في نجاح لخطط أمريكا ضد الصين، تُعقَد قمة بين زعيمي كوريا الجنوبية واليابان هي الثانية خلال شهرين، وذلك بعد سنوات دون قمة رسمية؛ الأمر الذي يعد فوزاً لإدارة بايدن، التي سعت إلى توحيد حلفائها للتعاون ضد كوريا الشمالية والسعي لمحاصرة قوة بكين المتنامية.
ووصل رئيس الوزراء فوميو كيشيدا إلى سيول يوم الأحد لإجراء محادثات مع رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول. يسعى الاثنان إلى تعزيز التعاون التجاري والعسكري مع الولايات المتحدة حتى مع مراعاة أهمية الحفاظ على العلاقات ثابتة مع أكبر شريك تجاري لهما، الصين.
وتأتي هذه القمة بين كوريا الجنوبية واليابان في سيول بعد قمة مماثلة عقدت في طوكيو وصفت بـ"قمة إصلاح العلاقات"، وشكلت أول زيارة من نوعها منذ 12 عاماً.
إنه توازن دقيق؛ حيث تتصارع واشنطن وبكين على كل شيء؛ من توريد الرقائق والتكنولوجيا المتطورة، إلى بالون التجسس الصيني المزعوم الذي سقط أثناء تحليقه في الأجواء الأمريكية، إلى شراكة الصين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في المقدمة أيضاً، هناك كوريا الشمالية التي تزداد جرأة، والتي أطلقت صاروخاً باليستياً عابراً للقارات مصمماً لضرب الولايات المتحدة قبل ساعات فقط من عقد كيشيدا ويون قمة في طوكيو في مارس/آذار، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وقال كيشيدا للصحفيين في طوكيو قبل مغادرته إلى سيول: "أود إجراء محادثة كاملة وصريحة مع الرئيس يون على أساس علاقة الثقة".
إدارة بايدن تسعى لانضمام كوريا الجنوبية واليابان لحصارها الإلكتروني ضد الصين
كانت إدارة بايدن تسعى للحصول على المساعدة من شركاء مثل سيول وطوكيو لفرض قيود شاملة على بيع معدات الرقائق المتقدمة إلى الصين في سياسةٍ تهدف إلى منع تقدم البلاد في مجموعةٍ من التقنيات المتطورة.
وقال كاك سو شين، الدبلوماسي السابق الذي شغل منصب سفير كوريا الجنوبية لدى اليابان، إن جهود الولايات المتحدة ربما تكون عاملاً في استعادة العلاقات بين سيول وطوكيو المتوترة بسبب قضايا عديدة أهمها إرث الاحتلال الياباني لكوريا.
وأضاف أنه كان من الممكن أن تُدرَج مخاوف مشتركة بين البلدين بشأن البيئة الأمنية المتقلبة، وخاصة التحدي المتمثل في مواجهة التهديد النووي لكوريا الشمالية، علاوة على التهديد الذي تمثله الصين.
البلدان وقعا في حلقة مفرغة من اجترار آلام الماضي
وقال شين: "كان من غير الطبيعي أن تترك كوريا واليابان علاقتهما في مثل هذا الوضع البائس لفترة طويلة. لقد كان وضعاً لا يربح فيه أحد، حيث وقع البلدان في حلقة مفرغة من العلاقة المتوترة، رغم أنهما يمكن أن يكونا شريكين استراتيجيين طبيعيين وسط تدفق أوضاعهما الاستراتيجية".
وقال مكتب رئيس كوريا الجنوبية إنه من المرجح أن يناقش كيشيدا ويون القضايا المتعلقة بالأمن وصناعات التكنولوجيا الفائقة، بالإضافة إلى استعادة الدبلوماسية المكوكية التي خرجت عن مسارها منذ أكثر من عقد بسبب الاحتكاك السياسي.
وعُقِدَت قمة رسمية بين الزعيمين في مارس/آذار في طوكيو لأول مرة منذ 12 عاماً، تلاها حوار أمني في أبريل/نيسان واجتماع لوزراء ماليتهما الأسبوع الماضي.
كان الرئيس الكوري الجنوبي من الداعمين لاستراتيجية واشنطن في آسيا، بما في ذلك مبادرة الرئيس جو بايدن لإعادة هيكلة سلاسل التوريد العالمية لتقليل الاعتماد على الصين. وقالت اليابان في مارس/آذار إنها ستوسع القيود المفروضة على صادرات 23 نوعاً من تقنيات صناعة الرقائق المتطورة، حتى مع قول مسؤولي التجارة مراراً إنها قيودٌ لا تستهدف الصين.
مناورات الصين وروسيا أخافت البلدين
علاوة على ذلك، تدرك كوريا الجنوبية واليابا أن البيئة الجيوسياسية سريعة التغير أوجدت تحديات لا يمكن لأيٍّ منهما التعامل معها بمفرده، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
ولقد ساعدت المناورات المشتركة التي قامت بها الطائرات العسكرية الصينية والروسية بالقرب من المجال الجوي الكوري الجنوبي والياباني في السنوات الأخيرة في إيصال هذه الرسالة إلى كلا البلدين.
كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد قال في مارس/آذار إن "العلاقة الثلاثية مع كوريا الجنوبية واليابان أساسية لرؤيتنا المشتركة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، وهذا هو السبب في أنني، إلى جانب زملائي الكبار الآخرين في الإدارة، استثمرت الكثير من الوقت والتركيز على هذه الشراكة المهمة".
وكذلك تهديد كوريا الشمالية بضرب الشطر الجنوبي بالأسلحة النووية
كان التهديد النووي والصاروخي المتزايد لكوريا الشمالية حافزاً لسيول وطوكيو للاعتراف بالقيمة الاستراتيجية لبناء تعاون ثلاثي مع الولايات المتحدة. في الأشهر الأخيرة، لم تطلق كوريا الشمالية صواريخ على اليابان فحسب، بل هددت أيضاً بشن هجوم نووي على كوريا الجنوبية.
لم تكن كوريا الجنوبية أبداً متحالفة رسمياً مع اليابان، وكانت مترددة في التعاون عسكرياً مع البلاد في ما يتجاوز مهام البحث والإنقاذ الإنسانية خارج الحدود. لكنهما يوسعان التعاون العسكري الآن، ويرجع ذلك أساساً إلى كوريا الشمالية.
علاوة على ذلك، كما تشير صحيفة New York Times، تشترك سيول وطوكيو وواشنطن في مصلحة مشتركة قوية في الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان.
يخشى المحللون الأمنيون من أن الصين قد تحاول غزو تايوان، على غرار الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا. إذا حدث ذلك، يحذر بعض الخبراء من أن كوريا الشمالية قد تنتهز الفرصة لبدء حرب في شبه الجزيرة الكورية من أجل تحقيق طموحاتها الإقليمية.
رئيس كوريا اقترح حلاً لقضية التعويضات اليابانية ولكنه لا يرضي شعبه
جاءت آخر زيارة قام بها رئيس وزراء ياباني إلى كوريا الجنوبية في عام 2018 عندما حضر رئيس الوزراء آنذاك شينزو آبي افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ وأجرى محادثات منفصلة مع الرئيس آنذاك مون جاي إن. أما آخر قمة ثنائية رسمية في سيول قام بها زعيم ياباني، فكانت في أكتوبر/تشرين الأول 2011.
واقترح يون حلاً للنزاع طويل الأمد حول التعويض عن استخدام اليابان للعمل القسري الكوري خلال احتلالها لشبه الجزيرة في الفترة من 1910 إلى 1945. لكن اقتراحه، الذي يتضمن شركات كورية جنوبية تساهم في صندوق تعويض العمال الكوريين، لم يلق قبولاً جيداً من قبل غالبية الجمهور المحلي.
وكان الهدف من هذه المدفوعات هو تجنب إجبار الشركات اليابانية على تقديم تعويض، تماشياً مع ادعاء طوكيو بأن جميع هذه المطالبات تمت تسويتها بموجب اتفاقيةٍ عُقِدَت عام 1965. ورحبت إدارة بايدن بالخطوة ووصفتها بأنها صفقة "رائدة".
في أعقاب هذه الخطوة، أعادت كوريا الجنوبية اليابان إلى قائمة الشركاء التجاريين المفضلين في أبريل/نيسان. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، بدأت وزارة التجارة اليابانية في البحث عن آراء عامة حول إعادة كوريا الجنوبية إلى قائمة طوكيو للشركاء التجاريين المفضلين، في خطوة إجرائية من شأنها في النهاية تبسيط عمليات التصدير إلى كوريا الجنوبية.
والآن، يصف كيشيدا كوريا الجنوبية بأنها "دولة مجاورة مهمة يجب أن نعمل معها." وقد حث السيد يون الكوريين الجنوبيين على عدم اعتبار اليابان "معتدياً عسكرياً من الماضي" ولكن "كشريك يشاركهم نفس القيم العالمية".