أنقذت صفقة رفع سقف الدَّيْن الأمريكي اقتصاد البلاد ووراءه العالم من أزمة كان يمكن أن تحدث إذا تخلفت حكومة أكبر دولة في العالم عن سداد التزاماتها، مما هدد بتخفيض تصنيف أمريكا الائتماني، ولكن يبقى التساؤل ما هي شروط هذا الاتفاق وهل يضمن عدم ظهور شبح هذه الأزمة قريباً؟
وتوصل الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي إلى اتفاق لرفع سقف الديون الأمريكية وتجنب تعثُر كارثي غير مسبوق.
ويتمتع الكونغرس الأمريكي بسلطة فرض حدٍّ أقصى على مقدار المال الذي يمكن للحكومة الأمريكية اقتراضه، وذلك بغرض استخدامه لسداد نفقاتها. ويُطلق على ذلك الحد الأقصى اسم "سقف الدين". ويستقر ذلك السقف حالياً عند 31.4 تريليون دولار. بينما يساعد الاقتراض الحكومة الفيدرالية على سداد النفقات المقررة في ميزانياتها مثل الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية، وأجور العاملين في الجيش الأمريكي.
وبلغت الحكومة الأمريكية، الخميس، 19 يناير/كانون الثاني 2023، الحد الأقصى لسقف الاقتراض عند 31.4 تريليون دولار، وسط مواجهة بين مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، والرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي حول رفع السقف، كانت هذه المواجهة يمكن أن يؤدي إلى أزمة مالية في غضون أشهر قليلة، وفقاً لوكالة رويترز.
وقبل التوصل للصفقة، حذّرت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين من أن الأوضاع الاقتصادية ستتدهور بسرعةٍ إذا لم يرفع الكونغرس سقف الدين في الأشهر المقبلة. وكتبت قائلة: "سيؤدي الفشل في الوفاء بالتزامات الحكومة إلى أضرارٍ لا يمكن إصلاحها للاقتصاد الأمريكي، وسُبل عيش الأمريكيين، وحتى الاستقرار المالي العالمي".
وإذا تخلفت الحكومة الفيدرالية عن سداد قروضها، فسوف يفقد المستثمرون ثقتهم في الدولار الأمريكي. مما سيؤدي إلى ضعف الدولار، وهبوط الأسهم، وتسريح الموظفين.
تجدر الإشارة إلى آنه آخر مرة تم تخفيض تصنيف أمريكا الائتماني بسبب أزمة مشابهة، شهدت أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم انخفاضات حادة، وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي في الولايات المتحدة، بنحو 634 نقطة أو 5.6%، في الثامن من أغسطس/آب 2011، أول يوم تداول بعد خفض التصنيف الائتماني، وكان هذا الانخفاض أحد أكبر انخفاضات اليوم الواحد في تاريخ مؤشر داو جونز الصناعي.
وقبل تقديم التفاصيل للمُشرّعين، استعداداً للتصويت المتوقع، يوم الأربعاء 31 مايو/أيار، عرضت صحيفة The Guardian ما كشفت عنه مصادر مطلعة على المفاوضات بشأن بعض تفاصيل صفقة رفع سقف الدين الأمريكي.
أبرز تفاصيل صفقة رفع سقف الدَّيْن الأمريكي اقتصاد البلاد
تعليق سقف الدين مقابل تثبيت الإنفاق غير العسكري
ستُعلِّق الصفقة سقف الدين العام البالغ 31.4 تريليون دولار حتى يناير/كانون الثاني 2025؛ مما يسمح للإدارة الأمريكية بدفع فواتيرها. وفي المقابل، قال مصدر إنَّ الإنفاق التقديري غير الدفاعي لعام 2024 سيكون "ثابتاً تقريباً" عند مستويات العام الحالي، "عند أخذ تعديلات التخصيصات المتفق عليها في الاعتبار". وسوف تزيد بنسبة 1% فقط في عام 2025.
بينما أخبر النواب الجمهوريون أعضاء الحزب أنَّ الإنفاق التقديري غير الدفاعي، باستثناء الرعاية الصحية للمحاربين القدامى، سيُخفَض إلى مستويات 2022.
هل يتكرر الخلاف بعد انتخابات 2024 الرئاسية؟
كان هناك مخاوف أن يتكرر الخلاف بعد الانتخابات الرئاسية المقررة 2024، والتي قد يتواجه فيها الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
جدول تمديد حد الدين يعني أنَّ الكونغرس لن يحتاج إلى تناول هذه القضية شديدة الاستقطاب مرة أخرى إلا بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وهذا من شأنه منع مواجهة سياسية أخرى تهز المستثمرين والأسواق العالمية حتى بعد انتخاب رئيس جمهوري أو فوز بايدن بولاية ثانية.
الصفقة استجابت لزيادة الإنفاق الدفاعي التي طلبها بايدن
من المتوقع أن تعزز صفقة رفع سقف الدَّيْن الأمريكي اقتصاد البلاد الإنفاق الدفاعي إلى نحو 885 مليار دولار، بما يتماشى مع اقتراح بايدن للإنفاق في ميزانية 2024، بزيادة قدرها 11% عن 800 مليار دولار المخصصة في الميزانية الحالية.
الموافقة على تمويل جباية ضرائب جديدة على الأغنياء
حصل بايدن والديمقراطيون على تمويل جديد بقيمة 80 مليار دولار لمدة عشر سنوات لمساعدة وكالة الإيرادات الداخلية في فرض قانون الضرائب للأثرياء الأمريكيين في قانون خفض التضخم للعام الماضي. وقد تصارع الجمهوريون والديمقراطيون حول هذا التمويل، المُخصَّص بموجب القانون باعتباره "إنفاقاً إلزامياً"، لإبعاده عن القتال السياسي حول عملية إعداد الميزانية السنوية، ونقله إلى "الإنفاق التقديري" الذي يُترَك تخصيصه للكونغرس.
الصفقة ستعتمد على أموال اللقاحات وتخفيض ميزانية مراكز السيطرة على الأمراض
من المتوقع أن يوافق بايدن ومكارثي على استرداد أموال الإغاثة غير المُستخدَمة لـ"كوفيد-19″ ضمن صفقة الميزانية الجديدة، بما في ذلك التمويل المُخصَّص لأبحاث اللقاحات والإغاثة في حالات الكوارث. وتُقدَّر الأموال غير المستخدمة بقيمة ما بين 50 مليار دولار و70 مليار دولار.
وقال الجمهوريون لأعضاء مجلس النواب إنَّ مشروع القانون سيقتطع 400 مليون دولار من صندوق الصحة العالمي التابع لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها "الذي يرسل أموال دافعي الضرائب إلى الصين"، على الرغم من مخاطر الأوبئة في المستقبل.
لم يتم تخفيض البرامج الصحية والغذائية ولكن تم وضع شروط أكثر صرامة للمستفيدين منها
كافح بايدن ومكارثي بشدة حول فرض متطلبات عمل أكثر صرامة على الأمريكيين ذوي الدخل المنخفض الذين يستفيدون من برامج الغذاء والرعاية الصحية الفيدرالية.
لم تستحدث صفقة رفع سقف الدَّيْن الأمريكي اقتصاد البلاد أية تغييرات على مشروع التأمين الصحي Medicaid، لكنه سيفرض متطلبات عمل جديدة على الأشخاص ذوي الدخل المنخفض الذين يتلقون مساعدات غذائية، حتى سن 54، بدلاً من 50 عاماً.
القروض الطلابية في انتظار حكم المحكمة العليا
قال الجمهوريون إنهم كفلوا التزام المقترضين بسداد قروضهم الطلابية. ومع ذلك، تقول مصادر أخرى إنَّ صفقة رفع سقف الدَّيْن الأمريكي اقتصاد البلاد تقنن الإعفاء من مدفوعات قروض الطلاب.
في حين أنَّ إجراء بايدن التنفيذي الذي يوفر ما يصل إلى 20 ألف دولار من الإعفاء من الديون لكل مقترض لا يزال قيد المراجعة من المحكمة العليا في الولايات المتحدة، ومن المتوقع صدور قرار بشأنه الشهر المقبل.
لا أموال جديدة على المستفيدين من التأمين الصحي والضمان الاجتماعي
قال الجمهوريون إنهم حصلوا على آلية للموازنة تُعرَف باسم "pay-go"، وهي اختصار لمصطلح "pay-as-go"، التي تنص على أنَّ التشريعات الجديدة أو الأوامر التنفيذية التي تؤثر في الإيرادات والإنفاق على مشروع التأمين Medicare والضمان الاجتماعي والبرامج الرئيسية الأخرى يجب تحييدها في الميزانية الجديدة -أي أنَّ التكلفة التي يتحملها المستفيد لن تزيد أو تقل في نظام الدفع الجديد.
تسهيل مشروعات استخراج الوقود الأحفوري
واتفق الزعيمان على قواعد جديدة لتسهيل حصول مشروعات الطاقة -بما في ذلك المشروعات القائمة على الوقود الأحفوري وكذلك الطاقة المتجددة- على تصاريح الموافقة.