في ظل تراجع نفوذ فرنسا في إفريقيا وتزايد العداء لها بالقارة، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وضع سياسة جديدة في إفريقيا، سيكون فيها شكل العلاقة بين فرنسا وإفريقيا مختلفاً، حسب قوله.
وشهد النفوذ الفرنسي في إفريقيا تراجعاً لصالح روسيا، وكذلك بصورة أقل لصالح تركيا والصين، وحتى لصالح قوى إقليمية مثل الجزائر والمغرب.
وأطلق ماكرون سياسته الجديدة في نهاية فبراير/شباط 2023، قبيل جولة له في إفريقيا، في مارس/آذار الماضي، شملت ماكرون الغابون وأنغولا وجمهورية الكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية، في وقت يواجه فيه نفوذ فرنسا في القارة أكبر تحدياته منذ عقود، حيث أدى تزايد المشاعر المعادية لفرنسا إلى احتجاجات في الشوارع في العديد من دول غرب وشمال إفريقيا، وفقاً لتقرير لوكالة أسوشيتد برس "AP" الأمريكية.
ووصل الأمر إلى أن احتجاجات طالبت بالاستعانة بمرتزقة فاغنر الروس بدلاً من القوات الروسية خلال عام 2022، كما تحولت بعض الدول إلى الكومنولث الذي تقوده بريطانيا.
وتسعى فرنسا للدفاع عن نفوذها المتراجع في إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل الإفريقي، والذي يرجع إلى عدة أسباب، يأتي على رأسها تدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل وإخفاقات القوات الفرنسية في مواجهة الجماعات المسلحة المنتشرة في المنطقة. حيث باتت منطقة الساحل تقدم حوالي 43% من الوفيات الناجمة عن الإرهاب في العالم، أي أكثر من منطقتي جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. الأمر الذي أثار مشاعر اليأس لدى السكان المحليين، وفاقم مشاعر الرفض للوجود الفرنسي الذي لم يثبت فاعليته إزاء تحقيق مصالح سكان المنطقة، حسبما ورد في تقرير لمركز "أسباب" للدراسات السياسية والاستراتيجية.
ليست روسيا فقط التي تنافس فرنسا
بالإضافة إلى ذلك، تتعرض العلاقات الاقتصادية التاريخية التي أقامتها فرنسا مع المنطقة لضغوط من الوجود التجاري المتزايد لروسيا والصين وتركيا.
وتحاول العديد من القوى العالمية زيادة نفوذها في القارة الإفريقية. تحشد تركيا لتنفيذ أعمال البنية التحتية بأسعار تنافسية للغاية. قامت الشركات التركية ببناء المطار الجديد في داكار عاصمة السنغال. وتستثمر الصين في معظم البلدان الإفريقية من خلال المؤسسات المالية التي تم إنشاؤها لهذا الغرض، ولا سيما بنك Exim وبنك التنمية الصيني. كما تحاول البرازيل والهند وباكستان تطوير علاقات اقتصادية أوثق مع الدول الإفريقية.
أقر ماكرون بأن إفريقيا الآن هي "ميدان منافسة"، وحث الشركات الفرنسية على "الاستيقاظ" والمشاركة في القتال.
"فاغنر" وازدواجية المعايير أضعفت نفوذ فرنسا في إفريقيا
تمثل عملية برخان نموذجاً للإخفاق الفرنسي في إفريقيا، وهو المسمى الذي أطلق على الحرب الطويلة ضد المسلحين المتطرفين، التي شنتها فرنسا بالتعاون مع 5 دول عبر منطقة الساحل الشاسعة. في وقت من الأوقات تم نشر 5000 جندي فرنسي. نجت حركات التمرد وتفاقمت عدم شعبية المهمة قبل أن يتم إنهاؤها بالفشل العام الماضي.
"لقد كانت إفريقيا بالنسبة لفرنسا من بعض النواحي هي أفغانستان بالنسبة للولايات المتحدة"، حسبما قال تييري فيركولون ، باحث مشارك في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، لصحيفة The New York Times الأمريكية.
التدخل في منطقة الساحل أصبح رمزاً للوجود الفرنسي المثير للانتقادات، فلقد انقلبت دول من بينها مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، وآخرها بوركينا فاسو ضد الوجود الفرنسي، وسحبت فرنسا قواتها من الدول الثلاث خلال العام الماضي.
بالإضافة إلى ذلك؛ نشطت روسيا في مزاحمة النفوذ الفرنسي في القارة، واستفادت من كراهية السكان المحليين لإرث فرنسا الاستعماري في المنطقة في التأكيد على أن الوجود الفرنسي العسكري في إفريقيا يستهدف تحقيق مصالح باريس الاقتصادية والأمنية، ولا يخدم دول المنطقة.
كما ساهمت فرنسا نفسها في تعميق مشاعر العداء لها بسبب سياساتها التي اتسمت بازدواجية المعايير، والتي ظهرت في مطالبتها مالي وبوركينا فاسو باحترام قيم الديمقراطية، بينما في الوقت نفسه، دعمت باريس الجنرال "محمد إدريس ديبي" بعد استيلائه غير القانوني على السلطة في تشاد.
تقول الصحيفة الأمريكية: نشأت الانتكاسات الفرنسية جزئياً عن موجة من الدعاية المكثفة المناهضة للفرنسيين، والتي غالباً ما دبرها الكرملين، مستغلاً الماضي الاستعماري الفرنسي. كان لتلك الرسائل صدى لدى السكان المحليين.
لذلك؛ باتت باريس تواجه منافسة جيوسياسية حادة مع موسكو، واستطاعت روسيا -في ظل عدم الاستقرار السياسي وتزايد انعدام الأمن- الترويج لجاذبية الحلول الأمنية الروسية كبديل فعال للوجود الأمني الغربي، الأمر الذي تجلى بوضوح حين ملأت قوات فاغنر الروسية الفراغ الذي تركه انسحاب القوات الفرنسية من مالي وإفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، وكذلك إنهاء باريس للعملية العسكرية "برخان" في العام الماضي.
محاولات السيد ماكرون لمواجهة هذا الاتجاه من خلال تصوير روسيا على أنها القوة الإمبريالية الحقيقية للعصر الحالي، كما يتضح من حربها العدوانية في أوكرانيا، أثبتت عدم فعاليتها إلى حد كبير، حسب The New York Times.
ومحصلة ذلك أن السنوات الأخيرة شهدت تضاؤل النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل، بينما شقت روسيا طريقها كضامن أمني جديد في منطقة لطالما اعتُبرت مجال نفوذ فرنسا في إفريقيا، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي "ماكرون" قبل زيارته الأخيرة لإفريقيا، قائلاً إن "النفوذ الروسي في القارة آخذ في الازدياد، وفرنسا في موقف دفاعي بعد نهاية برخان، بينما تفقد الشركات الفرنسية حصتها في السوق".
حديقة فرنسا الخلفية
منذ استقلال دول غرب إفريقيا عن فرنسا، أصبحت هذه المستعمرات السابقة بموجب "الفناء الخلفي" جزءاً من سياسة فرنسا الاقتصادية والثقافية وعلاقاتها الخارجية، ووظفت باريس الإرث الاستعماري في التدخل بشكل فج في السياسات الداخلية للدول الإفريقية، حسبما ورد في تقرير لـ"الجزيرة نت".
رغم أن فرنسا تركت مستعمراتها منذ عقود، وعلى عكس علاقة بريطانيا بمستعمراتها السابقة، استمرت العادات والافتراضات القديمة حول القوة الفرنسية والسيطرة على مساحة كبيرة من إفريقيا، لاسيما غرب القارة، والتي يرمز إليها الوجود العسكري الكبير، حسبما ورد في تقرير صحيفة The New York Times.
واستغلت باريس موارد القارة مثلما يظهر في استخراج اليورانيوم من النيجر التي تُعد واحدة من أفقر دول العالم، وربط العديد من دول غرب القارة بالفرنك الإفريقي وتورّطت النخب الفرنسية في الفساد بالقارة السمراء.
ووفق دراسة أجراها مات تيريتلي، من جامعة تكساس الأمريكية، فإن فرنسا أجرت ما يزيد على 20 تدخلاً بين عامي 1961 و1992، ونحو 17 مرة بين 1992 و2017 في الدول الإفريقية. وأكد أن هذه السياسة تسترشد بالمصلحة الذاتية البحتة والمرتبطة بالمصالح الفرنسية السياسية والثقافية والاقتصادية والدفاعية والأمنية.
ووصف علاقات فرنسا بإفريقيا بأنها جزء من "الآثار العاطفية والتاريخية للعصر الاستعماري، التي أدت إلى إعاقة العلاقات وعزّزت الدور الأبوي، من دون أن تنعكس السياسة على أرض الواقع من الناحية العملية".
والآن تحاول فرنسا إعادة بناء علاقاتها مع الدول الإفريقية بصعوبة، في قارة تشكك شريحة متزايدة من سكانها في وعود ماكرون بتغيير نهجه الدبلوماسي بشكل جذري.
ماكرون مستاء من تنوع خيارات دول القارة السياسية بسبب تزايد دور الصين وروسيا
في السنوات الأخيرة حاولت فرنسا قطع صلاتها بسياستها القديمة بالقارة وممارساتها المبهمة وشبكات نفوذها الموروثة من الاستعمار، لكن في القارة، ما زال ماكرون يواجه انتقادات بسبب استمرار اجتماعاته مع القادة الأفارقة الذين يعتبرون مستبدين.
وبالإضافة إلى ذلك، وبعد فشل عملياتها العسكرية لا سيما في مالي، تبدو فرنسا أكثر ميلاً إلى تخفيف وجودها العسكري في القارة، والتركيز على فرص التعاون عبر مدارسها ومعاهدها ومدربيها وشركاتها، بحسب وكالة "فرانس برس".
خلال فترة ولايته الأولى، سعى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى تنشيط التواصل الدبلوماسي لبلاده مع البلدان في جميع أنحاء إفريقيا. تم تصميم بعض جوانب هذا المحور لمعالجة إرث الاستعمار الفرنسي في البلدان الفرنكوفونية بشكل مباشر. كما استشعر أن المكانة المتزايدة للقوى غير الغربية مثل الصين قد أعطت النظراء الأفارقة حرية أكبر لمواصلة العلاقات وسط المنافسة الدبلوماسية المتزايدة بين مجموعة من الدول الأخرى في كل من أوروبا وأماكن أخرى.
في إطار متابعة هذه الاستراتيجية، سعى ماكرون إلى الترويج لرؤية الدبلوماسية الفرنسية مع إفريقيا من خلال المزيد من المساعدات الخارجية وتعزيز العلاقات بين الشعوب القائمة على روح الشراكة بين أنداد، حسبما ورد في تقرير لمركز كارنيغي " carnegie " الأمريكي.
ملامح سياسة فرنسا الجديدة في إفريقيا.. أكاديميات عسكرية بدلاً من القواعد
في الشهور الأخيرة؛ وضعت فرنسا الملامح الرئيسية لاستراتيجيتها الجديدة في إفريقيا، ترتكز على بناء علاقات أكثر توازناً مع الدول الإفريقية تشمل المشاريع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، كما تشمل تلك الاستراتيجية الحفاظ على العلاقات الأمنية القوية مع دول إفريقية عبر إطار أمني جديد.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن بلاده ستنهي نهجها استضافة قواعد عسكرية منتظمة في إفريقيا، وستقيم بدلاً من ذلك قواعد أو "أكاديميات" يشترك في إدارتها الجيش الفرنسي والجيوش الإفريقية.
وسيكون هناك انخفاض ملحوظ في عدد العسكريين الفرنسيين، ولكن ستكون هناك زيادة في الجهود المبذولة لتوفير التدريب والمعدات، وسيتم خفض الوجود العسكري في إفريقيا إلى أدنى مستوى (3000 جندي بدل 5500)، حسب ماكرون.
كما تقوم السياسة الجديدة على تعزيز التعاون مع الجيوش المحلية وبناء قدراتها من خلال التركيز على زيادة نطاق التدريب والدعم اللوجستي وتوفير المعدات والأسلحة العسكرية.
يرفض منافسة روسيا ولكن يهاجمها
وأكد ماكرون فراق عهد الفرانكفونية وسياسة دعم الحكام المستبدين، داعياً إلى التحلي بـ"التواضع والمسؤولية"، ورافضاً "المنافسة" الاستراتيجية التي يفرضها من يستقرون هناك مع "جيوشهم ومرتزقتهم"، في إشارة لروسيا على ما يبدو.
وأضاف في كلمة بشأن السياسة الفرنسية الجديدة في إفريقيا في فبراير/شباط الماضي قبيل بدئه جولة إفريقية، أنها "طريقة فهمنا المريحة للواقع في الماضي. قياس تأثيرنا من خلال عدد عملياتنا العسكرية، أو الاكتفاء بروابط مميزة وحصرية مع قادة، أو اعتبار أن أسواقاً اقتصادية هي أسواقنا؛ لأننا كنا هناك من قبل"، مشدداً على وجوب أن "نبني علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة مع دول القارة الإفريقية".
وقال ماكرون "لا تبني روسيا بوتين العديد من الجسور أو المستشفيات في إفريقيا، لكنها سيد خدمات الحماية التي لا ترحم، ونهب الموارد الطبيعية والدعاية. إنها أكبر مورد للأسلحة في القارة. إنها تصادق الحكومات، كثير منها قمعي، من خلال القوة الصارمة. كما هو الحال في سوريا، فإن استعدادها لاستخدام القوة يضمن النتيجة التي تسعى إليها".
وقال ماكرون في خطابه بشأن سياسة فرنسا الجديدة في إفريقيا: "فاغنر هي مجموعة من المرتزقة المجرمين". وأضاف: "دورها وهدفها حماية الأنظمة الفاشلة والانقلابيين، وفي النهاية توفير الأمن فقط لهم، حيث تتابع عمليات نهب باستخدام المناجم والمواد الخام".
الأزمة الأوكرانية تبرهن للأفارقة على النفاق الغربي
تكمن مشكلة فرنسا والغرب بشكل عام في أن الاستراتيجية الروسية في مناطق الصراع الإفريقية المتمثلة في الانحياز إلى جانب وسحق الآخر – في بعض الأحيان بوحشية شديدة، كما حدث في جمهورية إفريقيا الوسطى – كانت في كثير من الأحيان فعالة، على الأقل في المدى القصير، وفقاً لصحيفة The New York Times.
فمن بين الدول الأربع التي زارها ماكرون عقب هذا الخطاب، امتنعت 3 دول – أنغولا وجمهورية الكونغو والغابون – عن التصويت في الأمم المتحدة على قرار يدعو إلى انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا. تم تبني القرار بأغلبية الثلثين، ولكن كما توحي هذه الدول التي امتنعت عن التصويت، رفضت العديد من الدول الإفريقية دعم الإدانة الغربية لبوتين.
إنهم يرون النفاق الغربي في الغضب الأخلاقي للولايات المتحدة وحلفائها بشأن الغزو الروسي، وازدواج المعايير بالنسبة للأوروبيين، مقارنة بالحروب الإفريقية، وفقدان الذاكرة بشأن الاستعمار. من غير الواضح إلى أي مدى سيتمكن ماكرون من مواجهة مثل هذه الشكوك.
ماكرون نفسه، رفض الاعتذار عن ماضي فرنسا الاستعماري كما حدث من قبل مع الجزائر، بل وصل الأمر إلى إنكار وجودها كأمة.
حاول التقارب مع روسيا بينما فرض قيوداً على مواطنيه المسلمين
لقد صور السيد ماكرون إفريقيا على أنها أرض الفرص عشية خطابه الجديد، وسيواصل التعاون الاقتصادي، ليس أقله في أنغولا، حيث تمتلك شركة Total Energies النفطية الفرنسية العملاقة مصالح كبيرة.
الرئيس الفرنسي (45 عاماً)، المولود في جيل ما بعد الاستعمار، بذل كثيراً من الجهد لإعادة تصور جذري للعلاقات الدولية لفرنسا، ولكن النتائج كانت مخيبة. شرع في عام 2019 في محاولة دمج روسيا في هيكل أمني أوروبي جديد، على حد تعبيره، صدم بقرار بوتين للذهاب إلى الحرب في أوكرانيا، في المقابل، فإنه تحول من مغازلة المسلمين الفرنسيين في حملته الانتخابية الأولى لمغازلة المشاعر اليمينية المتطرفة، عبر فرض قيود على حريات المسلمين في بلاده، واستعداء المسلمين في العالم عبر تصريحات مستفزة بعد نشر رسوم مسيئة للرسول واتهام الإسلام بأنه في أزمة، كما أيد الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط بما في ذلك دعم أمير الحرب الليبي خليفة حفتر حليف بوتين الذي هاجم العاصمة الليبية طرابلس في عام 2019، محطماً عملية السلام التي كانت تقودها الأمم المتحدة، وساعدت سياسات ماكرون في تعزيز نفوذ موسكو في ليبيا خاصرة أوروبا الجنوبية، وتعزيز موطئ قدم مرتزقة فاغنر الروس في البلد العربي المفتوح على البحر المتوسط ومنطقة الساحل الإفريقية.
تجدر الإشارة إلى أن أغلب سكان منطقة غرب إفريقيا؛ حيث يتركز نفوذ فرنسا في إفريقيا هم من المسلمين.
هل تؤدي استراتيجية ماكرون الجديدة إلى الحفاظ على نفوذ فرنسا في إفريقيا؟
وبالرغم من أن الاستراتيجية الفرنسية الجديدة تؤكد على رغبة باريس في تعزيز مكانتها في إفريقيا عبر إعادة تشكيل علاقاتها مع دول القارة، فمن المرجح أن يظل النفوذ الفرنسي في القارة متراجعاً نتيجة المنافسة الدولية المتزايدة للوصول إلى الأسواق الإفريقية، والتحولات الجيوسياسية التي تشجع الحكومات الإفريقية على تعزيز علاقاتها مع دول مثل الصين وروسيا وتركيا والابتعاد نسبياً عن الغرب، حسب تقرير مركز "أسباب".
توفر الصين وتركيا منتجات أرخص وأكثر تنافسية من المنتجات الغربية ولاسيما الفرنسية، كما أن مصانع الأسلحة الروسية والصينية والتركية منتجات أرفض وأكثر فعالية للأفارقة من الأسلحة الغربية ولاسيما الفرنسية.
ولدى الصين أموال مخصصة لإفريقيا أكثر بكثير من فرنسا وحتى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وبلا شروط سياسية تقريباً.
كما أن مرتزقة فاغنر أثبتوا أنهم أكثر فعالية للحكومات الإفريقية من الجيش الفرنسي، وتركيا لديها تجربة في توفير الدعم والتدريب والمعدات لدول مثل أذربيجان وحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً.
في المقابل، فقدت فرنسا مصداقيتها في إفريقيا بسبب الوعود التي لا تنفذ، حسب وصف تقرير "الجزيرة.نت" فمنذ ما يزيد على 15 عاماً قالت أيضاً إنها بصدد تغيير سياستها، ولكنها لم تطبق في الواقع شيئا مما تقوله، ولذلك استقبل الأفارقة زيارة ماكرون بمظاهرات في الجابون تندد بدعم فرنسا للرئيس عمر بونغو الذي يحكم منذ 2009، وورث الحكم عن والده ولم يكن عن جدارة استحقها.
وفي الكونغو الديمقراطية، تظاهر الكونغوليون ضد ما أسموه "الصمت" الفرنسي على دعم رواندا متمردي التوتسي شرقي الكونغو، وواجهه رئيس البلاد، فليكس تشيسكي دي، برفض "التعامل الأبوي" وازدواجية المعايير، وهي إشارات كافية لرفض السياسة الفوقية التي تمارسها الدول الغربية، وفي القلب منها فرنسا.
المعضلة أن الرغبة الفرنسية المتكررة في تغيير سياساتها وعلاقاتها مع إفريقيا تفتقر إلى المبادرات العملية على الأرض، وظلت محبوسة على مستوى النوايا فقط، حسب فهيرا مان كوفي، المتخصص في الدراسات الأمنية بمعهد دكار في السنغال.
ودلل على ذلك بأن فرنسا لم تعلن أية جداول زمنية لتنفيذ استراتيجيتها الجديدة وإنهاء السياسات القديمة؛ لأن البعد الأمني هو من يسيطر على سياستها.
وقال تييري فيركولون، باحث مشارك في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية: "يريد ماكرون إنقاذ ما في وسعه". كانت ولايته الأولى فاشلة، سواء من حيث الحرب على الإرهاب أو محاولة الحفاظ على نفوذ فرنسا في إفريقيا.
رغم تجنّب ماكرون التحدث عن حقوق الإنسان والقيم الأوروبية في نهجه الجديد، مركّزاً على الشراكة والتعاون، فإن سياسته رهينة بتجاوز فرنسا التنميط الذي ظلت تتعامل به مع الأفارقة.
ولكن في الوقت نفسه؛ ستظل فرنسا مصدراً مهماً للاستثمار الأجنبي والمساعدات التنموية للدول الإفريقية الناطقة باللغة الفرنسية؛ بسبب العلاقات الاقتصادية والتاريخية العميقة بين الجانبين، خاصة استثمارات الشركات الفرنسية المهيمنة في تلك الدول على مجالات النفط والغاز والبنية التحتية والزراعة والاتصالات السلكية واللاسلكية، حسب مركز أسباب.
كما أرسلت جولة "ماكرون" التي جرت في مارس/آذار الماضي رسالة إضافية مهمة حول اهتمام فرنسا بتعزيز علاقاتها مع إفريقيا ككل، وليس مع دول الساحل والغرب الإفريقي فقط.
ويبدو أن علاقة فرنسا الجديدة مع إفريقيا سوف تركز على المناطق الغنية بالطاقة مثل أنغولا وموزمبيق في جنوب القارة بدلاً من منطقة الساحل المليئة بالمشكلات والفقيرة في الموارد.
في الأغلب ستظل فرنسا لاعباً مهماً في إفريقيا، ولكنها لن تكون لاعباً بين لاعبين آخرين، ولن تكون اللاعب الأهم.