ما هو “الانبجار” وراء مأساة الغاطسة “تيتان”؟ كل ما نعرفه عن الكارثة “باهظة التكاليف”

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/24 الساعة 05:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/26 الساعة 05:19 بتوقيت غرينتش
الغواصة تايتان - رويترز

طبيعة الحطام تشير إلى وقوع "انبجار كارثي".. كان هذا الإعلان من جانب خفر السواحل الأمريكي هو الفصل الأخير في مأساة الغواصة "تيتان" التي أودت بحياة ركابها الخمسة، فماذا يعني الانبجار؟

كانت مركبة غطس آلية أرسلتها سفينة كندية في إطار جهود إنقاذ دولية قد رصدت الخميس 22 يونيو/حزيران، حطام الغواصة تيتان المفقودة منذ يوم الأحد. وقال الأدميرال في خفر السواحل الأمريكي جون موجر، إن بقايا الغواصة تيتان، التي فقدت الاتصال مع سفينة الدعم بعد مضي نحو ساعة و45 دقيقة فيما كان ينبغي أن تكون رحلة هبوط لمدة ساعتين، تم رصدها في قاع المحيط على بعد نحو 488 متراً من مقدمة حطام السفينة تيتانيك، وعلى عمق أربعة كيلومترات من سطح الماء.

والخمسة الذين توفوا هم ستوكتون راش مؤسس شركة (أوشن جيت اكسبيدشنز) المشغلة للغواصة ورئيسها التنفيذي الذي كان يقود الغواصة أيضاً، وهيميش هاردينج (58 عاماً) الملياردير والمستكشف البريطاني، ورجل الأعمال من أصل باكستاني شهزاده داود (48 عاماً) وابنه سليمان (19 عاماً)، والاثنان مواطنان بريطانيان، والمستكشف وعالم المحيطات الفرنسي بول هنري نارجوليه (77 عاماً).

ما هو الانفجار إلى الداخل (الانبجار)؟

كان من المفترض أن تستمر الرحلة نحو حطام تيتانيك لمدة 10 ساعات، لكنها انتهت بمأساة شهدت مصرع جميع الركاب الخمسة على متن الغاطسة المفقودة في انبجارٍ كارثي. وتأكّدت وفاتهم الخميس ليُسدَل الستار على عملية بحث عن الناجين استمرت أسبوعاً كاملاً وراقبها العالم بأسره.

كانت البحرية الأمريكية قد رصدت صوتاً يطابق صوت الانبجار في يوم الأحد 18 يونيو/حزيران، وهو يوم فقدان الغاطسة. فيما عثرت فرق البحث على شظايا من الغاطسة تيتان منذ ذلك الحين، مما يؤكد أن ركابها قد لقوا حتفهم.

ومع ذلك، تظل هناك العديد من الأسئلة المطروحة بالتزامن مع استمرار السلطات في البحث عن الحطام. إذ تدور التساؤلات حول توقيت حدوث الانبجار، والخطأ الذي أصاب الغاطسة على وجه التحديد.

وإليكم ما نعرفه حتى الآن. يُشير مصطلح الانبجار تحت الماء إلى انهيار المركبة البحرية المفاجئ نحو الداخل، ويحدث الانبجار بعد تعرُّض المركبة لضغط مهول عند الأعماق التي تغوص في اتجاهها.

ولم يتضح بعدُ موقع أو عمق تيتان عندما حدث الانبجار، لكن حطام تيتانيك يستقر على عمق يصل إلى نحو 4000 متر تحت سطح البحر. بينما كانت الغاطسة قد قطعت ساعةً و45 دقيقة من رحلة نزولها التي تستمر لنحو ساعتين، وذلك قبل أن تفقد اتصالها بالسطح.

وفي ذلك العمق الذي تستقر عنده تيتانيك، تصل قوة الضغط إلى نحو 5600 رطل لكل بوصة مربعة، أي ما يعادل أضعاف الضغط الذي نتعرض له عند سطح البحر بحسب ريك موركار، مدير التدريب الوطني بالرابطة الوطنية للغوص في الكهوف.

فيما قالت آيلين ماريا مارتي، الضابطة البحرية السابقة وأستاذة جامعة فلوريدا الدولية، إن الانبجار الكارثي يحدث "بسرعةٍ رهيبة" وفي غضون جزءٍ من الملي ثانية.

وأوضحت لشبكة CNN الأمريكية: "ستنهار الغاطسة بأكملها قبل أن يدرك الأفراد داخلها وجود مشكلةٍ من الأساس. ومن بين مختلف الطرق التي يمكن أن يفارق المرء الحياة بها، تُعد هذه الطريقة غير مؤلمة".

واستبعد الخبراء من ناحيتهم النجاح في استعادة أي من الجثث. إذ قال حرس السواحل الأمريكي يوم الخميس، إنه سيواصل البحث في محاولة لاستعادة ما يمكن انتشاله، لكنهم حذروا من أن "البيئة لا ترحم على الإطلاق عند قاع البحر في الأسفل".

سفينة التايتانيك قلادة الذكاء الاصطناعي
صورة نادرة لسفينة تايتانيك في قاع المحيط الأطلسي – رويترز

وظهر بصيص أمل صغير بعد انتشار تقارير في يوم الثلاثاء 20 يونيو/حزيران، تقول إن فرق البحث سمعت صوت طرقات كل 30 دقيقة. لكن الفرق عجزت عن تحديد مصدر الضجيج.

وكانت الغاطسة مزودة بمخزون أوكسجين يكفي لـ96 ساعة فقط، مما أدى إلى تحديد يوم الخميس باعتباره الموعد النهائي لتحديد موقع الغاطسة وانتشالها. وبحلول يوم الخميس، أكّدت السلطات أن الغاطسة قد انبجرت بالفعل، ونفت وجود ارتباط بين أصوات الضجيج وموقع العثور على الحطام كما هو واضح.

ومن ناحيته، قال مسؤول بارز في البحرية الأمريكية لشبكة CNN، إن أصوات الضجيج كان مصدرها هو الحياة البحرية الطبيعية على الأرجح، أو ربما الأصوات الصادرة عن السفن والمركبات البحرية الأخرى المشاركة في جهود الإنقاذ.

لماذا انبجرت الغاطسة تيتان؟

انطلقت تيتان من سفينتها الأم "بولار برينس" متجهةً نحو بقايا السفينة تيتانيك. لكن الاتصالات انقطعت بعدها بساعة و45 دقيقة، عندما كانت الغاطسة قريبة من قاع رحلتها على الأرجح.

وعند عمق كهذا، يُصبح أي جسم -حتى جسم الإنسان- خاضعاً لضغط ماء أقوى بـ300 ضعف من ضغط الغلاف الجوي للأرض. ولا نتعرض عند السطح إلا لضغط يعادل 14.7 رطل لكل بوصة مربعة، بينما كان على الغاطسة تيتان أن تتحمل ضغطاً يصل إلى 5500 رطل لكل بوصة مربعة عند ذلك العمق.

وكانت الغاطسة تيتان مصممةً لتحمُّل هذا القدر من الضغط بفضل وجود قبتين قويتين من التيتانيوم على طرفي هيكلها. كما ربطت بين القبتين أسطوانة من ألياف الكربون بسُمك يبلغ 12.7 سم. وتقول التقارير إن الغاطسة كانت تخضع لفحوصات سلامة صارمة قبل كل عملية غوص، وذلك لضمان عدم وجود أي أوجه خلل أو صدوعٍ في هيكلها.

وتُعَدُّ ألياف الكربون من المواد غير المألوفة لغاطسات المياه العميقة، إذ إنها أضعف من مواد الفولاذ الصلب أو التيتانيوم التي تُستخدم في صنع المركبات البحرية عادةً.

وكان اختيار ألياف الكربون محسوباً بواسطة مؤسس OceanGate ستوكتون راش، الذي آمن بأن المادة قابلة للغوص في المياه العميقة بدرجةٍ أكبر من المتعارف عليه. وتطفو ألياف الكربون بطبيعتها بعد تجاوز عمق 2000 متر، عكس المعادن، مما يعني أن تيتان كانت أخف وزناً وأرخص تكلفة من الغاطسات السابقة.

ولتعويض ضعف المادة المُستخدمة، تم تجهيز تيتان بـ"نظام مراقبة فوري لصحة الهيكل". ويستطيع هذا النظام نظرياً أن يرصد أي تشوهات، أو شقوق، أو صدوع بسرعةٍ تكفي الطاقم حتى يحاول تنفيذ عملية صعود طارئة.

انفجار تايتان من الداخل
الغواصة تيتان خلال رحلة بحثها لاستكشاف حطام سفينة تيتانيك/رويترز

لكن هامش الخطأ ضئيل للغاية في مثل هذه الأعماق. وإذا انهار أحد أجزاء هيكل الغاطسة وسمح بدخول الماء؛ فسيكون الضغط مهولاً وستكون سرعة السائل المندفع كبيرةً للغاية بدرجةٍ ربما تُمزِّق الركاب في غضون أجزاء من الثانية، وذلك بغض النظر عن وجود نظام المراقبة من عدمه.

حيث اقترحت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن ما أصاب الغاطسة تيتان قد حدث بسرعة مهولة على الأرجح، بحسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية. وربما ظهرت ادعاءات لاحقة قالت إن المنقذين سمعوا "أصوات نقر" منتظم كل 30 دقيقة. لكن المصادر العسكرية صرحت للصحيفة الأمريكية بأن منظومةً أمريكية شديدة السرية -تستخدمها البحرية لرصد الغواصات المعادية- رصدت صوت الانبجار بعد فترة وجيزة من انقطاع الاتصال بـ"تيتان".

فما السبب وراء انهيار هيكل الغاطسة بهذه الطريقة؟ ربما تكمن بعض الإجابات في قضية جنائية رفعها أحد الموظفين البارزين السابقين في OceanGate ضد شركته.

شكوك بشأن معايير السلامة في هيكل وكُوّة تيتان

"حان الآن وقت التطرق إلى العناصر التي ربما تمثل خطراً على سلامة العاملين. وقد تم رفض التعبير الشفهي عن (هذه المشكلات) في عدة مناسبات، ولهذا أشعر الآن بأن عليّ إعداد هذا التقرير من أجل ترك سجل رسمي بالوضع".

هذا هو ما كتبه مدير العمليات البحرية السابق في الشركة، ديفيد لوكريدج، يوم 18 يناير/كانون الثاني عام 2018. وورد التقرير في شكوى قدمها المحامون نيابةً عن لوكريدج خلال معركته القضائية ضد شركة السياحة في أعماق البحار.

وزعمت الدعوى القضائية أن "مشكلات مراقبة الجودة في الغاطسة الجديدة أُثيرت من قبل بالفعل، وذلك نتيجة وجود عيوب واضحة على مدار عملية البناء". كما أشارت الدعوى إلى أنه لا توجد أي غاطسة مصنوعة من ألياف الكربون نجحت في بلوغ عمق 4000 متر.

واعترف راش لمجلة GeekWire الأمريكية بعدها بأن هيكل الغاطسة تيتان "ظهرت عليه علامات الكلال الدوري"، مما يعني أنه تعرض للإجهاد نتيجة التغييرات المتكررة في مستوى الضغط. وتأخرت الرحلات المتجهة إلى تيتانيك آنذاك حتى يتم حل تلك المشكلات.

مهاجرين
قارب المهاجرين الذي غرق قبالة سواحل اليونان – رويترز

وشكك لوكريدج كذلك في نظام المراقبة الفوري، الذي كان يعتقد أنه يُظهر العيوب قبل وقتٍ قصير للغاية من انهيار العنصر المعطوب، أي "قبل الانبجار بأجزاء من الثانية" فقط على الأرجح. وتزعم القضية أن لوكريدج ضغط من أجل اختبار الهيكل بقوةٍ أكبر، لكن طلبه قُوبل بالرفض.

والأسوأ من ذلك أن الدعوى القضائية زعمت أن كُوة تيتان المنفردة كان مرخصاً لها باحتمال الضغط حتى 1300 متر فقط، لكن شركة OceanGate "رفضت أن تدفع" تكلفة كوة حاصلة على ترخيص النزول إلى عمق 4000 متر.

وأوضح المحامون: "لن يُدرك الركاب الذين دفعوا هذا الأمر ولن يتم إخطارهم بأشياء، منها أن هذا التصميم تجريبي، أو أنه لم يخضع لاختبارات غير إتلافية على الهيكل، أو أن هناك بعض المواد الخطرة القابلة للاشتعال التي تم استخدامها داخل الغاطسة".

وتبلغ تكلفة الرحلة السياحية الاستكشافية إلى حطام تيتانيك، التي تنظمها "أوشن جيت" منذ 2021، 250 ألف دولار للشخص الواحد، وذلك بحسب الموقع الإلكتروني للشركة.

وأصدرت شركة أوشن جيت بياناً قالت فيه إن "هؤلاء الرجال كانوا مستكشفين حقيقيين يتشاركون روح المغامرة المميزة، والشغف الشديد باستكشاف محيطات العالم وحمايتها… قلوبنا مع هذه النفوس الخمسة ومع كل فرد من أفراد أسرهم خلال هذا الوقت المأساوي".

ويرقد حطام تيتانيك، التي ارتطمت بجبل جليدي وغرقت في أول رحلة لها عام 1912 متسببة في غرق أكثر من 1500، على بعد 1450 كيلومتراً تقريباً شرقي مدينة كيب كود بولاية ماساتشوستس الأمريكية و640 كيلومتراً جنوبي مدينة سانت جونز في مقاطعة نيوفاونلاند بكندا.

لكن التساؤلات بشأن السلامة التي توفرها تيتان كانت قد أثيرت في 2018 خلال ندوة لخبراء صناعة الغواصات وفي دعوى قضائية رفعها رئيس العمليات البحرية السابق في "أوشن جيت"، وتمت تسويتها في وقت لاحق من ذلك العام.

كما خيمت إلى حد كبير، التغطية الإعلامية العالمية المكثفة لعملية البحث على الاهتمام بتغطية تداعيات كارثة بحرية أكبر بكثير نجمت عن غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل اليونان الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص.

إذ لا تزال الأطراف المعنية بغرق سفينة المهاجرين قرب سواحل اليونان تتنصل من المسؤولية، وتتبادل الاتهامات بشأن الكارثة المروعة التي راح ضحيتها أكثر من 500 شخص، وأعادت أخطر طريق للهجرة إلى دائرة الضوء عندما غرق قارب مزدحم بالمهاجرين الحالمين بجنة أوروبا القاتلة.

فالقارب المخصص للصيد انقلب وغرق في وقت مبكر من صباح الأربعاء 14 يونيو/حزيران 2023، على بعد نحو 50 ميلاً (80 كيلومتراً) من بلدة بيلوس الساحلية بجنوب اليونان، وكان يحمل على متنه ما بين 400 و750 شخصاً مكدسين على متن قارب الصيد الذي يتراوح طوله بين 20 و30 متراً.

تحميل المزيد