لعقود من الزمان، كانت الحرب الأهلية في السودان تتم بعيداً عن الخرطوم، عاصمة البلاد، ففي الحرب الأهلية في جنوب السودان، والحرب في دارفور، والصراع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، تم استخدام تكتيكات عسكرية معينة من قبل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي انبثقت عن قوات "الجنجويد".
واليوم تنتقل الحرب الأهلية بين الحليفين العسكريين في البلاد، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى العاصمة الخرطوم، حيث تدور اشتباكات عنيفة للسيطرة على العاصمة ومراكزها الحيوية والمواقع الاستراتيجية. فما التكتيكات العسكرية التي يستخدمها كل من البرهان وحميدتي؟
ما التكتيكات العسكرية التي تستخدمها الأطراف المتحاربة في السودان؟
قبل نحو عقدين، كانت القوات المسلحة السودانية والجهات الفاعلة الأخرى التي ترعاها الدولة، تهيمن على الجو، وتمطر الضربات الجوية على المتمردين الذين يتطلعون إلى السيطرة على الأرض من خلال استخدام تكتيكات حرب العصابات.
الآن، أصبحت شوارع الخرطوم ومدينتها التوأم، أم درمان، التي تضم أكثر من 5 ملايين شخص، عالقة في نفس الديناميكية المميتة، حيث يستخدم الجيش ضربات جوية مكثفة ضد حليفه الذي تحوّل إلى عدو، "قوات الدعم السريع".
في المقابل، يناور رجال حميدتي في أحياء المدينة، ولا يزالون يسيطرون على غالبية الخرطوم على الأرض بعد أن شنّوا هجوماً على المباني الحكومية والجيش الرئيسية في صباح يوم 15 أبريل/نيسان 2023، كما يقول تقرير لموقع middle east eye البريطاني.
هذه الأسلحة التي يمتلكها طرفا النزاع في السودان
لدى كلا الجانبين مدافع مضادة للطائرات وصواريخ مضادة للدبابات ومدفعية وقذائف هاون. وتم تصوير مقاتلي قوات الدعم السريع مع أنظمة دفاع جوي محمولة (Manpads) وأنظمة صواريخ أرض جو ومدافع رشاشة أُعيدت من الحرب في اليمن، حيث قاتلت القوات شبه العسكرية إلى جانب السعودية والإمارات.
ونشرت قوات الدعم السريع مقاطع فيديو تُظهر قاذفات صواريخ كورية شمالية وصينية مأخوذة من الجيش، بالإضافة إلى دبابات قتالية قدمتها أوكرانيا في الأصل. ويتم استخدام الطائرات والمركبات وجميع أشكال الأسلحة من جميع أنحاء العالم من قبل كلا الجانبين في الصراع الحالي في السودان.
تهيمن المركبات ونقاط التفتيش شبه العسكرية على معظم شوارع الخرطوم الرئيسية ، وتعتقل أعداداً كبيرة من جنود وضباط الجيش ، فضلاً عن ترويع المدنيين العالقين في الداخل. بدأ هؤلاء السكان يشعرون بالإحباط من عدم قدرة الجيش على إنهاء الحرب، حسبما قال العديد من شهود العيان والنشطاء لموقع Middle East Eye.
على الجانب الآخر، تستخدم القوات المسلحة السودانية ضربات جوية مكثفة لاستهداف مختلف المعسكرات والمكاتب ونقاط التفتيش شبه العسكرية. كما يستخدم الجيش قصفاً جوياً لمحاولة منع عدوه من جلب تعزيزات من كردفان ودارفور إلى الخرطوم.
تكتيكات الجيش السوداني لهزيمة "الدعم السريع"
يقول خبير عسكري سوداني، لموقع Middle East Eye، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن تكتيكات الجيش اعتمدت بشكل أساسي على الضربات الجوية وعزل وحدات الدعم السريع على الأرض ومنعهم من جلب التعزيزات والإمدادات والخدمات اللوجستية.
وقال: "استخبارات القوات المسلحة السودانية، التي لديها معظم البيانات حول انتشار قوات الدعم السريع وقدراتها ومصادر الإمداد والخدمات اللوجستية، فرضت قصفاً جوياً مؤلماً للغاية ضد عدوها. أعتقد أنهم سيستمرون حتى يدمروا القدرات البرية لقوات الدعم السريع".
وتابع المصدر: "مع ذلك، كانت قوات الدعم السريع جزءاً من حرب استخبارات الجيش في دارفور ومناطق حرب أخرى في السودان، وقد فهمت الدرس التكتيكي جيداً. لقد بدأوا في استخدام المدافع المضادة للطائرات التي لديهم لمواجهة الطائرات بدون طيار والمقاتلات الروسية سوخوي وميغ وطائرات الهليكوبتر التابعة للقوات المسلحة السودانية".
وقال الخبير إن قوات الدعم السريع تتطلع إلى مواجهة الجيش من خلال جره إلى جولات مطولة من قتال الشوارع، وهو أحد نقاط قوة "الدعم السريع". مضيفاً: "تستخدم قوات الدعم السريع الكثير من تكتيكات قتال الشوارع وحرب العصابات، بما في ذلك تناوب نقاط التفتيش لتجنب الاستهداف الجوي، والنيران المكثفة المضادة للطائرات، ونشر القناصة وهجمات الكر والفر على قواعد القوات المسلحة السودانية".
قوات الدعم السريع تحيط بالخرطوم من جميع الاتجاهات
منذ عام 2017، بدأت قوات الدعم السريع، التي تأسست كجزء من جهاز الدولة السودانية في عام 2013، في إنشاء قواعد عسكرية على محيط الخرطوم. تصرفت القوات شبه العسكرية كحارس أميري للرئيس السابق عمر البشير.
وبعد مشاركتها في الإطاحة بالبشير في أبريل /نيسان 2019 عقب انتفاضة شعبية، زادت قوات الدعم السريع بسرعة من عملية ترسيخ نفسها في العاصمة السودانية، وإحاطة الخرطوم بقواعد عسكرية.
تمتلك القوات شبه العسكرية أربعة معسكرات كبيرة في جميع أنحاء المدينة، بما في ذلك معسكر حطب في شمال الخرطوم، وطيبة في الجنوب، ومخيم غرب أم درمان، ومخيم سوبا في الشرق. هذه القواعد الأربع تضع قوات الدعم السريع عند المداخل الأربعة الرئيسية لولاية الخرطوم، كما يقول موقع MEE البريطاني.
يمتلك رجال حميدتي أيضاً العديد من المكاتب في مختلف أحياء الخرطوم وأم درمان، بالإضافة إلى برج قوات الدعم السريع داخل مقر الجيش، القريب من مطار الخرطوم الدولي وعدد كبير من المباني الرسمية الأخرى.
وتبادل الجانبان الاتهامات بشأن استخدام دروع بشرية ومقاتلين يختبئون داخل أحياء سكنية. واتهمت قوات الدعم السريع الجيش بأنه غير مسؤول باستخدامه ضربات جوية عشوائية أدت إلى سقوط العديد من الضحايا، على حد زعمهم.
في غضون ذلك، يقول الجيش إن عدوه شبه العسكري نشر قواته داخل الأحياء السكنية دون أي تفكير في العواقب التي قد تترتب على ذلك على المدنيين. قال شهود عيان في الخرطوم لموقع MEE إنهم شاهدوا مقاتلي "الدعم السريع" ينتقلون إلى منازل سكنية في أحيائهم.
"الدعم السريع" تريد تحييد القوة الجوية للجيش بأي ثمن
يقول ضابط بالجيش السوداني، طلب عدم نشر اسمه، لموقع Middle East Eye إن تركيز قوات الدعم السريع كان على تحييد قدرات القوات الجوية للجيش، مما يمنحها اليد العليا في الحرب.
تعتمد تكتيكات قوات الدعم السريع على الاستيلاء على المطارات وتدمير المدارج من أجل وقف الضربات. هذا هو السبب في أننا رأينا قوات الدعم السريع حريصة جداً على الاستيلاء على مطار مروي قبل اندلاع القتال وقاتلت أيضاً بقوة للاستيلاء على مطارات الخرطوم ووادي صيدنا في أم درمان والأبيض في شمال كردفان والفاشر في الشمال، ومطار صابر في غرب دارفور وغيرها.
وقال الضابط في القوات المسلحة السودانية: "لسوء الحظ، نجحت قوات الدعم السريع جزئياً في هذا التكتيك: فهم بحاجة فقط للسيطرة على أي مطار لبضع ساعات من أجل تدميره والفرار".
وأشار كذلك إلى أن خصومه شبه العسكريين لم يدمروا مدارج الطائرات فحسب، بل أحرقوا أيضاً بعض الطائرات في المطارات العسكرية، مثل جبل الأولياء جنوب الخرطوم.
لكن مصدراً مقرباً من قوات الدعم السريع نفى الاتهامات، وقال إن القوات شبه العسكرية تسيطر على غالبية المطارات العسكرية والمدنية في البلاد ولم تدمرها عن قصد.
وقال مصدر قوات الدعم السريع: "لدينا الحق في منع هذه القوات الجوية من تدمير مقاتلينا بحرق الطائرات أو تفجير المدارج؛ لأنه ليس لدينا طيارون يستخدمونها والعدو يستخدمهم ضد قواتنا وضد المدنيين، لكن في الواقع، لم نقم بذلك لأننا نتحكم في غالبية المطارات في البلاد"، على حد زعمه.
من أين يحصل كل طرف على إمداداته؟
تعتبر معركة السيطرة على طرق الإمداد أو تعطيلها عنصراً رئيسياً آخر في الصراع، حيث يسعى الطرفان باستمرار إلى منع العدو من تأمين الإمدادات واللوجستيات والتعزيزات العسكرية.
وقال ضابط كبير متقاعد في الجيش للموقع البريطاني إن السيطرة على طرق الإمداد كانت من أهم الاعتبارات الاستراتيجية في أي حرب، مضيفاً أن موقف القوات المسلحة السودانية يبدو أفضل من قوات الدعم السريع في هذا الصدد، وأن الجيش يهيمن على المؤسسات، بما في ذلك الوزارات وحكام الولايات وغيرهم.
فيما يتعلق بالإمداد، فإن القوات المسلحة السودانية في وضع أفضل لأن المؤسسات الحكومية تقف إلى جانبها، ولديها قواعد عسكرية في الخرطوم وولايات أخرى، حتى تتمكن من تأمين الوقود والذخيرة والغذاء والاحتياجات الأخرى لقواتها.
وقال المصدر، الذي لم يكشف عن اسمه: "شيء آخر هو أن جنود القوات المسلحة السودانية لديهم وسيلة للحصول على قسط من الراحة، في حين أن ذلك يبدو أكثر صعوبة بالنسبة لقوات الدعم السريع".
وباستخدام الضربات الجوية، دمّر الجيش العديد من قوافل الدعم السريع من التعزيزات والإمدادات القادمة من دارفور وكردفان عبر أم درمان. كما أغلقت القوات المسلحة السودانية معظم الحدود، خاصة مع ليبيا وتشاد؛ لأن المقاتلين الذين انضموا إلى قوات الدعم السريع قد يأتون من هذه الدول، كما يقول الضابط. وتحصل قوات الدعم السريع على دعم من القائد الليبي المدعوم من الإمارات خليفة حفتر.
شرطة الاحتياط المركزية تنخرط في المعركة
تماماً كما في حرب دارفور، قررت القوات المسلحة السودانية نشر الشرطة الاحتياطية المركزية (CRP) لمواجهة التكتيكات التي تستخدمها قوات الدعم السريع.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على قوات الشرطة المسلحة، التي يُخشى منها في الداخل والخارج، لارتكاب جرائم مزعومة في دارفور، واتهمتها لجان المقاومة السودانية، بارتكاب سلسلة من الفظائع ضد المتظاهرين منذ انقلاب أكتوبر 2021.
وحذّرت قوات الدعم السريع قوات الشرطة المسلحة من التدخل في الحرب، قائلة في بيان: "لا تخوضوا حرباً ليس لكم علاقة بها، ولا تمكنوا أعوان النظام القديم من التدخل في الحرب".
في السياق، يقول شهود عيان في مناطق مختلفة بالخرطوم إن الحرب توغلت بقوة في المناطق السكنية، وأن الاشتباكات مستمرة بين الشرطة المركزية وقوات الدعم السريع. كما طلب الجيش من السكان مغادرة منازلهم، مع توقع اشتباكات أسوأ في الأيام المقبلة، بحسب سكان الخرطوم.