيث تعاني المملكة الهاشمية من أزمات اقتصادية متلاحقة، فقد شهدت المملكة ارتفاعات كبيرة في أسعار الأضاحي هذا العام نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف والشحن البحري. وتستورد المملكة الأردنية بعض حاجياتها من الأضاحي من دول أوروبية وعربية وإسلامية، مثل رومانيا وأستراليا وإسبانيا والسودان وباكستان وغيرها.

تحميل المزيد