بدأت حكومة نتنياهو المتطرفة دون ضجة خطوات خطيرة في اتجاه ضم الضفة الغربية لإسرائيل، بشكل يمثل سابقة قانونية خطيرة، تشبه ضم روسيا للقرم، ولكن دون رد فعل غربي يذكر.
وتنتهك إسرائيل بهذه الأعمال قواعد القانون الدولي الراسخة منذ الحرب العالمية الثانية، وقرارات واضحة لمجلس الأمن، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
إسرائيل لم تعارض قرار مجلس الأمن بشأن الأراضي العربية المحتلة عام 1967، ولكنها التفت حوله سريعاً
في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، ناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً صار أهم توجيه للمجتمع الدولي بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ خطة تقسيم فلسطين عام 1947.
وفي مجلس الأمن، قال وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك أبا إيبان: "سنحترم ونحافظ بالكامل على الوضع المتجسد في اتفاقيات وقف إطلاق النار حتى تخلفه معاهدات السلام بين إسرائيل والدول العربية لإنهاء حالة الحرب". ولم يكن إيبان دقيقاً تماماً؛ فعندما أدلى بتصريحه، كانت إسرائيل قد طبقت بالفعل من جانب واحد قانونها على القدس الشرقية. وفعلت الشيء نفسه بعد 15 عاماً من خلال ضم مرتفعات الجولان رسمياً. وعلى مدى نصف القرن الماضي، عمّقت إسرائيل سيطرتها من خلال التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، الذي وصل لدرجة تجعل الانسحاب العسكري مستبعداً أكثر فأكثر.
نتنياهو أعطى دفعة لسياسات ضم الضفة الغربية لإسرائيل
كان يفترض أن الوضع النهائي للأراضي المحتلة سيتحدد في محادثات الوساطة، حتى سنوات قليلة مضت، عندما بدأ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الدفع علانيةً بسياسة ضم الضفة الغربية لإسرائيل من جانب واحد. وكانت المناورة البيروقراطية الأخيرة داخل حكومته اليمينية المتطرفة الجديدة قد جعلت الضم رسمياً من خلال البدء في عملية نقل العديد من سلطات الإشراف على الضفة الغربية من القادة العسكريين إلى القادة المدنيين – في جديد انتهاك للقانون الدولي.
منذ البداية، سعت إسرائيل إلى تكريس سيادتها أحادية الجانب في الضفة الغربية. ولعقود من الزمان، بينما كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتحدث بلطف إلى العالم حول الوضع المستقبلي للأراضي المحتلة وحلّه من خلال المفاوضات، فإنَّ تصرفات الدولة على الأرض روَت قصة مختلفة تماماً.
بموجب القانون الدولي، تعتبر دولة الاحتلال سلطة إدارية مؤقتة، وليست دولة ذات سيادة، على الأراضي التي تحتلها. وهذا يعني أنها مُلزَمة بالحفاظ على حالة الإقليم كما كانت قبل الاستيلاء قدر الإمكان. لكن في الضفة الغربية، فعلت إسرائيل العكس؛ حيث تصرفت بصفتها دولة ذات سيادة من خلال تسخير الأراضي ومواردها في خدمة مشروع استيطاني ضخم، معظمه في شكل مستوطنات إسرائيلية.
700 ألف مستوطن لديهم كل الحقوق بينما الفلسطينيون يحكمون بالقانون العسكري
منذ عام 1967، بَنَت إسرائيل أكثر من 130 مستوطنة (وساعدت في بناء حوالي 140 بؤرة استيطانية) في الضفة الغربية. واليوم، يعيش 700 ألف مستوطن إسرائيلي في المنطقة، نحو 230 ألفاً منهم في القدس الشرقية، وفقاً لمنظمة السلام الآن، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية.
ويتمتع المستوطنون الإسرائيليون بحقوق مدنية وسياسية كاملة ويرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالبنية التحتية والموارد الإسرائيلية، ويقيمون جنباً إلى جنب مع ملايين الفلسطينيين الخاضعين للحكم العسكري الإسرائيلي، الذين ليس لديهم رأي مطلق في كيفية حكمهم.
وشبّهت العديد من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والدولية هذا النظام المتشعب بالفصل العنصري.
وكان أحد عوامل عدم تسرع تل أبيب في مسألة ضم الضفة الغربية لإسرائيل، هو القلق من ترسيخ هذا الطابع العنصري، ولكن يبدو أن حكومة نتنياهو الجديدة لا تأبه كثيراً لهذه المسألة.
الاستيطان جريمة حرب
وتعتبر قوانين الحرب الدولية، وكذلك النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، نقل السكان المدنيين لدولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة جريمة حرب.
وإلى جانب الحظر المفروض على عمليات النقل القسري داخل إقليم ما وعمليات الترحيل خارج أراضي السكان المُحتَلين، صيغ هذا الحظر لضمان منع قوة الاحتلال من هندسة الأراضي المحتلة ديموغرافياً.
لكن من الواضح أنَّ إسرائيل فعلت ذلك، وهي تخطط الآن للتصعيد من خلال المزيد من التوسع الاستيطاني.
ومع ذلك، فإنَّ الكلمات والتصريحات لها أهمية خاصة في كل من العلاقات الدولية والقانون الدولي. لذلك على الرغم من الأدلة الوفيرة والقاطعة على أنَّ إسرائيل تمارس سيادتها في الضفة الغربية، لم يتعامل العالم مع تصرفات إسرائيل على أنها انتهاك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، المتمثل في حظر الضم الأحادي الجانب للأراضي المحتلة بالقوة، في ظل غياب إعلان رسمي بالضم، ومع وجود الأرض رسمياً تحت قيادة عسكرية، وليست مدنية.
الأمر بدأ في 2017 ومع صفقة القرن
وبدأت الفجوة بين كلمات إسرائيل وأفعالها في الضفة الغربية تتغير في عام 2017، عندما بدأ مسؤولون في حكومة نتنياهو آنذاك مناقشة خطط ضم الضفة الغربية لإسرائيل من جانب واحد.
وفي ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، مرر حزب الليكود الحاكم بزعامة نتنياهو قراراً يطلب من نائبيه "متابعة" الضم الكامل للضفة الغربية.
ثم في الفترة التي تسبق انتخابات إسرائيل لعام 2019 وظهور ما تُسمَّى بـ"صفقة القرن" وقتها التي اقترحتها إدارة ترامب، والتي نصت على ضم جزئي للضفة الغربية، أعلن نتنياهو في مقابلات إعلامية أنه سيعزز التطبيق "التدريجي" للسيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية. وقال نتنياهو إنه ناقش "الضم بالموافقة" مع إدارة ترامب.
والآن نتنياهو اتخذ قراراً خطيراً ونصب وزيراً متطرفاً كحاكم فعلي للضفة
وقد كرر نتنياهو هذه الرسائل عدة مرات منذ ذلك الحين. وفي الاتفاق حول الحكومة الائتلافية الإسرائيلية بين حزب الليكود والحزب الصهيوني الديني المتشدد بزعامة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، قال بصيغة أوضح: "سيعمل رئيس الوزراء على صياغة وتعزيز سياسة تُطبَّق بموجبها السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية".
وهذه هي الخلفية لقرار حكومة نتنياهو الأخير بتغيير هيكل الحكم الرسمي للضفة الغربية من خلال نقل العديد من السلطات الإدارية من القيادة العسكرية إلى القيادة المدنية. ومن شأن هذه التحركات تثبيت أية شكوك متبقية بأنَّ إسرائيل بصدد عملية الضم الكامل للضفة الغربية بشكل رسمي.
وفي أواخر فبراير/شباط، وقّع سموتريتش اتفاقية مع وزير الدفاع يوآف غالانت لنقل عدد من السلطات الحكومية في الضفة الغربية من القائد العسكري للمنطقة إلى سموتريتش.
وفي حين أنَّ سموتريتش لم يتلقَّ حقيبة القيادة الكاملة، إلا أنَّ نقل السلطات ما زال يغير تغييراً كبيراً هيكل النظام الإسرائيلي في الضفة الغربية: فللمرة الأولى، وضع العديد من السلطات الإدارية في الأراضي المحتلة في أيدي مسؤول مدني. وقد جعلت هذه الخطوة سموتريتش الحاكم الفعلي للضفة الغربية.
علاوة على ذلك، سيكون سموتريتش هو المسؤول الوحيد عن تصميم الكثير من سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية. وسيقع الآن ضمن اختصاص سموتريتش قضايا مثل تخصيص الأراضي والتخطيط والبناء في معظم المناطق خارج المدن والقرى الفلسطينية، وإنفاذ القانون في حالات البناء غير القانوني من كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، والبنية التحتية وتخصيص المياه؛ وأكثر من ذلك بكثير.
وتعمل بعض بنود اتفاقية فبراير/شباط على التعتيم على عملية نقل الصلاحيات من خلال تقديم الحاكم الفعلي باعتباره تابعاً لوزير الدفاع. بيد أنَّ سموتريتش لا يخفي حقيقة أنه ينوي توسيع سلطات الحكومة الإسرائيلية لتشمل المستوطنات، من خلال تفكيك الإدارة المدنية بالكامل، الأمر الذي من شأنه منح السلطات الإسرائيلية سلطة مباشرة على الضفة الغربية.
وتنص الاتفاقية أيضاً على أنَّ الحاكم الفعلي سيعمل على توسيع النظام القانوني المزدوج في الضفة الغربية، من خلال السماح بالتطبيق الكامل لتشريع الكنيست على المستوطنين الإسرائيليين، بينما يظل الفلسطينيون خاضعين للقانون العسكري. وسيُكلَّف المستشارون القانونيون بصياغة أوامر عسكرية من شأنها تطبيق التشريعات الإسرائيلية رسمياً على المستوطنين، وهي عملية يطلق عليها اسم "التوجيه" لأنَّ القانون العسكري يوجه قانون الكنيست إلى الأراضي المحتلة.
وينص القانون الدولي على أنَّ القوة المحتلة – في هذه الحالة، إسرائيل – يجب أن تعزز مصالح الأراضي المحتلة أثناء احتلالها المؤقت. ومن خلال نقل السلطات الإدارية في الضفة الغربية من الجيش إلى وزير إسرائيلي والخدمة المدنية، تتنازل إسرائيل عن هذا الواجب ليس فقط في خطواتها -كما فعلت منذ فترة طويلة- لكن أيضاً على الورق. وذلك لأنَّ موظفي الخدمة العامة الإسرائيليين ملزمون ومدربون على تعزيز المصالح الإسرائيلية وحدها.
صمت أمريكا والدول الغربية يوفر ذرائع لضم بوتين للأراضي الأوكرانية
إنَّ صمت العالم في مواجهة هذه التطورات التي تهدف إلى ضم الضفة الغربية لإسرائيل، هو تجسيد خطير جداً لاستثنائية إسرائيل في الساحة الدولية. إنَّ لامبالاة الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تجاه النظام القانوني الإسرائيلي المتغير في الضفة الغربية له عواقب وخيمة على الحياة الواقعية للفلسطينيين تحت الاحتلال. لكن خطأ المجتمع الدولي الفادح ليس بالشيء الجديد. فقد كان ذلك سمة النظام الدولي منذ اليوم الأول للاحتلال الإسرائيلي، وليس خللاً طارئاً فيه.
وحظر الضم الأحادي الجانب للأراضي المحتلة هو مبدأ أساسي للنظام القائم على قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية. إنَّ الفشل في تحميل إسرائيل المسؤولية لن يقوض مصداقية الغرب فحسب، بل سيُحدِث أيضاً تأثيراً مزعزعاً للاستقرار على كامل النظام الدولي. ومن خلال التغاضي التام عن سلوكيات نتنياهو، يمنح المجتمع الدولي القادة الآخرين ذوي الميول التوسعية -مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- وصفة لكيفية الاستيلاء على الأراضي بالقوة دون عواقب.
والطريق السريع إلى الضم القانوني هو إعلان رسمي وعام، كما أدلى به بوتين عندما ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014.
لكن على الرغم من أنَّ إسرائيل لم تُدلِ ببيانٍ قوي مثل هذا، فإنَّ نقل حقيبة سلطات الضفة الغربية من وزارة الدفاع إلى وزير المالية بتسئليل سموتريتش يرقى إلى مستوى الضم بحكم القانون؛ وهي خطوة خطيرة نحو ترسيخ الفصل العنصري داخل المنطقة.