يتزايد الطلب على الأسلحة الأمريكية بصورة تتخطى قدرات الإنتاج، فدعم أوكرانيا و"تحضير" تايوان، وتلبية طلبات الشراء من الشرق الأوسط يمثل معضلة لصناع القرار في واشنطن، فلمن الأولوية؟
نشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً عنوانه "تايوان تتنافس على الأسلحة مع الشرق الأوسط وليس أوكرانيا"، يرصد كواليس صنع القرار الأمريكي فيما يتعلق ببيع الأسلحة وإمداد الحلفاء وأولويات تلك القائمة الطويلة.
فبعد عودته من زيارة إلى تايبيه، في فبراير/شباط، أعرب النائب مايك غالاغر، الرئيس الجمهوري للجنة المختارة التي شُكِّلَت مؤخراً في مجلس النواب الأمريكي بشأن الصين، عن قلقه بشأن وتيرة تسليم الأسلحة إلى تايوان، بما في ذلك متأخرات بقيمة 19 مليار دولار نوقشت بإسهاب في المجلس، قائلاً لصحيفة New York Times الأمريكية: "علينا أن نثبت رغبتنا في التسليم".
لماذا يتأخر تسليم السلاح الأمريكي إلى تايوان؟
استشهد القادة السياسيون من كلا الجانبين، في تايوان والولايات المتحدة، بحجم الأعمال المتأخرة، والتي تحتل نطاقاً واسعاً، كمؤشر على ضعف القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية غير المستعدة لحرب القوى الكبرى، وغير القادرة على تلبية مطالب الحرب الروسية في أوكرانيا، وإمكانية الصراع على تايوان في وقت واحد.
وأوضح الرئيس المشارك لغالاغر، النائب رو خانا، هذه المقايضة بين أوكرانيا وتايوان في خطاب ألقاه، في أواخر أبريل/نيسان، حول المنافسة الأمريكية مع الصين، والذي دعا فيه أيضاً إلى استخدام قانون الإنتاج الدفاعي لزيادة إنتاج الأسلحة الأمريكية بشكل كبير.
وتجد الحجة القائلة بضرورة قطع المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، للسماح بالدعم الكافي لتايوان أيضاً العديد من المدافعين خارج مبنى الكابيتول هيل، وعلى رأسهم إلبريدج كولبي، المهندس الرئيسي لاستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، وكيفين روبرتس، رئيس مؤسسة التراث، وهي مركز أبحاث.
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة، وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين لا تزال تصرُّ على أنه ستتم استعادة الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر.
ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك، ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يُلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وفي هذا السياق، تنظر الصين إلى النظام الديمقراطي ذاتي الحكم في تايوان، على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، ووصلت التوترات بين بكين وتايبيه إلى ذروتها منذ عقود، منذ زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، للجزيرة في الصيف الماضي، ثم لقاء كيفين مكارثي، من خلفها في المنصب، مع رئيسة تايوان على الأراضي الأمريكية مؤخراً.
فالصين تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها بموجب سياسة "الصين الواحدة"، وتقول بكين إنه الأمر الأكثر حساسية وأهمية في علاقاتها بالولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تقوم سياسة الولايات المتحدة على الاعتراف بأن "الصين واحدة"، ولا تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع تايوان.
ومن وجهة النظر الأمريكية، يجب ضمان استعداد تايوان للردع، والدفاع عن نفسها من أي هجوم صيني، وأن تكون أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، وهو الأمر الذي سيتطلب إجراء مقايضات بطبيعة الحال.
لكن قطع المساعدات عن أوكرانيا أو زيادة إنتاج الأسلحة الأمريكية ليس أفضل طريقة للحصول على الأسلحة التي تحتاجها تايوان، بحسب تحليل فورين بوليسي، الذي يرى أن المنافس الأكبر لتايوان على الكثير من الأنظمة الدفاعية التي تتطلَّبها بشكلٍ أكثر إلحاحاً ليس أوكرانيا، بل المشترين الكبار في الشرق الأوسط.
وتقوم تايوان بتطوير قطاع دفاعي قادر بشكل متزايد على إنتاج عدد كبير من الأنظمة الرئيسية محلياً. ولتلبية متطلبات تايوان من الأسلحة بشكل أكثر كفاءة، على الولايات المتحدة إعادة توجيه عمليات نقل الأسلحة التي تدعم حالياً المشترين الكبار من الشرق الأوسط إلى تايوان، والاستثمار بشكل أكبر في الإنتاج المشترك وبناء القدرات للقاعدة الصناعية الدفاعية في تايوان، بحسب المجلة الأمريكية.
وبدلاً من أوكرانيا، تتنافس تايوان بشكل مباشر مع الدول الأخرى التي تشتري الأنظمة الجديدة. ومن بين أكبر منافسيها عدد كبير من المشترين في الشرق الأوسط، منهم مصر والسعودية والإمارات. لا تشتري هذه الدول العديد من الأنظمة التي تحتاجها تايوان أكثر من غيرها، ولكنها تشتري أيضاً هذه الأسلحة بكميات كبيرة- غالباً ما تتجاوز ما يُخصَّص لأوكرانيا، في إطار دعم واشنطن المستمر لكييف منذ بداية الهجوم الروسي، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر".
أسلحة أمريكية للشرق الأوسط
استناداً إلى بيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، من بداية المحور الآسيوي للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في عام 2012، وحلول العام 2022، سلمت الولايات المتحدة آلاف الأسلحة إلى هذه الدول الخمس في الشرق الأوسط، بما في ذلك 25,658 صاروخ تاو، و8512 صاروخ هيلفاير، و46 نظام دفاع جوي باتريوت، و2526 صاروخ إطلاق متعدد موجه، و1241 صاروخ جافلن، و645 صاروخ هاربون، و459 ستينغر، و24 صاروخاً مدفعياً عالي الحركة، و250 دبابة من طراز أبرامز، و21 طائرة من طراز إف-16، وصواريخ وذخيرة أخرى، علاوة على المركبات العسكرية.
وهذه كلها أنظمة يمكن أن تستخدمها تايوان للدفاع عنها، والعديد منها مدرج في متأخرات الـ19 مليار دولار. إن تحويل بعض الطاقة الإنتاجية المخصصة لهذه الدول الخمس على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية كان من شأنه أن يؤدي إلى زيادة مخزون تايوان الدفاعي بشكل كبير، بحسب أصحاب هذا الرأي في أروقة الكونغرس.
بينما تلقت أوكرانيا عدداً كبيراً من صواريخ جافلين وستينغر وتاو، مقارنةً بالمشترين من الشرق الأوسط، فقد تلقت أقل بكثير من معظم الأنظمة الأخرى التي تحتاجها تايوان.
على سبيل المثال، حصلت أوكرانيا على وعد بنظامي دفاع ساحلي من طراز هاربون، وحصلت على بطارية باتريوت واحدة، ولكن لا توجد صواريخ هيلفاير أو صواريخ بعيدة المدى، بل تم تعديل الصواريخ المدفعية عالية الحركة للحد من نطاق الاستهداف.
علاوة على ذلك، في حين أن أوكرانيا وتايوان بحاجة إلى بعض الأنظمة نفسها، فهما تواجهان متطلبات مختلفة إلى حد كبير، تحد من مدى أي تداخل. إذ تخوض أوكرانيا حرب استنزاف برية، على مقربة شديدة من خصمها، وتحتاج أكثر من أي شيء آخر إلى مدفعية قصيرة المدى ودفاع جوي. في المقابل، ستواجه تايوان حرباً جوية وبحرية، وستحتاج إلى صواريخ بعيدة المدى، وقدرات دفاع جوي ومضادة للسفن.
قد تتنافس تايوان وأوكرانيا بشكل مباشر أكثر على الأسلحة المبنية حديثاً، التي يُستهلَك فائض المخزونات الأمريكية منها، لكن مراجعة الإنتاج الجديد الموعود لأوكرانيا من خلال مبادرة المساعدة الأمنية الأوكرانية لوزارة الدفاع، وجدت تداخلاً محدوداً بين القدرات التي ستتلقاها أوكرانيا وتلك التي تحتاجها تايوان.
هناك بعض الأنظمة المقرر إرسالها إلى أوكرانيا، والتي يمكن أن تفيد تايوان، بما في ذلك أنظمة الصواريخ الوطنية المتقدمة أرض-جو، والصواريخ المدفعية عالية الحركة، ومجموعة من أنواع مختلفة من الطائرات المسيَّرة، لكن الكميات منخفضة نسبياً، ومن غير المرجح أن تؤخر عمليات نقل الأسلحة الرئيسية إلى تايوان.
كيف تسعى أمريكا للخروج من المأزق؟
وفي حين أن هناك مفاضلات بين الموارد المخصصة لتايوان وأوكرانيا، وستظل هذه المفاضلات قائمة، يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة للموارد المخصصة لتسليح الحلفاء والشركاء الآخرين، وكثير منهم لديه مخاوف أمنية أقل خطورة. بالنسبة لأنظمة الأسلحة التي تحتاجها تايوان أكثر من غيرها، فإن المشترين الكبار في الشرق الأوسط- وليس أوكرانيا- كانوا وسيظلون على الأرجح أكبر استنزاف للمخزونات الأمريكية.
وفي هذا السياق، ترى المجلة الأمريكية في تحليلها، أن الطريقة الأسرع والأكثر فاعلية لتوصيل الأسلحة المطلوبة إلى أيدي تايوان تتمثل في إيقاف أو تقليل عمليات التسليم إلى مشتري الأسلحة الكبار في الشرق الأوسط، على الأقل مؤقتاً.
علاوة على ذلك، غالباً ما تحصل هذه الدول على أنظمة متقدمة- مثل صواريخ هاربون وأنظمة الدفاع الجوي باتريوت- التي تمنح الكثير من الهيبة لكنها لا تتوافق جيداً مع التهديدات التي تواجهها من إيران وبلدان أخرى.
ورغم هذه القضايا الموثقة جيداً، فإن مبيعات الأسلحة الأمريكية لهذه الدول الخمس ضخمة، حيث بلغت 111.8 مليار دولار من التراخيص والإخطارات الجديدة منذ بداية إدارة ترامب. لدى السعودية وحدها مشتريات جديدة من الأسلحة الأمريكية، تزيد قليلاً عن 40 مليار دولار خلال هذه الفترة الزمنية.
وبحسب وجهة النظر ذاتها، فإن إعادة توجيه جزء كبير من هذه الأسلحة والقدرة الإنتاجية اللازمة لإنتاجها نحو تايوان ستُحدث فرقاً كبيراً عندما يتعلق الأمر بتسريع وتوسيع شحنات الأسلحة في تايوان. على سبيل المثال، تنتظر تايوان اليوم بعد المملكة العربية السعودية للحصول على 750 من صواريخ هاربون، رغم حاجتها الأكثر إلحاحاً لهذه الأنظمة، كما تزعم واشنطن.
ستساعد إعادة ترتيب أولويات الطاقة الإنتاجية في تسليح تايوان بشكل أسرع، ولكنها قد لا تكون كافية لتلبية احتياجات تايوان على المدى المتوسط والطويل. ستحتاج واشنطن أيضاً إلى زيادة الاستثمار في قطاع الدفاع التايواني، بما في ذلك من خلال الإنتاج المشترك، ونقل التقنيات التي تتطلبها صناعة الدفاع التايوانية لتعزيز قدراتها المحلية، وتقديم المساعدة لتطوير وتسريع خطوط الإنتاج الحالية.
لدى تايوان صناعة دفاعية محلية متنامية، قادرة بشكل خاص على تطوير وإنتاج أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ متوسطة وطويلة المدى. تُركز المقترحات الحالية لتسريع تسليم الأسلحة إلى تايوان، على زيادة القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية، للوصول إلى قدراتٍ تمكِّنها من الأداء بفاعلية في زمن الحرب، لكن هذا سيستغرق سنوات، وسيغذّي مستويات أعلى من الإنفاق الدفاعي.
ويمكن أن يؤدي الاستثمار في صناعة الدفاع المحلية في تايوان إلى عوائد أسرع، وزيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية، وزيادة قدرة تايوان على تسليح نفسها، في ظل الحصار أو أثناء الصراع، عندما لا تكون إعادة التوريد الأمريكية خياراً.