ضحايا جدد للأسد.. أعداد المدمنين العرب بلندن تنذر بالخطر، فهل تحوّل الكبتاغون لوباء خفي بالمنطقة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/05/28 الساعة 13:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/28 الساعة 13:54 بتوقيت غرينتش
رئيس النظام السوري بشار الأسد/رويترز

منذ نحو 3 سنوات، بدأ رامز علي، معالج الإدمان من برمنغهام، يلاحظ شيئاً غير عادي للغاية؛ وهو تدفق رسائل من مرضى، غالباً شباب من الطبقة المتوسطة العليا من المملكة العربية السعودية والكويت، يشكون فيها من الاكتئاب والقلق والأرق، لقد تبين له أن حبوب الكبتاغون التي تأتي من سوريا هي السبب.

لقد جاؤوا إلى لندن، أو أرسلتهم عائلاتهم للدراسة. لكنهم جميعاً يخفون سراً؛ فهم مدمنون للكبتاغون: وهو مركب من عقار الأمفيتامين الذي ينتجه بكميات صناعيةٍ نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وينتشر عبر الشرق الأوسط في تجارة بمليارات الدولارات التي حوّلت سوريا إلى دولة مخدرات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.

وعلى الرغم من كميات المضبوطات الهائلة للحبوب، والمُخبَّأة في كل شيء من الرمان إلى علب الحليب، في الموانئ من صقلية إلى دبي، وعلى الرغم من شن القوات الأردنية ضربات جوية على مرافق الإنتاج وتبادل إطلاق النار مع المُهربين، فإنَّ تجارة الكبتاغون آخذة في الازدياد.

تجارة حبوب الكبتاغون قيمتها 10 مليارات دولار وبطاقة عودة الأسد للجامعة العربية

قبل عام 2011، كان مخدر الكبتاغون بالكاد مسجلاً دولياً. والآن بعد 12 عاماً من الحرب، فإنَّ قيمة التجارة غير المشروعة، المُقدَّرة بنحو 10 مليارات دولار (8.1 مليار جنيه إسترليني)، تفوق بكثيرٍ أية صادرات سورية مشروعة، حسب الصحيفة البريطانية.

وصار الكبتاغون ورقة مساومة قيّمة للأسد في سعيه لإنهاء وضعه المنبوذ بعدما تزعم تدمير بلاده وموت وتشريد الملايين من شعبه، بل يعتقد أنها العامل الرئيسي الذي دفع السعودية إلى التطبيع معه وإعادة قبوله بالجامعة العربية عبر القمة العربية الأخيرة في جدة؛ أملاً أن يخفض تهريب الكبتاغون للمملكة.

من العمال المهاجرين بالخليج لأبناء الأثرياء الكل يتعرض لهذا الخطر

في الخليج، يتعاطى العقار عمال مهاجرون يكافحون من أجل البقاء مستيقظين في ورديات عملٍ مدتها 20 ساعة، وأطفال الأغنياء بدافع الملل في الحفلات.

وهؤلاء هم الذين يأتون إلى المملكة المتحدة، يشكون من الأرق ويحاولون الحصول على وصفات طبية للمهدئات.

والمشكلة خطيرة لدرجة أنَّ رامز علي، معالج الإدمان، يعمل الآن مع صوفيا خاليك، طبيبة عامة في هارلي ستريت، لإنشاء خدمة جديدة في لندن مُخصَّصة لعلاج العملاء من الشرق الأوسط المدمنين للكبتاغون.

عدد طالبي العلاج في لندن ينذر بأن أعداد المدمنين كبيرة للغاية

وقال علي -الذي يقدر أنَّ واحداً من كل ثلاثة من المرضى المحالين إليه مدمن للمخدرات- إنَّه بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من المرضى الذين يأتون إليه، من المرجح أن يكون عدد متعاطي الكبتاغون في بلدانهم أعلى بكثير. ويشك في أنه قد يمثل "وباءً خفياً".

وفي دول مثل المملكة العربية السعودية والكويت، حيث يُحظَر الكحول، يُعتبَر الكبتاغون طريقة رخيصة وسهلة للحصول على نسبة عالية من النشوة. وتتكلف الحبوب ما بين دولار و15 دولاراً، اعتماداً على مكان بيعها.

إنها وسيلة الأسد لكسب المال والسيطرة على البلاد

ويتطلب الوصول بالكبتاغون إلى حجم صناعة بمليارات الدولارات، كما هو الحال الآن، ديكتاتوراً يائساً، مستعداً لفعل أي شيء للصمود. فقد دُمِّر اقتصاد سوريا ومدنها، واستهدفت العقوبات الغربية الأسد وأقرب دائرته، الذين يديرون البلاد مثل دولة مافيا.

وقد احتاج إلى المال بسرعة ووجده في الكبتاغون. وسرعان ما بدأ وكلاء النظام في إنشاء المصانع والاستيلاء على الأعمال لتحويلها إلى منشآت لإنتاج الأمفيتامين. وخلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا، صارت الحبوب شائعة بين المقاتلين من جميع الأطراف؛ لمساعدتهم على البقاء مستيقظين وعدوانيين، خلال المعارك المرعبة.

وتُصنَّع حبوب الكبتاغون في عمليات تتراوح من منشآت صناعية ضخمة إلى إنتاج مخصص للمنازل والشقق.

الكبتاغون
رئيس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربية في جدة/رويترز

ومن خلال العمل مع حلفاء مثل حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى، يدير النظام وشركاؤه صناعة بمليارات الدولارات تنتج الأمفيتامينات وتوزعها في جميع أنحاء العالم.

ولا يجلب الكبتاغون للأسد المال فحسب -إذ تتراوح تقديرات حجم التجارة بين بضعة مليارات من الدولارات و58 مليار دولار- بل أيضاً القوة السياسية.

وقالت كارولين روز، من معهد New Lines للاستراتيجية والسياسة ومقره واشنطن، والتي تقود مشروعاً بحثياً خاصاً في تجارة الكبتاغون: "الكبتاغون هو أحد مصادر الدخل البديلة الأساسية للنظام السوري والجهات الفاعلة المتحالفة معه. وهذه التجارة كانت مصدراً كبيراً جداً لإدامة قبضة [النظام] على الأراضي التي يسيطر عليها، وأيضاً للسلطة السياسية والمصداقية في المجتمعات المحلية. ولا يسهم الكبتاغون في [تبطين] جيوبهم فحسب، بل أيضاً في سيطرتهم ونفوذهم في المنطقة".

ومن الصعب المبالغة في حجم الإنتاج. ففي العام الماضي وحده، وفقاً لمعهد New Lines، ضُبِط ما لا يقل عن 370 مليون حبة في جميع أنحاء المنطقة. وعُثِر عليها في أكثر من 10 بلدان، مخبأة في برتقال بلاستيكي مزيف -ممزوج بين فواكه حقيقية- وألواح خشبية وعلب بيض وأكياس قهوة.

دول المنطقة فشلت في التصدي لهذه التجارة

وكانت دول الشرق الأوسط غارقة تماماً تحت وطأة محاولاتها لمكافحة هذه التجارة. وعلى الرغم من حملات الضبط الشرسة، التي حظيت بدعاية كبيرة، لا تزال الحبوب تنتقل عبر المنطقة، بعضها براً إلى الخليج عبر الأردن أو العراق، والبعض الآخر عبر البحر.

وقال كرم شعار، الزميل البارز في معهد Newlines: "تشير معظم الأدلة إلى أنَّ الجزء الأكبر من الإنتاج يحدث في مناطق النظام. ولا يمكنك حقاً تحديد مستوى الإنتاج وفق الكميات المضبوطة، لأنك لا تعرف مقدار ما يُضبَط من إجمالي إنتاج كل منطقة؛ لذا فهي عبارة عن صورة غير كاملة… لكن نظام الأسد هو راعي الصناعة".

وخلال الشهر الجاري، شن الأردن غارات جوية في جنوب سوريا أسفرت عن مقتل زعيم معروف في صناعة الكبتاغون وتاجر أسلحة، إلى جانب زوجته وأطفاله الستة. وأعلنت دول من السعودية إلى العراق، عن إجراءات لمكافحة هذه التجارة، لكنها غارقة أمام حجم الإنتاج الهائل.

وأطلقت الدول الغربية رداً كاسحاً، آخره عقوبات في مارس/آذار الماضي، على تدفق المخدرات ضمن سعيها لتجفيف منابع عائدات نظام الأسد. وفي العام الماضي، وقع الرئيس جو بايدن على قانون يطالب الوكالات الأمريكية باستهداف تجارة الكبتاغون.

الأسد يرعى تجارة وتصنيع الكتباغون/عربي بوست، تعبيرية

وأعلن الاتحاد الأوروبي عقوبات مماثلة. ومع ذلك، لا يزال الأسد بعيداً عن الرضوخ تحت وطأة إجراءات مكافحة التهريب والضربات الجوية والعقوبات، ويستخدم قدرته على إغراق الشرق الأوسط بالأمفيتامينات الرخيصة كورقة مساومة في محاولته للعودة من العُزلة. وهذا الشهر، ظهر في قمة جامعة الدول العربية بجدة، إلى جانب قادة الدول الذين دعموا لسنواتٍ المتمردين الذين يحاولون إطاحته.

وقالت لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط التابع لمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن: "ستكون قضية الكبتاغون إحدى أدوات التفاوض التي سيستخدمها الأسد مع الدول العربية في محاولة للدفع من أجل عقد صفقات مالية في المنطقة. وأتوقع أن يحاول نظام الأسد خفض كمية الكبتاغون المُصدَّرة إلى الخليج مقابل نوع من التعويض المالي".

وأضافت لينا: "لقد ساهم الأسد في خلق مشكلة الكبتاغون، وهو الآن يستخدم هذه المشكلة كأداة لتقديم نفسه على أنه الحل".

تحميل المزيد