وصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بكين، الثلاثاء 13 يونيو/حزيران، في زيارة تستمر 4 أيام، فهل يمكن أن تلعب الصين دوراً في الصراع العربي الإسرائيلي فعلاً؟ أم أن بكين المستفيد الوحيد؟
تأتي زيارة عباس إلى بكين تزامناً مع مرور 35 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين السلطة الفلسطينية والصين، وسيلتقي خلالها بالرئيس الصيني شي جين بينغ بهدف "تعزيز وتوطيد العلاقات الثنائية القوية في المجالات كافة"، بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الجانبين.
كما تأتي الزيارة في وقت مهم للغاية بالنسبة للطموحات الصينية على المسرح العالمي بشكل عام، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، حيث إن نجاح بكين في الوساطة بين السعودية وإيران وتوقيع اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الخصمين الإقليميين، قد أضاف رصيداً هائلاً إلى صورة الصين كقوة مؤثرة وفاعلة.
ماذا يريد الرئيس الفلسطيني؟
إذا ما بدأنا القصة من طرفها الفلسطيني، فسنجد أن رئيس السلطة محمود عباس قد تراجعت أسهمه بشكل لافت على المستوى المحلي خلال السنوات الأخيرة. ومن ثم يرى بعض المختصين في تصريحات لوسائل الإعلام الفلسطينية أن استضافة الصين للرئيس عباس، وهو الزعيم العربي الأول الذي يقوم بزيارة رسمية لبكين هذا العام، ما هو إلا مؤشر ودليل على أنه لا أمن ولا استقرار في الشرق الأوسط ما لم يتم التوصل لحل عادل لقضية الشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة الرئيس الصيني الداعية لتحقيق حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
وربما يكون الملف الفلسطيني ساحة جديدة تبرز فيها بكين قدراتها على تحريك ملفات جامدة وتنافس في ذلك الولايات المتحدة التي بدأت تفقد وزنها النوعي في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الدور الذي لعبته الصين في قمة الرياض العربية-الصينية للتعاون والتنمية خلال ديسمبر/كانون الأول 2022.
لكن صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً عنوانه "الاهتمام الصيني بفلسطين يتعلق بمكانة بكين عالمياً أكثر مما يتعلق بالسلام"، رصد وجود اعتقاد، حتى بين كبار المسؤولين الفلسطينيين، بأنَّ زيارة الدولة لرئيس السلطة الفلسطينية للصين تهدف إلى تعزيز أوراق اعتماد بكين على المسرح العالمي، وليست محاولة جادة لإحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
وسائل الإعلام الحكومية الصينية وصفت زيارة الرئيس محمود عباس بأنها تهدف إلى تسهيل محادثات جديدة تستند إلى حل الدولتين للصراع المستمر منذ عقود. لكن مصادر فلسطينية وإسرائيلية أخبرت صحيفة The Guardian أنَّ زيارة عباس رفيعة المستوى تدور حول صقل مكانة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بوصفه رجل دولة عالمياً، ومن غير المتوقع حدوث تقدم دبلوماسي.
وكانت آخر محادثات سلام مباشرة بين مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين، بوساطة واشنطن، قد انعقدت في عام 2014. ومنذ ذلك الحين، جعل النمو الهائل للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة حل الدولتين شبه مستحيل. إذ رصد تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية كيف أن إسرائيل قد اتخذت خطوات فعلية لضم الضفة الغربية المحتلة بشكل فعلي.
كما أن السياسة الإسرائيلية تحركت بثبات نحو جناح اليمين حتى تشكلت الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية برئاسة بنيامين نتنياهو وحلفائه إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، وياريف ليفين وزير العدل وغيرهم، وهي الحكومة التي توصف بأنها "حكومة السوابق.
كيف تستفيد الصين من زيارة عباس؟
ورغم ذلك، في ديسمبر/كانون الأول، على هامش القمة بين الصين والدول العربية التي عُقِدَت في المملكة العربية السعودية، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بنظيره عباس وتعهد علناً "بالعمل من أجل حل مبكر وعادل ودائم للقضية الفلسطينية". وكُرِّرَت الرسالة ذاتها في أبريل/نيسان، عندما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية أنَّ وزير خارجية البلاد، تشين جانغ، أبلغ نظيريه الإسرائيلي والفلسطيني عبر الهاتف أنَّ بكين مستعدة للمساعدة في مفاوضات السلام.
وعلّق مصدر كبير في السلطة الفلسطينية، طلب من الغارديان عدم نشر اسمه للتحدث بحرية: "من الواضح أنَّ توقيت هذه الدعوة مُرتَّب لتتزامن مع الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لتدشين العلاقات الفلسطينية الصينية، ومن الغريب إحياء هذه الذكرى؛ بالنظر إلى دعم الصين الطويل الأمد لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل ذلك. لكن هذا يتعلق بإظهار الصين قوتها وجعل الولايات المتحدة تبدو ضعيفة".
وأضاف المصدر: "يجتمع شي مع الكثير من القادة العرب لأنه يعلم أنهم ليسوا سعداء بتراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة.. ولم يُدعَ عباس لرؤية [الرئيس الأمريكي جو] بايدن إلى الآن".
وتتسم العلاقات بين الصين وإسرائيل بالفتور حالياً؛ إذ تشعر الأخيرة بالقلق من العلاقات الاقتصادية للصين مع إيران، وتحدث المسؤولون الإسرائيليون بمزيد من الصراحة مع بكين عن أنَّ تل أبيب لا تزال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالولايات المتحدة في السياسة الخارجية.
إضافة إلى ذلك، يشير عدم توجيه أية دعوة صينية لوفد إسرائيلي إلى أنَّ الإنجازات الدبلوماسية الرئيسية لن تتحقق من الزيارة؛ وعلى أفضل تقدير، تشمل التوقعات التعهد بمزيد من الرعاية الصينية للنضال الفلسطيني من أجل إقامة دولة في المحافل الدولية، وزيادات متواضعة في تعهدات التمويل الإنساني.
وفي إشارة إلى السياسة الخارجية الجديدة الطموحة لبكين، قال توفيا غيرنج، الباحث في مركز Guilford Glazer التابع للمعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي: "تقع إسرائيل في سيناريو غريب مزدوج؛ حيث تنفصل الاعتبارات الجيوسياسية عن العلاقات الاقتصادية مع العديد من البلدان، بما في ذلك الصين. وبصراحة، عندما سألت كبار المسؤولين عن رأيهم في هذا التطور، أجابوا بأنهم لا يعرفون حتى اسم وزير الخارجية الصيني ولا أي شيء عن مبادرة الأمن العالمي".
ولا يوجد موقف رسمي من جانب السلطة الفلسطينية بشأن محنة أقلية الإيغور المسلمة المضطهدة في الصين، على الرغم من أوجه التشابه الظاهرة بين محنة الشعبين. وقد زار وفد دبلوماسي من جامعة الدول العربية مقاطعة شينغ يانغ الأسبوع الماضي، في خطوة انتقدتها جماعات حقوق الإنسان على نطاق واسع باعتبارها محاولات لـ"تبييض" انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها بكين بحق الأقلية المسلمة.
وفي العام الماضي، شجبت إسرائيل، بناءً على طلب من الولايات المتحدة، سياسات بكين في شينغ يانغ في الأمم المتحدة. بينما انتقدت الصين مراراً الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في السنوات الأخيرة، ولا سيما العمليات العسكرية في قطاع غزة المحاصر.
وقال الباحث توفيا غيرنج للصحيفة البريطانية: "لا توجد أسس ولا ظروف تجعل محادثات السلام ممكنة في أي وقت في المستقبل القريب. وبكين تعرف ذلك. لكنها محاولة لإرسال إشارات عن فضائلها، ووضع الصين في موقع المنقذ العالمي للإسلام على الرغم مما يحدث للإيغور".