في محطة يعول عليها لتعزيز علاقات استراتيجية قديمة بين البلدين، بدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارة دولة إلى روسيا، هي الأولى له منذ توليه الحكم نهاية 2019.
وحسب الرئاسة الجزائرية، فإن الزيارة التي بدأت الثلاثاء، 13 يونيو/حزيران 2023، تستمر 3 أيام، وجاءت بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إطار تعزيز التعاون بين البلدين.
وأوضحت أن تبون سيشارك خلال هذه الزيارة في أعمال المنتدى الاقتصادي الدولي بمدينة سان بطرسبورغ الروسية، المقرر عقده بين 14 و17 يونيو/حزيران الجاري.
وكانت الرئاسة الجزائرية أعلنت نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أن تبون اتفق مع نظيره الروسي على زيارة دولة سيجريها إلى موسكو، في مايو/أيار 2023، لكنها لم تتم في موعدها لأسباب لم تعلن عنها سلطات البلدين.
شكوك حول زيارة باريس
وتتزامن زيارة تبون إلى موسكو مع شكوك تحيط بأخرى مبرمجة خلال الشهر الجاري إلى فرنسا، والتي تأجلت أيضاً بعد أن كانت مقررة في مايو/أيار الماضي.
واصطدمت التحضيرات لزيارة تبون إلى باريس بعقبة جديدة، عقب تصويت نواب حزب الرئيس الفرنسي بالبرلمان الأوروبي، يوم 11 مايو/أيار الماضي، على لائحة تنتقد وضع حقوق الإنسان في البلد العربي، مخلفة غضباً في الجزائر، فيما بدأت وسائل إعلام فرنسية الحديث عن تأجيلٍ آخر لزيارة تبون.
وسبق للرئيس الجزائري أن أكد في لقاء مع وسائل إعلام محلية أنه سيزور موسكو، وأن لبلاده علاقات جيدة مع جميع الدول، بما فيها الولايات المتحدة والصين.
وبشأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قال تبون إن الجزائر لا تدين العملية ولا تؤيدها، وإن موقفها هو "عدم التحيز لأي طرف".
بريكس والسلاح و"أوبك +"
وقبل أشهر صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لقناة "روسيا اليوم" المحلية، بأن "الرئيس تبون يفهم جوهر وتاريخ ومستقبل الشراكة الاستراتيجية الروسية الجزائرية".
وأضاف لافروف أن البلدين لديهما "حوار نشط في جميع المجالات، ونحن شركاء مع الجزائر وليس فقط في إطار تحالف (أوبك +)".
ويعتبر البلدان من أعضاء تحالف "أوبك+" الذي انطلقت لبنته الأولى في اجتماع سبتمبر/أيلول 2016 بالجزائر العاصمة، وضم حينها أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" ومنتجين من خارجها على رأسهم موسكو.
وتشير بيانات جزائرية رسمية إلى أن البلاد تعتبر ثاني شريك تجاري لروسيا في القارة الإفريقية، بحجم مبادلات قاربت 3 مليارات دولار في 2021.
وبحسب تقرير معهد استوكهولم للأبحاث حول السلام "SIPRI"، الصادر في مارس/آذار 2023، تعد الجزائر ثالث مستورد عالمي للسلاح الروسي، بعد الهند والصين، فيما تعتبر موسكو أول ممول للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق 50%.
كما تحدث لافروف عن قضية انضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس"، مبيناً أن هناك عدة دول تقدمت بالطلب نفسه.
وأوضح وزير الخارجية الروسي أن "الجزائر بالتأكيد وفقاً لمميزاتها وخصائصها كافة تحتل الصدارة في قائمة المتقدمين".
ومنتدى "بريكس" منظمة دولية مستقلة يقول أعضاؤها إنهم يشجعون التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي فيما بينهم.
وتشكلت النواة الأولى لما باتت الآن تُعرف بدول "بريكس" عام 2001 من طرف البرازيل وروسيا والهند والصين، وكانت تُسمى حينها دول "بريك"، ثم انضمت إليها جنوب إفريقيا التي تحتضن مؤتمرها القادم، في أغسطس/آب 2023.
الضغوط الأمريكية على الجزائر
ولمح لافروف في تصريحاته إلى وجود ضغوط أمريكية على الجزائر بسبب علاقاتها المتميزة مع روسيا.
وقال: "سمعت أن مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، قد وجهوا رسالة خاصة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يعربون فيها عن انزعاجهم بشأن عدم انضمام الجزائر إلى العقوبات ضد روسيا".
وأضاف: "الجزائريون ليسوا ذلك الشعب الذي يمكن أن يملي عليه أحد ما يفعله بهذا الشكل، ولا يمكن الانتظار من الجزائريين أن يمتثلوا وينفذوا بإشارة يد من وراء المحيط توجيهات تتناقض بشكل مباشر مع مصالحهم الوطنية".
5 عوامل وراء الزيارة
في هذا الشأن، يرى المحلل السياسي الجزائري قوي بوحنية، أن زيارة تبون إلى روسيا أملتها 5 عوامل رئيسية.
وأوضح بوحنية في حديث للأناضول، أن "العامل الأول هو أن الجزائر لها علاقات تاريخية واستراتيجية مع روسيا، سواء في مجال اقتناء السلاح أو التعاون الطاقوي".
أما العامل الثاني، حسب بروفيسور العلوم السياسية بجامعة ورقلة (جنوب) الحكومية، فيتعلق بأزمة جائحة كورونا، حين وقفت روسيا بشكل مميز إلى جانب الجزائر في إطار ما يسمى الدبلوماسية الصحية، ودعمت البلاد بلقاحات "سبوتنيك" وغيرها.
وبخصوص العامل الثالث، أشار المتحدث إلى أنه ظهر خلال القمة العربية الأخيرة بالجزائر (مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي)، حين تلقى الرئيس تبون أول تهنئة بنجاح القمة من نظيره الروسي.
فيما يتعلق بالعامل الرابع يشرح المحلل السياسي بوحنية، أن الجزائر وخلال الأزمة الأوكرانية لم تدعم الإجراءات الدولية الهادفة لفرض عقوبات على روسيا، وبقيت تحافظ على علاقاتها الاستراتيجية معها، ونسقتا في كثير من المحاور.
وبشأن العامل الخامس والأخير، أوضح بوحنية أن الزيارة المرتقبة للرئيس تبون إلى موسكو، تأتي أيضاً ضمن رؤيته من حيث تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية الهجومية، للبحث عن أسواق وشراكات جديدة، ومنها الانضمام إلى مجموعة "بريكس".
وأشار في هذا الصدد إلى أن "آخر تصريح لوزير خارجية روسيا، أكد فيه أن الجزائر تعتبر من أقوى الدول التي لها ملف مهم جداً، يجعلها تنضم إلى مجموعة بريكس بكل أريحية".