ذخيرة أمريكية الصنع.. كيف تحصل روسيا على أسلحة غربية رغم الحرب في أوكرانيا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/06/22 الساعة 08:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/22 الساعة 09:33 بتوقيت غرينتش
أفراد من الجيش الأوكراني يقومون بتحميل ذخيرة لمركبة مشاة قتالية/ رويترز

إذا كان الغرب بقيادة أمريكا يفرض عقوبات صارمة على روسيا منذ بدأت الحرب في أوكرانيا، فكيف ينتهي الحال بذخيرة قناصة عالية الدقة وبعيدة المدى أمريكية الصنع في البنادق الروسية في ساحة الحرب؟

فمنذ اندلعت الحرب في أوكرانيا، في فبراير/شباط الماضي، فرض الغرب بقيادة واشنطن عقوبات غير مسبوقة على موسكو لم تترك مجالاً إلا وطالته، ليس فقط الاقتصاد أو السياسة أو المعدات العسكرية، ولكن أيضاً الرياضة والثقافة والفن، بل والسفر للروس.

لكن على الرغم من مرور أكثر من 16 شهراً منذ فرض تلك العقوبات الصارمة، لا تزال روسيا قادرة على الالتفاف حولها في أغلب المجالات، لكن أن تتمكن موسكو من الحصول على أسلحة وذخيرة أمريكية الصنع، فهذا بالطبع أمر مثير للتساؤلات بشدة.

كيف وصلت ذخيرة أمريكية الصنع إلى البنادق الروسية؟

نشرت صحيفة Politico الأمريكية تقريراً استقصائياً يكشف عن استيراد شركات روسية لذخيرة من صنع شركات أمريكية. ففي مقطع فيديو مدته 60 ثانية نُشِرَ على منصة تليغرام، يغني قناص مقنع يرتدي شارة رأس الموت المميزة لجيش فاغنر الخاص، رأس حربة القوات الروسية في أوكرانيا، أغنيةً تمتدح بندقية أورسيس تي-5000 روسية الصنع.

قال الجندي الذي ظهر في المقطع داخل مبنى متفحم، لمراسل محطة Zvezda التلفزيونية، التابعة لوزارة الدفاع الروسية: "المعدات موصى بها جيداً".

يسحب مشبك السلاح إلى جانبه، ويتابع قائلاً: "البندقية تُلقَّم بذخيرة غربية عيار 0.338. إنها تعمل بشكل جيد جداً. يمكنها اختراق الغطاء الخفيف إذا كان العدو خلفه. وفي العراء، يمكنها ضرب العدو على مدى يصل إلى 1500 متر".

صُنِّعَت بندقية أورسيس تي-5000 بواسطة شركة مقرها في موسكو تسمى بروم تكنولوجيا، المفروض عليها عقوبات من قِبَلِ الولايات المتحدة.

وتشير المعلومات التي حصلت عليها صحيفة Politico الأمريكية إلى أن شركة بروم تكنولوجيا وشركة روسية أخرى تُدعى تيتيس، قد استحوذتا على مئات الآلاف من الطلقات التي صنعتها شركة هورنادي، وهي شركة أمريكية تضع علامات تجارية لمنتجاتها على أنها "دقيقة، وقاتلة، وجديرة بالثقة". تأسست هورنادي عام 1949، وتلخص فلسفتها بعبارة: "10 رصاصات من ثقب واحد".

فاغنر
قوات فاغنر في باخموت الأوكرانية بعد السيطرة عليها – مواقع التواصل

وتضيف النتائج إلى مجموعة متزايدة من الأدلة أن إمدادات المعدات العسكرية الفتاكة وغير الفتاكة لا تزال تصل إلى روسيا رغم فرض الغرب عقوبات غير مسبوقة رداً على الهجوم على أوكرانيا، الذي يصفه الرئيس فلاديمير بوتين بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر". وكشفت مقتضيات الحرب الكبرى في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية عن افتقار روسيا للقدرة على تصنيع قذائف قنص عالية الجودة، كما يقول خبراء الدفاع، وهذا يغذي السوق السوداء المزدهرة للذخيرة الغربية.

المعلومات المتعلقة بشراء مثل هذه المعدات على مرأى من الجميع، إذ يمكن لأي شخص لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت الروسي وفهم أكواد تصنيف الجمارك الدولية العثور على تفاصيل الصفقات -المستوردين والموردين وأوصاف المنتجات- عبر الإنترنت.

ماذا تقول سجلات شركات روسيا؟

في "إعلان المطابقة" المقدم إلى سجل الحكومة الروسية بتاريخ 12 أغسطس/آب 2022، صرحت شركة بروم تكنولوجيا بأنها تخطط للحصول على دفعة من 102200 ألف رصاصة من شركة هورنادي لتجميع "خراطيش الصيد" المستخدمة في "الأسلحة المدنية". والمواصفات مطابقة لمنتج في كتالوج هورنادي (رصاص لابوا ماغنوم 338).

الإعلان الثاني الذي يحمل التاريخ نفسه هو لمجموعة من "علب الخراطيش غير المغطاة لتجميع خراطيش الأسلحة النارية المدنية" التي قدمتها هورنادي بنفس مواصفات لابوا ماغنوم 338.

لكن الوصف مضلل، إذ إن لابوا ماغنوم 338 ليست مجرد "خرطوشة صيد"، إنها أيضاً رصاصة طويلة المدى وعالية القوة طورتها الجيوش الغربية في الثمانينيات، واستخدمها قناصوها في العراق وأفغانستان.

ومن جانبه، نفى ستيف هورنادي، الرئيس التنفيذي لشركة هورنادي المملوكة لعائلته ومقرها في ولاية نبراسكا الأمريكية، بيع الذخيرة لروسيا في زمن الحرب.

وأضاف هورنادي أنه اتصل بالسلطات الأمريكية عقب تحقيقٍ أجرته صحيفة Politico. وأشار إلى أن القانون الأمريكي الحالي يلزم العملاء بالحصول على إذن من وزارة التجارة لإعادة تصدير المواد المصنوعة في الولايات المتحدة.

روسيا بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – رويترز

وعندما سُئِلَ رئيس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوزين، عن الذخيرة التي تستخدمها قواته، أخبر صحيفة Politico أن لديهم "كمية هائلة من الذخيرة الخاصة بحلف شمال الأطلسي (الناتو) حصلوا عليها من الجيش الأوكراني".

وفي رسالة صوتية ساخرة أرسلها إلى صحفي في الصحيفة الأمريكية، طلب أمير الحرب الروسي أيضاً المساعدة في شراء طائرات مقاتلة من طراز إف-35 وبنادق قنص ومدافع رشاشة وقاذفات قنابل أمريكية الصنع.

ونفت شركة بروم تكنولوجيا تقديم أية إقرارات جمركية لاستيراد الذخيرة، وقالت إنه لا علاقة لها بهورنادي، وإن لديها القدرة على تصنيع الذخيرة الخاصة بها. وقالت الشركة أيضاً في تعليقات عبر البريد الإلكتروني لصحيفة Politico إن بندقية أورسيس والذخيرة التي تصنعها الشركة مخصصة لأغراض "الصيد والرياضة"، وهي متاحة مجاناً في السوق المدنية.

عوقِبَت شركة بروم تكنولوجيا وأليكساندر زينوفيف، المُدرَج كمدير عام للشركة، من قِبَلِ أوكرانيا، التي تستشهد بأدلة على أن بنادق أورسيس الخاصة بالشركة "قد استُخدِمَت في العمليات العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا".

وتقع الشركة أيضاً تحت مجهر واشنطن، إذ قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي: "نحن نأخذ أي ادعاء بانتهاك العقوبات أو التهرب على محمل الجد، ونلتزم بضمان تطبيق العقوبات بشكل كامل".

يمكن أن تؤدي الانتهاكات الجنائية أو المتعمدة للعقوبات الأمريكية، بالنسبة للأفراد، إلى عقوبات تصل إلى مليون دولار لكل انتهاك، بالإضافة إلى السجن لمدة تصل إلى 20 عاماً. ويمكن أن تصل العقوبات المدنية إلى أعلى من ضعف قيمة المعاملة الأساسية أو حوالي 350 ألف دولار لكل انتهاك.

شركات أمريكا تعيد تسليح روسيا

مشترٍ روسي آخر لذخيرة هورنادي هو شركة تدعى تيتيس، والتي كشفت عن شحنتين منذ بدء الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022. وكانت آخر شحنة في أبريل/نيسان لأكثر من 300 ألف "وحدة" ضمت مجموعة واسعة من المنتجات وُجِدَت في كتالوج هورنادي.

المالكان الرئيسيان لشركة تيتيس، ألكسندر ليفاندوفسكي وسيرجي سينتشينكو -اللذان يمتلك كل منهما حصة تبلغ 41.1%- لهما صلات بالجيش الروسي.

أُدرِجَ كلاهما سابقاً كمساهمين في شركة أخرى تسمى كامبو، والتي تمتلك وفقاً لملفات الشركة تراخيص لتصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية، وقد قامت بأعمال مع وزارة الدفاع الروسية، وكذلك مع مفرزة الطيران الخاصة التي تشغِّل طائرة بوتين الرئاسية.

أوكرانيا
زيلينسكي وبايدن في كييف/ رويترز

ورغم أن تيتيس لا تعرض ذخيرة هورنادي على موقعها على الإنترنت، فإنها تعلن عن نفسها كموزع دولي لشركة RCBS، وهي شركة أمريكية لتصنيع معدات إعادة التحميل. وإعادة التحميل هذه تعني تجميع العلب، والبرايمر، والوقود، والمقذوفات في خراطيش يمكن إطلاقها بعد ذلك، مثلما يظهر في هذا الفيديو الذي نشره أحد عشاق الأسلحة الروس.

كشف فحص إحدى قواعد البيانات أن أحدث إعلان للمطابقة قدمته شركة تيتيس لشركة RCBS سبق الغزو الروسي الشامل في 24 فبراير/شباط من العام الماضي بما يزيد قليلاً عن شهر.

تسمح البيروقراطية التجارية في روسيا للشركات المحلية بأن تضمن البضائع التي تستوردها من خلال تقديم إقرارات المطابقة، مثل تلك التي تشير إلى منتجات هورنادي. هذا يعني أن المورد المدرج في النموذج قد لا يكون على دراية بشحنات معينة قد يكون أحد الوسطاء هو الذي تعامل معها.

قال مات رايس، المتحدث باسم شركة Vista Outdoor، مالكة شركة RCBS، إن شركة تيتيس لم تعد موزعاً دولياً لشركة RCBS. وقال رايس في رسالة بالبريد الإلكتروني: "بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، اتخذت شركتنا قراراً بإنهاء جميع مبيعات البضائع مع البلاد"، مضيفاً أن أن RCBS ستزيل قائمة تيتيس من موقعها على الإنترنت.

الخلاصة هنا هي أن الغرب فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، لكن بعد 16 شهراً، لا تزال الحرب مستمرة ويسعى الغرب نفسه لإيقافها، فهل فشلت العقوبات؟ أم أن هدفها لم يكن إيقاف الحرب من الأساس؟

كانت مجلة Foreign Policy الأمريكية قد تناولت إجابة هذه التساؤلات في تحليل عنوانه "العقوبات على روسيا تؤدي وظيفتها.. إليكم السبب"، رصد كيف أن الساسة المنتمين إلى طيفي اليمين المتطرف واليسار المتطرف في أوروبا يرون أن العقوبات المفروضة على روسيا غير ناجعة، وأضرت الأوروبيين فحسب.

إذ يرى هؤلاء أن العقوبات الغربية لم تضر الاقتصاد الروسي، الذي يرون أنه يزدهر في خضم الارتفاعات الكبيرة في أسعار الطاقة. فضلاً عن وجود آخرين، لا ينقلون بالضرورة الآراء التي تسوقها موسكو، لكنهم يجادلون بأن العقوبات فشلت لأنها لم تثنِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استمرار الحرب ضد أوكرانيا.

تحميل المزيد