حالة من السخط يمر بها المصريون حيال الرئيس عبد الفتاح السيسي بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد رغم بعض التغيرات في مجال البنية التحتية التي تعيشها مصر، كما يقول تقرير لصحيفة The Economist البريطانية.
التقرير أيضاً قارن القرارات التي يتخذها السيسي في السنوات الأخيرة بتلك التي اتخذها الخديوي إسماعيل في مطلع القرن 19، والتي تسببت في "توريط" وإفلاس مصر، وجعلتها فريسة لاحتلال الدول الأجنبية بسبب الديون.
وبذل الخديوي إسماعيل وعوداً كثيرة، وبنى عاصمة جديدة، وشق قناة السويس عبر صحراء سيناء، ومدَّ السكك الحديدية والجسور لتربط أرجاء مملكته. لكن تطلعاته الكبرى إلى التحديث آلت بمصر إلى الإفلاس. فاضطر في البداية إلى بيع قصوره الثمينة، ثم تخلى عن حصته في القناة، وكان آخر الأمر أن فقدت مصر سيادتها. واليوم، لم يتبقّ من القصر الكبير (قصر المُسافر خانة) الذي ولد به في منطقة "الجمالية" بمصر القديمة إلا أكوام من الأنقاض ترتع فيها الكلاب الضالة، ويتخفى بها الشباب لتعاطي المخدرات.
يخشى المصريون اليوم أن يعيشوا المأساة نفسها التي نزلت بأجدادهم في عهد مستبدٍ آخر تسوقه أوهام العظمة التي استحوذت على سابقه؛ فقد أعلن عبد الفتاح السيسي أنه سيؤسس "جمهورية جديدة"؛ وحفرَ "قناة سويس" أخرى موازية للقناة الأولى، وأعلن عن بناء 20 مدينة جديدة، وسكك حديدية بتكلفة 23 مليار دولار، ومئات الجسور، وعاصمة جديدة فاخرة تقوم على مشارف القاهرة بتكلفة 58 مليار دولار، بحسب الصحيفة البريطانية.
أطول برج مقابل اقتصاد متهاوٍ
ففي الوقت الذي أوشك فيه السيسي على الانتهاء من بناء أطول برج في إفريقيا، فإنه ما انفك يقود اقتصاد البلاد إلى الانهيار؛ إذ تستنزف مستحقات خدمة الديون أكثر من نصف الميزانية، وبلغ معدل التضخم في أسعار الغذاء 60%. وهي الحال التي لخصها مدير بنك على المعاش أخذت أسرته -مثل كثير من أسر الطبقة الوسطى- تنحدر نحو الطبقات الفقيرة، بالقول: "لا يمكننا أن نأكل الكباري".
وتضيف الصحيفة البريطاينية: فإذا أردنا الإنصاف، فينبغي القول إن السيسي نفذ كثيراً مما وعد به، فقد أنقذ مصر مما وُصف بـ"اضطرابات الربيع العربي"؛ وأخرج مصر من غياهب الركود الممتد في عهد حسني مبارك؛ وأقبل على إصلاح البنية التحتية المتدهورة في البلاد، فافتتح المرحلة الأولى من خط سكة حديد فائق السرعة يمتد من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر؛ وقللت الطرق التي أنشأها من الاختناقات المرورية؛ وزادت الخدمات الرقمية من سرعة إنجاز الإجراءات، كما أن قوائم الانتظار في المستشفيات الحكومية قد تقلصت عن ذي قبل.
لكن رغم ذلك، فإن التكاليف جاءت باهظة. ففي عهد السيسي، زادت نسبة الدين الخارجي من الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من الضعف؛ وتناقصت الثقة بالإدارة الاقتصادية للبلاد، فهربت رؤوس الأموال إلى الخارج؛ وسحب المستثمرون الأجانب 20 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي؛ وفقد الجنيه المصري 5 أسداس قيمته مقابل الدولار، وانخفض إلى نصف قيمته خلال العام الماضي وحده؛ وتزايد التضخم، وتضاعفت أسعار الأدوية المضادة للاكتئاب (لنقصها وزيادة الإقبال عليها) منذ أبريل/نيسان.
وقلَّت العملة الأجنبية في السوق إلى حدٍّ اضطرت معه مصر الشهر الماضي إلى إرجاء دفعات مالية مطلوب سدادها لاستيراد القمح. وبالنظر إلى ضخامة الديون الواقعة على البلاد، فإن الحصة المتدنية لمخصصات التعليم والصحة في الميزانية ما فتئت تزداد تدنياً. وتذهب بعض المصادر إلى أن أكثر من نصف المصريين صاروا واقعين تحت خط الفقر.
السخط في كل مكان
وبينما تعرض اللوحات الإعلانية صور المنازل الفارهة في مدن السيسي الجديدة البراقة، فإن المصريين استبد بهم اليأس وبات يستعصى عليهم إخفاء سخطهم. فعلى الرغم من أن البيانات تشير إلى أن السيسي اعتقل أكثر من 60 ألف شخص يقبعون في السجون لأسباب سياسية، فإنه لا يمكنه في النهاية أن يسجن كل الناس أو أن يحبسهم عن الكلام طوال الوقت.
وقد بدأ السيسي حملة ترشحه لولاية ثالثة في المحافظات، لكن السخط الشعبي يتجلى في كل مكان. ويقول أب لخمسة أطفال من محافظة القاهرة للصحيفة البريطانية: "إنه يتحكم في كل شيء"، "فلماذا يعجز عن التحكم في الأسعار؟".
صار الجيش كذلك في مرمى غضب الناس، فعلى الرغم من أن المهندسين العسكريين يزعمون أنهم أكثر اهتماماً بالمصلحة العامة، وأقل فساداً وأعلى كفاءة، ويعملون بتكلفة أقل من نظرائهم في القطاع الخاص، فإن قدرتهم على تسخير المجندين في مشروعاتهم يعطيهم ميزة تنافسية. وزاد على ذلك أن اللواءات الذين حلوا محل التكنوقراط لإدارة مؤسسات الدولة سيطرت عليهم نوازع الجشع واحتكار السوق. ووجدت دراسة أجراها يزيد صايغ من "مركز كارنيغي" أن القوات المسلحة تعمل بلا كلل على توسيع أنشطتها الاقتصادية والتجارية. ويقول أحد الصحفيين: "الناس ترى أنهم يخدمون أنفسهم، وليس البلد"، بحسب الصحيفة البريطانية.
في غضون ذلك، أوشك صبر المستثمرين المحتملين والمانحين وصندوق النقد الدولي على النفاد؛ فقد أكدت السلطات لمسؤولي الصندوق العام الماضي أن الحكومة عازمة على خصخصة 32 شركة مملوكة للجيش في وقت قريب، لكن ذلك لم يحدث بعد. ويعزو أحد الموالين ذلك إلى الرغبة في الحفاظ على وظائف المصريين في هذه الشركات. ويخالفه في ذلك خبير أجنبي مخضرم في شؤون مصر، فيقول: "الجيش عملاق متمدد، لن يتخلى عن سيطرته الاقتصادية".
من جهة أخرى، فقد أصدرت مجموعة ليبرالية بياناً حمل عنوان: "آخر الحكام العسكريين لمصر"، واقترحت العودة إلى الحكم المدني. لكن معظم المصريين متخوفون من الاضطرابات التي أعقبت انتفاضة 2011 وانقلاب 2013.
ولما كان السيسي قليل الثقة باللواءات العسكريين، فإنه حرص على تبديل وظائفهم بانتظام. وربما تعين عليه أن يكبح طموح صهره محمود حجازي، رئيس المخابرات السابق. ويُقال إن الرئيس ينام في مكان مختلف كل ليلة، لا سيما أن لديه منازل فاخرة كثيرة ليختار من بينها! بحسب الصحيفة البريطانية.
لطالما تطلع النظام المصري إلى إنقاذ دول الخليج له، فقد قدمت تلك الدول للسيسي القروض الميسرة، والمنح، والوقود الرخيص، وغير ذلك من سبل المساعدات التي بلغت نحو 100 مليار دولار منذ توليه السلطة. لكن حكام الخليج ضجروا من هذا المسلك في الآونة الأخيرة. ويقول دبلوماسي غربي إنهم قللوا المساعدات في آخر السنوات، ومالوا إلى الاستحواذ على الشركات الناجحة والأصول.
والحال كذلك، يزعم بعضهم أن قصراً آخر أنشأه الخديوي إسماعيل قد يعود للعرض في الأسواق، وهو "قصر الجزيرة" الساحر (فندق ماريوت الزمالك حالياً). بل يزعم بعضهم همساً أن مصر قد تؤجر قناة السويس بعقدٍ يمتد 99 عاماً مقابل تريليون دولار، أو نحو ذلك!