أصاب الصراع دولة مزقتها عقود من الصراعات والانقلابات والديكتاتورية والوعود بالتحول الديمقراطي. كان حوالي ثلث السكان بحاجة بالفعل إلى المساعدة الإنسانية قبل اندلاع القتال الأخير بالسودان.
لقد حذّر مارتن غريفيث، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، من أن السودان وصل إلى "نقطة الانهيار"، لكن بعد جهود الوساطة من واشنطن والرياض، التقى مبعوثون من الفصائل المتحاربة في المملكة العربية السعودية للتفاوض بشأن الممرات الإنسانية.
لكن من المتوقع، إذا استمر الصراع، أن تقوم بعض الجيوش أو التنظيمات أو الميليشيات والجماعات المسلحة في دول الجوار، بالتدخل في الشأن السوداني لنصرة هذا الطرف أو ذاك، وإذا حدث ذلك فإن الأزمة سوف تشهد مزيداً من التعقيد والتمدد والانتشار، ما يسمح بتوفير أجواء مثالية للتنظيمات الإرهابية ودعاة الفوضى، ناهيك عن الدول التي لا تريد للسودان أن يستقر أو يتقدم.
المؤكد أن مصر ستكون الأكثر تضرراً من هذا الصراع، خصوصا إذا استمر وتوسع بحكم العلاقات الكبيرة والمتشعبة والتاريخية بين البلدين، وبالتالي فإن ما يحدث في السودان يحتاج اهتماماً وبحثاً شاملاً عن كل تفاصيله واحتمالاته من كل المسؤولين والخبراء وذوى الشأن حتى نستطيع مواجهته وتحييد آثاره أو على الأقل تقليل أضراره إلى أدنى مستوى ممكن.
نزوح السودانيين لمصر
يواصل مئات السودانيين نزوحهم نحو مصر، فارين من المعارك المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وفي الأيام الماضية شهدت المعابر البرية الجنوبية بين مصر والسودان تزاحماً شديداً لعبور عشرات الحافلات التي تقل السودانيين والأجانب المقيمين بالسودان إلى مصر.
حيث تسبب الصراع بالسودان في فرار 335 ألف شخص من أماكنهم، ولجأ 115 ألفاً منهم إلى الدول المجاورة، لذلك سيكون لطول الحرب تأثير اقتصادي واجتماعي وأمني على إثيوبيا ومصر وجنوب السودان وتشاد التي تعاني بالفعل.
قد يتحول السودان إلى حاضن للجماعات المسلحة الموجودة في جنوب الصحراء الكبرى، وهو ما سيهدد دول الجوار كذلك، انتقال الصراع لدول الجوار بسبب التداخل القبلي والعلاقات الإثنية.
بعض دول جوار السودان ليس لديها منفذ على البحر، مثل إثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى، وتعتمد على السودان في الصادرات والواردات، واستمرار الصراع سيشل حركة تجارتها.
كما أن السودانيين هم أكبر جالية أجنبية في مصر، ويقدر عددهم بنحو 4 ملايين نسمة أو يزيد، وقالت الأمم المتحدة إن 56 ألف شخص عبروا من السودان إلى مصر في الأزمة الأخيرة، بينما عبر أكثر من 12 ألفاً إلى إثيوبيا.
الأمم المتحدة تحذّر
تحذّر الأمم المتحدة من النقص الموجود حالياً في التمويل المطلوب لدعم اللاجئين السودانيين، إذ يقدر برنامج الغذاء العالمي، حجم الميزانية المطلوبة بنحو 127 مليون دولار أمريكي، لتوفير الإمدادات الكافية للأشهر الستة المقبلة.
لكن تزايد أعداد اللاجئين السودانيين في مصر سلاح ذو حدين، فمن ناحية يمكن أن يكون عبئاً كبيراً على الاقتصاد المصري، لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم، أو يكون رقماً إضافياً مميزاً في بيئة العمل بالبلاد.
لقد قضت العائلات السودانية أياماً بائسة في توفير المال والوقود، وساعات من القيادة في ليل حالك الظلام، مروراً بعشرات نقاط التفتيش، من أجل القيام برحلة طولها ألف كلم إلى الحدود المصرية، هرباً من ويلات الحرب في الخرطوم.
كما توقع كاميرون هدسون، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن "نزوحاً جماعياً للمدنيين" بمجرد سريان وقف دائم لإطلاق النار، مع محاولة ملايين الأشخاص عبور الحدود إلى بر الأمان".
ووفقاً لروايات سودانيين نازحين، فإن سعر بطاقة السفر من الخرطوم إلى ولايتي دارفور وبورتسودان، بات يتراوح ما بين 120 و150 ألف جنيه سوداني أي ما بين 200 و250 دولاراً، بينما يصل سعر بطاقة السفر إلى كسلا شرقي البلاد، إلى 85 ألف جنيه 142 دولاراً.
كما بلغت بطاقة السفر إلى المناطق القريبة نسبياً من الخرطوم، مثل مدينة مدني بولاية الجزيرة والأبيض في شمال كردفان نحو 30 ألف جنيه سوداني "50" دولاراً، وهي زيادات تصل نسبتها في المتوسط إلى 140%، مقارنة بالأسعار التي كانت سائدة قبل اندلاع الصراع المسلح في السودان.
بجانب تكبد السودانيين مبالغ باهظة، وغير متناسبة مع ما يحصلون عليه من خدمة نقل، عبر سيارات هي في معظمها متهالكة، فإن النازحين يعانون الأمرّين، على طريق طويل، وفي درجات حرارة مرتفعة مع عدم وجود أية استراحات على الطرق، حيث يضطر معظمهم إلى أخذ قسط من الراحة في العراء، مع انعدام وجود أدوات للنظافة الشخصية.
كما انتشرت حالة من الغلاء الفاحش للسلع الغذائية، مع حصار للمنازل بسبب أصوات الطلقات الدائمة التى تسببت فى مقتل العديد من المدنيين، وصل عددهم لأكثر من 500 قتيل وأكثر من 3000 مصاب- وفقاً لبيانات نقابة الأطباء السودانيين.
كل هذه المشاهد أجبرت العديد من السودانيين من أبناء مدينة الخرطوم على النزوح والخروج منها، خوفاً من الجوع والعطش، خرجوا تاركين منازلهم وكل ما يملكون بدون خطة واضحة، وكان من بين البلاد التي نزحوا لها مصر، التى تسكنها أكبر جالية سودانية مهاجرة، ففيها حوالي 4 ملايين مهاجر سوداني، وفقاً لبيانات منظمة الهجرة الدولية، بالإضافة إلى علاقات المصاهرة بين المصريين والسودانيين، والتشابه فى كثير من العادات والتقاليد التي جعلت مصر الاختيار الأنسب للعديد منهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.