تواصلت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يوم الأربعاء 3 مايو/أيار، للسيطرة على مزيد من المواقع الاستراتيجية -التي تشمل البنية التحتية النفطية، والمصانع العسكرية، والمعالم البارزة- قُبيل أحدث المساعي الرامية إلى وقف إطلاق النار في هدنةٍ من المقرر سريانها خلال اليوم التالي.
البرهان وحميدتي يتقاسمان المواقع الاستراتيجية في السودان
يشير تقاسم السيطرة بين الجانبين على المواقع والمدن الرئيسية إلى أن القوتين تتخذان مواقع دفاعية، وأن الغلبة لم تُحسم لأي جانب منهما حتى الآن، كما يقول تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وقال آلان بوسويل، مدير شؤون القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية، إن هذا الأمر يُنذر بإطالة أمد الصراع، فالطرفان ليس لديهما سبب حاسم للتفاوض، ولا يزال كلاهما يرى أنه قادر على الانتصار، و"كل جانب لديه أسبابه التي تدعوه للثقة بنفسه، وهذا أحد أبرز العوامل في عدم وصولنا إلى محادثات السلام".
ويقول محللون إن الجيش السوداني قادر على تجديد إمداداته؛ ما يعني أنه أقرب إلى الاستفادة من طول أمد الصراع. أما قوات الدعم السريع، فإنها وإن أمضت سنوات في بناء مخزوناتها من الأسلحة، إلا أنها ليست لديها ما يوازي ذلك من القدرات اللوجستية اللازمة لتأمين بعض الاحتياجات؛ مثل إمدادات الطعام وأدوات علاج الجرحى، لذلك فإنها لجأت إلى نهب الإمدادات والاستيلاء على المستشفيات.
ومع ذلك، فإن قوات الدعم السريع لديها ميزة الخبرة القتالية والقدرة على المناورة، فهي قادرة على الدفاع عن مواقعها في المدن، وقد أقامت وحداتها القتالية قواعد لها في المنازل وسط الأحياء السكنية بالعاصمة، ويمنحها ذلك أفضلية على الجيش الذي لا يستطيع استخدام أسلحته الثقيلة؛ مثل الدبابات والطائرات المقاتلة، في تلك المناطق.
والجانبان لديهما قذائف مدفعية وراجمات هاون، ومدافع مضادة للطائرات، وصواريخ مضادة للدبابات، تباريا في استخدامها بحريةٍ في بعض الضواحي، فأحدثت دماراً واسع النطاق.
معركة كر وفر في الخرطوم
يقول بوسويل: "يحاول الجانبان إدخال تعزيزات إلى الخرطوم، فهي معركة كر وفر بكل ما يحمله ذلك من معنى. وعلى الرغم من أن معظم الناس يقولون إن [القوات المسلحة السودانية] لها الغلبة، فإن تلك الغلبة ستفقد أهميتها إن تمكنت قوات الدعم السريع من التحصّن في الخرطوم".
وتشير تقديرات شركة "جاينز"، المتخصصة في نشر التحليلات العسكرية والأمنية ، إلى أن قوات الجيش السوداني -شاملةً القوات الجوية والبحرية- تضم 134 ألف فرد، أما قوات الدعم السريع فتتكون من 100 ألف فرد تقريباً، غير أن ديلان لي ليهريك، رئيس فريق تحليل المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر بالشركة، يقول إن وحدات الدعم السريع تختلف عن الجيش في كونها "خليطاً" من جماعات متباينة تتفاوت قدرات القيادة والسيطرة فيما بينها.
وقال ليهريك إن الجيش يمكن أن يعقد تحالفات مع ميليشيات مسلحة أخرى، ويرفع عدد مقاتليه إلى 200 ألف مقاتل، وإن كان ذلك قد يؤثر في تماسك قواته. وأشار إلى أن قوات الجيش أعلى تسليحاً بكثير؛ إذ لديها مركبات مدرعة ثقيلة ومئات الدبابات، لكن لا يُعرف مدى جودة هذه المعدات وقدرات صيانتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجيش لديه قوات مدفعية كبيرة، تشمل أنظمة راجمات الصواريخ المتعددة.
أما قوات الدعم السريع، فيقول ليهريك إنها كانت تمتلك بعض المركبات المدرعة، لكنها لا تستخدمها كثيراً على ما يبدو، ولديها صواريخ محمولة على الكتف يمكنها إسقاط طائرات الهليكوبتر إذا حاول الجيش استخدامها للدعم الجوي.
وأعلن رئيس جنوب السودان سلفا كير يوم الثلاثاء 2 مايو/أيار وقفاً لإطلاق النار بين الجانبين، مدته سبعة أيام، ومن المقرر أن يبدأ يوم الخميس 4 مايو/أيار. وقال دينغ داو دينغ، القائم بأعمال وزير الخارجية، لصحيفة The Washington Post الأمريكية، إن الجانبين اتفقا على عدم التحرك من مواقعهما، وعدم إرسال تعزيزات، وعدم تبادل القصف خلال ذلك الأسبوع.
وأضاف دينغ أن كير طلب من الجانبين اختيار مبعوثين موثوق بهم للتفاوض عنهما بشأن موعد المحادثات المحتملة ومكانها وتفاصيلها. لكن منذ فجر الخميس لم تتوقف الاشتباكات بحسب ما صرحت به مصادر من الطرفين، وهو ما يجعل الهدنة هشة أو ربما غير نافذة.
تأتي تلك الهدنة بعد عدة محاولات فاشلة لوقف إطلاق النار بين الجانبين، منها محاولة أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وقد أفضى ذلك إلى انخفاض حدة العنف في بعض المناطق، والسماح للناس بمغادرة المدينة. ومع ذلك، ذكر شهود عيان يوم الأربعاء 3 مايو/أيار إنهم سمعوا ضربات جوية متكررة حول القصر الرئاسي، والمنطقة الصناعية في بحري شمال الخرطوم. والمنطقتان واقعتان تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
سكان العاصمة محاصرون و"الدعم السريع" تسيطر على الضواحي
وقال بعض السكان إن قوات الدعم السريع تسيطر على معظم مناطق مدينة بحري -التي تضم ضواحي الخرطوم الشمالية- وكثيراً من المناطق السكنية داخل الخرطوم. وقد استولت كذلك على محطات الإذاعة والتلفزيون في أم درمان، المدينة الواقعة على ضفة النيل الأخرى من الخرطوم. أما الجيش، فيحتفظ بالسيطرة على المقرات العسكرية ومقرات القوات الجوية. وقد ألحقت هجمات الدعم السريع المبكرة على المطارات أضراراً ببعض الطائرات وأصابتها بالشلل، لكن الجيش لا يزال لديه عشرات المروحيات والطائرات، منها مقاتلات سوفيتية من طراز ميغ.
قالت ميسون عبد الله، منسقة إحدى اللجان المدنية العاملة بمساعدة العائلات المحاصرة في منطقة بحري، إن كثيراً من سكان العاصمة محاصرون من دون ماء ولا طعام ولا وسائل نقل. وأشارت إلى خطر آخر يتهدد السكان: وهي العصابات غير المنتمية إلى أي من جانبي الصراع، لكنها تسرق السيارات وتنهب العائلات التي تحاول الفرار من مناطق القتال. وقد تزايدت هذه المجموعات بعد الإفراج عن آلاف السجناء في الأيام الأولى للقتال.
من جهة أخرى، يتقاسم الجانبان أيضاً السيطرة على البنية التحتية لتصدير النفط في البلاد، ومصانع الأسلحة. وقال ساكن، يُدعى أحمد علي ويعيش في منطقة الجيلي شمال العاصمة، إن الجيش يسيطر على محطة تصدير النفط في بورتسودان -أحد أبرز منافذ الخروج للمدنيين الفارين من السودان- لكن قوات الدعم السريع تسيطر على المصفاة الرئيسية والمناطق الممتدة عبر خط الأنابيب. وقال إن قوات الدعم السريع لديها نحو 400 عربة قتالية حول المصفاة، واستولت على مستشفى تابع لها.
تتوزع السيطرة كذلك بين الجانبين على مواقع التصنيع العسكرية؛ إذ قال موظف يعمل في المؤسسة الصناعية العسكرية، إن قوات الدعم السريع تسيطر الآن على مجمع جياد الصناعي، الذي يصنِّع الدبابات والآليات الثقيلة، ويقع بولاية الجزيرة شرقي العاصمة. لكنه أشار إلى أن المصنع خارج الخدمة في الوقت الحالي، وقوات الدعم السريع لا تستطيع تشغيل الماكينات بأي حال من الأحوال. كما تسيطر قوات الدعم السريع على مجمع قري لتصنيع الذخيرة والأسلحة الخفيفة في منطقة بحري الخرطوم.
في المقابل، يسيطر الجيش على مصنع اليرموك لتصنيع الأسلحة والذخائر، الذي لا يزال في الخدمة، ومصنع آخر في جنوب الخرطوم، بحسب ما قاله الموظف، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث إلى الصحافة.
أما خارج العاصمة، فإن مدينة الأبيض -عاصمة ولاية شمال كردفان، والمركز التجاري البارز الذي يضم مطاراً وسط البلاد- قد شهدت كذلك قتالاً كبيراً في شوارعها. وقال ساكن يُدعى علي بشير، إن المدينة ومطارها كانا تحت سيطرة الجيش، لكن قوات الدعم السريع ما انفكت تتسلل من الغرب وتنهب محطات الوقود.
واندلعت بعض أعنف المعارك في المنطقة الغربية من دارفور، مسقط رأس قائد قوات قوات الدعم السريع والموطن الذي نشأت فيه تلك القوات من ميليشيا الجنجويد. لكن على الرغم من القتال الذي شهدته تلك المناطق في بداية النزاع والهجمات التي تعرضت لها الأسواق ووكالات الإغاثة فيها، فإن السكان المحليين تمكنوا من الاتفاق على وقف هش لإطلاق النار في مدينتين من المدن الرئيسية الثلاث في دارفور بعد نحو أسبوع من القتال.
دارفور مُقسمة بين الطرفين
يقول محمد سليمان، أحد سكان مدينة الفاشر شمالي دارفور، إن المدينة مقسمة حالياً بين الجانبين، فقوات الدعم السريع تسيطر على مناطق الشرق، ومنها الطريق الرئيسي المؤدي إلى الخرطوم، وأقامت سجناً وعدة كمائن للتفتيش. أما الجيش، فيسيطر على غرب المدينة الذي يضم الأسواق الرئيسية ومقرات الجيش والمقر القديم لقوات الدعم السريع والمطار والمكاتب الحكومية.
وقال محمد حامد، من نيالا بجنوب دارفور، إن المدينة مقسمة كذلك بالتساوي بين الجانبين: قوات الدعم السريع تسيطر على مقرٍّ للشرطة ومقر المخابرات والمطار والنصف الشرقي؛ ويسيطر الجيش على النصف الغربي الذي يضم مقرَّه ومقر الحكومة والأسواق الرئيسية.
أما مدينة الجنينة الواقعة في غرب دارفور، فالوضع فيها أكثر تعقيداً لتورُّط مجموعات مسلحة ليست تابعة للجيش ولا لقوات الدعم السريع. وقال أحد السكان إن شرق المدينة، الذي يضم مقر قوات الدعم السريع، يشرف على الدوريات فيه قوات المتمردين التي وقعت اتفاقية سلام دارفور في عام 2020. وقد قاتلت تلك القوات من قبل مليشيات الجنجويد والجيش وقوات الدعم السريع. وأشار المصدر إلى أن قوات الجنجويد تطوِّق المدينة حالياً.
بُعيد اندلاع النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، نهبَت الميليشيات أسواق المدينة وأحرقت عدة متاجر. وقال المصدر إن قوات الدعم السريع تسيطر على مواقع محيطة بمنزل المحافظ، لكن المطار يقع تحت سيطرة الجيش.