أضاعا ملياري دولار من عائدات الذهب.. الأثر المدمر لصراع حميدتي والبرهان على الاقتصاد السوداني

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/05 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/05 الساعة 13:12 بتوقيت غرينتش
من الصراع إلى الأزمة.. الأثر الاقتصادي المدمر على السودان بسبب الصراع (عربي بوست)

السودان متورط حالياً في نزاع مسلح بين الفصائل العسكرية المتناحرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما أسفر عن مقتل مئات الأرواح وسقوط آلاف الجرحى. ووقعت غالبية الاشتباكات في العاصمة الخرطوم ومنطقة دارفور. وقد كان لهذا الصراع بالفعل تأثير كبير على الاقتصاد السوداني، حيث حذر الاقتصاديون من عواقب وخيمة إذا استمر القتال.


من أبرز آثار الصراع خسارة ملياري دولار من عائدات الذهب من الخزانة السودانية. كما تسبب تعليق تحليق الطيران بمطار الخرطوم لتعطيل 5٪ من إجمالي الصادرات والواردات السودانية، البالغة 15 مليار دولار


لقد لفت الصراع المستمر في السودان الانتباه إلى العلاقات بين الجيش السوداني ومجموعة المرتزقة الروسية فاغنر. فقد أسست فاغنر شركة واجهة، "ميروي جولد" وفقاً لما جاء في تقرير لـ CNN، التي كانت مملوكة لشركة إم إنفست، وهي شركة يسيطر عليها "يفغيني بريغوزين" رئيس شركة فاغنر.


يقاتل قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) ، للسيطرة على العاصمة ومناطق رئيسية أخرى ضد عبد الفتاح البرهان. ويزعم أن فاغنر زودت قوات الدعم السريع بالأسلحة والتدريب مقابل الوصول إلى مناجم الذهب السودانية بمليارات الدولارات. 


ويأتي الصراع الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد ركود دام عقداً من الزمان، أدى إلى انخفاض كبير في مستويات معيشة المواطنين السودانيين؛ حيث كانت الدولة تتأرجح على حافة الإفلاس.

عمر البشير والاقتصاد السوداني

لقد ولت منذ فترة طويلة الأيام المزدهرة التي ظهر فيها السودان كواحد من أكبر منتجي النفط في إفريقيا. تم ضخ ما يقرب من 500000 برميل يومياً بحلول عام 2008. وبلغ متوسط ​​الإنتاج اليومي في العام الماضي حوالي 70 ألف برميل.

وفي أواخر التسعينيات، وسط حرب أهلية مدمرة، أعلن نظام الرئيس عمر البشير الإسلامي العسكري أن الطاقة ستساعد في ولادة اقتصاد جديد، ولقد مهد الطريق بالفعل لهذا الواقع، حيث قام بتطهير عرقي للمناطق التي سيتم فيها استخراج النفط. وأقام النظام شراكات مع شركات النفط الوطنية الصينية والهندية والماليزية. وقوبل الطلب الآسيوي المتزايد بالخام السوداني.

لقد تدفقت دولارات النفط في هذه الحقبة وأشرف النظام الحاكم بقيادة عمر البشير بين عامي 1989 و2019 على هذا الازدهار. وقد مكنه ذلك من التغلب على الأزمات السياسية الداخلية وزيادة ميزانيات وكالاته الأمنية والإنفاق بسخاء على البنية التحتية. 

الرئيس السوداني السابق عمر البشير / رويترز

لقد قام نظام عمر البشير بتوجيه مليارات الدولارات لبناء وتوسيع العديد من السدود الكهرومائية على نهر النيل وروافده. وكانت هذه الاستثمارات تهدف إلى تمكين ري مئات الآلاف من الهكتارات. وكان من المقرر زراعة المحاصيل الغذائية وعلف الحيوانات للمستوردين في الشرق الأوسط.

كما تم التحول استهلاك الكهرباء في المراكز الحضرية بالسودان؛ وتعزيز إنتاج الكهرباء بآلاف الميغاوات. وقد شرع نظام عمر البشير بالإنفاق على برنامج السدود ومنها سد مروي، الذي تم افتتاحه في مارس لعام 2009، والذي اعتبر حينها أكبر مشروع قومي تنموي، وهذا يعد شهادة على اعتقاد البشير أن السدود ستصبح محور الاقتصاد في السودان.

انفصال جنوب السودان وفقدان ثلاث أرباع احتياطيات النفط

في عام 2011  انفصل جنوب السودان، مما أفقد السودان ثلاثة أرباع احتياطيات النفط، حيث فقد النظام السوداني حينها نصف عائداته المالية، وحوالي ثلثي قدرته على السداد الديون الدولية. وانكمش الاقتصاد بنسبة 10٪.  كما عانى السودان من انقطاع التيار الكهربائي؛ حيث ثبت أن السدود مكلفة للغاية وأنتجت أقل بكثير مما وعدت به. على الرغم من هذا فقد تم الإبقاء على دعم الوقود بالسودان من قبل النظام. 


مع غرق النظام أكثر فأكثر في الأزمة الاقتصادية، ركزت أجهزته الأمنية على تجميع الوسائل التي اعتبرتها ضرورية للبقاء والتنافس مع بعضها البعض، وعمقت كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مشاركتها في الاقتصاد السوداني. وسيطروا على الأنشطة التجارية الرئيسية، وشملت هذه التدابير أسواق اللحوم السودانية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتجارة الذهب.

ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والأسمدة

غذت هذه الأزمة الاقتصادية انتفاضة شعبية أدت إلى الإطاحة بـ"البشير"، وبعد ثورة 2018-2019، أشرف المجتمع الدولي على ترتيب لتقاسم السلطة. وقد جمع هذا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ومجلس الوزراء المدني برئاسة حمدوك. وتم طرح إصلاحات لتقليل الإنفاق على الواردات من الوقود ومعالجة الوضع الاقتصادي اليائس. 


لقد تفاقمت الضغوط التضخمية مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة. كما قويت السوق السوداء المتنامية التي يتم فيها الاتجار غير المشروع بالوقود والقمح والسمسم وأشياء أخرى كثيرة عبر الحدود. وفي الوقت نفسه، نمت الانقسامات في المؤسسات السياسية السودانية وبين المتظاهرين في شوارعها.

حميدتي قائد قوات الدعم السريع – البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني (عربي بوست)

أزمات متداخلة تواجه الاقتصاد السوداني

في نهاية المطاف حدث انقلاب أكتوبر 2021 ضد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك؛ حيث لم يؤدّ الانقلاب إلا إلى تعميق الأزمة، بالإضافة للعديد من الأزمات الدولية، مثل تلك الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والصراع الروسي الأوكراني، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية والأسمدة بشكل كبير على مستوى العالم، بما في ذلك في السودان وارتفعت أسعار الأسمدة بأكثر من 400٪. 


وسط أزمات الطاقة والغذاء المتداخلة، كانت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تتنافسان بعنف؛ للسيطرة على المجالات المربحة المتبقية للاقتصاد السياسي، مثل قنوات الاستيراد والتصدير الرئيسية، ويعتقد كلاهما أن بقاء مؤسساتهما أمر ضروري لمنع البلاد من الانزلاق إلى التفكك التام.

نظراً لهذه التناقضات والتعقيدات، لا توجد حلول سهلة للأزمات المتعددة في السودان. ومن المرجح أن تزداد الحالة السياسية والاقتصادية والإنسانية سوءاً في الصراع الحالي إن لم يجلس الفرقاء السودان على طاولة واحدة، ويتفقوا على تسليم السلطة للمدنيين، ووضع استراتيجيات لتحديد العلاقات المدنية العسكرية وينسحب الجيش والدعم السريع من الانشطة الاقتصادية بالدولة السودانية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]




مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد