في صباح الخميس، 11 مايو/أيار 2023، قال وزير الدفاع البريطاني، بين والاس، أمام مجلس العموم إن المملكة المتحدة فعلت الأمر الذي ظل محظوراً لفترةٍ طويلة. إذ نقلت "عدداً" من صواريخ "ظل العاصفة" الجوّالة التي تُطلق من الجو إلى أوكرانيا، في خطوةٍ تُعتبر بمثابة "رد متناسب" مع الهجمات الجوية الروسية المستمرة على الأهداف المدنية، حسب تعبيره.
ما هي صواريخ "ظل العاصفة" بعيدة المدى؟
يجري الترويج لصواريخ "ظل العاصفة" رسمياً باعتبار أن مداها "يتجاوز الـ250 كيلومتراً"، أو 155 ميلاً، لكن بعض الأرقام الأخرى (كالصادرة عن الرئيس الفرنسي مثلاً) تُشير إلى أن مداها الأقصى يصل إلى 250 أو حتى 350 ميلاً (400-560 كم).
ولم يتضح بعد ما إذا كانت أوكرانيا قد تسلّمت صواريخ ظل العاصفة ذات القدرة الكاملة، أم حصلت على طرازات ذات مدى أقصر للالتزام بنظام مراقبة تكنولوجيا القذائف، الذي يشجع على عدم تصدير صواريخ يتجاوز مداها الـ190 ميلاً (305 كيلومترات)، كما يقول تقرير لمجلة Popular Mechanics الأمريكية.
وليست هذه الصواريخ سريعةً بقدر صواريخ كينجال الجوية البالستية الروسية. لكن صواريخ "ظل العاصفة" التي يصل طولها إلى 5 أمتار تتميز بدرجةٍ عالية من التخفي (الشبحية)، مع نظام توجيه نهائي يعمل عن طريق مطابقة الصور بالذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى رأس حربي ثنائي المراحل لاختراق التحصينات.
وتجري برمجة الصاروخ مسبقاً بالكامل لاصطياد أهدافه قبل الإطلاق، أي إن دمجه داخل الطائرات الحربية السوفييتية التي تملكها أوكرانيا سيكون أسهل من الأسلحة الموجهة الغربية المتطورة الأخرى.
لماذا قرر الغرب العدول عن موقفه ودعم أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى؟
كانت الحكومات الغربية تخشى أن أوكرانيا قد تستخدم الصواريخ طويلة المدى لشن هجمات مستفزة سياسياً على الأراضي الروسية، مما قد يُحرّض روسيا على التصعيد الانتقامي.
وقد أدى هذا القلق -والمخزون المحدود من الصواريخ- إلى منع الولايات المتحدة خصيصاً من التبرع بصواريخ أتاكمز الباليستية طويلة المدى (190 ميلاً أو 305 كيلومترات)، وهي صواريخ تتوافق مع أنظمة المدفعية الصاروخية هيمارس وأم 270 التي حصلت عليها أوكرانيا.
وصرّح والاس بأن صواريخ "ظل العاصفة" قد تم إرسالها بعد تأكيدات من أوكرانيا على استخدامها لقصف الأراضي التي احتلتها روسيا من البلاد فقط، مثل المراكز اللوجستية في ستاروبيلسك وميليتوبول.
لكن الهدف الحقيقي سيكون البنية التحتية العسكرية المكثفة لروسيا داخل شبه جزيرة القرم، مثل القواعد الجوية وجزء كبير من أسطول البحر الأسود الروسي.
الخبايا السياسية للدعم الصاروخي الغربي لأوكرانيا
يبدو أن دعم المملكة المتحدة جاء بكمية محدودة، لهذا قد تكون صواريخ "ظل العاصفة" البريطانية بمثابة مناورةٍ سياسية أكثر من كونها عسكرية، كما حدث عندما تبرعت بريطانيا بدبابات قتالية رئيسية غربية الصنع.
وربما كانت كمية الدبابات صغيرةً نسبياً على سبيل المثال -14 دبابة من طراز تشالنجر- 2، لكنها ساعدت في إنهاء التردد وأسفرت عن تبرعات تالية أكبر بكثير من الولايات المتحدة وأوروبا، وذلك في صورة دبابات ليوبارد 2 وأم 1.
ولحسن حظ أوكرانيا أن تبرعات "ظل العاصفة" ستكون أكثر قابليةً للتوسع على الأرجح كما تقول المجلة الأمريكية، وذلك مقارنةً بدبابات تشالنجر- 2 البريطانية النادرة، نظراً لأن هذه الصواريخ موجودة في المخزون الفرنسي -تحت مسمى سكالب إي جي- ومتوفرة لدى إيطاليا أيضاً. يُذكر أن البلدين يعتبران من المتبرعين الرئيسيين لأوكرانيا.
وقد تنظر الحكومات الغربية في ما إذا كان زبائن ظل العاصفة في الشرق الأوسط (مصر وقطر والسعودية والإمارات) سيقبلون بإعادة بيع صواريخهم سراً، مقابل الحصول على بدائلٍ أحدث في وقتٍ لاحق. ويُعتقد أن الصواريخ التي بيعت للشرق الأوسط تمثل نسخةً أقل في الإمكانات بمدى لا يتجاوز الـ180 ميلاً (290 كيلومتراً)، ويُطلق عليها اسم "الشاهين الجوال"، لكنها قد تكون مفيدةً للأغراض الأوكرانية.
"ظل العاصفة".. مشروع بريطاني فرنسي مشترك
تُعَدُّ صواريخ ظل العاصفة/سكالب بمثابة مشروع فرنسي-بريطاني مشترك، وتصنعها شركة الصواريخ الأوروبية MBDA، وهي مستوحاة من تصميم صواريخ أباتشي.
ولا يستخدم صاروخ "ظل العاصفة" أي مدخلات من الطائرة التي تحمله، سواءً قبل أو الإطلاق بعده. بل تجري في المقابل برمجته مسبقاً على الأرض، حتى يتتبع نقاط الطريق نحو المنطقة المستهدفة بشكلٍ مستقل، باستخدام أنظمة الملاحة القصورية والتوجيه بنظام التموضع العالمي. وتُحلِّق هذه الصواريخ في المعتاد على ارتفاع يتراوح بين 30-40 متراً فوق سطح الأرض، من أجل تقليل فرص رصدها بواسطة أجهزة الرادار.
وتتمتع الصواريخ بدعم جناحين بارزين، وتحلق بسرعةٍ أقل بقليل من سرعة الصوت بفضل المحرك النفاث تي آر آي 60-30، وليس لهذه الصواريخ بصمة رادارية مرتفعة بفضل هندستها الرياضية غير العاكسة.
وبمجرد الاقتراب من الهدف، يندفع الصاروخ إلى الأعلى ليتخلص من رأسه المدبب ويكشف عن مستشعر الأشعة تحت الحمراء أسفله، ثم يستغل تحليقه المرتفع لفحص الأرض من تحته، والبحث عن أي شيء يشبه صور الهدف المحملة مسبقاً من الأقمار الصناعية، وذلك باستخدام تقنية تعمل بالذكاء الاصطناعي وتُدعى "رابط المطابقة الرقمية للمشاهد والمناطق DSMAC".
وإذا عجز الصاروخ عن إيجاد هدفه، فربما تُخصَّص له نقطة تحطم بعيدة لتفادي الأضرار الجانبية. أما إذا عثر على هدف مطابق، فسوف ينقض عليه ليُطلق شحنة متفجرة مسبقة من حمولة رأسه الحربي بروش، التي تصل إلى نصف طن تقريباً.
وتُفجر الشحنة المسبقة الخارقة للدروع ثقباً على سطح الهدف، مما يسمح للشحنة المتفجرة الرئيسية الأكبر بالمرور إلى داخل الهيكل المستهدف قبل الانفجار -مما يجعل رأس بروش الحربي فعالاً في مواجهة الأهداف المدرعة، كمنشآت التخزين والمخابئ الموجودة تحت الأرض.
ويستطيع صاروخ ظل العاصفة قطع مسافةٍ أطول، ويتمتع برأس حربي أكبر بكثير من الصواريخ الموجهة متعددة الإطلاق، لكنه أغلى منها بنحو 4-5 أضعاف. ولهذا ستحصل أوكرانيا على عددٍ أقل بكثير من الصواريخ الجديدة، مما يعني ضرورة الاستفادة بكل صاروخ. فضلاً عن عدم توافر إمدادات لا محدودة من هذه الصواريخ، مما يزيد أهمية تجنّب محاولات الاعتراض.
صواريخ غربية على ظهر مقاتلات سوفييتية
جرى تصميم صواريخ ظل العاصفة/سكالب لإطلاقها من الطائرات، وسبق دمجها مع مقاتلات جاس-39 غريبين السويدية، ومقاتلات ميراج 2000 والرافال الفرنسية، بالإضافة إلى مقاتلات تورنادو ويوروفايتر تايفون التي تصنعها ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة.
لكن صواريخ ظل العاصفة لا تحتاج إلى أنظمة ضبط النيران من المقاتلة التي تطلقها، ولهذا سيكون من السهل نسبياً إضافتها إلى المقاتلات السوفييتية الخاصة بالقوات الجوية الأوكرانية. وقد تلجأ أوكرانيا إلى تركيب صواريخ ظل العاصفة على مقاتلات سو-24 أو سو-27 بسبب حجمها ووزنها الكبيرين.
وتستطيع المقاتلات الأوكرانية إطلاق هذه الصواريخ من مجالٍ جوي آمنٍ نسبياً بفضل مداها الكبير. لكن الرغبة في تأخير/تجنب رصد الصواريخ بواسطة الرادارات الأرضية الروسية، والرغبة في الهجوم من زوايا غير متوقعة، قد تدفعان بأوكرانيا لاختيار إطلاق الصواريخ من ارتفاع منخفض -حتى وإن قلل ذلك من المدى الأقصى للصاروخ وتطلّب الاقتراب من الهدف أكثر.
ولهذا قد تظل هناك حاجة لتفادي طائرات ميج-31 الاعتراضية التي تنفذ الدوريات وكذلك مقاتلات سو-35 الروسية، التي تمسح الأراضي من الأعلى وهي على استعداد لإطلاق صواريخ آر-37إم ذات المدى الطويل للغاية.
كما تستطيع أوكرانيا نظرياً الجمع بين بعض الوسائل المختلفة لإطلاق صواريخ ظل العاصفة من البر، لكنها ستقبل بمدى أقل بكثير عندها.
وليست صواريخ "ظل العاصفة" رخيصة كما هو حال غالبية الصواريخ الجوالة طويلة المدى، حيث تصل تكلفة الصاروخ الواحد إلى نحو مليون دولار. وتمتلك غالبية الدول مخزوناً لا يتجاوز البضع مئات، وليس الآلاف، مما يحدد عدد الصواريخ التي ستكون مستعدةً للتبرع بها.
تكتيكات الضربات بعيدة المدى
بدأت أوكرانيا في استخدام أنظمة هيمارس الغربية لإطلاق الصواريخ الموجهة متعددة الإطلاق بمدى 90 كيلومتراً في صيف 2022، مما أسفر عن سلسلةٍ من الهجمات المدمرة المذهلة على المقرات الرئيسية والقواعد الجوية ومستودعات الذخيرة الروسية.
لكن وتيرة هذه الهجمات المذهلة تراجعت بعد بضعة أشهر لأن الروس تعلَّموا الدرس، وأعادوا هياكل دعمهم المعرضة للخطر إلى الوراء حتى تخرج من نطاق راجمات هيمارس، متقبلين بذلك خسارة الكفاءة في مقابل تحسين فرص النجاة. كما بدأت روسيا في التشويش على نظام التموضع العالمي لإفساد دقة توجيه راجمات هيمارس، وكذلك القنابل الانزلاقية صغيرة القطر، التي حصلت عليها أوكرانيا.
ومن الناحية النظرية، تستطيع صواريخ ظل العاصفة والأسلحة المشابهة أن تمنح مخططي الحرب الأوكرانيين "فترة سعادة" ثانية، لأن المستودعات والمقرات الرئيسية الروسية صارت تقع داخل نطاق مناسب للضربات الدقيقة من جديد -مما سيكون مدمراً في حال توقيته بالتزامن مع الهجوم الأوكراني المضاد المنتظر في 2023.
وقد تضطر تلك المستودعات ومراكز القيادة إلى الانسحاب عائدة للأراضي الروسية هذه المرة، من أجل الهروب من طائلة ظل العاصفة. مما قد يهدد القوات الروسية في جنوب أوكرانيا على نحوٍ خاص، نظراً لكونها الأبعد مسافةً عن الحدود الروسية.
لكن يجب وضع بعض أوجه الاختلاف المهمة في الاعتبار. إذ عانت الدفاعات الجوية الروسية من أجل إسقاط صواريخ هيمارس الأسرع من الصوت، لكن صواريخ ظل العاصفة هي صواريخ جوالة تحت صوتية -وهي فئة أسلحة أصبحت أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية نفسها أكثر فعالية في إسقاطها.
ولا شك أن نجاح ظل العاصفة في مواجهة الدفاعات الجوية الروسية -المتفوقة تقنياً- سيعتمد على قدرات التخفي جزئياً. إذ يعتمد الصاروخ في التوجيه النهائي على مطابقة الصور بدلاً من نظام التموضع العالمي، أي إن التشويش الروسي سيضره بدرجةٍ أقل من صواريخ هيمارس.
وصرّح كاتب مجلة Scramble الهولندية، مينا عادل، لمجلة Popular Mechanics الأمريكية بأن التكتيكات التي جرّبتها فرنسا والمملكة المتحدة باستخدام سكالب/ظل العاصفة في مواجهة أنظمة الدفاع الجوي السورية -سوفييتية التصميم- تقدم نموذجاً مناسباً لأوكرانيا.
إذ أوضح: "شنّت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة هجوماً كاسحاً باستخدام 4 أنواع مختلفة من الصواريخ، ومنها صواريخ توماهوك (غير الشبحية) التي مثلت الجزء الأكبر من الهجوم، لتفريق الدفاعات الجوية السورية وتقليل فرص اعتراض الصواريخ الشبحية. وحدث كل ذلك أثناء مراقبة الدفاعات الجوية الروسية في سوريا… ومن المؤكد أن الهجمات المستقبلية سيجري التخطيط لها باستخدام مختلف أنواع المقاربات الصاروخية من مختلف الاتجاهات، حتى يتم خداع الأنظمة الروسية لضرب الأهداف المرغوبة بدقة كبيرة وبأقل نسبة اعتراض. ولن يكون التخفي كافياً في هذه الحالة، بل سيعتمد النجاح على التخطيط والخداع".
ولن تمتلك أوكرانيا هذا العدد من الصواريخ الجوالة المتاحة. لهذا يقترح عادل أن أوكرانيا قد تلجأ لشن هجمات مركزة باستخدام الطائرات المسيرة والقنابل الانزلاقية صغيرة القطر (التي يتم إطلاقها من البر أو الجو)، مدعومةً بأنظمة الحرب الإلكترونية، من أجل تشتيت انتباه الدفاعات الجوية الروسية وغمرها.
ويُمكن القول إجمالاً إن "ظل العاصفة" هو سلاح هجومي قوي وبعيد المدى، ويجب على أوكرانيا استخدامه بحكمة لتحقيق أقصى فائدةٍ ممكنة، كما تقول المجلة الأمريكية. لكن نقل أقل عدد ممكن من هذه الصواريخ إلى أوكرانيا سيكفي لإثارة القلق في صفوف الخبراء اللوجستيين، والقادة، وأفراد الدفاع الجوي الروسي على الأرجح.