"سنقطع عنكم النفط العربي" يبدو هذا لسان حال أمريكا في ظل هيمنتها العسكرية على منطقة الشرق الأوسط التي تزود الصين بالجزء الأكبر من احتياجاتها من النفط، لكن هل تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية قطع إمدادات الطاقة القادمة من الشرق الأوسط لبكين؟ وماذا يقول التاريخ عن مثل هذه المحاولات؟
وباعتبارها القوة المهيمنة على الشرق الأوسط، تحافظ الولايات المتحدة على قدر كبير من النفوذ على الصين، التي تعتمد على المنطقة لسد احتياجاتها من الطاقة.
وفي حالة حدوث صراع بين الصين والولايات المتحدة، يمكن للقيادة المركزية الأمريكية توجيه القوات العسكرية الأمريكية لمنع شحنات الطاقة إلى الصين، وبالتالي منع البلاد من الوصول إلى الموارد اللازمة لاقتصادها وقواتها العسكرية، حسبما ورد في تقرير موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
أمريكا مهيمنة على الشرق الأوسط رغم أنها لم تعد بحاجة إلى النفط العربي
لعقود من الزمن، كانت الولايات المتحدة القوة المهيمنة في الشرق الأوسط. العديد من دول المنطقة متحالفة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة، وتعتمد على المساعدة العسكرية والاقتصادية الأمريكية. تستضيف عدة دول قواعد عسكرية أمريكية، وينتشر أكثر من 30 ألف جندي أمريكي في جميع أنحاء المنطقة.
أوضحت سيليست والاندر، المسؤولة في وزارة الدفاع الأمريكية، في بيانٍ إلى الكونغرس، قائلةً: "الموقف في الشرق الأوسط لا يزال مهماً".
بعد أن خاض العديد من الحروب الكبرى في المنطقة -في أفغانستان والعراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية- أنشأ الجيش الأمريكي بنيةً تحتيةً تمكِّنه من دفع القوات الأمريكية بسرعة إلى المنطقة.
يقدِّر المسؤولون الأمريكيون قيمة منطقة القيادة المركزية الأمريكية نظراً لمواردها من الطاقة. تضم المنطقة ما يقرب من نصف احتياطيات النفط المعروفة في العالم وأكثر من 40% من الغاز الطبيعي. وتنتج حالياً 37% من نفط العالم، وهي موطن للعديد من كبار منتجي النفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، بما في ذلك العراق والكويت والمملكة السعودية والإمارات.
هناك العديد من نقاط العبور البحرية للنفط في المنطقة، بما في ذلك قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز. وأي تعطيل لهذه النقاط يمكن أن يؤثر بشكل كبير على البلدان التي تعتمد على النفط القادم من هذه المنطقة.
ورغم أن الولايات المتحدة باتت مصدراً للنفط، وبالتالي أصبحت أقل اعتماداً على نفط المنطقة اليوم مما كانت عليه في الماضي، يصر المسؤولون الأمريكيون على أن الشرق الأوسط لا يزال مهماً من الناحية الاستراتيجية. فطالما استمرت الدول الأخرى في الاعتماد على موارد الطاقة في المنطقة، يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه يمكنهم استخدام المنطقة للتأثير على تنمية هذه البلدان وربما حتى إعاقتها.
والصين أكبر مستورد للنفط في العالم ونصف وارادتها من الشرق الأوسط
اعتباراً من عام 2021، كانت الصين واحدة من أكبر مستهلكي النفط في العالم، في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وقد أصبحت الصين واحداً من أكبر منتجي النفط في العالم، لكن البلاد لا تنتج ما يكفي من النفط محلياً لتلبية احتياجاتها. واليوم، تستورد الصين من النفط أكثر من أي دولة أخرى في العالم.
ويأتي نصف واردات الصين النفطية من الشرق الأوسط. ولفترة من الزمن، كانت المملكة السعودية أكبر مصدِّر لواردات الصين من النفط، إلا أن روسيا تجاوزتها مؤخراً.
قالت خدمة أبحاث الكونغرس في تقرير مارس/آذار 2023، في إشارة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "يبدو أن روابط الطاقة والاستثمار بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستنمو على الأقل حتى عام 2030، لا سيما في منطقة الخليج".
قطع أمريكا النفط عن اليابان أدى لنشوب الحرب العالمية الثانية في آسيا
خلال حقب سابقة من المنافسة بين القوى العظمى، كانت الولايات المتحدة مستعدة للتحرك ضد المنافسين المعتمدين على النفط.
أحد سوابق الوضع الحالي تمثل في مواجهة الولايات المتحدة لليابان في الأشهر السابقة على دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية. قبل أشهر من شن اليابان هجومها على الولايات المتحدة في بيرل هاربور، قطعت الولايات المتحدة صادرات النفط إلى اليابان، مما عرَّض اقتصاد البلاد وقوتها العسكرية للخطر. اتخذ المسؤولون الأمريكيون الخطوة وهم يعلمون أنها قد تؤدي إلى حرب.
ورغم أن المسؤولين الأمريكيين لا يبدو أنهم يريدون اتخاذ إجراء مماثل ضد الصين، فهم يعلمون أن بكين لا تزال عرضة لمثل هذه الخطوة. من خلال الحفاظ على وجود عسكري أمريكي كبير في منطقة الخليج، تحافظ الولايات المتحدة على خيار تعبئة قواتها العسكرية بسرعة لمنع شحنات الطاقة إلى الصين، حسب الموقع الأمريكي.
إليك المنطقة التي قد توظفها واشنطن لقطع النفط عن بكين
سينصب تركيز أي عمل عسكري أمريكي بشكل خاص على مضيق هرمز، نقطة العبور الرئيسية للنفط في المنطقة، إذ تُشحَن جميع واردات الصين من الطاقة تقريباً من الشرق الأوسط عبر المضيق.
مع استمرار المسؤولين الأمريكيين في البحث عن طرق للحفاظ على المزايا الاستراتيجية التي تضمن التفوق على الصين، يبدو أنهم أقل اهتماماً لمعالجة مشاكل أكبر، مثل التهديد الوجودي الذي يمثله تغير المناخ.
وتتعثر الاتصالات الثنائية بين الصين والولايات المتحدة بشأن قضية تغير المناخ، رغم أن البلدين هما أكبر مستهلكين للنفط في العالم وأكبر مصدرين لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
حتى مع إصرار خبراء المناخ على أنه يجب على الدول التحول بسرعة بعيداً عن استخدام الوقود الأحفوري، يواصل المسؤولون الأمريكيون إعطاء الأولوية لتخطيطهم الجيوسياسي، بما في ذلك إمكانية استخدام النفط كسلاح ضد الصين. ويعتقدون أن هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط توفر لهم نفوذاً قوياً على الصين، وهم ليسوا مستعدين للتخلي عن هذه الهيمنة، بغض النظر عن العواقب على البيئة والعالم.