في لحظة شديدة الأهمية في تاريخ الصناعة العسكرية التركية، أجرت المروحية التركية الهجومية أتاك 2 أول تحليق لها، لتصبح أحدث وافد إلى فئة المروحيات الهجومية الثقيلة التي تنتجها قلة من دول العالم، وتقودها الأباتشي الأمريكية الشهيرة.
ونشر رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية في الرئاسة التركية، إسماعيل دمير، يوم الجمعة الماضية، مشاهد عبر "تويتر" تُظهر التحليق الأول للمروحية المطورة من قبل شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش".
وجرى الاختبار بالتزامن مع مهرجان "تكونوفيست" بإسطنبول، الذي يُعد أكبر مهرجان عالمي لصناعة الطيران والتكنولوجيا، وقال دمير: "نشارك في حماسة مهرجان تكونوفيست بإسطنبول عبر تحية مبشّرة من أنقرة. مروحيتنا الهجومية الثقيلة أتاك 2 حلقت للمرة الأولى".
المروحية الجديدة، طوّرتها شركة Tusaş، التابعة لصناعة المحركات التابعة لصناعات الفضاء التركية (TAI).
قصة المروحية التركية الهجومية "أتاك 2"
و"أتاك 2″ مروحية هجومية تتمتع بقدرتها على نقل الحمولة وإجراء المناورات أثناء التحليق، وفق كبير المهندسين في المشروع، محمد يلماز.
وبدأ العمل على مشروع المروحية في 17 فبراير/شباط 2019، بالتعاون بين مؤسسة الصناعات الدفاعية وشركة "توساش، وهي تطوير جذري لأول مروحية هجومية تركية المعروفة باسم TAI/AgustaWestland T129 ATAK أو أتاك-1، التي تم تصنيعها بالتعاون مع إيطاليا من خلال تطوير للمروحية الإيطالية الشهيرة Agusta A129 Mangusta.
يبلغ وزن الإقلاع الأقصى للطائرة 11.5 طن. هذا هو أكثر من ضعف ما يزن النسخة الأقدم T129 Atak (اتاك 1)، وبذلك تنضم Atak 2 إلى عصبة طائرات الهليكوبتر الهجومية الثقيلة، حسب مجلة Flug Revue الألمانية المعنية بالطيران.
داخلياً، تم اتخاذ القرار قبل عامين في الشركة المصنعة بـ"الطيران مبكراً"، كما قال يلماز في مقابلة مع وكالة الأناضول. حتى الآن، سارت عملية التطوير بسلاسة؛ حيث قال: "كانت لدينا عملية تصميم سريعة للغاية.
الهدف المعلن للشركة هو جعل "أتاك 2″، جاهزة للإنتاج المتسلسل بحلول عام 2025 – ثم تسليم الوحدات الأولى إلى القوات المسلحة التركية.
يلماز أكد أن الفريق العامل والمساهم في المشروع يضم نحو 1500 فرد من مجالات مختلفة، وهناك جهود حثيثة بذلت وتُبذل حتى اليوم لتطوير المروحية.
وشدّد على أن "أتاك 2" مروحية هجومية تزداد أهميتها بفضل قدرتها على نقل الحمولة وإجراء المناورات أثناء التحليق.
وبحسب يلماز، يوجد في مقدمة المروحية مدفع من عيار 30 ملم، وفوقه كاميرا ستساعد القائد على رصد الأهداف وتحديدها، ومن ثم قصفها.
ولاقت المروحية "أتاك 2" اهتماماً كبيراً خلال مهرجان تكنوفيست لتكنولوجيا الطيران والفضاء بمدينة إسطنبول.
حلقت بمحرك أوكراني شهير
المروحية الجديدة حلقت بمحرك TV3-117VMA-SBM1V مزوّد بعمود توربيني مزدوج بقوة 2500 حصان مصنوع في أوكرانيا، حسبما ورد في تقرير لموقع Defence Blog.
والمحرك Klimov TV3-117 الذي تنتجه شركتا Motor Sich وKlimov الأوكرانيتان يستخدم في عدد كبير من المروحيات أغلبها سوفييتية وروسية الصنع منها المروحيتان الروسيتان الهجوميتان الشهيرتان المنافستان للأباتشي الأمريكية Kamov Ka-50، وميل مي 28، وكذلك سلسلة مروحيات النقل ميل مي 17/8 التي تُعد من أكثر المروحيات إنتاجاً في التاريخ، ومروحية الهجوم الروسية المتعددة الأغراض ميل مي 24، وهي أيضاً من أكثر المروحيات إنتاجاً في العالم.
كان من المقرر في الأصل تسليم أول محركين في سبتمبر/أيلول 2022، ولكن بسبب ظروف الحرب في أوكرانيا، تأخر التسليم لمدة 4 أشهر، حسب موقع Defense Mirror.
هل تطير بمحرك تركي الصنع؟
في خطوة تاريخية حدثت قبل أيام من تحليق المروحية الهجومية "أتاك 2″، طارت مروحية المهام المتعددة التركية الصنع "غوك باي" (TAI T625 Gökbey) بمحرك "TS1400" المحلي الصنع، وذلك لأول مرة في تاريخ صناعة الطائرات التركية ومجمل الصناعة العسكرية في البلاد، فلماذا يكتسب المحرك هذه الأهمية الاستثنائية بالنسبة لأنقرة، وما علاقة أمريكا بالأمر؟
والمروحية "غوك باي" (TAI T625 Gökbey) في مراحل متقدمة من عملية تطويرها، وصُممت من قبل شركة "توساش" التركية لتلبية الاحتياجات المدنية مثل نقل الأشخاص والبحث والإنقاذ ومراقبة الحدود والإسعاف الجوي ومكافحة الحرائق والعمليات الأمنية داخل البلاد وخارجها، حسبما نقلت وكالة الأناضول عن الشركة المنتجة.
لفهم أهمية هذه الخطوة بالنسبة إلى صناعة الطائرات التركية ومجمل الصناعة العسكرية التركية، تجب ملاحظة أن تركيا قطعت أشواطاً كبيرة في تطوير طائرة مقاتلة شبحية، وأنتجت طائرة مروحية، وغيّرت طائراتها المسيرة من طراز بيرقدار تي بي 2 مسيرة الحروب في القوقاز وليبيا وسوريا وأوكرانيا، وأنتجت أول مقاتلة مسيرة شبحية في العالم على الأرجح، وهي المسيرة بيرقدار قزل ألما، والتي تخوض اختبارات طيران متقدمة، وتطور واحدة من أكثر دبابات العالم تطوراً باعتراف الخبراء، كما تطور مسيرات تنطلق من السفن البرمائية متعددة المهام.
ولكن كل ذلك يعوزه شيء واحد، المحركات، إذ تظل نقطة المحرك واحدة من أهم الإشكاليات التي تواجه صناعة الطائرات التركية، وخاصة مشروع الطائرة التركية الشبحية من الجيل الخامس (TF-X)، وهي مشكلة تواجه الصناعات الدفاعية التركية عامة، رغم الخبرات الكبيرة التي اكتسبتها في هذا الشأن، ونجاحها في إنتاج محرك للمروحية كما سبقت الإشارة.
ويزداد الإلحاح في مشكلة المحركات في ظل مخاوف من عدم تزويد أمريكا أنقرة بالمحركات اللازمة بعد شرائها لصواريخ إس 400 الروسية.
أمريكا تحاول إفساد صفقة تركية كبرى لباكستان عبر المحركات
والفلبين هي الزبون الخارجي الوحيد الحالي للمروحية "أتاك"، مع صفقات محتملة جارٍ أو جرى التفاوض حولها مع دول مثل البرازيل والعراق وقطر وباكستان ونيجيريا، كما طلبت الرياض من الشركة التركية المنتجة المشاركة في مناقصة مروحيات سعودية عام 2011، حسبما نقلت وكالة Bloomberg الأمريكية عن صحيفة صباح التركية.
في مايو/أيار 2018، أعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أن باكستان ستشتري 30 مروحية هجومية تركية الصنع من طراز من T129 مقابل 1.5 مليار دولار أمريكي، ولكن رفضت وزارة الدفاع الأمريكية إصدار رخصة تصدير لمحركات LHTEC T800-4A التي تشغل المروحيات بسبب مشاكل دبلوماسية بين الولايات المتحدة وتركيا في ذلك الوقت، وهذا المحرك يحوي 20٪ من المكونات المصنوعة في الولايات المتحدة؛ حيث إنه شراكة بين شركتي Rolls-Royce البريطانية وHoneywell الأمريكية.
وتريد باكستان النسخة المطورة من المروحية التركي T129 أي "أتاك 2".
وبعد أن أبرمت أنقرة الصفقة رفضت واشنطن تزويد الطائرات المقدمة لباكستان بالمحركات، رغم أنه يفترض أن البلدين حليفان لأنقرة، دافعة باكستان للتفكير في إلغاء الصفقة التركية والتوجه لشراء مروحيات بديلة من الصين، والمفارقة أن واشنطن تشكو من تزايد اعتماد إسلام أباد على بكين، بينما هي تدفعها لذلك عبر مثل هذه التصرفات.
اللافت أن واشنطن سمحت لتركيا بتصدير المروحية بالمحتويات الأمريكية للفلبين.
والآن بعد نجاح إدماج المحرك التركي المحلي الصنع TS1400 Turboshaft في المروحية متعددة المهام "غوك باي" (TAI T625 Gökbey)، فإن هذا يقرب تركيا من دمج المحرك في المروحية الهجومية T129 ATAK، وتنفيذ الصفقة الباكستانية.
تجدر الإشارة إلى أنه بعد الرفض الأمريكي، مددت باكستان مهلة الصفقة لأنقرة لمحاولة حل المشكلة أو العمل لتطوير بديل.
وطلبت تركيا مهلة من باكستان، لحل مشكلة المحرك، ونفى جناح العلاقات العامة بالجيش الباكستاني التقارير عن إلغاء الصفقة.
ويمكن أن يزيل المحرك المحلي الصنع، عقبة الموافقة الأمريكية على حصول باكستان على 30 وحدة من المروحية الهجومية T129 ATAK في نسختها المتطور أتاك 2.
قصة المحرك TS1400 المحلي الصنع الذي تراهن عليه أنقرة
بلغ مشروع تطوير المروحية الهجومية الثقيلة "أتاك 2" في تركيا مرحلة جديدة ومتقدمة، إثر تشغيل المحرك التركي الصنع TS1400، عليها للمرة الأولى في 23 أبريل/نيسان الجاري، في حظيرة التجارب.
قد يعني تحليق المروحية التركية الهجومية "أتاك 2″، بالمحرك الأوكراني، والمروحية متعددة المهام "غوك باي"، بالمحرك التركي الصنع، اقتراب لحظة طيران "أتاك 2" بالمحرك التركي.
وشركة TEI التركية التي تطور هذا المحرك كانت تبني محرك إف 16، تُعد أكبر مورد في العالم لأكثر من 40 جزءاً من محرك LEAP الذي يشغل طائرات إيرباص A320neo وBoeing 737 Max وCOMAC C919.
تم اختيار TEI على أنها "أفضل شركة موردة" في العالم في عامي 2017، و2018 على التوالي من خلال التسليم في الوقت المناسب وجودة قطع الغيار الفائقة.
وتنتج الشركة محركات للمروحيات، والطائرات المسيرة، والصواريخ الكروز بما في ذلك تصميمات أصلية تركية.
ويبدو أن تركيا ماضية قدماً في خوض هذا التحدي الصعب في ظل الحصار الغربي غير المعلن، رغم تقارير غير مؤكدة أن الاختبار الأرضي للمقاتلة الشبحية التركية (TF-X) الذي أجري قبل أيام، قد تم بمحركات General Electric F110 الأمريكية بعد تحسن العلاقة بين واشنطن وأنقرة.
والآن خرج، أول محرك مروحية تركي تم تصميمه وإنتاجه من قبل TEA للطائرة المروحية التركية "غوك باي"، كما رافق ذلك أول إنتاج تركي لشفرة توربينية بلورية واحدة، وهي تقنية مهمة في تصنيع محركات الطائرات.
فالجانب الأهم في نجاح أنقرة في تشغيل هذا المحرك على المروحية "غوك باي" يعني أنها يمكن أن تكرر الأمر مع محركات المقاتلات النفاثة، حتى لو بعد فترة من الزمن، رغم أنه بطبيعة الحال سوف يؤدي أي دعم خارجي مقدم من أوكرانيا أو بريطانيا أو أمريكا، إلى الاختصار من الجدول الزمني للمحرك التركي المأمول.
على جانب آخر، تقول شركة "توساش" تتعاون بشكل وثيق مع شركة "روكيتسان" المتخصصة في إنتاج الصواريخ والذخائر لدمج منتجات مصنعة محلياً في المروحية.
ما تقييمها ضمن منافسيها من المروحيات الهجومية، وهل يمكن مقارنتها بالأباتشي الشهيرة؟
من الناحية الفنية تصنف المروحية التركية الهجومية "أتاك 2″ ضمن فئة طائرات الهليكوبتر الهجومية الثقيلة مثل الأباتشي الأمريكية وميل مي 28 وKa-50/52 الروسية، و"تايجر" الأوروبية.
وعندما بدء التخطيط، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كان الهدف إنتاج مروحية تقارن بالهليكوبتر الأمريكية الشهيرة Boeing AH-64 Apache للجيش التركي وأسواق التصدير المحتملة.
وسبق أن صنف موقع we are the Mighty الأمريكي الشهير المعني بالتكنولوجيا بما فيها العسكرية، المروحية التركية T129 ATAK أو أتاك -1 في المركز السادس ضمن أفضل تسع مروحيات في العالم في تقييم، احتلت فيه الروسية Ka-52 المركز الأول، والأباتشي الأمريكية المرتبة الثانية.
علماً بأن التصنيف قيم المروحية النسخة الأقدم أي أتاك 1، بينما أتاك-2 تمثل تطويراً كبيراً مقارنة بها.
وتصف العديد من المواقع العالمية المعنية بالشؤون العسكرية المروحية التركية الهجومية أتاك-2 بمنافسة الأباتشي.
وسبق أن قال تيميل كوتيل، المدير العام لشركة صناعات الفضاء التركية (TUSAŞ) ، عن المروحية ATAK-2، "بإذن الله، ستكون أفضل من Apache الأمريكية، التي تعتبر الأفضل في العالم. لأننا نعمل بشكل جيد للغاية، حسب تعبيره.
وبالفعل، تبدو "أتاك 2" كبيرة جداً مقارنة بطائرة الهليكوبتر التركية المطورة منها T129 ATAK، ولها أبعاد مماثلة للمروحية الأمريكية الأباتشي- AH-64 التي تحظى بشهرة أسطورية بطولها البالغ 17.73 متر.
والحد الأقصى لوزن إقلاع أتاك 2 هو 11.5 طن، مقابل 10.43 للأباتشي أي إن التركية أثقل بفارق ضئيل.
وللمقارنة أيضاً، نجد أن وزن المروحية الروسية ميل مي 24 وزن الإقلاع لها 11.5، وشقيقتها الروسية الأقوى والأكبر Kamov Ka-52 يبلغ وزن الإقلاع الخاص بها 11.9 طن.
وتستطيع المروحية التركية نقل حمولة بوزن 1.5 طن وهذه ميزة مهمة. ولدى الأباتشي محركين بقوة 1,890 لكل واحد منهما، بينما لدى المروحية التركية أتاك 2 محركان كل منهما بقوة 2500 حصان، أي أقوى بنحو 50% من محركي الأباتشي.
سرعة الأباتشي القصوى 293كم في الساعة، مقابل 315كم/ساعة، لأتاك 2، أي إن المروحية التركية أسرع.
بالطبع هذه المعايير الكمية ليست كافية للمقارنة بين المروحية التركية الجديدة والأباتشي العريقة، وحتى المروحيات الروسية المنافسة.
ولكن في ضوء خبرة تركيا وقدرتها على النفاذ للصناعة الغربية وعضوية تركيا في حلف الناتو، وتجربة أنقرة مع الطائرات المسيرة، وكذلك معادلة السعر مقابل الإمكانيات التي تتسم بها صناعة الأسلحة التركية، فإن المروحية" أتاك 2″ تمثل منافساً مهماً في هذه الفئة.
وستزداد تنافسية هذه المروحية إذا حلقت بالمحرك التركي، لتحرر من القيود الأمريكية.
كما أن تمسك جيش قوي كالجيش الباكستاني بالمروحية التركية، وهو المعروف عنه حرفيته العالية وقدرته على اختيار وتشغيل أسلحة كفؤة بتكلفة قليلة، شهادة إيجابية بحقها، خاصة في ضوء عزوفه حتى الآن عن شراء المروحيات الصينية المنافسة.
ولكن الأسلحة يظل اختبارها الحقيقي هو نيران المعارك، كما حدث مع المسيرة التركية بيرقدار تي بي 2 التي كان البعض يقلل من قدراتها حتى في الداخل التركي، ولكنها انتصرت في حروب سوريا والقوقاز وليبيا ضد السلاح التركي، ثم أوقفت زحف الجيش التركي نفسه في بداية حرب أوكرانيا نحو العاصمة لتلعب دوراً كبيراً في إنقاذها من طابور المدرعات الروسية الضخم الذي كان يتجه لها، فيما عرف باسم "معركة الربيع"، وهو جعل الأوكرانيون يألفون أغنية للبيرقدار التركية، وهو ما لم يفعلوه مع أي سلاح آخر حاربوا به.