الصراع يزداد تعقيداً.. ما هي الحركة الشعبية لتحرير السودان التي دخلت في صدام مع الجيش؟

ازدادت الأمور تعقيداً في السودان مع دخول "الحركة الشعبية" على خط المواجهة الدامية بين الجيش والدعم السريع، فما هي تلك الحركة المسلحة؟ ولماذا قررت الصدام مع الجيش الآن؟

كان السودان قد شهد منذ يوم 15 أبريل/نيسان 2023 انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد، الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.

ورغم الوساطة السعودية-الأمريكية، والمفاوضات في جدة بين الطرفين المتصارعين، والتوصل إلى أكثر من هدنة إنسانية، فإن الصراع الدامي والعبثي تماماً دخل شهره الثالث دون أي مؤشر على نهايته قريباً، بينما يدفع المدنيون ثمناً باهظاً، سواء مَن فقدوا حياتهم أو أُصيبوا أو أجبروا على محاولة النجاة بالنزوح داخلياً أو خارجياً، أو من عجزوا عن الفرار فظلوا "ضحايا منسيين".

طرف ثالث يدخل الصراع الدامي

وكأن المواجهة الصفرية الدامية بين الجيش والدعم السريع لم تكن كافية، فإذا باشتباكات عنيفة تندلع، الأربعاء 21 يونيو/حزيران 2023، بين الجيش السوداني وقوات من "الحركة الشعبية- قطاع الشمال"، بزعامة عبد العزيز الحلو، في ولاية جنوب كردفان، جنوبي البلد الذي يئنّ تحت وطأة الحرب الأهلية.

وفي تصريح لقناة الجزيرة، اتّهم مصدر في الجيش السوداني قوات من "الحركة الشعبية" بمهاجمة مدينة الدلنج، الواقعة بولاية جنوب كردفان، وقال إن الحركة كانت تحشد قواتها منذ أكثر من أسبوع للهجوم على الولاية.

ثم أصدر الجيش السوداني بياناً قال فيه إن قواته برئاسة اللواء 54 مشاة "تعرضت لهجوم غادر من الحركة الشعبية، رغم وجود اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين"، وأشار البيان إلى "سقوط عدد من الشهداء والجرحى (لم يحدد عددهم) في صفوف قوات الجيش في أعقاب تصديها للهجوم"، بينما لم يصدر بعد أي تعليق بشأن الهجوم من جانب "الحركة الشعبية".

تزامن هذا التطور الخطير مع تجدد الاشتباكات العنيفة في عدة مناطق بالعاصمة السودانية الخرطوم بين طرفي الصراع، في أعقاب انتهاء هدنة مدتها 72 ساعة، وردت عدة تقارير عن انتهاكها.

وقبل وقت قصير من انتهاء الهدنة في السادسة صباح الأربعاء (0400 بتوقيت غرينتش)، وردت تقارير عن اندلاع قتال في المدن الثلاث بمنطقة العاصمة الأوسع على ضفتي نهر النيل، الخرطوم وبحري وأم درمان، في مؤشر آخر على مدى قسوة الصراع  بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، الذي أدى إلى دمار في العاصمة واندلاع أعمال عنف واسعة النطاق في منطقة دارفور غربي البلاد، وفرار أكثر من 2.5 مليون شخص من ديارهم.

ووصف مراقبون محليون وأجانب هجمات الميليشيات المرتبطة بقوات الدعم السريع في مدينة الجنينة بغرب السودان بأنها تطهير عرقي. وقال شهود لرويترز إن طائرات الجيش نفذت ضربات في مدينة بحري، كما ردت قوات الدعم السريع بالنيران المضادة للطائرات، وأمكن رؤية دخان يتصاعد من المنطقة الصناعية.

كما شهدت أم درمان إطلاق نيران مدفعية واشتباكات عنيفة، ووقعت اشتباكات على الأرض في جنوب الخرطوم. وأوضح سكان أيضاً أن اشتباكات وقعت بالقرب من مقر الجيش في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان، حيث تتجمع الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، وهي قوة متمردة كبيرة غير متحالفة بشكل واضح مع أي من الفصيلين حتى الآن.

ما هي الحركة الشعبية لتحرير السودان؟

يرجع تاريخ تشكيل "الحركة الشعبية لتحرير السودان" إلى ما قبل انفصال جنوب السودان عن شماله عام 2011، وتكونت الحركة المسلحة من سودانيين قرروا الانحياز إلى جنوب السودان خلال الحرب الأهلية التي انتهت بانفصال الجنوب.

وبعد عام 2011، أضافت الحركة كلمة "الشمال" ليصبح اسمها "الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال"، وواصلت الحركة المسلحة حروبها ضد نظام الرئيس المعزول عمر حسن البشير في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق، سعياً وراء الحصول على وضع خاص للمنطقتين.

قائد الحركة هو عبد العزيز آدم الحلو، وظلت على حالها حتى عام 2017، عندما انقسمت الحركة إلى فصيلين: الأول برئاسة الحلو، وتركّز نشاطه في منطقة جبال النوبة بكردفان، والثاني بقيادة مالك عقار، وتركّز نشاطه في منطقة النيل الأزرق، وشغل ياسر عرمان منصب نائب عقار.

وبعد أن اندلعت الثورة الشعبية ضد نظام البشير أواخر عام 2019، وأدت إلى عزله في أبريل/نيسان 2020، وتشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، بدأت مفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال، بغرض إنهاء الصراع المسلح، وهو ما أدى إلى توقيع "اتفاق جوبا" للسلام مع الحركة الشعبية، فصيل مالك عقار ونائبه ياسر عرمان.

بموجب اتفاق جوبا، انضم مالك عقار إلى عضوية مجلس السيادة السوداني، الذي ترأسه البرهان، وكان حميدتي نائباً له، بينما شغل ياسر عرمان منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

لم ينضم جناح الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو إلى اتفاق جوبا، وتسبب ذلك في توتر بين جناحي الحركة، لكنه لم يتحول إلى صراع دموي، ونجحت الوساطة بينهما في إخماد الفتنة، وصدر بيان يقول إن جناحي الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال قد اتفقا على "الافتراق بشكل يحترم تاريخ الحركة ووحدة أهدافها".

كان الخلاف بين الجناحين قد تفاقم في أعقاب الانقلاب الذي قام به البرهان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وحل بموجبه مجلس السيادة وحكومة حمدوك، واعتُقل أعضاؤها، كما عُزل الأعضاء المدنيون في مجلس السيادة، وأعيد تشكيله بأعضائه العسكريين فقط، أي أن مالك عقار احتفظ بمقعده في مجلس السيادة، لكن ياسر عرمان وجد نفسه معتقلاً مع باقي أعضاء الحكومة المدنية.

وبينما ظل مالك عقار عضواً في مجلس السيادة العسكري الحاكم، اختار نائبه ياسر عرمان الاستمرار في "تحالف قوى الحرية والتغيير" المدني، الذي اعتبر ما حدث انقلاباً غير مقبول. فأعلن مالك عقار أن "الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال" ليست عضواً في "قوى الحرية والتغيير"، وأن من ينضمون لها لا يمثلون إلا أنفسهم.

تسبب ذلك في انقسامات عميقة داخل الحركة- فصيل عقار وعرمان، فاستقالت بثينة دينار، التي كانت تتولى منصب وزيرة الحكم المحلي، من منصبها، تضامناً مع عرمان، كما تضامن العديد من التنظيمات الفرعية للحركة في الولايات مع الفصيل المدني رفضاً للانقلاب.

ماذا يعني الصدام بين الحركة والجيش؟

عندما اندلعت الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، قرر البرهان عزل حميدتي من منصبه في مجلس السيادة الحاكم، وترقية مالك عقار بديلاً له، ليصبح عقار (قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال" نائباً لرئيس مجلس السيادة، وأصبح عقار الوجه الأبرز في المعركة الحالية ضد قوات الدعم السريع، وزار مصر خلال الأيام الماضية، والتقى رئيسها عبد الفتاح السيسي.

الاشتباكات الأخيرة بين الجيش والحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال وقعت مع قوات تابعة للفصيل الذي يقوده عبد العزيز الحلو، وليس الفصيل الذي يقوده مالك عقار، وذلك بحسب بيان الجيش.

هذه الاشتباكات إذا ما تكررت وتفاقمت، سيكون لها تأثير كبير على الصراع الدموي الحالي بطبيعة الحال، فإذا ما أعلنت الحركة الشعبية بقيادة الحلو موقفاً رسمياً بالانضمام لقوات الدعم السريع، فمن المؤكد أن ولايات جنوب وشمال وغرب وشرق كردفان وولاية النيل الأبيض المجاورة ستتحول إلى ساحات حرب تشبه ما يحدث في ولايات الخرطوم.

وفي ظل تركيز الجيش على السعي لحسم معركة الخرطوم، تصبح التساؤلات هنا متركزة على مدى قوة واستعدادات الجيش في تلك الولايات للتعامل مع هجمات قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان من جهة، إضافة إلى مخاطر إحياء ومفاقمة الصراعات القبلية والعرقية في تلك الولايات.

غني عن القول بطبيعة الحال أن الصدام بين الحركة الشعبية والجيش يصب تلقائياً في مصلحة قوات الدعم السريع، خصوصاً إذا ما قررت التنظيمات الفرعية التابعة لفصيل مالك عقار الانضمام هي الأخرى لفصيل الحلو، خصوصاً أن الكثيرين من زعماء التيار المدني، ومنهم ياسر عرمان، يُعتبر موقفهم أقرب لحميدتي منه إلى الجيش.

وما لا شك فيه أن أياً من تلك السيناريوهات ليس غائباً عن قيادات الجيش، وبالتالي فإن هناك احتمالاً ليس ضعيفاً في نجاح محاولات تفادي تفاقم الصدام، وإعادة التأكيد على اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بين الجيش والحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال بقيادة الحلو قبل 4 سنوات.

وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة، كانت حكومة الخرطوم والحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة الحلو تمددان اتفاق وقف إطلاق النار بينهما في المناطق الخاضعة لسيطرة كل منهما.