بعد انحياز أوروبا لصربيا.. ما مستقبل كوسوفو أمام تنمر جارتها، اللحاق بالناتو أم تكرار مأساة البوسنة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/06/18 الساعة 14:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/18 الساعة 14:16 بتوقيت غرينتش
شرطة كوسوفو الخاصة في حالة تأهب بعد احتجاج مئات من صرب كوسوفو على حظر حكومي لدخول المركبات التي تحمل لوحات تسجيل صربية 2021/ رويترز، أرشيفية

هناك أمر غريب في التوترات التي انفجرت في كوسوفو، حيث بدا الاتحاد الأوروبي منحازاً بشكل فج لصربيا، رغم علمه بأنها تحاول أن تفتعل المشاكل مع كوسوفو، البلد المستقل عنها، والمعترف به من معظم الدول الغربية وتركيا.

انفجرت التوترات في كوسوفو مرةً أخرى خلال الشهر الماضي، بعد تولي رؤساء البلديات الألبان مناصبَهم في أربع بلديات شمالي البلاد، وذلك عقب انتخابات أبريل/نيسان التي قاطعها أبناء العرق الصربي، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

رئيس صربياً يشعل التوترات في كوسوفو لأسباب داخلية 

وتُعد بلغراد أحد المستفيدين- والمحرضين على- موجة العنف المتفشية، بالتزامن مع مواجهة الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش لاستياء شعبي متزايد ضد حكمه المحلي.

إذ شتتت التوترات المتصاعدة في كوسوفو الأنظار عن تراجع شعبية فوتشيتش، ما سمح له باتخاذ موقف المدافع عن صربيا والصرب داخل كوسوفو. 

ويُعَدُّ هذا خير مثال على الكيفية التي يستغل بها الحكام المستبدون الأزمات الخارجية لمواجهة المشكلات الداخلية.

إذ يرجع تاريخ الأزمة الحالية إلى أبريل/نيسان الماضي، عندما قاطع الصرب في كوسوفو الانتخابات المحلية. ونتيجة لضعف الإقبال الانتخابي، سيطر أبناء العرق الألباني على المجالس المحلية التي هيمن عليها الصرب، كما يقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

وعندما حاول الممثلون المنتخبون الألبان دخول البنايات الحكومية، تعرّضوا لهجومٍ على يد مسلحين تدعمهم بلغراد، ويحملون شارات حرف "Z" الإنجليزي، وهو شعار روسيا في الحرب الأوكرانية.

المشكلة أن صربيا لا تريد الاعتراف بالأمر الواقع

لكن مشكلة اليوم لا تكمن في عدد من المجالس البلدية، ولم تكن تكمن في لوحات تراخيص السيارات وحواجز الطرق العام الماضي، بل يرجع أصل الاضطرابات الدورية إلى رفض بلغراد التصالح مع الحقائق الموجودة على الأرض، والتي تتمثل في أن كوسوفو أصبحت دولةً مستقلةً ذات سيادة.

إذ تمسكت بلغراد لعقود بوهم يقول إن كوسوفو هي جزء من صربيا، لكن الوضع لم يعد كذلك رسمياً منذ عام 2008، وعملياً منذ عام 1999.

فبعد أن شنّ الزعيم الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش حملة تطهير عرقي ضد الألبان في كوسوفو؛ ردّ حلف الناتو بتدخلٍ إنساني وحملةٍ جوية ضد صربيا، منذ مارس/آذار وحتى يونيو/حزيران عام 1999، ما أجبر ميلوشيفيتش على سحب قواته، وظلت قوات حفظ السلام التي يقودها الناتو ترعى الأمن في المنطقة منذ ذلك الحين.

وأعلنت كوسوفو عام 2008 استقلالها الذي اعترفت به الولايات المتحدة وتركيا، وغالبية دول الاتحاد الأوروبي. بينما لم تعترف روسيا، والصين، وبعض الدول الأوروبية- مثل اليونان وإسبانيا- باستقلال كوسوفو.

لكن بلغراد رفضت الاعتراف بالأمر الواقع. 

الحكومة الحالية هي امتداد لنظام ميلوشيفيتش الذي قمع ألبان كوسوفو

واتبع مسؤولو الصرب المتعاقبون السياسة نفسها في التعامل مع كوسوفو، ومنهم فوتشيتش الذي شغل منصب وزير الإعلام في حكومة ميلوشيفيتش، كما خدم وزير الخارجية الحالي إيفيتسا داتشيتش كمتحدث باسم ميلوشيفيتش من قبل، فيما كان رئيس المخابرات ألكسندر فولين مساعداً لزوجة ميلوشيفيتش المدعوة ميرا ماركوفيتش.

ويُمكن القول بعبارةٍ أخرى إن هناك علاقة حية بين القيادة الحالية في بلغراد وبين نظام ميلوشيفيتش في التسعينيات، ما يجعل إحراز أي تقدم في ملف التطبيع والاعتراف المتبادل أمراً مستبعداً في الوقت الراهن.

كوسوفو
احتجاجات نظمها الصرب ضد حكومة كوسوفو بالقرب من الجزء الشمالي من مدينة ميتروفيتشا المقسمة عرقياً بكوسوفو ، ديسمبر /كانون الأول 2022- رويترز ، أرشيفية

علاوةً على أن بلغراد قد استغلت غياب التطبيع لإثارة الاضطرابات، حيث عملت من أجل تأسيس مؤسسات موازية على أراضي كوسوفو. كما أن إبقاء الصراع مع كوسوفو دون حل، يُتيح للدولة الصربية تصعيد التوترات متى أرادت، وذلك من خلال وكلائها في الشمال.

وتحوّل الأمر إلى نمط متوقع، وهو أمر لا ترغب بريشتينا في التساهل معه. لهذا جاء ردها بإعادة تأكيد سيطرتها على كامل أراضيها.

رد فغل الغرب المنحاز لصربيا أثار حيرة كثيرين

لكن استجابة الغرب للأزمة الأخيرة أثارت حيرة كثيرين داخل دول البلقان وخارجها. ففي منعطفٍ دراماتيكي للأحداث، ألقى عدد من المسؤولين الغربيين باللوم على نظام رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي. بينما كانت تصريحاتهم غير واضحة على الإطلاق عند الحديث عن المسؤول عن العنف في كوسوفو.

وهدّد الاتحاد الأوروبي، الأربعاء 14 يونيو/حزيران 2023، كوسوفو "بعواقب سياسية" في حال لم تتحرك باتجاه التهدئة مع المجموعة الصربية في شمالي البلاد، وذلك بعد أن أعلنت صربيا توقيف 3 شرطيين من كوسوفو يشتبه في تجاوزهم الحدود، في حين اتهمت بريشتينا بلغراد بخطفهم على أراضيها، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.

وقال متحدث باسم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "ننتظر من رئيس الوزراء في كوسوفو، ألبين كورتي، اتخاذ إجراءات لخفض التصعيد. وفي حال لم يحصل ذلك ستكون هناك عواقب سياسية، مع تعليق الزيارات والعلاقات الرفيعة المستوى، واتخاذ إجراءات مؤقتة يمكن العودة عنها".

كما شدد المسؤول الأوروبي في تصريحاته، على أن "الأمر لا يتعلق بعقوبات، بل بإجراءات مُقيّدة". وأقر المتحدث بأن تعليق دعم الاتحاد الأوروبي مالياً قيد المناقشة، وقال: "طُرحت سلسلة من الإجراءات على الدول الأعضاء وتتم مناقشتها"، دون تقديم مزيد من التفاصيل.

بينما شرعت الولايات المتحدة الآن إلى فرض العقوبات على حكومة كوسوفو في بريشتينا، لأنها لم تعرض عملية اتخاذها للقرار بشأن إجراء الانتخابات المحلية على واشنطن أولاً، في خطوةٍ وصفتها رئيسة اللجنة المختارة للشؤون الخارجية البريطانية، أليسيا كيرنز، بـ"التفكك الاستراتيجي".

تكرار لمأساة البوسنة.. صربيا تريد تشكيل دويلة بشمال كوسوفو لمنعها من الانضمام للاتحاد الأوروبي والناتو 

يواجه كورتي الآن ضغوطات للموافقة على تشكيل اتحاد البلديات الصربية، إلى جانب الضغوط المفروضة عليه لتهدئة الأوضاع. وتروج بلغراد فكرة تشكيل اتحاد عرقي في شمال كوسوفو باعتبارها السبيل لتأسيس كيان سياسي بالوكالة على أراضي كوسوفو.

ويرى العديد من المحللين والمعلقين أن تشكيل اتحاد كهذا سيأتي على غرار ما حدث في جمهورية صرب البوسنة. إذ بدأ تمرد صرب البوسنة عام 1992 بتشكيل اتحادات مشابهة، ولا شك في أن كورتي يدرك هذا التشابه التاريخي جيداً.

وفي حال تشكيل الاتحاد داخل كوسوفو، فسوف يكون بمثابة كابحٍ لجماح طموحات كوسوفو التي تريد بناء دولة أوروبية حديثة. علاوةً على أنه سيقوض سيادة كوسوفو ويمنعها من الانضمام إلى حلف الناتو.

كوسوفو
اشتباكات بين متظاهرين صرب وقوات الناتو شمالي كوسوفو، 30 مايو، 2023 / الأناضول

وقد استثمر الغرب الكثير في استقلال وأمن كوسوفو منذ عام 1999. ولا تزال كوسوفو في المقابل حليفاً قوياً للغرب داخل هذا الجزء من أوروبا.

ومن الواضح أن كوسوفو لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في أي وقتٍ قريب، لكن يجب على الغرب أن يضم كوسوفو إلى حلف الناتو، حيث سيكون من السهل دمج أحدث الدول الأوروبية -بعدد سكانها الذي يقارب مليوني نسمة- داخل التحالف. وتُعتبر هذه الخطوة قابلة للتنفيذ، وزهيدة التكلفة، ومهمةً من الناحية الاستراتيجية لتعزيز الأمن في البلقان، حسب الموقع البريطاني.

أما الخيار البديل فيتمثل في ترك كوسوفو خارج الناتو دون احتمال واقعي لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ومع وجود كيان سياسي في الشمال يلعب دور الوكالة لدولة مجاورة، مما سيحول كوسوفو إلى صراعٍ مُجمّد.

بينما سيؤدي انضمام كوسوفو للناتو إلى تقليص قدرة صربيا على إثارة الاضطرابات في شمال البلاد.

تحميل المزيد