"مليار يورو لتونس" يبدو أن أوروبا بقيادة إيطاليا فتحت خزائنها وهرولت للرئيس التونسي قيس سعيد خوفاً من انهيار اقتصاد البلاد، ونشوب أزمة هجرة جديد، حيث قدمت عرضاً بإقراض تونس أكثر من مليار يورو، فما هي تفاصيل صفقة القرض الأوروبي لتونس وعلاقتها بمؤامرة الهجرة وتغيير تركيبة تونس السكانية التي تحدث عنها سعيد؟
وعرض الاتحاد الأوروبي خلال زيارة رفيعة المستوى لثلاثة من قادته، على تونس أكثر من مليار يورو (1.07 مليار دولار) في محاولة لمساعدة الدولة العربية الواقعة في شمال إفريقيا على التغلب على أزمة اقتصادية متفاقمة دفعت آلاف المهاجرين إلى عبور البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا.
القرض الأوروبي لتونس يأتي مدفوعاً بالمخاوف المتزايدة في أوروبا بشأن الاستقرار الاقتصادي في البلاد، ويأتي كمحاولة من قبل كبار المانحين لإقناع الرئيس قيس سعيد بالموافقة على شروط إنقاذ صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار.
تأتي الصفقة في الوقت الذي وصل فيه أكثر من 53000 مهاجر إلى إيطاليا عن طريق القوارب حتى الآن هذا العام، أي أكثر من الضعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، الزيادة الحادة في القوارب القادمة من تونس أحد العوامل وراء الارتفاع في عدد المهاجرين غير الشرعيين.
القرض الأوروبي لتونس عُرض خلال زيارة ثلاثة من قادة الاتحاد الأوروبي الكبار للبلاد
تم الإعلان عن حزمة المساعدة المالية يوم الأحد الماضي في تونس العاصمة خلال زيارة أوروبية رفيعة المستوى، وذلك بعد أن التقت أورسولا فون دير لاين رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، برفقة رئيسي وزراء إيطاليا وهولندا، جيورجيا ميلوني ومارك روت، بالرئيس التونسي قيس سعيد.
لا يزال الاقتراح يتطلب موافقة حكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى، وتم ربطه بتمرير السلطات التونسية للإصلاحات التي يفرضها صندوق النقد الدولي، ولكن فرص موافقة دول الاتحاد الأوروبي عليه تبدو كبيرة، بالنظر إلى المستوى الرفيع للوفد الذي قدمه للرئيس التونسي.
يأتي اقتراح تقديم القرض الأوروبي لتونس والمساعدة المالية بعد أيام من موافقة الحكومات الأوروبية على حزمة الهجرة التي طال انتظارها والتي ستسرع إجراءات اللجوء وتسهل على الدول الأعضاء إعادة الأشخاص الذين حُرموا من اللجوء.
وحسب الإجراءات الحدودية الجديدة التي تم الاتفاق عليها، سيجري فرز طالبي اللجوء الذين ليس لديهم فرصة للحصول على الحماية؛ نظراً لأنهم ينحدرون من دول آمنة نسبياً في غضون 12 أسبوعاً كحد أقصى، ومن ثم العمل على ترحيلهم، على عكس ما كان يحدث من استمرار طالبي اللجوء لسنوات حتى يتم البت في طلبات اللجوء.
ووفق القواعد الجديدة، يمكن إرجاع طالبي اللجوء المرفوضين من الحدود الخارجية للاتحاد بسرعة إلى بلدانهم الأصلية أو إلى بلد ثالث، وهو ما قد يكون تونس التي تعد معبراً رئيسياً للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء.
وستنطبق الإجراءات الجديدة التي تم الاتفاق عليها على الأطفال والقصر غير المصحوبين بذويهم، أي إنه حتى الأطفال أو القصر يمكن ترحيلهم إلى بلدانهم على الفور، وهو تغيير جذري في سياسات الاتحاد الأوروبي.
يأتي ذلك في ضوء تحذيرات سابقة للرئيس التونسي مما زعم أنه مؤامرة لتغيير تركيبة تونس الديموغرافية عبر تشجيع الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء، أدت تصريحات سعيد لزيادة عمليات عبور البحر الأبيض المتوسط الخطيرة خاصة بعد إطلاقه حملة ضد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في فبراير/شباط الماضي، مستخدماً لغة استنكرها الاتحاد الإفريقي ووصفها بأنها عنصرية.
تفاصيل قرض المليار.. 150 مليون يورو ستقدم بشكل سريع
الاتحاد الأوروبي مستعد لتعبئة 150 مليون يورو في شكل منح "في الوقت الحالي" لتعزيز الاقتصاد التونسي المتعثر، الذي عانى من ارتفاع أسعار السلع الأساسية المرتبط بغزو روسيا لأوكرانيا، حسب ما قالت فون دير لاين.
وأضافت أنه يمكن حشد مزيد من المساعدة في شكل قروض، يبلغ مجموعها 900 مليون يورو، على المدى الطويل.
كما ستقدم أوروبا أيضاً 105 ملايين يورو في شكل منح هذا العام لدعم لإدارة الحدود والبحث والإنقاذ وعمليات مكافحة التهريب والعودة إلى احترام حقوق الإنسان"، حسب قول فون دير لاين.
تتضمن الحزمة أيضاً مقترحات لدعم التعليم والطاقة والعلاقات التجارية مع البلاد، بما في ذلك من خلال الاستثمار في شبكة الطاقة المتجددة في تونس والسماح للطلاب التونسيين بالمشاركة في برنامج التبادل الطلابي Erasmus +.
وقالت فون دير لاين إن الاتحاد الأوروبي سيوسع الفرص للشباب التونسي للدراسة والعمل والتدريب في الاتحاد الأوروبي لمساعدتهم على تطوير المهارات التي يمكن استخدامها لتعزيز الاقتصاد التونسي.
إنه يعادل ثلاثة أضعاف ما قدمته الاتحاد لتونس ولكنه مشروط بالموافقة على قرض صندوق النقد
وتبلغ الحزمة المقترحة ثلاثة أضعاف ما قدمه الاتحاد حتى الآن في تمويل الهجرة للدولة الواقعة في شمال إفريقيا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Financial Times البريطانية.
يعد عرض الدعم المالي السريع بمثابة دفعة للرئيس التونسي المحاصر، لكن الدعم طويل المدى في القرض الأوروبي لتونس مرهون بقبول الإصلاحات المرتبطة بحزمة صندوق النقد الدولي البالغة 1.9 مليار دولار، وهي خطوة أعلن سعيد رفضها لها، ويبدو أنه يحاول تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
رفض سعيد حتى الآن المقترحات، التي قدمتها حكومته في الأصل، لخفض الدعم وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة التي تتكبد خسائر، حيث قال الرئيس التونسي إن هذا يهدد بحدوث انفجار اجتماعي، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East News البريطاني.
وقال إنه يرفض "الإملاءات" الأجنبية التي من شأنها أن تزيد من إفقار التونسيين. يخشى الزعيم التونسي من إجراءات مثل خفض دعم الطاقة والإسراع بخصخصة الشركات المملوكة للدولة؛ لأنها قد تضر بشعبيته.
ونقلت وسائل إعلام رسمية تونسية عن سعيد قوله إنه "أكد" خلال الاجتماع مع الزعماء الأوروبيين أن "الحلول لا يمكن أن تكون في شكل إملاءات وعلى صندوق النقد الدولي مراجعة وصفاته".
ويقول المانحون إن الوقت قد حان لتونس للموافقة على القرض وتجنب انهيار ماليتها العامة، لكنهم غير مستعدين لإقراضها المال دون طمأنة الإصلاحات المكلفة بالكامل التي قد تسمح لها بسداد ديونها.
ودفعت رئيسة وزراء إيطاليا، التي أرست الأساس للإعلان بعد لقائها مع سعيد يوم الثلاثاء، واشنطن وبروكسل منذ شهور إلى الإفراج عن المساعدات المالية لتونس. تشعر ميلوني الزعيمة اليمينية التي جاءت بوعد بوقف تيار الهجرة بالقلق من أنه في حالة انهيار اقتصاد الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، فإن ذلك سيؤدي إلى موجة أكبر من الأشخاص الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط.
وقالت ميلوني يوم الأحد إن الاتفاقية المقترحة خطوة مهمة نحو إقامة شراكة حقيقية لمعالجة أزمة الهجرة.
"لن نكون شرطي أوروبا".. سعيد يرفض تمرير ما وصفه بـ"مؤامرة هجرة الأفارقة" التي تحدث عنها من قبل
في فبراير/شباط الماضي، أشعل سعيد أعمال عنف عنصرية ضد أشخاص من دول إفريقيا جنوب الصحراء بقوله إنهم جزء من مؤامرة لتغيير الصورة الديموغرافية لتونس.
وقال الرئيس التونسي في خطاب آنذاك انتقد على نطاق واسع باعتباره عنصرياً: "كانت هناك خطة إجرامية منذ بداية القرن لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس وهناك أطراف تلقت مبالغ كبيرة من المال بعد 2011 لتمرير عبور المهاجرين غير الشرعيين من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى".
وقد خفت حدة لهجة سعيد في محاولة واضحة لتحسين صورة الصفقة مع الاتحاد الأوروبي.
أثناء زيارته لمخيم للمهاجرين يوم السبت، انتقد سعيد معاملة المهاجرين "على أنهم مجرد أعداد". لكنه أضاف: "من غير المقبول أن نلعب دور الشرطي لدول أخرى".
وقالت الرئاسة التونسية في بيان إنها تقيم شراكة مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية، لكن سعيد قال أيضاً: "الحل الذي يدعو إليه البعض سراً هو توطين المهاجرين مقابل المال، وهو حل غير إنساني ولا مقبول".
وانتقد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زيارة الاتحاد الأوروبي يوم الأحد ووصفها بأنها "محاولة لاستغلال الهشاشة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس".
لماذا يعطي وجود رئيس وزراء هولندا مغزى مهماً للزيارة؟
يشير وجود رئيس الوزراء الهولندي، الذي عادة ما يكون صوتاً للقادة الأثرياء المحافظين مالياً (المتحفظين تقليدياً على التوسع في الإنفاق) في الكتلة الأوروبية المكونة من 27 دولة، إلى أن الموافقة على الحزمة لن يكون من الصعب تحقيقها مثل طلبات التمويل الأجنبي الأخرى.
على الرغم من أن هولندا ليست دولة في الخطوط الأمامية لمسارات الهجرة مثل إيطاليا، فقد شهدت أيضاً ارتفاعاً فيما يسمى بالهجرة الثانوية، حيث يسافر العديد من الأشخاص الذين يصلون إلى جنوب أوروبا ويطلبون اللجوء في البلدان الأوروبية الشمالية.
ووصف روتي المحادثات بأنها "ممتازة"، وقال إن "النافذة مفتوحة، نشعر جميعاً أن هناك فرصة لتعزيز هذه العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتونس".
إيطاليا تضغط لتخفيف شروط صندوق النقد على تونس
وضغطت ميلوني، التي زار تونس الأسبوع الماضي أيضاً، من أجل تخفيف شروط قرض صندوق النقد الدولي لتونس.
وقالت يوم الأحد إن هناك "فرصة مهمة" لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق المساعدة أمام المجلس الأوروبي في نهاية يونيو/حزيران 2023.
في مارس/آذار الماضي، علق البنك الدولي عمله مع تونس بعد أن تعرض مهاجرون أفارقة للهجوم في البلاد، بعد خطاب معادٍ للأجانب ألقاه سعيد في نهاية فبراير/شباط.
وقال رئيس البنك المنتهية ولايته، ديفيد مالباس، إن خطبة سعيد تسببت في "مضايقات بدوافع عنصرية وحتى عنف" وإن المؤسسة أرجأت اجتماعاً مخططاً مع تونس حتى إشعار آخر أثناء تقييمها للوضع.
وعلقت الولايات المتحدة على تصريحات سعيد، قائلة: "كما سمعتم من البنك الدولي، نشعر بقلق عميق أيضاً من تصريحات الرئيس سعيد بشأن الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس وتقارير الاعتقالات التعسفية للمهاجرين في الأسابيع الأخيرة".
وأضاف: "نحث السلطات التونسية على الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحماية حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين".
وتشهد تونس أزمات منذ يوليو/تموز 2021، عندما علق سعيد البرلمان من جانب واحد وحل الحكومة فيما وصفه كثيرون بـ"الانقلاب الدستوري".
حكم قيس سعيد بعد ذلك بمرسوم، قبل أن يمرر دستوراً جديداً كرس حكمه الفردي، وأجرى انتخابات برلمانية شهدت إقبالاً ضعيفاً.
وتدهور الاقتصاد التونسي بسبب التضخم المرتفع ونقص السلع الأساسية من الوقود إلى زيت الطهي، وهي أزمة تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا.
أصبح سعيد أيضاً أكثر عدوانية مع المسؤولين الغربيين، حسب وصف تقرير موقع Middle East News البريطاني، ففي فبراير/شباط 2023، أمر بطرد إستر لينش، أكبر مسؤول نقابي في أوروبا، بسبب خطاب وصفه مكتبه بأنه "تدخل صارخ" في الشؤون الداخلية للبلاد.