تخلت 5 دول عن الدولار، رمز هيمنة واشنطن، بصورة شبه كاملة في تعاملاتها التجارية، لتعطي دفعة قوية لليوان الصيني، القادم بقوة لمنافسة العملة الأمريكية، فماذا يعني ذلك؟
العملة الأمريكية، الدولار، هي العملة المعتمدة في معظم الحركات التجارية العالمية منذ الحرب العالمية الثانية، وهو يمثل الرمز الأبرز للهيمنة الأمريكية ويعطي الاقتصاد الأمريكي ميزة هائلة؛ لأنه يطبع الأوراق النقدية المستخدمة في التجارة الدولية، مما يعطي واشنطن ورقة ضغط لا تتوفر لأي دولة أخرى.
ولأن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الاقتصاد الأكبر، والدولار هو أكثر العملات تداولاً حول العالم، لا يقتصر تأثير رفع سعر الفائدة الأمريكي على الاقتصاد المحلي والمواطنين الأمريكيين فحسب، بل يمتد تأثيره إلى جميع دول العالم، وبالتالي على حركة الاقتصاد العالمي ككل.
وفي ظل التنافس الشرس بين الولايات المتحدة والصين، أو صراع القوى العظمى بشكل أكثر دقة، تسعى بكين بطبيعة الأمور إلى تجريد واشنطن من سلاحها الاقتصادي الأبرز، وذلك من خلال سلسلة من الاتفاقيات تهدف إلى التعامل بالعملات المحلية بدلاً من العملة الأمريكية، وتستمر الصين بضم المزيد من الدول إلى دائرة البلدان المتعاملة باليوان والعملات المحلية في التجارة الخارجية.
اليوان يتحدى الدولار
وفي هذا السياق، نشر موقع Business Insider الأمريكي تقريراً يرصد بروز اليوان الصيني كمنافس قوي لهيمنة الدولار، بعد أن تحولت 5 دول مؤخراً لاستخدام اليوان بدلاً من الدولار في التجارة.
وبعد أن كان الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، تعمل الآن الدول على مستوى العالم على وضع عملات احتياطية للتجارة، حيث أدت العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، التي تصفها موسكو بأنها "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر"، إلى تحذير بعض قادة العالم البارزين ورجال الأعمال بشأن القوة التي تتمتع بها واشنطن، فالدولار هو رمز الهيمنة الأمريكية.
وحذر المستثمر الملياردير راي داليو، في حلقةٍ من برنامج Julia La Roche Show في 12 أبريل/نيسان الماضي، من أن العقوبات التي ضغطت على احتياطيات روسيا من الدولار "زادت من المخاطر المتصورة بأن أصول الديون هذه يمكن تجميدها بالطريقة التي جُمِّدَت بها لروسيا".
حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -الحليف الرئيسي للولايات المتحدة- حذر من "تجاوز الدولار الأمريكي للحدود الإقليمية"، مشيراً في مقابلة في أبريل/نيسان مع صحيفة Politico الأمريكية إلى أن أوروبا يجب أن تخفض اعتمادها على الدولار.
قال ماكرون للصحيفة الأمريكية إن أوروبا "لن يكون لديها الوقت ولا الموارد لتمويل استقلالنا الاستراتيجي وسنصبح تابعين إذا اشتدت التوترات بين الولايات المتحدة والصين".
وفي ظل كل هذا، ينتهز اليوان الصيني الفرصة ويواصل الصعود في رحلة التحدي الطموحة لهيمنة الدولار الأمريكي.
تجاوز استخدام اليوان استخدام الدولار في المعاملات الصينية عبر الحدود لأول مرة في مارس/آذار، وفقاً لتقرير بحثي أصدرته Bloomberg Intelligence في 26 أبريل/نيسان الماضي.
ويرصد هذا التقرير خمس دول اتجهت مؤخراً إلى استخدام اليوان في التجارة والمعاملات الأخرى إما للالتفاف حول العقوبات الأمريكية أو لاستخدامه كبديل عن الدولار الأمريكي على المديين القصير والمتوسط.
1- روسيا
بدأت بالفعل في استخدام اليوان بقوة، حيث استخدمت العملة الصينية في مارس/آذار ثلاثة أضعاف استخدامها لها في فبراير/شباط الماضيين. وإذا كانت هناك دولة واحدة في طليعة استخدام اليوان الصيني في معاملاتها، فهي روسيا، التي تواجه عقوبات غربية كاسحة بسبب حربها مع أوكرانيا.
تضرر الاقتصاد الروسي بشدة بسبب العقوبات -فقد حُظِرَت بعض البنوك الروسية من جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT)، التي يهيمن عليها الدولار والتي تتيح للبنوك في جميع أنحاء العالم التواصل بشأن المعاملات عبر الحدود.
وجُمِّدَت ما لا يقل عن نصف احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية البالغة 640 مليار دولار بسبب القيود التجارية. كل هذا أجبر روسيا على البحث عن عملات بديلة لاستخدامها في المعاملات الدولية.
قال البنك المركزي الروسي في 10 أبريل/نيسان إن اليوان الصيني مرشح رئيسي بالفعل، حيث اشترى الروس 41.9 مليار روبل، أو ما يعادل 538 مليون دولار من العملة الصينية في مارس/آذار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما اشتراه في فبراير/شباط بقيمة 11.6 مليار روبل.
وأضاف البنك المركزي أنه في أسواق الصرف الأجنبي الروسية، شكلت تجارة الروبل اليوان 39% من الإجمالي، متجاوزةً حصة الروبل مقابل الدولار البالغة 34%.
أصبح اليوان الصيني شائعاً للغاية ومن المرجح أن يكون الخيار الأفضل للعملة الروسية عندما تجدِّد صرف العملات الأجنبية.
وذكرت Bloomberg Intelligence الثلاثاء، 9 مايو/أيار، أن موسكو قد تجني حوالي 200 مليون دولار من اليوان الصيني كل شهر؛ إذ أصبح اليوان إحدى العملات الرئيسية القليلة المتاحة لروسيا بعد العقوبات الغربية التي قطعت البلاد عن النظام المالي العالمي المقوَّم بالدولار.
2- البرازيل
هي إحدى الدول الداعية بقوة إلى إلغاء "الدولرة"، وتتطلع إلى المزيد من احتياطيات ومعاملات اليوان. كان الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا من أكثر المؤيدين صراحةً بشأن إنشاء عملات تسوية تجارية بديلة، حيث ذهب إلى حد دعوة دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) إلى الابتعاد عن الدولار.
بدأ البنك المركزي البرازيلي بالفعل في اقتناص العملة الصينية. تجاوز اليوان اليورو ليصبح ثاني أكثر العملات المهيمنة في الاحتياطيات الأجنبية للبرازيل بعد الدولار في نهاية عام 2022، وفقاً للبنك المركزي للبلاد في 31 مارس/آذار.
وفي مارس/آذار، أبرم البنك البرازيلي BOCOM BBM، المملوك من قِبل بنك BOCOM الصيني الرئيسي، صفقة مع الصين للسماح بالمعاملات بالريال واليوان مباشرة بدلاً من استخدام الدولار كعملة وسيطة افتراضية، وفقاً لوكالة ترويج التجارة والاستثمار البرازيلية في بيانٍ لها في 29 مارس/آذار.
ولا يقتصر الأمر على اليوان فحسب، بل دعا "لولا" دول البريكس إلى إنشاء عملة مشتركة للمعاملات.
3- بنغلاديش
تستخدم الدولة الآسيوية اليوان في الدفع لروسيا لبناء محطة للطاقة النووية، ووافقت بنغلاديش في أبريل/نيسان على دفع ما يعادل 318 مليون دولار لروسيا لبناء محطة نووية باستخدام اليوان الصيني.
كان البلدان في مأزق لمدة عام قبل أن يستقرا على اليوان في الصفقة، لأن بنغلاديش لم تكن قادرة على الدفع لروسيا بالدولار.
وطالبت شركة روس آتوم، المملوكة للدولة للطاقة النووية والتي تبني المحطة في بنغلاديش، في البداية بدفع الروبل، وفقاً لشبكة Bloomberg في 18 أبريل/نيسان، نقلاً عن مسؤولين على دراية بالأمر لم تُذكَر أسماؤهم.
ومع ذلك، اتفقت الدولتان أخيراً على تسوية الصفقة باليوان؛ لأن الصين سمحت لبعض البنوك البنغلاديشية التي لم تذكر اسمها بتسوية صفقات مع الصين باليوان، حسبما ذكرت صحيفة Washington Post الأمريكية يوم 17 أبريل/نيسان.
4- الأرجنتين
ستبدأ الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية في دفع ما قيمته 800 مليار دولار من الواردات من الصين باليوان؛ إذ قالت الأرجنتين يوم 26 أبريل/نيسان إنها ستبدأ فى دفع ثمن الواردات من الصين باليوان بدلاً من الدولار الأمريكى.
كانت هذه الخطوة مدفوعة في المقام الأول برغبة الأرجنتين في تقليل تدفق الدولارات من احتياطياتها من العملات. ويؤدي انخفاض احتياطيات الدولار -التي كانت تنخفض بسبب حالة عدم اليقين السياسي وانخفاض الصادرات الزراعية بعد جفاف غير مسبوق- إلى الضغط على البيزو الأرجنتيني الذي يؤدي بدوره إلى زيادة التضخم.
وكان من المتوقع أن يبدأ برنامج الدفع باليوان في أبريل/نيسان، حيث تهدف الدولة اللاتينية إلى دفع ما قيمته مليار دولار من الواردات باستخدام اليوان، وبعد ذلك ستدفع ما قيمته حوالي 790 مليون دولار من الواردات الشهرية بالعملة الصينية.
يمكن قريباً الموافقة على طلبات الاستيراد المستندة إلى اليوان في غضون 90 يوماً بدلاً من 180 يوماً القياسية، مما يعني تحولاً أسرع للمعاملات.
5- إيران
تستخدم إيران اليوان بالفعل في التجارة مع الصين منذ سنوات. وكانت الدولة التي تخضع لعقوبات شديدة تناقش استخدام اليوان لتسوية التجارة منذ عام 2010.
ثم في عام 2012، بدأت الصين في شراء النفط الخام من إيران باستخدام اليوان، حسبما ذكرت شبكة BBC البريطانية.
وفي حين رُفِعَت العقوبات الدولية عن إيران في عام 2016 بعد أن توصلت الدولة والعديد من القوى العالمية -بما في ذلك الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما- إلى اتفاق يهدف إلى تقييد قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية، فإن الانفراج لم يدُم.
ففي عام 2018، أعادت الولايات المتحدة، خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فرض عقوبات على إيران بعد قرار ترامب الأحادي الجانب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.
ومثل روسيا، حُظِرَت البنوك الإيرانية من نظام SWIFT منذ عام 2018، مما دفع طهران للبحث عن نظام دفع بديل. وفي فبراير/شباط 2023، ناقشت طهران وبكين زيادة استخدام اليوان والريال الإيراني في التجارة الثنائية.
ومع ذلك، كانت هناك حاجة إلى تسهيل عملية استخدام العملة الصينية، ويتفاوض البنك المركزي الإيراني مع الصينيين لمعالجة هذه المشكلات.