نساء تايوانيات في مواجهة التنين الصيني في السماء.. ما قصة الطيارات اللاتي يدافعن عن بلادهن؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/06/20 الساعة 09:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/20 الساعة 09:13 بتوقيت غرينتش
مضيق تايوان/ رويترز

لا تمر ساعة فوق مضيق تايوان إلا وهناك طائرة عسكرية تحلق؛ إما تايوانية أو صينية في المنطقة التي تعد الأخطر في العالم والتي يمكن أن نطلق منها حرباً عالمية في أي لحظة.

السماء المكتظة بالطائرات لا تشير إلي أن من يقود هذه المقاتلات من الجانب التايوني نساء ولديهن المهارة الفائقة لقيادة الطائرات العسكرية.

ففوق مضيق تايوان، كانت الكابتن جو ونشينغ تتأهب لقوى التسارع وتنفذ مناورات بطائراتها المقاتلة لاعتراض إحدى الطائرات الصينية.

طائرات تجاوزت الحد الفاصل

فقبل دقائق، تلقت أوامر بأن تركض بأقصى سرعتها نحو مدرج الطائرات وتتسلق إلى قمرة القيادة، وتنطلق في جو السماء لمواجهة مجموعة من القاذفات وتهاجم المقاتلات التي تنقض على تايوان، بحسب تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية.

فخلال 48 ساعة، جرى تعقب حوالي 54 طائرة عسكرية صينية -وهو عدد أكبر من المعتاد بكثير- حول الجزيرة، وتجاوز نصف هذه الطائرات الخط الفاصل في مضيق تايوان، الذي يعرف عادة بأنه الحاجز غير الرسمي بين الجانبين، وذلك وفقاً لما أفادت به وزارة الدفاع التايوانية.

قالت الكابتن جو، 34 عاماً: "كان ذلك في يوم الجمعة. إنه يحدث في مرات كثيرة جداً"، وذلك خلال حديثها عن مهمتها الأخيرة.

تايوان
القوات الصينية والتايوانية أجرت تدريبات عسكرية بالقرب من بعضها – Getty Images

تصير المواجهات الجوية مع الصينيين أكثر شيوعاً بسبب تصاعد التوترات حول تايوان، التي تدعي بكين أنها جزء من أراضيها، والتي تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، بضمها.

تقود بكين عدداً من الطائرات يبلغ ستة أضعاف ما تستطيع تايوان حشده، ويقول الطيارون والطيارات التايوانيون إنهم الآن لا يضاهون الطائرات الصينية المتطورة تطوراً متزايداً.

قالت الكابتن جو: "في الماضي، لم تكن الطائرات العسكرية الصينية أفضل من نوعية الطائرات التي نستخدمها في تدريب الطيارين والطيارات الجدد. كذلك لم تكن أنظمتهم التسليحية بذلك التطور… ولكن الآن، صارت لديهم هذه المقاتلات الشبحية، مثل جيه-11 و جيه-20، التي تتفوق على ما لدينا. لقد تطورت قوتهم العسكرية تطوراً ملحوظاً للغاية".

تفوق جوي صيني وتحدٍ تايواني

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنه صحيحٌ أن القوات الجوية لتايوان تطير أيضاً بطائرات إف-16 الأمريكية، ويُتوقع أن تحصل على مزيد منها، ولكن حتى هذه الطائرات تتفوق عليها الطائرات الصينية الأحدث؛ إذ تدَّعى الصين أن الطائرة جيه-20 قادرة على الاختباء من الرادار، ومجهزة بأسلحة متطورة طويلة المدى.

ومع ذلك، لا يزعج أي من هذا الكابتن جو، التي تعهدت بأن تتبع الأوامر، حتى إذا كان هذا يعني إطلاق الصواريخ المتدلية أسفل طائراتها، ذات المحركين المصنعين محلياً، المعروفة باسم "مقاتلة الدفاع عن السكان الأصليين (IDF)"، أو Indigenous Defence Fighter.

وقالت: "عندما تكون متوتراً، تكون أكثر عرضة بكثير لارتكاب أخطاء، بما في ذلك الأخطاء حول الأمور الأساسية".

في مهماتها، تستغل نفس مخزون التحفيز الذي ساعدها في أن تصير رابع طيارة تقود الطائرات المقاتلة في تايوان.

فكرت الكابتن جو في العمل بأحد المصارف عقب دراسة إدارة الأعمال في الجامعة، لكنها انجذبت إلى تحدي الانضمام إلى الجيش، في سلاح الطيران على وجه الخصوص.

الجيش الصيني
الجيش الصيني خلال استعراض عسكري/رويترز

في ذلك الوقت، تمنت أن تدعم عائلتها التي كانت تواجه صعوبات لتغطية تكاليف الأدوية الباهظة لعلاج سرطان المرحلة المتأخرة الذي عانى منه أبوها، الذي توفي بالفعل.

قالت الكابتن جو: "فكرت وقلت: إذا كان الصبيان قادرين على القيام به، فالفتيات إذن قادرات على القيام به أيضاً. لم أخبر عائلتي حتى حول ما كنت بصدد أن أفعله، حتى جاء الصباح الذي كُلفت به بالحضور لأداء واجبي".

كانت الرائدة شيه يانتنغ، 33 عاماً، طيارة مقاتلة أخرى تتوق هي الأخرى إلى تحدٍ.

في طفولتها، شاهدت إقلاع الطائرات وهبوطها في مطار وقاعدة عسكرية جوية قريبة في جنوب تايوان؛ حيث تُدرب الآن طيارين وطيارات المستقبل باستخدام طائرة التدريبات إيه تي-3. 

قالت شيه: "تساءلت إذا كنت ربما أستطيع في يوم ما أن أطير بهذه الطائرات".

كيف تقضين الطيارات يوم العمل

في أولى رحلاتها الفردية، تتذكر عندما كانت تنظر في مؤخرة الطائرة، وهي غير مقتنعة أنها كانت تطير وحدها فعلياً بدون مرشد. وأوضحت: "قلت لنفسي: لك هذا. إذا صدقت أني أستطيع القيام به، فإنني قادرة على ذلك".

قد يبدأ اليوم في الثالثة صباحاً، لكن معظم الأيام تبدأ في حوالي الخامسة صباحاً بالنسبة للكابتن جو والرائدة شيه، اللتين أثبتتا لياقتهما في كثير من تمارين القوة والتكيف أسبوعياً، والتي تستهدف المحافظة على لياقة الطيارين والطيارات لخوض الرحلات الجوية القاسية.

في وقت فراغها، تستمتع الكابتن جو -التي تعترف أنها تفضل البقاء في المنزل- بالركض وتناول الطعام من الشارع، وقضاء الوقت مع عائلتها.

تمزح الرائدة شيه أنها، مثل أغلب النساء، تحتاج إلى استنساخ نفسها كي تنجح في أداء كل المسؤوليات التي على عاتقها في العمل والمنزل، بما في ذلك تربية طفلين يبلغان من العمر خمسة وسبعة أعوام.

الطائرة الصينية الشبحية J-20/رويترز

تزوجت المرأتان من طيارين عسكريين من زملائهما؛ إذ يقود زوج الكابتن جو طائرة IDF مثلها، بينما يقود زوج الرائدة شيه طائرة لوكهيد بيه-3 أوريون، وهي طائرة مراقبة بحرية أمريكية الصنع مجهزة بمستشعرات غواصات.

قالت الرائدة شيه: "أطفالنا يعشقون أباهم. يقود الطائرة الأكبر".

لا تزال النساء تشكل نسبة الأقلية في جيش تايوان، فلا تشكل إلا حوالي 15% من أفراد الخدمة الفعلية.

ينتهي الأمر بكثير من الطيارات بقيادة طائرات النقل، برغم أن حوالي 20 منهن مؤهلات الآن لقيادة الطائرات المقاتلة، وهو ما يعد تطوراً تدريجياً عما كان عليه الأمر عندما بدأت الكابتن جو والرائدة شيه مسيرتهما المهنية.

قالت الكابتن جو: "حينها، عندما بدأنا تدريباتنا على قيادة الطائرات لم يكن هناك إلا القليل جداً من النساء. وضعنا ضباطنا تحت المجهر، أو على الأقل ذلك ما شعرنا به".

18 ألف جندي في وجه التنين الصيني

لدى تايوان 18 ألف جندي، وتحتاج إلى مزيد من القوات بينما تسعى لزيادة قدراتها العسكرية لمواجهة التهديد المتزايد من الصين، التي تملك أكبر القوات المسلحة في العالم، بعدد أفراد خدمة فعلية يصل إلى مليوني شخص.

في مايو/أيار، بدأت تايوان في تدريب النساء للانضمام إلى قوات الاحتياط، وفي العام الماضي أطالت الحكومة أمد الخدمة العسكرية الإلزامية من 4 أشهر إلى عام كامل، مع أن هذا الشرط لا يزال مُطبقاً على الرجال فقط.

لم يكن التجنيد سهلاً دائماً، ويعزو هذا جزئياً إلى المدة التي استمرت لعقود والتي قضتها تايوان خاضعة للأحكام العرفية، عندما كان الجيش مرتبطاً بالقمع. انتهت تلك الحقبة المظلمة في عام 1987، بانتقال مفاجئ إلى الديمقراطية.

وفي هذه الأيام، لا يزال الشقيقان الأكبر للكابتن جو يغيظانها لأنها صارت مجندة.

فكلاهما لم يبدِ اهتماماً بالتجنيد بعد إنهاء الخدمة العسكرية الإلزامية، بل استمرا بدلاً من ذلك في تقليد أسرتهما المتعلق بالعمل في الزراعة.

تايوان الصين تدريبات عسكرية
جنود من القوات التايوانية خلال تدريبات عسكرية على شواطئ الجزيرة، أرشيفية/ رويترز

ولكن لا شيء يحل محل الشعور بالإنجاز الذي تتمتع به الطيارتان جو وشيه، بكونهما ضمن صفوف نخبة القوات المسلحة التايوانية.

فضلاً عن أنه لا بأس في الاستمتاع بالنظر إلى صفحة المحيط الجميلة الممتدة، أو إلى قمم عديد من الجبال المذهلة الممتدة في تايوان. قالت الرائدة شيه: "إنه امتياز صغيرة في هذه الوظيفة".

بيد أن هناك احتمالية أن تجد الطيارات التايوانيات، مثل الكابتن جو والرائدة شيه، أنفسهن في يوم ما عند الخطوط الأمامية للحرب المحتملة مع الصين.

صحيحٌ أن مهمة الكابتن جو، التي نفذتها يوم الجمعة، انتهت بانسحاب الطائرة الصينية وعودتها إلى قواعدها الجوية في البر الرئيسي للصين، لكن الخطاب العنتري للصين لا يتوقف.

قال وزير الدفاع الصيني، لى شانج فو، في وقت سابق من هذا الشهر: "تايوان هي تايوان الصين"، وذلك بعد أيام قليلة من المهمة التي نفذتها الكابتن جو.

وأوضح في خطاب له: "إذا تجرأ أحد على فصل تايوان عن الصين، فلن يتردد الجيش الصيني لثانية واحدة. لن نخشى أي خصوم… أيما يكون الثمن".

تحميل المزيد