السودان يدخل شهراً ثانياً من الحرب.. كيف يطيل “الذهب” والمرتزقة أمد الصراع؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/17 الساعة 13:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/20 الساعة 06:21 بتوقيت غرينتش
قائد قوات "الدعم السريع" حمدان دقلو، وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان - عربي بوست

دخلت الاشتباكات في السودان شهرها الثاني، وأصبح الوضع في الخرطوم "لا يطاق"، وامتد الصراع الدامي إلى دارفور، فكيف قد يطيل الذهب والمرتزقة أمر الحرب الكارثية؟

كان السودان قد شهد، منذ يوم 15 أبريل/نيسان، انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.

ورغم المحادثات الهادفة إلى التوصل إلى هدنة بين الطرفين، برعاية السعودية في مدينة جدة، إلا أن حدة القتال اشتدت، وبات شبح تحول الصراع إلى حرب أهلية قد تمتد لأشهر وربما سنوات، على غرار ما حدث في اليمن، يقترب أكثر، مثيراً تساؤلات متعددة حول التداعيات الكارثية داخل السودان وفي المنطقة، وبصفة خاصة في الجارة الشمالية مصر.

ما الوضع في الخرطوم؟

شهدت العاصمة السودانية تصعيداً لافتاً، منذ الثلاثاء 16 مايو/أيار، في الضربات الجوية والقصف المدفعي، في وقت يسعى فيه الجيش للدفاع عن قواعد رئيسية أمام هجوم قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي يخوض معها قتالاً عنيفاً للسيطرة على الخرطوم، مع دخول الاشتباكات شهرها الثاني.

وذكر شهود لرويترز أنهم سمعوا دوي ضربات جوية واشتباكات وانفجارات في جنوب الخرطوم، بالإضافة إلى قصف عنيف في أجزاء من مدينتي بحري وأم درمان المجاورتين اللتين يفصلهما نهر النيل عن العاصمة.

وعلى الرغم من تركز القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة، إلا أنه أثار اضطرابات في أنحاء أخرى من السودان، وبصفة خاصة في إقليم دارفور بغرب البلاد، حيث تصاعدت الاشتباكات في الإقليم الذي يعيش حروباً واضطرابات منذ أكثر من عقدين من الزمان.

أما السكان العالقون في العاصمة، وهي من أكبر التجمعات الحضرية في القارة الإفريقية، إذ كان يقطنها نحو 6 ملايين نسمة قبل اندلاع الصراع الحالي، فإنهم باتوا يعيشون أوضاعاً لا تطاق في ظل شح ​​الإمدادات الغذائية، وانهيار الخدمات الصحية، وانتشار الفوضى.

وسجل المسؤولون 676 حالة وفاة وأكثر من 5500 إصابة، لكن من المتوقع أن تكون الأعداد الحقيقية أعلى بكثير مع ورود العديد من التقارير عن جثث تركت في الشوارع وأشخاص يعانون لدفن الموتى.

وقال أحد السكان ويدعى أيمن حسن (32 عاماً) لرويترز: "هذا وضع لا يطاق، خرجنا من منزلنا إلى منزل أحد الأقرباء في الخرطوم هرباً من الحرب، ولكن الضرب يلاحقنا أينما نذهب"، مضيفاً: "لا نعرف ما ذنب المواطن. لماذا الحرب في وسط البيوت؟".

وتشهد منطقة شمالي أم درمان، على بعد 22 كلم من مركز العاصمة الخرطوم اشتباكات شرسة من وقت لآخر، في ظل محاولات قوات الدعم السريع لإخراج قاعدة وادي سيدنا الجوية من الخدمة، حيث تضم مطاراً مدنياً، وبالمحاذاة منها تقع الكلية الحربية بمعاهدها المتخصصة مثل المشاة والمظليين، وأيضاً "مجمع الصافات للتصنيع العسكري"، المتخصص في الصيانة والصناعة والتطوير والتحديث لمختلف أشكال الطائرات المدنية والعسكرية.

الخرطوم
العاصمة السودانية الخرطوم – رويترز

وتلعب قاعدة وادي سيدنا الجوية، الدور الأبرز في هجمات الجيش على قوات الدعم السريع، وخاصة معسكرات القوات داخل الخرطوم الكبرى (نحو 11 معسكراً)، ونقاط تمركزها بالمحاور الاستراتيجية وبالأخص رؤوس الجسور، التي تربط مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، خرطوم بحري، أم درمان)، بحسب تقرير للأناضول.

كما استهدفت المقاتلات والمروحيات الهجومية المنطلقة من قاعدة وادي سيدنا، خطوط إمداد قوات الدعم السريع القادمة من إقليم دارفور وولاية شمال كردفان، باتجاه الخرطوم على طول نحو 1000 كلم، فطول خطوط الإمداد وانكشافها أمام الطيران إحدى نقاط الضعف الرئيسية لقوات الدعم السريع، والتي أعاقت إحكام سيطرتها على العاصمة.

وكانت صفحات منسوبة للجيش السوداني على شبكات التواصل الاجتماعي قد ذكرت أن قوات الدعم السريع كانت تستعد لمهاجمة قاعدة وادي سيدنا، انطلاقاً من معسكر كرري، في شمال أم درمان، والذي لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن القاعدة، ويضم نحو 5 آلاف مقاتل. لكن طيران الجيش السوداني باغت قوات الدعم السريع في معسكر كرري بقصف كثيف عبر 10 طائرات هجومية، وفق وسائل إعلام عربية، ما أدى إلى انسحاب عناصرها من المعسكر، وسيطرة الجيش عليه.

ونقلت قناة الجزيرة مؤخراً، عن مسؤول عسكري لم تسمّه، قوله إن "متمردي الدعم السريع حاولوا 3 مرات اقتحام قاعدة وادي سيدنا لتدميرها وإخراجها من الخدمة، لكنهم فشلوا وجرى دحرهم وتكبيدهم خسائر فادحة، كما سعوا إلى قصفها من مواقع بعيدة ولم يفلحوا في ذلك".

ماذا عن محادثات الهدنة في السعودية؟

فجّر الصراع أزمة إنسانية تنذر بزعزعة استقرار المنطقة، وأجبر نحو 200 ألف شخص على الفرار إلى بلدان مجاورة، وأدى لنزوح ما يربو على 700 ألف داخل السودان.

وقال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إن 9 ملايين شخص يعيشون على مقربة من المعارك ويعانون أشد المعاناة، مشيراً إلى تقارير عن زيادة العنف الجنسي ضد النازحين. وأطلق الاتحاد حملة لجمع تبرعات بقيمة 33 مليون دولار. 

ومنذ أن بدأ طرفا الصراع محادثات في جدة بوساطة من السعودية والولايات المتحدة قبل ما يزيد على أسبوع، احتدم القتال في الخرطوم والجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور. وأثمرت المحادثات مؤخراً عن إعلان مبادئ ينص على تسهيل وصول المساعدات وحماية المدنيين، لكن آليات إنشاء ممرات إنسانية والموافقة على وقف إطلاق النار لا تزال قيد المناقشة. وكان الطرفان قد أعلنا في السابق موافقتهما على العديد من فترات وقف إطلاق النار، لكن القتال لم يتوقف في أي منها.

وبحسب سكان وشهود، هاجمت قوات الدعم السريع قواعد عسكرية رئيسية في شمال أم درمان وجنوب الخرطوم، في مسعى لمنع الجيش من نشر أسلحة ثقيلة وطائرات مقاتلة على ما يبدو. وقالت قوات الدعم السريع في بيان إنها أسرت المئات من قوات الجيش في هجوم مضاد في بحري، ونشرت لقطات فيديو تظهر رجالاً يرتدون الزي العسكري ويجلسون على الأرض بينما تحتفل عناصر من القوة شبه العسكرية حولهم. لكن لم يتسنَّ لرويترز التحقق من صحة رواية قوات الدعم السريع، والتي نفاها الجيش.

نازحون يهربون من جحيم الحرب في السودان، رويترز
نازحون يهربون من جحيم الحرب في السودان، رويترز

ويعمل الجيش على قطع خطوط إمداد قوات الدعم السريع من خارج العاصمة، وتأمين مواقع استراتيجية من بينها المطار بوسط الخرطوم ومصفاة الجيلي الرئيسية للنفط في بحري، حيث احتدم القتال مرة أخرى الثلاثاء. وقال نجل أنس عمر، العضو البارز في الحزب الحاكم في عهد الرئيس السابق عمر البشير، لرويترز، إن قوات الدعم السريع ألقت القبض على والده من منزله في الخرطوم. وتتهم قوات الدعم السريع الجيش بالعمل مع الموالين للنظام السابق، وهو ما ينفيه الجيش.

واتجه معظم الفارين من السودان شمالاً إلى مصر، أو غرباً إلى تشاد المتاخمة لإقليم دارفور. وتوجه آخرون إلى مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر، على أمل اللحاق بإحدى السفن المتجهة للسعودية.

وقالت ريم، التي تقيم مع مئات آخرين في طقس شديد الحرارة في مخيم في بورتسودان: "احنا جينا من الضرب وفقدنا أزواجنا، بيوتنا اتدمرت، حتى لو جات السلام احنا نرجع نقعد وين؟".

المرتزقة والذهب وإطالة أمد الصراع في السودان

الصورة العامة تشير إلى أن السودان ربما لا يشهد وقفاً لإطلاق النار قريباً، في ظل إصرار كل طرف على قدرته على حسم الأمر عسكرياً بإزاحة الطرف الآخر والقضاء عليه، لكن لا يبدو أن هذا الأمر وارد، على الأقل في المستقبل القريب.

فالميزة النسبية التي يتمتع بها الجيش، بالسيطرة على الأجواء والطيران والأسلحة الثقيلة، يقابلها عنصرا المرتزقة والذهب لدى الدعم السريع، حيث تنشر على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمقاتلين في تشاد أو النيجر يعلنون دعمهم لها.

ويقول البرهان إن مرتزقة جاؤوا من "تشاد وإفريقيا الوسطى والنيجر" يقاتلون مع قوات الدعم السريع، كما أكد الجيش أخيراً أنه قتل "قناصاً أجنبياً"، رجحت المصادر أنها إشارة إلى وجود مرتزقة فاغنر الروس.

 والأمر نفسه أورده موفد الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرثيس، فقد صرح بأن "عدد المرتزقة الذين جاؤوا من مالي وتشاد والنيجر بدعم من قوات الدعم السريع لا يستهان به".

وأكد شهود في الخرطوم أنهم سمعوا مقاتلين من قوات الدعم السريع يتحدثون الفرنسية، وهي لغة لا يتحدث بها السودانيون، ما يشير إلى أنهم قد يكونون تشاديين، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.

كما أن عائلة حميدتي تدير جزءاً كبيراً من مناجم الذهب في السودان، ثالث أكبر منتج للمعدن الأصفر في إفريقيا، وبالتالي فهو "يستطيع أن يدفع رواتب لا يمكن لكثيرين في إفريقيا جنوب الصحراء مجاراته فيها"، كما قال لفرانس برس أندريا كريغ من "كينغز كولدج" في لندن. وأضاف أن "تشاديين انضموا فعلاً خلال السنوات الأخيرة إلى قوات الدعم السريع من أجل الرواتب".

وتعتبر تشاد، البلد المتاخم لإقليم دارفور بغرب السودان، امتداداً طبيعياً بالنسبة لحميدتي الذي ينتمي إلى قبيلة الزريقات في دارفور، حيث لا يكترث كثير من الرعاة والمزارعين المهددين بالجفاف بالحدود الرسمية،  ومعظم قادة المجموعات المسلحة، بمن فيهم زعيم الدعم السريع، لهم أصول تشادية.

سودانيون السعودية قوات الدعم السريع السودان
مسلحون من قوات الدعم السريع في الخرطوم، السودان/ رويترز

وعلى امتداد الأجيال جندوا رجالاً ثم أبناءهم ومنحوهم جميعاً "جوازات سفر سودانية وأراضي هجرها أصحابها من القبائل غير العربية الذين اضطروا للنزوح" بسبب الحرب في الإقليم، بحسب ما أكد منذ 2017 مركز أبحاث "سمول أرمز سيرفاي".

 ويساند مرتزقة آخرون قوات الدعم السريع، وهم مقاتلو مجموعة فاغنر، فمنذ أن لجأت إفريقيا الوسطى في عام 2018 إلى هؤلاء المقاتلين الروس لقمع تمرد لديها، يقول دبلوماسيون غربيون إنهم كانوا يرون قوافل من المرتزقة الروس في مطار الخرطوم وفي فنادق العاصمة السودانية.

 ويشكل السودان قاعدة خلفية، ولكن كذلك مصدر تمويل لفاغنر. فقد وقّعت مناجم الذهب التابعة لعائلة محمد حمدان دقلو عقوداً مع شركات تعمل كواجهات لرئيس فاغنر يفغيني بريغوجين، وفق وزارة الخزانة الأمريكية. وأكد الخبير الأمريكي كاميرون هدسون لفرانس برس أن "مجموعة فاغنر لا تحارب اليوم في السودان، ولكن لديها مستشارون فنيون".

الخلاصة هنا هي أنه بات واضحاً أن الصراع في السودان ربما لا يتوقف قريباً، ويبدو أن الذهب والمرتزقة سيلعبان دوراً بارزاً في إطالة أمد هذا الصراع، فحتى إذا تمكن الجيش من السيطرة على الخرطوم، ستتراجع قوات الدعم السريع إلى دارفور لتبدأ جولة من الحرب الأهلية لا أحد يعرف متى أو كيف يمكن أن تنتهي.

تحميل المزيد