تستعد المملكة العربية السعودية بعد أيام لاستقبال أكبر موسم حج لها منذ 3 سنوات. لكن التضخم العالمي والأزمات الاقتصادية زادا كثيراً من صعوبة تحمّل تكاليف تلك الرحلة الدينية الروحية بالنسبة للعديد من الحجاج ولكثيرين آخرين ممَّن لم يستطيعوا السفر.
من باكستان إلى مصر يمر السكان بأزمة اقتصادية غير مسبوقة بسبب التضخم وارتفاع الأسعار غير المسبوق؛ على خلفية العديد من المشاكل العالمية منها الحرب الدائرة في أوكرانيا مع روسيا وأيضاً الإغلاقات التي تبعت كوفيد 19.
قال محمد، أستاذ جامعي في إحدى الجامعات المصرية بالقاهرة، إنَّه تقليد سنوي بالنسبة له التقدّم بأوراقه لأداء فريضة الحج، لكن ليس هذا العام.
وأضاف محمد، الذي طلب عدم ذكر اسمه كاملاً خوفاً من انتقام السلطات في مصر نظراً لحساسية الحديث عن الأزمة الاقتصادية في بلاده: "عادةً ما أكون قادراً على التضحية بشيء ما من أجل تحمّل نفقات الحج. لكن التكلفة هذا العام باهظة للغاية، وهو ما جعل رحلة الحج بعيدة المنال"، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الأمريكية "Associated Press".
وأدى التضخم العالمي إلى ارتفاع كبير في تكلفة الحج، مع ارتفاع أسعار تذاكر الطيران والنقل والطعام والإقامة في مدينة مكة المكرمة وما حولها. علاوة على ذلك، تعاني العديد من الدول -من ضمنها بعض الدول التي تضم أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم- من أزمات اقتصادية تسببت في تراجعات كبيرة في قيمة عملاتها الوطنية.
المواطنون عازفون عن السفر
كافحت بعض الدول لاستيفاء حصتها من عدد الحجاج هذا العام مع عزوف المواطنين عن السفر بسبب ارتفاع التكاليف، وهي علامة مذهلة حيث عادةً ما كان الطلب على الحج يفوق المعروض من التأشيرات في الكثير من الدول.
تقدّم السعودية لكل دولة حصة من التأشيرات المخصصة للحج للسيطرة على الأعداد القادمة إلى أراضيها ولضمان فرصة عادلة للجميع. أقامت السعودية موسم الحج في عامي 2020 و2021 بأعداد محدودة جداً للموجودين فقط داخل المملكة بسبب جائحة كوفيد-19.
وفي العام الماضي، قررت المملكة تخفيض عدد الحجاج بشكلٍ كبير من خلال تقليص حصة كل دولة من موسم الحج إلى النصف أو أكثر. لكن السعودية أعلنت هذا العام عن عودة معظم الحصص إلى مستويات ما قبل الجائحة.
لم تعلن السلطات المصرية عن العدد الإجمالي للحجاج المصريين هذا العام، لكن يبدو أنَّه انخفض عن نحو الـ80 ألفاً الذين ذهبوا في عام 2019 والأعوام السابقة. وفقاً لتصريحات مسؤولين مصريين في وسائل إعلام محلية، نقلت شركة مصر للطيران، الناقل الوطني لجمهورية مصر العربية، ما بين 35 و45 ألف حاج مصري في حين سافر 4 آلاف آخرون إلى السعودية براً. لم يرد المسؤولون المصريون على طلبات وكالة "Associated Press " الأمريكية من أجل الحصول على أرقام تخص أعداد الحجاج.
واجهت مصر مشكلات اقتصادية متفاقمة، من بينها ارتفاع معدل التضخم إلى 40%. خفضت الحكومة قيمة العملة الوطنية عدة مرات، وتسعى جاهدة لوقف استنفاد احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية وسط تصاعد الديون. فقد الجنيه المصري 40% من قيمته مقابل الريال السعودي منذ موسم الحج الأخير.
مثل العديد من الدول، تخصّص مصر جزءاً من حصتها للشركات السياحية الخاصة لبيعها إلى الراغبين في أداء فريضة الحج، وتخصص جزءاً آخر لرحلات الحج منخفضة التكلفة التي تنظمها الحكومة من خلال إجراء قرعة للمُتقدمين للحصول على تأشيرات الحج.
قيود على سحب العملات الأجنبية
بحسب وسائل إعلام حكومية، تبلغ تكلفة إحدى أرخص حزم الحج هذا العام، والتي تنظمها وزارة الداخلية، 175 ألف جنيه مصري (أي حوالي 5663 دولاراً). بلغت تكلفة نفس الحزمة في العام الماضي 90 ألف جنيه (أي حوالي 4770 دولاراً) في ذلك الوقت.
قال مدير إحدى وكالات السفر مقرها القاهرة -والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته- إنَّه نظَّم العام الماضي 100 رحلة حج، بينما تلقى هذا العام 40 طلباً فقط للحصول على تأشيرة الحج.
وبحسب الوكالة الأمريكية، يعاني المنظمون والحجاج أيضاً من القيود المفروضة من جانب معظم البنوك المصرية على السحوبات النقدية بالعملات الأجنبية. قال أحد وكلاء السفر إنَّه لم يستطع حجز رحلات طيران مع شركات طيران أجنبية؛ لأنها تتطلب الدفع بالدولار، قال أحد الصحفيين لدى وكالة "Associated Press" والموجود حالياً في مكة إنَّ القيود المصرفية تعني أنَّه يستطيع سحب 1000 ريال سعودي فقط، أي ما يقرب من 266 دولاراً، مقابل إقامة لمدة أسبوع.
قالت الحاجة نادية عوض إنَّها لا تستطيع تحمل تكاليف السفر بالطائرة، لذا تسلك الطريق البري الأطول والأرخص إلى مكة، مضيفة أنَّها راضية بهذا الحل حتى لو انطوى على تحمّل المزيد من التعب والمشقة.
مصر ليست وحدها
لم تستوفِ باكستان حصتها من موسم الحج هذا العام بعد تضررها جراء ارتفاع معدل التضخم وانخفاض قيمة العملة.
قال عبد المجيد، موظف حكومي من مدينة روالبندي: "كنت أدّخر المال للحج، لكن مضطر إلى إلغاء خطتي. لا أستطيع سد الفجوة الواسعة بين مدخراتي وتكلفة الحج هذا العام".
في البداية، حدَّدت باكستان سعر رحلة الحج التي تنظمها الحكومة بـ1.175 مليون روبية باكستانية، بزيادة قدرها 69% عن سعر العام الماضي بالروبية الباكستانية. خفَّضت السلطات تلك التكلفة إلى حدٍّ ما في الساعات الأخيرة، قائلة إنَّها وجدت صفقات إقامة أرخص في مكة.
استطاعت شركات السياحة الخاصة استيفاء حصتها -وهي حوالي نصف إجمالي تأشيرات الحج المخصصة لباكستان البالغ عددها 179 ألف تأشيرة. لكن طلبات الحصول على تأشيرات الرحلات التي تنظمها الحكومة لم تصل إلى الحد المطلوب. اتخذت باكستان في نهاية المطاف خطوة غير مسبوقة بإعادة 7 آلاف تأشيرة حج غير مستخدمة إلى السعودية.
تواجه بعض الدول مشكلة في الاتجاه المعاكس، وهي تكدس الأشخاص الذين يتوقون إلى أداء فريضة الحج بعد القيود الوبائية المفروضة على مدار الـ3 سنوات الماضية.
تلقت إندونيسيا 8 آلاف تأشيرة حج إضافية من السعودية هذا العام ليصل إجمالي الأماكن المخصصة لها 229 ألف مكان نجحت في شغلها بسهولة. طلبت ماليزيا أيضاً 10 آلاف تأشيرة إضافية بالإضافة إلى حصتها البالغة 31.600 حاج على الرغم من عدم وجود تأكيد علني بشأن ما إذا كانت السعودية قد وافقت على منحها تلك الحصة الإضافية أم لا.
أما الهند، حيث يشكل المسلمون 14% من إجمالي السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، خفضت أيضاً تكلفة حزم الحج التي تنظمها الدولة بما يعادل حوالي 606 دولارات، وهو ما شكَّل دعماً فعلياً للراغبين في أداء فريضة الحج. ترسل الهند حصتها الكاملة من موسم الحج هذا العام بعدد يتجاوز 175 ألف حاج.
ومع ذلك، أثَّر ارتفاع الأسعار سلباً في معدلات الإقبال بوجه عام. قال عدد من مسؤولي الشركات السياحية الخاصة في الهند إنَّ عدد الأشخاص الراغبية في السفر للحج قد انخفض عن سنوات ما قبل جائحة كوفيد-19.
قال محمد مكارم، أحد منظمي رحلات الحج في نيودلهي: "من الطبيعي أن يؤخر بعض الناس خططهم للحج على أمل أن يصبح أرخص العام المقبل".
في السياق ذاته، قالت السلطات النيجيرية إنَّ نيجيريا استطاعت استيفاء حصتها البالغ عددها 95 ألف حاج في اللحظات الأخيرة، بعد أن مدَّدت عدة ولايات المواعيد النهائية المتاحة أمام الناس للدفع.
قال أدامو يوسف، الذي زار مكة في مناسبات عديدة: "سيذهب النيجيريون حتى لو وصلت التكلفة إلى 10 ملايين نيرة نيجيرية (21630 دولاراً)".