قضى الرئيس عبد المجيد تبون 5 أيام في روسيا، في أطول زيارة خارجية له، فماذا حققت الزيارة التي وصفت بأنها "تاريخية" للجزائر اقتصادياً وسياسياً؟
كان الرئيس الجزائري قد زار روسيا في الفترة من 13 إلى 17 يونيو/حزيران 2023، في رحلة لفتت الأنظار بالنظر إلى مدتها وبرنامجها المكثف، خصوصاً أن تبون لم يسبق له أن أدى زيارة خارجية بهذه المدة منذ وصوله الحكم نهاية عام 2019.
وخطفت الزيارة الأضواء في البلدين وخارجهما، بالنظر إلى الظرف الدولي وحفاوة الاستقبال الرسمي في موسكو، والتي عكست عمق العلاقات بين الدولتين، بحسب ما عبر عنه مراقبون لوكالة الأناضول التركية.
استقبال رسمي حافل وشراكة استراتيجية
حظي الرئيس الجزائري بحفاوة بالغة، تجلت رسمياً في تدشين ساحة بالعاصمة موسكو باسم "الأمير عبد القادر" أحد كبار مقاومي الاستعمار الفرنسي (1830 – 1962) الذي يوصف بمؤسس الدولة الجزائرية، وهو أول قائد عربي ومسلم يحظى بهذا التكريم من الروس.
كما أن الشق البروتوكولي في الزيارة، كان لافتاً في ظل حرص سلطات روسيا على إظهار الرئيس الجزائري في مقام "صديق الدولة" المضيفة. ووصفت وكالة "سبوتنيك" الروسية مراسم استقبال تبون في الكرملين بأنها كانت في "مشهد مهيب" وسط البهو المخصص لاستقبال كبار الضيوف في القصر الرئاسي.
وفي تصريحات لسبوتنيك، أكد الرئيس الجزائري على أن الشركات الروسية، سواء كانت شركات حكومية أم شركات خاصة، يمكنها الاعتماد على الجزائر.
كما اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الجزائري ليكون ضيف الشرف في "منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي"، ووجه له دعوة رسمية لحضور قمة "روسيا وإفريقيا" المقررة في شهر يوليو/تموز المقبل بنفس المدينة، ووافق بوتين أيضاً على عرض جزائري للوساطة في أزمة أوكرانيا.
وكانت السلطات في البلدين قد بدأت التحضير للزيارة منذ مطلع العام الجاري، إذ أعلنت الرئاسة الجزائرية، نهاية يناير/كانون الثاني، أن تبون اتفق مع بوتين على زيارة موسكو في مايو/أيار 2023، لكنها لم تتم في موعدها لأسباب لم تعلن عنها سلطات البلدين.
وأسفرت الزيارة عن توقيع "إعلان الشراكة الاستراتيجية المعمقة بين البلدين" دون الكشف عن فحواها، وجاءت لتحل محل "اتفاق الشراكة الاستراتيجية" الموقع بين البلدين عام 2001.
وبعد محادثات الجانبين، أكد بوتين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع تبون، أن "الجزائر شريك أساسي لروسيا في العالم العربي وإفريقيا". وأوضح الرئيس الروسي أن "المحادثات كانت مثمرة للغاية ويتضح ذلك من خلال حزمة صلبة من الوثائق المشتركة بين الدولتين والتي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين بلدينا في مجموعة متنوعة من المجالات".
من جانبه، أكد تبون أن المحادثات كانت "مثمرة وصريحة وعكست مستوى العلاقات السياسية المتميزة، وأكدت الإرادة المشتركة لمواصلة التشاور السياسي التقليدي بين البلدين"، وأن "العلاقات بين الجزائر وروسيا متينة مهما كانت الظروف الدولية".
وأشار إلى أنه اتفق مع بوتين على المضي بعلاقات البلدين "نحو المزيد من التعاون، وهو ما يعكسه التوقيع على إعلان الشراكة الاستراتيجية المعمقة التي تشهد على حرصنا المشترك لتكثيف وتوسيع التعاون الثنائي، بما يتماشى مع مستوى علاقاتنا التاريخية التي تمتد إلى أكثر من 60 سنة".
وكانت مشاركة الرئيس الجزائري كضيف شرف في منتدى سان بطرسبرغ، مناسبة لرده لأول مرة على جدل سابق بشأن دعوة أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى تطبيق قانون "معاداة أمريكا" على الجزائر، بسبب شرائها السلاح الروسي.
وبحسب تقرير معهد استوكهولم للأبحاث حول السلام "SIPRI" الصادر في مارس/آذار 2023، تعد الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي بعد الهند والصين، فيما تعتبر موسكو أول ممول للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق 50%.
ورداً على سؤال بشأن ضغوط غربية على بلاده لوقف اقتناء السلاح من روسيا، قال تبون: "أجيب بكلمة واحدة.. الجزائريون ولدوا أحراراً وسيبقون دائماً أحراراً في قراراتهم وتصرفاتهم".
كما اختصر الرئيس الجزائري خلال مباحثاته بالكرملين، ما تنتظره بلاده من موسكو بالتأكيد على أنها ترغب في التعجيل بانضمامها إلى مجموعة "بريكس" كفضاء جديد يمنحها خيارات اقتصادية للخروج من ضغوط التعامل بالدولار واليورو.
كما حدد معالم التعاون بين البلدين في القضايا الدولية مثل دعم روسيا لتنفيذ اتفاق الجزائر للسلم بمالي، والتنسيق بين البلدين داخل مجلس الأمن، بعد انتخاب الجزائر عضواً غير دائم لعامي 2024 و2025.
ماذا استفادت الجزائر سياسياً؟
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر الحكومية توفيق بوقاعدة، قال للأناضول، إن زيارة تبون جاءت لتأكيد استقلال سياسة الجزائر الخارجية والبحث عن شراكات جديدة تضاف للتعاون العسكري المستمر بين البلدين.
كان صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائر) علق على الزيارة بأن تصريحات تبون "تجسيد لرزانة وعقلانية السياسة الخارجية الجزائرية التي تنبذ الهيمنة والقطبية والمصلحة المنفردة وترافع من أجل التوازن والعدالة".
وذكر قوجيل في رسالة إلى تبون بعد نهاية الزيارة، أن المواقف المعلن عنها تؤكد أن "الجزائر دولة ذات سيادة لا تقبل المساومة في قراراتها السياسية، علاوة على أنها تؤكد وضع نفسها على مسافة واحدة من النزاعات لتظل مرجعاً مفضلاً وموثوقاً ومرحباً به حين المبادرة لحلحلتها".
من جانبه، وصف إبراهيم بوغالي رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية للبرلمان) في بيان له الزيارة بـ"التاريخية"، وقال إنها كشفت عن "حجم الجزائر وثقلها في الساحة الدولية"، كما أبانت عن "التوجه الجديد في الانفتاح على العالم عبر تبادل المنافع الاقتصادية ومراعاة مصالح الوطن العليا".
ووفق بوغالي، فإن سياسة الجزائر تواصل "سعيها الدؤوب للتعاون وتبادل المصالح للعيش المشترك في عالم يسوده الأمن، من خلال ما تعرضه من خيارات تجنح للتوافق وتغليب مبدأ الحوار على لغة السلاح".
استقلالية السياسة الخارجية
توفيق بوقاعدة، المحلل وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، قال إن أهم نتائج الزيارة هي "تأكيد الجزائر لاستقلالية سياستها الخارجية، وبأنها لا تخضع لا للشرق ولا للغرب".
وأوضح بوقاعدة للأناضول أن تبون مثلما زار إيطاليا ووقع معها جملة من العقود لتزويدها بالغاز وتعويض الإمدادات الروسية، اتجه كذلك إلى روسيا "للتأكيد على علاقة الصداقة التي تجمع البلدين، والبحث عن فرص شراكات جديدة تخرج عن كون الجزائر زبوناً للأسلحة الروسية".
وأشار إلى أن هذه الزيارة كانت "فرصة لتمرير رسائل للسياسة الخارجية الجزائرية، بأنها ترفض النظام الاقتصادي الدولي وأنها تعمل على الانضمام إلى "بريكس" لتعديل هذا النظام بما يتوافق مع تحولات العالم، سواء في مؤشرات القوة أم التعداد السكاني وغيرها، والبحث عن نظام اقتصادي أكثر عدلاً".
ووفق الأكاديمي الجزائري، فإن محطة تبون بموسكو كانت أيضاً "فرصة لتجديد ميثاق العقد والتوافق والتفاهم والصداقة بين البلدين التي لا يعكسها حجم التبادلات الاقتصادية".
وفي هذا الصدد، قال بوقاعدة: "هذه فرصة للبحث عن آفاق شراكة جديدة، بحيث لا تتوقف العقود على مجرد التفاهمات، بل لا بد أن تجد طريقها للتنفيذ على أرض الواقع".
الطريق إلى "بريكس" عبر روسيا
الخبير الاقتصادي الجزائري مراد كواشي قال إن تبون خلال زيارته لموسكو وحضوره منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي "حاول الترويج للجزائر كوجهة استثمارية".
كواشي الذي يعمل أستاذاً بكلية الاقتصاد بجامعة أم البواقي الحكومية (شرق)، قال إن تبون كان ضيف شرف المنتدى الاقتصادي، ووجّه كلمة للمستثمرين على المستوى العالمي، للاستثمار في الجزائر، كما قدم شروحات مفصلة عن قوانين الاستثمار وما تقدمه من حوافز للأجانب.
أهم هدف من وراء الزيارة، كما يقول كواشي، هو "تدعيم ملف ترشح الجزائر إلى مجموعة بريكس، باعتبار أن روسيا أحد 5 أعضاء مؤسسين للتكتل ولها كلمة مسموعة داخله".
ووفق كواشي، فإن تبون طلب دعم الملف الجزائري من طرف الروس، علماً بأن موسكو أعلنت سابقاً أن الجزائر تأتي في الدرجة الأولى بين طالبي الانضمام إلى "بريكس".
وتكتل "بريكس" عبارة عن منظمة سياسية دولية، بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009، ومنذ ذلك الوقت تنعقد اجتماعاتها بصورة سنوية. في البداية كان أعضاء التكتل 4 دول فقط هي: روسيا والصين والبرازيل والهند، وكان اسم التكتل في ذلك الوقت "بريك"، نسبة إلى الأحرف الأولى من الدول الأربع باللغة الإنجليزية، ثم طلبت جنوب إفريقيا الانضمام للتكتل، وهو ما تمت الموافقة عليه عام 2010، ليضاف الحرف الأول من اسم الدولة الإفريقية ويصبح التكتل "بريكس".
في ذلك الوقت كان أعضاء التكتل يمثلون الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، وتتميز بأنها من الدول النامية الصناعية ذات الاقتصادات الكبيرة والصاعدة، ويعيش في الدول الخمس نصف سكان العالم، وكان الناتج الإجمالي المحلي لتلك الدول يساوي ناتج الولايات المتحدة (13.6 تريليون دولار)، ويبلغ مجموع احتياطي النقد الأجنبي لدول المنظمة 4 تريليونات دولار.
ووصف الرئيس الصيني لي جينتاو، في ذلك الوقت، دول "بريكس" بأنها "المدافعة عن مصالح الدول النامية، وأنها قوة من أجل السلام العالمي". وفي عام 2008 عقد اجتماع بمدينة ييكاترينبرغ الروسية، ثم تبع ذلك أول مؤتمر قمة لدول المجموعة في 16 يونيو/حزيران عام 2009 في ييكاترينبرغ.
وأشار الخبير إلى أن الزيارة يمكن أن "تشكل فرصة للاستفادة من الخبرة الروسية في مجال الحبوب، باعتبارها أحد أكبر المنتجين عالمياً في هذا القطاع، فضلاً عن الطاقات الجديدة والبديلة وصناعة السيارات واستخراج وتحويل الموارد المنجمية".
وحسب كواشي، فإن "الجزائر زبون تقليدي للأسلحة الروسية، وهذه الزيارة يمكن أن تترتب عليها شراكات واستفادة من الخبرة الروسية في هذا المجال".