في عام 2021، كانت السيدة التركية أمينة كيليتش تصبّ تركيزها على تربية طفليها في منزل بمدينة إسطنبول، عندما قررت تأسيس شركة ملابس خاصة بها لإعالة أسرتها؛ حيث تقول إن مشروعها بدأ بقرضٍ بدون فائدة مدعوم من الحكومة لرائدات الأعمال الإناث، والآن تُوظّف 60 شخصاً وتصدِّر إلى 15 بلداً. ونَسَبَت الفضل إلى محفز قوي ألهمها لتبديل حياتها: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تصفه بـ "بطل النساء".
أوضحت أمينة، 38 عاماً، خلال حديثها لصحيفة The New York Times الأمريكية: "بفضل رئيسي، صرت رئيسة شركتي الخاصة". وأضافت أنها صوّتت له على مدى سنوات، وأنها فعلت ذلك مجدداً لمساعدته للفوز بولاية رئاسية أخرى يوم الأحد 28 مايو/أيار 2023.
النساء المحافظات في تركيا.. قطاع جارف يدعم أردوغان
خلال خوضه الانتخابات الأصعب والأكثر أهمية وحسماً في مسيرته السياسية، اعتمد الرئيس أردوغان على الدعم الجارف لجمهور ناخبين لا يحظى بالانتباه الكافي في كثير من الأحيان: النساء المحافظات أو المتدينات في تركيا.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز، إنه في ربوع تركيا، لم يقتصر الأمر على خروج النساء المتدينات، سواء العاملات منهن أو ربات البيوت، للتصويت لأردوغان بأعداد كبيرة، بل إنهن أقنعن صديقاتهن وأقاربهن بأن يفعلوا مثلهن.
تنشط النساء كذلك في أنحاء البلاد في حزبه الحاكم، حزب العدالة والتنمية، وتتنوعن بين ناشطات ينشرن رسائل الحزب بين جيرانهم أثناء احتساء كؤوس الشاي، وبين عشرات النساء اللواتي يمثلن الحزب في البرلمان التركي.
يعد توحيد هؤلاء النساء مع أردوغان، رؤيةً مسلمةً محافظةً لأدوار النساء في المجتمع التركي، أولاً بوصفهن أمهات وزوجات، وثانياً بوصفهن من أفراد القوة العاملة. ففي دولة علمانية متشددة، حيث كانت النساء المحجبات يُحرمن لزمن طويل من دخول الجامعات أو المرافق الرسمية أو الحكومية، أو الحصول على الوظائف. لذلك، ينظر كثير من النساء المحافظات إلى أردوغان بوصفه حاميهن، لأنه سعى لإلغاء هذه القواعد المتطرفة.
"أردوغان محبوب لأنه غيَّر حياة الناس"
تقول أوزليم زينجين، النائبة البرلمانية والعضو البارز في حزب أردوغان للصحيفة الأمريكية: "التصويت في تركيا، لاسيما بالنسبة لمجتمعنا، لا يتعلق بانتخاب شخص وحسب. إنه اتخاذ قرار بشأن حياتك".
وأوضحت أن مرارة تقييد الطموح بسبب التعبير العلني عن المعتقد، له جذور عميقة بالنسبة لكثير من النساء المحافظات في تركيا، بل إنه يؤثر حتى على أطفال النساء اللواتي مررن بهذه التجارب. وذلك الاستياء يعزز الشعور بجزيل الامتنان تجاه أردوغان. وأضافت أوزليم: "أردوغان محبوب لهذه الدرجة، لأنه غيَّر حياة الناس".
تقول الصحيفة الأمريكية إن هذه الكيمياء بين أردوغان ومؤيداته في القطاع النسائي تدفقت عبر قاعة مؤتمرات في إسطنبول خلال مسيرة نسائية قبل يومين من جولة الإعادة التي عُقدت في 28 مايو/أيار. امتلأت القاعة بآلاف النساء، وبعضهن كُنّ يحملن الرضع أو يسحبن أطفالهن معهن، وصفّقن ولوّحن بأذرعتهن وردّدن أناشيد وشعارات الحملة، وأضأْن مصابيح الهواتف الخلوية ترحيباً به على المسرح.
استجاب أردوغان لموجة التصفيق الحار قائلاً: "النساء هن البطلات الأهم في كفاحنا لخدمة البلاد". وذَكَّر جمهوره بأنه أوفَى بواجبه في القضايا المجتمعية، وألغى حظر الحجاب، وحوّل آيا صوفيا، أحد الكنوز المعمارية لتركيا، من متحف إلى مسجد. وقطع وعداً آخر بالسعي لتوفير معاش للنساء اللواتي لا يعملن خارج البيوت، مما أثار مزيداً من الهتافات والتصفيق.
قال الرئيس أردوغان: "سوف نسير بقوة نحو صناديق الاقتراع. لا تذهبن وحدكن. تأكدن من أن عائلاتكن وجيرانكن وأقاربكن البعيدين يذهبن أيضاً إلى صناديق الاقتراع". هتفت الحشود: "النساء معك".
جذور ولاء القطاع المحافظ لأردوغان
بحسب "نيويورك تايمز"، فثمة جذور ضاربة في تاريخ تركيا لهذا الولاء المخلص الذي يكنه المحافظون لأردوغان. فمع أنها مجتمع مسلم بنسبة تفوق 90%، تأسست البلاد عام 1923 بوصفها دولة علمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك. منح ذلك الحكومة سلطة الإشراف على المؤسسات الدينية، وسلطة إبعاد مظاهر التدين المعلنة عن المجال العام.
يُقدِّر بعض الأتراك العلمانية، بوصفها ركناً مؤسساً من أركان الجمهورية. لكنها كانت مؤذية لكثير من المتدينين، بما في ذلك النساء اللواتي شعرن بأنها جعلتهن مواطنات من الدرجة الثانية. واضطرت بعض النساء لخلع الحجاب لدخول الجامعة، وبعضهن ارتدين الشعر المستعار.
قالت النائبة أوزليم إنها عملت محامية على مدى 20 عاماً، بدون أن يُسمح لها بدخول قاعة المحكمة لأنها ترتدي الحجاب. وأضافت: "إذا كنت مدعياً عليها أو متضررة، يمكنك أن تدخلي قاعة المحكمة. ولكن ليس بوصفك محامية. إنه أمر غير مفهوم".
منذ وصول أردوغان إلى الساحة الوطنية في 2003 بوصفه سياسياً إسلامياً طموحاً، همّش النخبة العلمانية التركية وعزّز من حرية الطبقة الملتزمة، وقاتل من أجل تخفيف القيود المفروضة على الحجاب.
رُفعت القيود داخل الأحرم الجامعية في 2008، وفي عام 2013 انضمت أربع نساء من حزب أردوغان إلى البرلمان. والآن يوجد الكثير منهن، ولا يزال المحافظون يشكرون أردوغان عن طريق التصويت له في الانتخابات.
قالت إيدا يورتسيفن، معلمة رياض الأطفال: "أشعر أني مدينة له. أدين له بالكثير لأنني الآن أستطيع العيش بحرية".
التمثيل النسائي في البرلمان يزداد بفضل أردوغان
في الوقت ذاته، زاد التمثيل النسائي السياسي خلال فترة حكم أردوغان، وحصلت النساء على 120 مقعداً في البرلمان المكون من 600 عضو خلال الانتخابات التي عُقدت هذا الشهر.
قالت نور سينم كورو، الأستاذة بجامعة إسطنبول كولتور، التي درست مجموعات النساء في حزبه، إن أردوغان كان رائداً في الاستفادة من قوة النساء المحافظات في السياسات على مستوى القواعد الشعبية. وأوضحت أن كثيراً منهن يعملن في أحيائهن لنشر آراء الحزب عبر الاجتماعات غير الرسمية أو الأنشطة الدينية.
أوضحت نور: "الحقيقة التي تقول إن الأجنحة النسائية حاضرة على الأرض كل أسبوع وكل يوم تعني أنهم يحللون المجتمع جيداً. هذه البيانات ترشد خطابات أردوغان على التلفاز".
وأضافت أن هذه الناشطات يبقين مواليات بقوة لأردوغان، ويرونه مهماً لمستقبل تركيا. وفي وصفها لرؤى هؤلاء النساء، قالت إنهن يقلن: "علينا حمايته. فأرودغان يحمينا ويحمي حرياتنا".
تقول مينا مراد، 26 عاماً، إنها صوّتت لأردوغان وحزبه لأنهم حموا حقها في ارتداء الحجاب.
وأوضحت: "كانت معلماتي يرتدين الشعر المستعار في المدرسة. لم تستطع النساء دخول الجامعة ولم يحصلن على الوظائف الحكومية بسبب الحجاب".
والآن، تعمل مينا في متجر ملابس متخصص في ملابس النساء المحافظات، حيث يباع حجاب الرأس بألوان وأشكال متنوعة. قالت مينا: "نستطيع الآن أن نرتدي ملابس أنيقة وبطريقة محافظة".