الوعود الانتخابية هي الأداة الأكثر مباشرة في سعي المرشحين للفوز بأصوات الناخبين، فما أبرز ما وعد به طرفا المنافسة في انتخابات تركيا الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو/أيار 2023؟
وتشهد الأمتار الأخيرة اشتداد حدة المنافسة بين معسكر الرئيس أردوغان ومعسكر المعارضة بزعامة منافسه كليجدار أوغلو، للفوز بالسباق الأهم في تاريخ تركيا خلال قرن، فماذا قدم كل منهما من وعود انتخابية حتى قبل أيام من لحظة الحقيقة؟
الاقتصاد.. وعود الحكومة والمعارضة
مع اقتراب يوم التصويت في الانتخابات، التي يشارك فيها نحو 65 مليون ناخب تركي، تتركز الوعود الانتخابية للأطراف المتنافسة من الحكومة والمعارضة على جانب الاقتصاد من ناحية ومهاجمة الرؤية الاقتصادية للطرف الآخر من ناحية أخرى.
معسكر الحكومة، "تحالف الشعب" الذي يضم حزب العدالة والتنمية والأحزاب المتحالفة معه ويقوده الرئيس رجب طيب أردوغان، يرتكز في وعوده الانتخابية على مسيرة ممتدة من الإنجازات التي حققها بالفعل خلال أكثر من 20 عاماً في وجوده في السلطة في البلاد.
وعلى الجانب الآخر، يرتكز "تحالف الأمة" الذي يضم أحزاب "الطاولة السداسية" المعارضة ويقوده كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، على استغلال الظروف الاقتصادية الراهنة في البلاد، من ارتفاع التضخم بفعل تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وهي الأوضاع التي أثرت على الاقتصاد حول العالم وليس في تركيا فقط، لتقديم وعود سخية لإقناع الناخبين بالتصويت للمعارضة.
وفي هذا الملف، أعلن أردوغان عن تشكيل لجنة اقتصادية بقيادة نائب رئيس الوزراء ووزير المالية التركي الأسبق والخبير في البنك الدولي محمد شيمشك لدراسة المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد التركي والعمل على حلها في أسرع وقت.
وفي المقابل، قدم كليجدار أوغلو علي باباجان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم كمسؤول عن الملف الاقتصادي؛ حال فوز المعارضة في الانتخابات القادمة، وأشاد مرشح المعارضة بالإمكانات الاقتصادية الكبيرة التي يتمتع بها وزير الاقتصاد التركي السابق في حكومتي العدالة والتنمية الأولى والثانية.
كما قدم أردوغان العديد من الوعود الاقتصادية للشباب ولشرائح المجتمع التركي كافة، من بينها توفير الغاز الطبيعي لكافة المنازل لمدة عام يبدأ من شهر أبريل/نيسان الماضي، إلى جانب وعود أخرى بتسهيل الزواج والمنح التعليمية للشباب.
وفي حديثه عن المعاشات، قال أردوغان: "قمنا بزيادة الحد الأدنى للأجور بمقدار 3.5 مر، حتى ولو حسبنا ذلك على أساس الدولار، فقد وصل إلى أكثر من 8 آلاف و500 ليرة (435 دولاراً)، وسنراجع هذا الرقم مرة أخرى، حسب التطورات". كما وعد الرئيس موظفي القطاع العام بتحسين رواتبهم خلال يوليو/تموز المقبل بإضافة حصة رفاهية إلى جانب فرق التضخم على معاشاتهم.
أما على الجانب الآخر، فقد قدم أحد مرشحي الرئاسة، وهو سنان أوغان، وعداً انتخابياً برفع الحد الأدنى للأجور في تركيا إلى 30 ألف ليرة تركية (1500 دولار أمريكي) شهرياً ليتطابق مع خط الفقر، بينما وعد كليجدار أوغلو برفع الحد الأدنى إلى 24 ألف ليرة، دون أن يقدم أي منهما تفاصيل تتعلق بكيفية تنفيذ تلك الوعود السخية، بينما يرى كثير من المراقبين أن وعد 30 ألف ليرة غير قابل للتطبيق من الأساس.
توفير البصل وبناء البيوت التي هدمها زلزال تركيا
وفي الوقت الذي يركز فيه أردوغان وتحالف الشعب الذي يقوده على مشاريع اقتصادية عملاقة عند تقديم وعوده الانتخابية، لجأت المعارضة إلى تقديم وعود تتعلق بتفاصيل صغيرة وبعضها يوصف بالغرابة أو الطرافة.
إذ يقود أردوغان حملته الانتخابية عبر العديد من المشروعات العملاقة كأول حاملة طائرات محلية الصنع، إلى جانب أول طائرة مقاتلة تركية وأخيراً افتتاح أكبر نفق في أوروبا بولاية طرابزون شمالي البلاد.
بينما تركز المعارضة على ارتفاع الأسعار خاصة أسعار البصل؛ الذي لم يجده المواطنون لفترة طويلة في الأسواق، إلى جانب زيادة مستوى الفقر بين فئات الشعب التركي.
وينشر كليجدار أوغلو مقاطع فيديو قصيرة عبر حسابه في تيك توك، يقدم من خلاله وعوداً انتخابية تستهدف الناخبين صغار السن، ومنها وعده بالعمل على إصدار قانون يمنع طرح أسئلة تنم عن تمييز أو عدم مساواة، من قبيل "هل أنت متزوج؟ هل أنت أعزب؟ هل أنت غير محجبة؟ هل أنت محجبة؟ هل سيكون لديك أطفال؟ وهل أنت من برج الجوزاء؟ ستصبح هذه الأسئلة من الماضي بعد 14 مايو/أيار".
كما قدم "كمال"، كما يشار إليه في الدعاية الانتخابية للمعارضة، وعدا آخر عبر صورة في حسابه على إنستغرام مع قطة "شيرو" في مقر حزبه، وعلق عليها بالقول إنه شرح له آخر ما يعمل عليه، "بعدما أصبح (القط شيرو) من أرباب السياسة في أروقة الحزب"، وأضاف: "لقد قطعت على نفسي عهداً مع شيرو، عندما نأتي إلى السلطة سنتخلى عن طعام القطط الفاخر، فنحن سنحب الجميع، بما فيها القطط والزهور والحشرات، فالرحمة فضيلة".
وتحتل كارثة الزلازل التي ضربت تركيا في فبراير/شباط الماضي وأودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص موقعاً بارزاً ضمن الحملة الانتخابية، ويقدم المرشحون وعوداً متباينة في هذا الملف.
فالدمار والتكلفة الاقتصادية الناجمة عن الزلزال سيكون لهما تأثير سلبي على الاقتصاد لفترة زمنية معينة؛ خاصة أن المنطقة المنكوبة تحتل مكاناً مهماً في الاقتصاد التركي، حيث تمثل ما يقرب من 10% من الدخل القومي التركي و8% من الصادرات، ويوجد بها ما يقرب من 3 ملايين وظيفة باتت في وضع حرج، ويبلغ دخلها القومي أكثر من 100 مليار دولار، وتبلغ صادراتها 20 مليار دولار.
كان زلزالان عنيفان ضربا جنوب شرق تركيا، في السادس من فبراير/شباط، وتسببا في مقتل أكثر من 50 ألفاً وتشريد أكثر من مليون في أسوأ كارثة تضرب البلاد في تاريخها الحديث، وأثارت التكهنات بشأن احتمال تأجيل الانتخابات، إلا أن الرئيس التركي نفى تلك الشائعات حول تأجيلها إلى موعد أكثر ملاءمة له من الناحية السياسية، وقال: "نحن لا نختبئ وراء الأعذار"، مؤكداً في اجتماع لمجلس الوزراء: "لن نرتاح حتى تُستأنف الحياة الطبيعية في منطقة الزلزال".
وقدم أردوغان تعهداً بإعادة بناء المنازل وشرعت الحكومة بالفعل في تنفيذ هذا التعهد، بينما قدمت بعض أحزاب المعارضة وعوداً مماثلة، ويظل الفيصل هنا في ثقة الناخبين في الطرف الأكثر قدرة على الوفاء بتعهداته.
أوزر سنجار، رئيس شركة ميتروبول لإجراء الاستطلاعات، كان قد قال لرويترز: "لم يتسبب الزلزال في إضعاف الحكومة بالقدر الذي كانت المعارضة لتتوقعه". بينما قال نزيه أونور كورو، الباحث في مجموعة (تيم) البحثية: "عقب التعثر الأولي شهدنا تحول الحكومة لاستخدام لغة خطاب أكثر توحيداً للناس… نجحت الحكومة في ترسيخ مفهوم عن أنها هي من تساعد في التئام الجروح".
أما الحزب الشيوعي التركي، أحد الأحزاب المعارضة، فقد وعد في بيانه الانتخابي بأنه في حال فوزه بالانتخابات القادمة "سيجعل الماء والكهرباء والغاز والنقل الجماعي وإيجار البيوت مجاناً، وسيصادر جميع البيوت من شركات الإنشاءات ويوزعها على المحتاجين"، متعهداً بتنفيذ ذلك خلال "أسبوع واحد فقط".
وعود سخية تقدمها المعارضة التركية
استناداً على ما حققه حزب العدالة والتنمية على مدى 21 عاماً، قدم الرئيس الحالي، خلال حديثه أمام تجمع انتخابي في إسطنبول، الأحد 7 مايو/أيار، حضره 1.7 مليون شخص، وعداً صاغه على النحو التالي: "هل تعلمون ماذا سنفعل بالموارد التي سنحصل عليها من مجالات الطاقة والدفاع بالفترة المقبلة وتزيد قيمتها على 100 مليار دولار؟ سنخصص هذه الموارد لزيادة رفاهية كافة أبناء شعبنا، بما في ذلك الموظفون والمتقاعدون والنساء والشباب".
على الجانب الآخر، قدم مرشح المعارضة كليجدار أوغلو وعداً انتخابياً قال فيه إنه "سيجلب 300 مليار دولار استثمارات أجنبية إلى تركيا خلال سنوات حكمه الخمس"، حال نجاحه في الانتخابات الرئاسية، دون أن يقدم تفاصيل بشأن كيف أو من أين ستأتي تلك المليارات.
أما في الشق السياسي الداخلي وعلاقات تركيا الخارجية، قدمت المعارضة وعوداً تتعلق بتغيير النظام السياسي وإقناع الاتحاد الأوروبي بإلغاء تجميد مفاوضات دخول تركيا إلى التجمع الأوروبي وكذلك طرد 13 مليون لاجئ من البلاد، سواء خلال عام واحد، كما تعهد أوميت أوزداغ رئيس حزب الظفر القومي، أو خلال عامين كما تعهدت أحزاب الطاولة السداسية.
لكن هذه الوعود تبدو صعبة التنفيذ، على أقل تقدير، بحسب تحليل لمجلة Politico الأمريكية، يرصد كيف أنه، حتى في حالة فوز المعارضة في الانتخابات الأهم في تاريخ تركيا، تظل الوعود الخاصة بالشق السياسي غير واقعية، في ظل تنامي المشاعر المعادية للغرب داخل البلاد، وعلى مدى الطيف السياسي بتنوعاته وتبايناته.
الخلاصة هنا هي أن الوعود الانتخابية المبالغ فيها ليست بأمر غريب على الأجواء المحيطة بالانتخابات بشكل عام، لكن تظل مدى قدرة المرشحين، حكومة ومعارضة، على إقناع الناخبين بالقدرة على والرغبة في تنفيذ تلك الوعود، هي العنصر الفيصل في تحقيق تلك الوعود هدفها الرئيسي وهو الفوز بثقة المصوتين في صناديق الاقتراع.
وبعيداً عن حظوظ الأحزاب والمرشحين للرئاسة، في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي انطلق التصويت فيها للأتراك المسجلين أماكن إقامتهم خارج حدود البلاد، يوم 27 أبريل/نيسان، هناك إجماع داخل وخارج تركيا على أن الانتخابات هذه المرة تمثل مفترق طرق للبلاد، وقد تكون الأكثر أهمية منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923.
فنتائج الانتخابات التركية سوف يكون لها تأثير مباشر، ليس فقط على من سيحكم تركيا بعدها، بل على كيف ستُحكم البلاد أيضاً، إضافة إلى تأثيرها المباشر على صياغة الحسابات الجيوسياسية في واشنطن وموسكو وعواصم أخرى في أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا أيضاً. "ما يحدث في تركيا لن يبقى في تركيا فقط"، كما قال ضياء ميرال، الباحث في معهد خدمات رويال المتحد لدراسات الدفاع والأمن لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، مضيفاً أن "تركيا قد تكون قوة متوسطة، لكن القوى الكبرى ستتأثر بنتائج الانتخابات في أنقرة".