يعقد البرلمان اللبناني، الأربعاء 14 يونيو/حزيران، جلسته رقم 12 لاختيار رئيس البلاد، فهل يفوز أي من سليمان فرنجية، أو جهاد أزعور أخيراً، أم يظل المنصب شاغراً انتظاراً للجلسة 13؟
كان لبنان قد شهد، منذ سبتمبر/أيلول 2022 نحو 11 جلسة كان آخرها في 12 يناير/كانون الثاني الماضي، لانتخاب رئيس للبلاد خلفاً لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، دون أن يتفق الفرقاء في البلد المأزوم على اختيار الرئيس.
وفي هذا السياق، يترقب اللبنانيون جلسة الأربعاء للبرلمان، أملاً في أن تسفر هذه المرة عن انتخاب رئيس للجمهورية بعدما انحصرت المنافسة بين مرشح المعارضة جهاد أزعور، ومرشح الثنائي الشيعي "حزب الله" و"حركة أمل" سليمان فرنجية.
فما يميز جلسة البرلمان المرتقبة هذه المرة واتفاق القوى المعارضة على ترشيح أزعور للرئاسة، بعد اتفاق أغلب القوى المسيحية عليه كمرشح "مختار" لحل الأزمة المالية والاقتصادية التي يشهدها لبنان.
من هو جهاد أزعور؟
يبلغ جهاد أزعور، المولود عام 1966، من العمر 57 عاماً، وهو مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، لكنه علّق عمله منذ أيام مؤقتاً لتجنّب أي تضارب في المصالح بعد ترشيحه لرئاسة الجمهورية، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
كان أزعور قد شغل منصب وزير المالية من عام 2005 وحتى 2008، وهي الفترة التي قام خلالها بتنسيق تنفيذ مبادرات مهمة للإصلاح، منها تحديث النظم الضريبية والجمركية اللبنانية.
وفي الفترات السابقة واللاحقة لعمله وزيراً للمال، تولى عدة مناصب في القطاع الخاص، منها عمله نائباً للرئيس ومستشاراً تنفيذياً أول في شركة "ماكينزي وبوز آند". وقبل انضمامه إلى صندوق النقد الدولي في مارس/آذار 2017، كان مديراً شريكاً في شركة إنفنتيس بارتنرز للاستشارات والاستثمار.
يحمل أزعور درجة الدكتوراة في العلوم المالية الدولية، ودرجة علمية عليا في الاقتصاد الدولي والعلوم المالية، وكلتاهما من معهد الدراسات السياسية في باريس.
ويعتبر أزعور المرشح التوافقي لمعظم القوى المسيحية، التي تروج له بحكم علاقاته الواسعة عربياً ودولياً، وأنه يتمتع بالمواصفات التي تشترطها الدول المعنية بالملف الرئاسي في لبنان، خصوصاً الولايات المتحدة والسعودية، كونه رجلاً إصلاحياً يمكنه طرح برنامج إنقاذي للبلاد ويحافظ على علاقات لبنان بالخارج، بحسب تقرير لموقع فرانس 24 الفرنسي.
لكن ترشيح أزعور واجه حملة اعتراض شرسة من "حزب الله" و"حركة أمل" وتم وصفه بأنه "مرشح التحدي"، إضافة إلى مجموعة اتهامات بشأن حقبة توليه منصبه وزيراً للمالية، بجانب مزاعم عن "علاقات مشبوهة" مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يتم التحقيق معه حالياً في مخالفات مالية.
ويواجه حاكم مصرف لبنان المركزي خلال العقود الثلاثة الماضية وابلاً من التحقيقات بشأن ثروته وأنشطته، وتنبع أهمية هذه القضية تحديداً في كون القطاع المصرفي بقلب أزمة لبنان المالية، التي اندلعت منذ أواخر عام 2019، حين حالت البنوك إلى حد كبير بين العملاء وودائعهم الدولارية، وأوقفت التحويلات إلى الخارج منذ ذلك الحين، مع تنامي شُحّ الدولار.
كما تسبب الانهيار المالي في تداعي قيمة العملة المحلية، وأجبر البلاد على إعلان عدم قدرتها على سداد ديون سيادية، ودفع نصف السكان على الأقل إلى الفقر. ولا تزال الأزمة مستمرة ويدفع ثمنها أغلب اللبنانيين.
من هو سليمان فرنجية؟
أما سليمان فرنجية فهو من مواليد عام 1965 وهو ابن عائلة سياسية من مدينة زغرتا شمال لبنان؛ حيث كان جده سليمان فرنجية (1910-1992) رئيساً للجمهورية، وأبوه طوني فرنجية (1941-1978) وزيراً، وهو حليف وثيق لعائلة الأسد في سوريا.
بدأ فرنجية العمل السياسي عام 1982 قائداً لـ"مليشيا المردة" المسلحة التي أسسها والده، لكنه حلها عام 1991 بعدما أقر "اتفاق الطائف" حل المليشيات اللبنانية. وانتقل في العام نفسه إلى ممارسة العمل السياسي؛ حيث عُيّن نائباً عن شمال لبنان، ثم انتُخب نائباً لثلاث دورات متتالية أعوام 1992 و1996 و2000.
لم ينجح في دخول البرلمان بانتخابات 2005 بعد الانسحاب السوري من لبنان، لكنه كرّس زعامته على قضاء زغرتا (بمحافظة الشمال) في انتخابات عام 2009، حيث عبر إلى الندوة البرلمانية بلائحة من ثلاثة أعضاء وشكّل كتلة نيابية.
وبعدها رشح فرنجية ابنه طوني في دورتي 2018 و2022 البرلمانية، وهو الآن ليس نائباً ولا يتولى أي منصب في الدولة سوى زعامة "تيار المردة" الذي يتخذ من زغرتا مقراً له.
في 2016، تم ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية بواسطة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري لإنهاء شغور رئاسي دام نحو 4 سنوات بسبب إصرار "حزب الله" وحليفه المسيحي الأبرز جبران باسيل على ترشيح عون للرئاسة، غير أن رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع رفض ترشيح فرنجية واختار الاتفاق مع عون للرئاسة.
وبعد أكثر من 4 أشهر على شغور منصب الرئاسة الذي كان يشغله عون، حليف "حزب الله"، تم ترشيح سليمان فرنجية للمنصب بواسطة أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، وزعيم "حركة أمل" نبيه بري.
وينطلق فرنجية في حملته الانتخابية من عدد من المواضيع الشائكة التي تسيطر على المشهد السياسي اللبناني، فمع إعلان ترشيحه قال إنه سيسعى لطرح سلاح حزب الله أمام طاولة حوار وطني تناقش الاستراتيجية الدفاعية. كما أعلن أنه مع التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وأنه سيسعى لإعادة اللاجئين السوريين بالتنسيق مع دمشق.
ما موقف نواب البرلمان اللبناني حالياً؟
بحسب المادة 49 من الدستور اللبناني، يتم انتخاب رئيس الجمهورية في دورة التصويت الأولى بغالبية الثلثين، بينما يُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف+1) في الدورات التالية بحال حضور 86 نائباً من أصل 128.
وقبل جلسة الأربعاء، يعمل الطرفان (المعارضة من جهة، وحزب الله وحركة أمل وحلفاؤهما من جهة أخرى) على حشد أكبر عدد من الأصوات للمرشحين، رغم أنهما يعلمان أن الجلسة لن تؤدي على الأرجح إلى انتخاب رئيس، إلا أنها فقط محاولة، كما يقول مراقبون، تهدف لاستكشاف الأحجام وقدرة كل مرشح العددية.
فقبيل الجلسة، رجح مراقبون عدم انتخاب رئيس في ظل استحالة تأمين أي من المرشحين موافقة الثلثين في الدورة الأولى (86 صوتاً من أصل 128)، واحتمال محاولة "حزب الله" وحلفه السياسي بإفشال نصاب الدورة الثانية بعدم حضور 86 نائباً.
وفي وقت لم يحسم عدد من النواب اسم مرشحهم، يعمل الفريق المعارض لفرنجية على حثّ بعض النواب من صفوف "التغيير" والمستقلين على التصويت لصالح أزعور، وذلك بهدف تأمين 65 صوتاً على الأقل (النصف+1)، وهو ما يحتاجه للفوز في الدورة الثانية.
وبانتظار أن يعلن 24 نائباً موقفهم عشية الجلسة؛ إذ فضّل بعضهم الاحتفاظ بخطوته حتى صباح الأربعاء، تمكن أزعور من حصد نحو 61 صوتاً، تشمل نواباً من قوى "التغيير والمستقلين" ونواباً من "التيار الوطني الحر" في ظل الحديث عن أن عدداً منهم لن يلتزموا بالتصويت لأزعور.
واستطاع أزعور، حتى اللحظة، تأمين أصوات "حزب القوات اللبنانية"، و"الحزب التقدمي الاشتراكي" (يتزعمه وليد جنبلاط) و"حزب الكتائب اللبنانية"، ويضم 4 نواب إلى جانب النواب ميشال معوض، وأشرف ريفي، وأديب عبد المسيح، وفؤاد مخزومي.
في المقابل، ضمن فرنجية 43 صوتاً، أبرزها كتلته النيابية التي تضم 4 نواب، إلى جانب "حركة أمل" و"حزب الله"، وعدد من النواب وكتلة "التوافق الوطني"، يضم 5 نواب مستقلين من الطائفة السنية. ويتكون مجلس النواب اللبناني من 5 نواب مستقلين، وكتلة القوات اللبنانية (19) والتيار الوطني الحر (17) وحركة أمل (15 نائباً) وحزب الله (15 نائباً)، والمجتمع المدني أو التغييرين (13) ومستقلين (13)، والحزب التقدمي الاشتراكي (8) والائتلاف النيابي المستقل (10) وكتلة الأرمن (3) والكتائب (4) وحركة الاستقلال (2)، والجماعة الإسلامية (1) والتكتل الوطني المستقل (3) ليصبح العدد الإجمالي 128 نائباً.
وهناك متغير جديد قبل هذه الجلسة وهو التغييرات في المشهد الإقليمي والدولي؛ مثل الاتفاق بين السعودية وإيران وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، إضافة إلى تسمية قصر الإليزيه لوزير الخارجية السابق جان إيف لودريان مبعوثاً خاصاً للبنان، لتثير التساؤلات حول ما إذا كانت تعني تغيراً في السياسة الفرنسية والدولية تجاه لبنان.
والملاحظ في هذه الجلسة تحديداً نشاط حركة الاتصالات الخارجية والداخلية الساعية للتقريب بين وجهات نظر الأطراف اللبنانية وحضور متوقع للمبعوث الفرنسي الخاص جان إيف لودريان، الذي عينه الرئيس إيمانويل ماكرون مؤخراً لمتابعة هذا الملف.
وأعاد تعيين لودريان، وزير الخارجية الفرنسي السابق والديبلوماسي الخبير بالشؤون اللبنانية، للمساهمة في إنهاء أزمة الانتخابات الرئاسية، الزخم للدور الفرنسي في لبنان، الذي لطالما حاولت باريس، خاصة بعد انفجار بيروت المأساوي في 2020، استعادته من خلال مبادرات عدة باءت جميعها بالفشل.
وبحسب تحليل فرنسي، فإن ما يمكن استنتاجه حول الخطوات الفرنسية قبل لودريان، هو أنها كانت تحاول إقناع الفرقاء اللبنانيين بالمرشح الممكن، وسعت لإقناعهم بالمقايضة بين موقعي رئاسة الجمهورية والحكومة، حيث يتم انتخاب سليمان فرنجية (مرشح الثنائي الشيعي) رئيساً للبلاد ونواف سلام (دبلوماسي لبناني) رئيساً للحكومة. لكن هذا المقترح أثار استياء الأحزاب المسيحية اللبنانية الرافضة لوصول فرنجية لسدة الرئاسة؛ ما أفقد المبادرة الفرنسية زخمها وأعاد الأمور إلى المربع الأول.
ويبدو أن تعيين لودريان يشير إلى أن فرنسا قررت اعتماد مقاربة مختلفة حيال هذا الملف، فقبيل الإعلان عن تعيينه، كانت وزيرة الخارجية قد أعلنت من العاصمة السعودية أن لا مرشح لفرنسا في لبنان، وأن بلادها تسعى لمساعدة بيروت على الخروج من هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن. المقاربة المختلفة قد تتلخص هنا بالتقاطع مع الموقف السعودي المتكرر بأن لا مرشح خاصاً للمملكة في لبنان، وأنه يجب أن تأتي المرحلة المقبلة بمرشح تسوية وتوافق.