تعتبر إفريقيا القارة الأقل مساهمة على الإطلاق في انبعاثات الكربون المسببة للاحتباس الحراري، إلا أنها الأكثر عرضة لتداعياته القاتلة، فكيف يمكن أن تلعب القارة السمراء دور البطل في مواجهة التغير المناخي؟
ومصطلح التغير المناخي معنيّ بوصف التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية للأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسبّبة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في الأماكن نفسها؛ ما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة أضرار ضخمة وخسائر على جميع المستويات.
على الرغم من أن العديد من العوامل تُساهم في حدوث الفيضانات على سبيل المثال، فإن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي نتيجة تغير المناخ يجعل هطول الأمطار الغزيرة أكثر احتمالاً. وارتفعت درجة حرارة العالم بالفعل بنحو 1.2 درجة مئوية منذ بدء عصر الصناعة، وستستمر درجات الحرارة في الارتفاع ما لم تُحدث الحكومات في جميع أنحاء العالم تخفيضات حادة في الانبعاثات الكربونية.
إفريقيا.. القارة المنكوبة
تعتبر الصين الدولةَ الأولى عالمياً من حيث الانبعاثات الكربونية المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، تليها الولايات المتحدة في المرتبة الثانية. ويمثل البلدانِ معاً نحو 40% من إجمالي التلوث بالكربون الذي يؤدي إلى التغير المناخي وتوابعه الكارثية على الطقس حول العالم، ويليهما الاتحاد الأوروبي ثم الهند وروسيا، بينما تأتي القارة السمراء في ذيل هذه القائمة.
ورغم الوعود المتكررة من جانب بكين وواشنطن، وغيرهما من الدول الكبرى، بالعمل على تخفيض تلك الانبعاثات الكربونية وغيرها؛ مثل غاز الميثان، فإن تلك الدول الصناعية لا تلتزم بتطبيق تلك الوعود في نهاية المطاف، لأسباب متنوعة، أبرزها التنافس الاقتصادي والاعتماد على الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم أيضاً، إلى جانب التعقيدات السياسية التي يخشاها قادة تلك الدول وأبرزها الصدام مع الشركات الكبرى.
ورغم ذلك فإن القارة السمراء تعاني من تداعيات التغير المناخي أكثر من غيرها، بحسب تقارير الأمم المتحدة، التي تشير إلى أن نحو 120 مليون مواطن إفريقي سيكونون معرضين للجفاف والحرارة المرتفعة بشكل متطرف والفيضانات المدمرة، وجميعها بسبب التغير المناخي وتداعياته، وذلك بحلول عام 2030.
وبالتالي فإن أي نقاش بشأن التغير المناخي، تظهر إفريقيا كضحية. وكشف تحليل لوكالة بلومبيرغ الأمريكية عن أن قارة إفريقيا تعاني من تداعيات الطوارئ المناخية، رغم أنها تتحمل قدراً ضئيلاً من المسؤولية عن الانبعاثات الكربونية المسببة لذلك.
وكان نصيب إفريقيا من إجمالي انبعاثات العالم من ثاني أكسيد الكربون في عام 2021 حوالي 2,8% فحسب، مقابل 25% للولايات المتحدة الأمريكية وحدها. وتعاني إفريقيا من ارتفاع شديد في درجات الحرارة، ومن فيضانات وانعدام الأمن المائي، وزيادة الأمراض، ومن أنماط طقس متغيرة. وبشكل إجمالي، تخسر الاقتصادات الإفريقية ما بين 5% و15% من النمو السنوي لنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بسبب تغير المناخ.
هل يمكن أن تسهم إفريقيا في حل مشكلة المناخ؟
لكن رغم كل هذه المعاناة، يرى البعض أن هناك مسار محتمل مختلف تمام بالنسبة للقارة المنكوبة، يستطيع من خلاله المستثمرون وضع دول إفريقيا الـ54 في القلب من "ثورة صناعية" خضراء، إذ تمتلك القارة ثلاثة عناصر حيوية، تتمثل في القوى العاملة الفتية، والموارد الطبيعية الوفيرة، وإمكانات الطاقة المتجددة.
ومن بين المتفائلين جيمس موانجي، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "إفريقيا كلايميت فينتشرز" (مشروعات المناخ في إفريقيا). وتشمل استثمارات شركته "شبكات كوكو في رواندا"، وهو عبارة عن مشروع ناشئ يهدف إلى توفير الوقود للطهي النظيف، بدلاً من استخدام الفحم والأخشاب.
وهناك أيضاً مشروع "جريت كاربون فالي" (وادي الكربون العظيم)، الذي يسعى إلى استغلال الموارد المتجددة في كينيا من أجل الصناعة الخضراء، وتقنية إزالة ثاني أكسيد الكربون، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.
وفي حين أن المشروعات ركزت في البداية على شرق القارة، أشار موانجي إلى إمكانيات التحول في أنحاء القارة. هناك حاجة لثلاثة عناصر لتحقيق نمو إيجابي فيما يتعلق بالمناخ في إفريقيا:
أولاً، يتعين على القارة تحاشي التكنولوجيات كثيفة الانبعاثات في مجالي الإنتاج والاستهلاك. ثانياً، تستطيع إفريقيا تقديم العون في إزالة الكربون على المستوى العالمي، باستضافة المزيد من الصناعات كثيفة الطاقة في العالم، وتوفير الطاقة المتجددة لها.
فعلى سبيل المثال، تقدر كينيا أنها تمتلك حوالي 10 آلاف ميجاوات من الطاقة الحرارية الأرضية، ولكن لم يتم تركيب سوى 950 ميجاوات فحسب من هذه السعة.
وتعد فرص الطاقة المتجددة والموارد الطبيعية الوفيرة جزءاً من أسباب إمكانية نجاح العنصر الثالث– أي تعزيز وتيرة إزالة الكربون، حيث يمكن للفحم الحيوي أن يساعد مزارعي الكاكاو.
والفحم الحيوي مادة تشبه الفحم، وهو شكل ثابت من الكربون يمكن استخدامه كسماد، وينتج من الكتلة الحيوية- الأغصان وبقايا الخشب- من خلال التحلل الحراري، أي التعرض للحرارة بدون أوكسجين. كما تستطيع كينيا إقامة مراكز لالتقاط الهواء المباشر في "الوادي المتصدع الكبير" في ظل وجود ظروف جيولوجية مثالية لتخزين ثاني أكسيد الكربون.
مشاكل إفريقيا المتنوعة
لكن على الرغم من الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة التي تمتلكها القارة الإفريقية، إلا أن نحو 77% من سكان القارة جنوب الصحراء يفتقرون إلى وجود الكهرباء، وربما يبدو من الغريب التركيز على ربط الصناعة وإزالة الكربون بشبكة الكهرباء بدلاً من إفادة الناس.
لكن إنجاز الشطر الأول ربما يفيد الهدف الثاني. وتكمن مشكلة الاقتصادات الإفريقية في الإفراط في الاستدانة، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، مما يعني أنه لا يمكن تخصيص الأموال للاستثمار في زيادة سعة الشبكات.
وتشير ويليامز في تحليلها إلى حل ممكن لهذه المعضلة، وهو توفير طلب صناعي ثابت يقتضي توسيع شبكات الكهرباء، مع التخلص من المخاطر المالية المتعلقة بالاستثمار.
ويكمُن مفتاح الحل في وجود تصاميم مدروسة، وعادلة؛ على سبيل المثال، السماح للشبكة بتوفير 20% من إنتاج مشروعات الطاقة لمناطق جديدة. وهناك أيضاً إمكانية توفير الطاقة بأسعار ميسورة.
وتواجه إفريقيا زيادة ضخمة في تكاليف إقامة المزيد من مصادر الطاقة المتجددة والتكنولوجيات الأخرى ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة. وعلى الرغم من الإمكانيات الهائلة، لم تشهد القارة سوى قدراً ضئيلاً من الاستثمارات في الطاقة النظيفة في العالم.
والتعامل مع هذه القضية هو مفتاح الحل، وأحد الخيارات يتمثل في قيام بنوك التنمية متعددة الجنسيات، مثل البنك الدولي، بدور أكبر في تمويل وتأمين هذه الاستثمارات. كما يتعين على جهات الرقابة والتنظيم التأكد من أن أسواق الكربون- التي ينظر إليها على أنها مصدر مستقبلي مهم للتمويل في القارة- تتسم بالنزاهة، والشفافية، والعمل من أجل تحقيق فوائد موثوقة.
تشير ويليامز إلى أن الحمائية المناخية التي يمارسها الغرب تعتبر تهديداً محتملاً. فعلى سبيل المثال، يهدد قانون الحد من التضخم في أمريكا، دون قصد، بالقضاء على المسارات التي تقود إلى إفريقيا؛ حيث يدعم فحسب سلاسل التوريد المحلية.
كما يهدد استبعاد صناعة الصلب الأخضر في تنزانيا، على سبيل المثال، من الدعم، بالقضاء على فرصة للتنمية المستدامة، ويضع حاجزاً مع أي شريك تجاري مستقبلي.
وهذه التهديدات تتناقض بطبيعة الحال مع سعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى استمالة القارة السمراء بعيداً عن النفوذ الصيني المتغلغل، وهذا الهدف الأمريكي هو السبب المباشر وراء القمة الأمريكية الإفريقية التي عقدها بايدن في واشنطن أواخر العام المنصرم.
وإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لوضع العدالة البيئية في الاعتبار؛ حيث يشير التحليل إلى العديد من مشروعات التحول الأخضر في العالم التي ارتبطت بالاستيلاء على الأراضي، وبانتهاكات حقوق الإنسان.
ولكن ثمة أمثلة مضيئة؛ مثل شركة "كيبتو للطاقة" في كينيا، والتي تدفع لملاك الأراضي 1,4% من إجمالي العائدات السنوية التي تجلبها مزارع توليد الطاقة من الرياح التي تقام على أراضيهم، أي ما يعادل حوالي 12 ألف دولار سنويا مقابل كل توربين رياح في هذه الأراضي.
وفي ختام التحليل، تؤكد ويليامز أنه حال تبنى المستثمرون والمطورون نهجاً يركز على إفادة الناس، مع وجود معايير راقية ومشاركة مجتمعية قوية، ستحظى الدول الإفريقية بتحركات لمواجهة التغير المناخي، وفي الوقت نفسه تعزيز مستويات المعيشة. وفي ظل التبدد السريع لهدف الحفاظ على الاحتباس الحراري دون 1,5 درجة مئوية، يمثل النمو الأخضر في إفريقيا فرصة أمام الجميع.