لماذا تعتبر المخاوف الغربية من النفوذ الإيراني بأمريكا اللاتينية “مبالغاً فيها بشدة”؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/03 الساعة 13:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/03 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مع نظيره الإيراني علي خامنئي، أرشيفية/ رويترز

خلال زيارته لـ إسرائيل في أواخر مايو/أيار 2023، حذّر الرئيس الكولومبي السابق إيفان دوكي من أن إيران تتمتع بـ"بيئة ودية بدرجةٍ متزايدة" داخل أمريكا اللاتينية، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره بمثابة تهديدٍ للأمن والديمقراطية بالنسبة للعالم الغربي.

إذ إن دوكي- الذي كان حليفاً أمريكياً قوياً خلال فترة رئاسته- يتشارك مخاوفه مع قطاع عريض من الأجنحة المتشددة داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالولايات المتحدة، وخاصةً شخصيات مثل السيناتور تيد كروز، كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي. 

لكن تلك المخاوف تعتبر مبالغاً فيها كما يقول الموقع الأمريكي، وإذا كانت إيران قد تمكنت من توسيع نفوذها في أمريكا اللاتينية فقد حدث ذلك بسبب "السياسات الأمريكية المُضلَّلة إلى حدٍّ كبير".

لماذا تعتبر المخاوف الغربية من النفوذ الإيراني بأمريكا اللاتينية "مبالغاً فيها بشدة"؟

يقول موقع Responsible Statecraft، إن الرئيس السابق دوكي وأنصاره من الولايات المتحدة، يربطون بين العمق الجديد الذي وجدته إيران في نصف الكرة الغربي، وبين انتشار الحكومات يسارية الميول داخل أمريكا اللاتينية. 

حيث شهدت السنوات القليلة الماضية فوز مرشحين يساريين بالانتخابات في البرازيل، وكولومبيا، وتشيلي، وبيرو، وبوليفيا، وهندوراس. لكن بإلقاء نظرةٍ فاحصة سنجد أن العلاقات الإيرانية هناك مقصورة بدرجةٍ كبيرة على فنزويلا، وكوبا، ونيكاراغوا فقط. 

وليس هذا التطور بجديد، إذ تُعَد فنزويلا أهم الدول الثلاث بفضل حجمها، وموقعها الجغرافي عند تقاطع الكاريبي مع أمريكا الوسطى والجنوبية، ووفرة موارد الطاقة فيها. وقد اكتسبت العلاقات الإيرانية مع فنزويلا زخماً في العقد الأول من القرن الجاري، خلال عهد الرئيس هوغو تشافيز. 

"التوغل الإيراني في أمريكا اللاتينية متواضع"

ربما تشترك إيران مع تلك الدول في موقفها المناهض للولايات المتحدة بقوة والحاجة لمقاومة العقوبات الأمريكية، لكن التوغلات الإيرانية في أمريكا اللاتينية كانت متواضعةً خارج حدود تلك الدول.

وصحيحٌ أن إيران نجحت في إحراز بعض التقدم داخل بوليفيا إلى جانب الثلاثي المذكور سالفاً، كما شهدت العلاقات مع البرازيل صعوداً خلال الولاية الأولى للويز إيناسيو دا سيلفا، لكن علاوةً على التقارب الأيديولوجي، فقد امتثلت العلاقات مع البرازيل لمنطق التنويع الدبلوماسي، الذي يستهدف ضم القوى الصاعدة وسط عالم أصبح متعدد الأقطاب بدرجةٍ متزايدة.

وبالنسبة للبرازيل على الجانب المقابل، فقد مثّلت إيران فرصةً لصقل طموحاتها الجديدة بلعب دور دبلوماسي على مستوى عالمي. وقد تحقق ذلك عندما توسط لولا ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في اتفاقٍ نووي مع إيران عام 2010. وتؤكد سياسة لولا الخارجية منذ إعادة انتخابه أواخر عام 2022 على الاتجاه إلى تعددٍ أكبر للأقطاب، مع استقلالٍ أكبر عن الولايات المتحدة. وربما تستفيد إيران من ذلك داخل المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، لكن الأمر لا يرقى إلى اعتباره تعميقاً للنفوذ الإيراني داخل البرازيل نفسها.

وإذا ألقينا نظرةً أوسع فلن نجد الكثير من الأدلة على أن الحكومات اليسارية المعلنة في أمريكا اللاتينية تؤيد إيران على وجه التحديد، بعكس ما ألمح إليه دوكي ضمنياً. حيث سمحت البرازيل لسفينة عسكرية إيرانية أن ترسو داخل ميناء ريو دي جانيرو لثلاثة أيام، وذلك في شهر فبراير/شباط 2023 تحت ولاية لولا. 

ويمكن القول إن إثارة فعلٍ تافه كهذا لسيل ردود أفعال غاضبة من السيناتور كروز، والصفحة الأولى في Wall Street Journal الأمريكية، هو خير دليل على مدى المبالغة في تقدير حجم "التهديد الإيراني" داخل نصف الكرة الغربي، كما يقول موقع Responsible Statecraft.

وعلى صعيدٍ آخر، سنجد أن الحكومة اليسارية المنتهية ولايتها في الأرجنتين لم تحذف اسم حزب الله- حليف إيران اللبناني- من قائمتها الوطنية للإرهاب، بعد إضافة اسم حزب لله إلى القائمة بواسطة الحكومة اليمنية السالفة. وليس هناك مؤشر حتى الآن على أن رئيس كولومبيا اليساري غوستافو بيترو سيلغي التصنيف المماثل لحزب الله، بعد أن وضعه سلفه اليميني إيفان دوكي.

"إيران ليس لديها الكثير لتقدمه لنظرائها في أمريكا اللاتينية"

ويقول الواقع إن إيران ليست لديها الكثير من الموارد من أجل تقديمها لنظرائها المحتملين في أمريكا اللاتينية، بعكس الصين مثلاً. وكما أوضحنا سالفاً فإن العلاقات التي نجحت في إقامتها هناك تأتي في غالبها مع عددٍ محدود من الدول. فضلاً عن أن تلك العلاقات المحدودة تم تسهيلها عن غير قصد بواسطة السياسات الأمريكية إلى درجةٍ كبيرة.

ولنأخذ فنزويلا كمثال، في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، شهر فبراير/شباط عام 2022، أرسلت إدارة بايدن مبعوثيها إلى كاراكاس للتفاوض على إحياء محتمل للعلاقات مع حكومة نيكولاس مادورو، التي كانت الولايات المتحدة تعتبرها حكومة غير شرعية. ويرجع سبب هذا التغيير الواضح في المواقف إلى الحاجة لتنويع واردات النفط، وذلك في أعقاب حظر واردات النفط والغاز من روسيا، حيث سمحت واشنطن لعملاقة النفط الأمريكية Chevron باستئناف عملياتها داخل فنزويلا.

وقد ألمح مادورو إلى استعداده للتحرك في اتجاه تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، لكن عُمر تلك الانفراجة الناشئة كان قصيراً. وفي ازدراء دبلوماسي متعمد استبعدت الولايات المتحدة كلاً من فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا من قمة الأمريكتين بلوس أنجلوس، في شهر يونيو/حزيران 2022، وذلك بدعوى الحوكمة الاستبدادية في تلك الدول.

ولهذا لا عجب في أن مادورو سعى لتوسيع علاقاته مع أطراف تبدو مفيدةً في كسر عزلته الدولية، ومن الواضح أن إيران- التي تحارب العزلة والعقوبات نفسها- قد وجدت فرصةً سانحة للتعاون مع فنزويلا.

السياسة "الفاشلة" لواشنطن هي التي تسببت في ازدياد نفوذ إيران في أمريكا اللاتينية

بينما تمثل سياسات الولايات المتحدة تجاه كوبا مثالاً آخر على العدوانية الدائمة وغير المجدية. فبعد سنوات من مراكمة دونالد ترامب للعقوبات ضد الجزيرة المحاصرة، كان بإمكان بايدن العودة إلى سياسة الانفراجة الدبلوماسية التي اتبعها رئيسه السابق باراك أوباما، لكن تبيّن أن سياسة بايدن في كوبا تشبه سياسات ترامب أكثر من سياسات أوباما.

وفي عام 2023، أدرجت الولايات المتحدة كوبا على قائمتها للدول الراعية للإرهاب من جديد، بعد إزالة اسمها من القائمة بواسطة أوباما قبل أن يُعيد ترامب إدراجها.

وعلى نحوٍ مماثل واصلت الولايات المتحدة دفع سياسات العقوبات أحادية المسار ضد نيكاراغوا. وقد تتوافق تلك السياسة مع أهواء السكان اللاتينيين المتشددين في فلوريدا، كما هو الحال مع فنزويلا وكوبا، لكن الأدلة تقترح أن تلك السياسة تعزز قوة أصحاب المناصب، مثل مادورو ودانييل أورتيغا، أكثر مما تدفع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في تلك الدول. 

ولا شك أن تلك السياسات تخلق المزيد من الفرص أمام إيران، حيث كشفت المعلومات الاستخباراتية الأمريكية عن محادثات بين نيكاراغوا وإيران حول تعميق تعاونهما الأمني والعسكري، بناءً على جهودٍ مشتركة لمعارضة النفوذ الأمريكي.

وإذا كان دوكي وداعموه الأمريكيون يشعرون بالقلق حيال التوسع المفترض للنفوذ الإيراني داخل أمريكا اللاتينية، رغم الوصف المبالغ فيه للأمر، فعليهم أن يطالبوا أولاً وقبل كل شيء بتخلي الولايات المتحدة عن سياساتها الفاشلة، التي تستمر في تنفير دول أمريكا اللاتينية دون مكسبٍ ملحوظ للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، يقول Responsible Statecraft.

تحميل المزيد