المناورات بقيادة السعودية مستمرة.. لماذا خفضت أوبك+ إنتاجها من النفط حتى نهاية 2024؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/05 الساعة 17:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/05 الساعة 17:04 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي/رويترز

لم يتوقع كثيرون أن يتمكن تحالف أوبك+ من الاتفاق على خفض جديد لإنتاج النفط، لكن السعودية تمكنت من قيادة التحالف بنجاح ليتم الإعلان عن اتفاق أشمل لخفض الإمدادات حتى نهاية 2024، فماذا يعني ذلك؟

تحالف أوبك+ يضم منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) إضافة إلى منتجين آخرين من خارج المنظمة، أبرزهم روسيا، وينتج هذا التحالف 40% من النفط الخام في العالم، وقرر التحالف تخفيض الإنتاج بواقع 3.66 مليون برميل يومياً بما يمثل 3.6% من حجم الطلب العالمي.

علام اتفق تحالف أوبك+؟

خلال اجتماعهم الأخير في العاصمة النمساوية، الأحد 4 يونيو/حزيران، قرر كثير من أعضاء تحالف أوبك+ تنفيذ خفض طوعي في إنتاج النفط حتى نهاية 2024، بدلاً من الموعد السابق المقرر في نهاية العام الجاري 2023.

وقال الأعضاء في بيان ومؤتمر صحفي مشترك، من مقر المنظمة في فيينا، إن الخفض الطوعي يضاف إلى خفض إلزامي بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً يبدأ مطلع العام المقبل، ويستمران عاماً كاملاً.

والدول التي أعلنت عن خفض طوعي هي: السعودية بمقدار 500 ألف برميل يومياً، وروسيا بمقدار 500 ألف برميل يومياً، والإمارات بمقدار 144 ألف برميل يومياً. كذلك، سيخفض العراق إنتاجه بمقدار 211 ألف برميل يومياً، وسلطنة عمان بمقدار 40 ألفاً، والجزائر بمقدار 48 ألف برميل يومياً.

وإضافة إلى تلك التخفيضات، أعلنت السعودية عن تنفيذ خفض طوعي في الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً في يوليو/تموز المقبل، ولمدة شهر واحد قابل للتمديد.

وقال تحالف "أوبك+" أيضاً، إنه قرر خفض إنتاجه من النفط الخام إلزامياً، بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً، خلال العام المقبل، مقارنة مع مستويات أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وذكر التحالف في بيانٍ اليوم، أن مستوى إجمالي إنتاج النفط الخام للدول الأعضاء في التحالف سيبلغ 40.46 مليون برميل يومياً، من مطلع العام المقبل وحتى نهايته، بدلاً من 41.86 مليون برميل يومياً بنهاية أكتوبر/تشرين الأول.

الخفض الحالي للإنتاج كان بمقدار 3.7 مليون برميل يومياً ينتهي في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وجاء بواقع مليوني برميل من جانب التحالف اعتباراً من نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، و1.7 مليون برميل يومياً، تم من جانب 9 أعضاء طواعية اعتباراً من مايو/أيار الماضي، ويستمران حتى نهاية 2023.

النفط
"أوبك" تُمدد خفض إنتاج النفط – رويترز

أما عن أسباب هذا القرار الجديد بتخفيض الإنتاج، فهو التذبذب الواضح في أسعار النفط الخام بنسبة بلغت 18% منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2022، وبنسبة 20% منذ اندلاع الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط من العام نفسه، وهو الهجوم الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر".

وقد ارتفعت أسعار النفط بنسبة 2.3% تقريباً، في التعاملات المبكرة الإثنين 5 يونيو/حزيران، ليصل سعر خام برنت القياسي إلى نحو 78 دولاراً للبرميل، بينما ارتفع الخام الأمريكي بنسبة 2.4% إلى 73.50 دولار للبرميل. لكن تظل هذه الأسعار أقل كثيراً من أعلى سعر وصل إليه النفط وهو نحو 123 دولاراً للبرميل قبل نحو عام.

ما أسباب خفض إنتاج النفط؟

السبب الرئيسي وراء اتفاق أوبك+ على تخفيض الإنتاج هو التذبذب الكبير في الأسعار، فبعد أن ساعدت تخفيضات الإنتاج الكبيرة التي أعلنها التحالف بشكل مفاجئ في أبريل/نيسان الماضي، على رفع الأسعار بنحو تسعة دولارات للبرميل إلى ما فوق 87 دولاراً للبرميل في الأيام التي تلت الإعلان عنها، إلا أن أسعار خام برنت فقدت مكاسبها منذ ذلك الحين، وتراجعت وجرى تداول العقود الآجلة لخام برنت أقل من 78 دولاراً للبرميل.

وهناك مخاوف متعددة بشأن حالة الاقتصاد العالمي بشكل عام، حيث أثارت البيانات الواردة من الصين مخاوف من تباطؤ تعافي الاقتصاد بعد رفع قيود الإغلاق الخاصة بجائحة كورونا في ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم.

كما أدت المخاوف من حدوث أزمة مصرفية أخرى في الأشهر الأخيرة، بعد إفلاس عدد من البنوك الأمريكية منها بنك وادي السيليكون، إلى قيام المستثمرين ببيع الأصول ذات المخاطر العالية، مثل السلع، في ظل انخفاض أسعار النفط إلى ما يقرب من 70 دولاراً للبرميل من ذروة بلغت 139 دولاراً في مارس/آذار 2022، بحسب تقرير لـ"رويترز".

النفط
أسعار النفط كانت قد انخفضت لأدنى مستوى لها منذ أكثر من عام – رويترز

وإضافة إلى ذلك، قد يؤدي حدوث ركود عالمي إلى انخفاض أسعار النفط، وفرضت المخاوف بشأن مفاوضات سقف الدين الأمريكي ضغوطاً على أسعار النفط، رغم أن القلق من تخلُّف أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم عن سداد ديونها تراجَع منذ توصل الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى اتفاقٍ الأسبوع الماضي.

نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، قال للصحفيين إن هناك "تدخلاً في آليات السوق"، وهو تعبير تستخدمه موسكو للإشارة إلى الحد الأقصى المفروض من الغرب على أسعار النفط الروسي، وهو أحد العوامل التي تضيف إلى هشاشة وتذبذب أسعار الخام.

وإضافة إلى تلك العوامل مجتمعة، هناك أيضاً توقعات تتعلق بزيادة الإنتاج الأمريكي من النفط، علماً بأن الولايات المتحدة هي بالفعل أكبر منتجي النفط في العالم، وتتوقع الحكومة الأمريكية أن يرتفع الإنتاج من النفط الخام بنسبة 5.1% إلى 12.53 مليون برميل يومياً خلال العام الجاري (2023)، وبنسبة 1.3% إلى 12.69 مليون برميل يومياً في عام 2024. وقبل 5 سنوات، كانت الولايات المتحدة تنتج نحو عشرة ملايين برميل يومياً فقط.

السعودية ومعاقبة المراهنين

قبل اجتماع الأحد والإعلان المفاجئ من جانب أوبك+ عن هذا التخفيض الجديد والممتد حتى نهاية العام المقبل، كان كثير من المحللين والمراقبين لا يتوقعون هذه الخطوة، بحسب تحليل لشبكة CNN الأمريكية.

وكان المحللون والمراقبون يتوقعون أن يؤدي اختلاف الدوافع والمصالح بين اللاعبين الرئيسيين في تحالف أوبك+ وهما السعودية وروسيا، إلى عدم التوصل لاتفاق تخفيض جديد، حيث إن المملكة تريد أن يكون سعر النفط فوق 80 دولاراً للبرميل وهو سعر التعادل الذي أعدت به موازنتها للعام الجاري، بينما تعاني روسيا من تحديد سقف لسعر نفطها من جانب مجموعة السبع كنوع من العقوبات بسبب الحرب في أوكرانيا.

لكن السعودية وروسيا، ومعهما باقي أعضاء تحالف أوبك+، تمكنتا من تجاوز الاختلافات والاتفاق على هذا التخفيض، الذي قدم له وزير النفط السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، سبباً آخر يتمثل في معاقبة المضاربين في النفط.

كان وزير الطاقة السعودي قد حذر المضاربين والبائعين على المكشوف، والذين يراهنون على انخفاض الأسعار، من زيادة المراهنة في سوق النفط، وقال في عام 2020 إنه سيحاول جعل السوق متقلبة، وتعهد بأن الذين يقامرون على سعر النفط سيتألمون.

وكرر الوزير السعودي تحذيره الأسبوع الماضي، حين طلب من المضاربين توخي الحذر، وهو ما فسره العديد من مراقبي السوق والمستثمرين على أنه إشارة إلى أن أوبك+ قد تدرس زيادة خفض الإنتاج.

"أنا لست مضطراً إلى كشف أوراقي؛ فأنا لا ألعب البوكر، لكنني أخبرهم (المضاربين في أسعار النفط) بالآتي: احترسوا!"، بحسب ما قاله الأمير عبد العزيز خلال مؤتمر للطاقة في قطر نظمته وكالة بلومبرغ. ووصف الأمير قرار الخفض الطوعي للإنتاج من جانب السعودية بأنه أداة لمفاجأة السوق ورفع الأسعار.

النفط السعودية أوبك
وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان/ رويترز

ونقلت رويترز عن الأمير، قوله إن الخفض "هدية سعودية أردنا من خلالها مفاجأة الجميع. نريد دائماً أن نضيف عنصر التشويق ولا نريد من الآخرين أن يحاولوا توقع خطوتنا التالية".

ويرى ستيفين إنيس، مدير شركة إي بس آي لإدارة الأصول، أن قرار أوبك+ تخفيض إنتاج النفط "عبارة عن محاولة لتقديم جسر من الاستقرار لأسعار النفط حتى يعاود الطلب عافيته"، مضيفاً أن "مشاعر تجار النفط حالياً في أقصى درجات الهشاشة".

وفي هذا السياق، قالت وزارة الطاقة السعودية إن إنتاج المملكة، الذي يشكل الجزء الأكبر من إنتاج أوبك+، سينخفض إلى تسعة ملايين برميل يومياً في يوليو/تموز من نحو عشرة ملايين برميل يومياً في مايو/أيار، وذلك في أكبر خفض تجريه منذ سنوات.

ومن المقرر أن يعاود الإنتاج السعودي الارتفاع إلى نحو عشرة ملايين برميل يومياً اعتباراً من أغسطس/آب، ما لم تدفع ظروف السوق المملكة إلى تمديد الخفض. وتستهدف روسيا، ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، إنتاج نحو 9.5 مليون برميل يومياً حتى نهاية العام و9.3 مليون برميل يومياً العام المقبل.

هل يتسبب خفض الإنتاج في غضب أمريكا؟

جاء رد الفعل الأمريكي على التخفيض الأخير للإنتاج من جانب أوبك+ هادئاً، عكس ما حدث في التخفيض الذي تم في أبريل/نيسان الماضي، حين وصفت واشنطن تخفيضات أوبك+ وقتها بأنها إجراء غير مناسب.

أما هذه المرة فقد قال البيت الأبيض إن المسؤولين الأمريكيين يركزون فقط على أسعار الوقود للمستهلك الأمريكي: "إننا لسنا طرفاً في تحالف أوبك+ وبالتالي هم يتخذون قراراتهم بأنفسهم"، بحسب بيان أرسله متحدث باسم البيت الأبيض لشبكة CNN، مضيفاً: "إننا نركز على أسعار الوقود للمستهلك الأمريكي وليس أسعار برميل النفط، وقد انخفضت أسعار الوقود في الولايات المتحدة بصورة لافتة مقارنة بالعام الماضي.

لكن قد يؤدي أي تخفيض إضافي من تحالف أوبك+ إلى توترات مع الدول المستهلكة الرئيسية التي تحاول محاربة التضخم، وقد انتقد الغرب مراراً أوبك؛ لزعمه أنها تتلاعب بالأسعار وتنحاز إلى روسيا في الهجوم على أوكرانيا، وهو ما تنفيه الدول المنتجة للنفط، وعلى رأسها السعودية، التي تقول دائماً إنها تتخذ القرارات التي تصب في صالح المملكة.

أوبك بايدن
بايدن يريد معاقبة أوبك، لكن هل يستطيع؟(عربي بوست)

وتلوح الولايات المتحدة من وقت لآخر بإصدار تشريع، يعرف باسم نوبك، من شأنه أن يسمح بمصادرة أصول منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) على الأراضي الأمريكية إذا ثبت تواطؤها لزعزعة استقرار السوق، لكن هذا لم يحدث ويستبعده أغلب المراقبين.

أوبك+ من جانبها تنتقد وكالة الطاقة الدولية، وهي هيئة مراقبة الطاقة في الغرب وتعد الولايات المتحدة أكبر مانح مالي لها؛ لإفراجها عن مخزونات النفط العام الماضي، وقولها إن ذلك ضروري لخفض الأسعار في ظل مخاوف من أن تعطل العقوبات الإمدادات الروسية.

ولم تتحقق قط توقعات وكالة الطاقة الدولية بأن ترتفع الأسعار، مما دفع مصادر بـ"أوبك+" إلى أن تقول إن الوكالة لها دوافع سياسية وتهدف إلى المساعدة في تعزيز مركز الرئيس الأمريكي جو بايدن. وقالت الولايات المتحدة، التي أفرجت عن معظم المخزون، إنها ستعيد شراء بعض النفط في عام 2023، لكنها استبعدت القيام بذلك في وقت لاحق.

ويقول مراقبون في أوبك أيضاً، إن المجموعة بحاجة إلى زيادة أسعار النفط الاسمية، لأن طباعة الغرب للنقود في السنوات الأخيرة أدت إلى خفض قيمة الدولار.

تحميل المزيد