تكثف الحديث مؤخراً عن قرب إجراء تعديل حكومي تحسباً لتفجر الوضع الاجتماعي بعد أن عجزت حكومة أخنوش في خفض التضخم والتحكم في الأسعار رغم تقديمها وعوداً للرأي العام بأن إجراءاتها الفعالة ستعيد الأسعار إلى سابق عهدها.
لحد الآن، لم يصدر عن حزب رئيس الحكومة ولا عن حليفه حزب الاستقلال ما يؤشر على قرب إجراء تعديل حكومي، فقط ما صدر لحد الآن، تصريح من وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي، الأمين العام للأصالة والمعاصرة، عضو التحالف الثلاثي المشكل للحكومة، يصف فيه "الاتحاد الاشتراكي" بـ"الحليف المقبل" في إشارة ليس فقط إلى صحة الأخبار التي تتحدث عن تعديل حكومي وشيك، بل إلى هوية الحزب الذي سيلتحق بالحكومة.
ليس ثمة شك أن مبررات هذا التعديل كانت قائمة منذ زمن بعيد، وذلك بعد أن ظهرت المؤشرات الأولى لعجز الحكومة السياسي والتواصلي، وعدم قدرتها على الإجابة عن سؤال تضارب المصالح وتأثيرها في تبرير ارتفاع أسعار المحروقات في الوقت الذي تعرف فيه انخفاضاً في الأسواق العالمية.
تأكدت هذه المبررات أكثر مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبشكل خاص الخضر والفواكه اللحوم، أي العناصر التي تدخل ضمن مشمولات المخطط الأخضر وهو "مخطط زراعي" أشرف عليه رئيس الحكومة "عزيز أخنوش" بنفسه بحكم تقلده لمنصب وزير الفلاحة في الحكومات المتعاقبة.
كما اضطرت الحكومة عبر ناطقها الرسمي للاعتراف بعد مرور أسبوعين من شهر رمضان بأن إجراءات الحكومة لخفض الأسعار لم تنجح، فإيقاف التصدير بالنسبة للطماطم، لم يرجع سعرها إلى حالته الطبيعية، كما أن فتح الباب لاستيراد الابقار من البرازيل مع إعفائها من الرسوم الجمركية لم يكن له أي أثر إيجابي على أسعار اللحوم.
مؤسسات الدولة التي تقوم بدور حفظ التوازنات، نبهت الحكومة لأكثر من مرة إلى مخاطر سياستها الاقتصادية والمالية، فقرر بنك المغرب ثلاث مرات رفع أسعار الفائدة، وخرج المندوب السامي للتخطيط لتفنيد أطروحة الحكومة فيما يخص التضخم، فأكد أن التضخم محلي وليس مستورداً، وعزا بعض أسبابه إلى فشل المخطط الأخضر؛ إذ توجه إلى التسويق والتصدير، وذلك على حساب الأمن الغذائي للمغاربة.
قد تكون هذه المبررات كافية للإقناع بضرورة إجراء تعديل حكومي يصحح الوضع ويدخل بعض الحيوية على حكومة عزيز أخنوش، لكن الديناميات السياسية والنقابية التي عرفها المشهد السياسي المغربي خلال الأسبوعين الماضيين، لم تؤكد الحاجة إلى تعديل حكومي فحسب، بل أصبحت تلح على أن يكون التعديل الحكومي بمضمون سياسي يملك الجواب عن التحديات القائمة.
الأمر لا يتعلق فقط بمجرد مواجهة سيناريو احتقان اجتماعي، بل يتعلق بارتباك مؤسساتي، ناتج عن عدم تناغم بين السياسة المالية والسياسة النقدية، ويتعلق أيضاً ببروز خلل استراتيجي يتعلق بقطاع حيوي طالما راهن المغرب عليه لضمان أمنه الغذائي وتأمين سلمه الاجتماعي، ويتعلق ثالثاً بسيناريو أزمة اجتماعية بخلفية سياسية، يعكسها طرح مبادرة"الجبهة الاجتماعية" لمواجهة الحكومة.
عزيز أخنوش والشارع المغربي
الأحزاب السياسية بالمغرب منذ مدة طويلة تركت خيار "الشارع" في إدارة المطلب السياسي والاجتماعي، وفضلت أن تمارس مهمتها في الإطار المؤسساتي، بينما حدثت في الحقل النقابي تحولات مفصلية، أبعدته بالمطلق عن إشكالية العلاقة بين النقابي والسياسي، وقربته من إشكالية أخرى ترتبط بعلاقة المؤسسة النقابية بـ"الباطرونا" ومدى استقلالية قيادتها عن نخب المال والأعمال.
لقد طرح حزب "التقدم والاشتراكية" مبادرة لتأسيس "الجبهة الاجتماعية"، انطلق مؤشرها الأول برسالة موجهة إلى رئيس الحكومة، وجدت استهجاناً من الناطق الرسمي باسمها، وتوجهت قيادة "التقدم والاشتراكية" للحوار مع المركزيات النقابية، مستغلة في ذلك الخلاف الذي يخترق الاتحاد المغربي للشغل، والجفوة الموجودة بين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و"الاتحاد الاشتراكي"، فيما أعلن حزب "العدالة والتنمية" و"الحركة الشعبية" مدارسة هذه المبادرة وإمكان الانخراط فيها.
حتى الآن، يصعب قياس حجم تأثير هذه المبادرة ومدى قدرتها على تغيير القواعد التي يدار العمل السياسي والعمل النقابي، وما إذا كان من الممكن أن يعود للشارع إغراؤه بعد أن بخست الحكومة القدرة الاقتراحية للمعارضة المؤسساتية، لكن في الجملة، تجتمع كل هذه المؤشرات لتخلق واقعاً يسرع الطلب على التعديل الحكومي، وذلك لخلق حيوية ما في الأداء الحكومي، تجعله قادراً على امتصاص الاحتقان، ورد قواعد العمل السياسي والنقابي إلى حالتها الطبيعية.
الاتحاد الاشتراكي وحكومة عزيز أخنوش
دستورياً، يعتبر التعديل الحكومي مسؤوليةً مشتركة بين الملك وبين رئيس الحكومة، لكن في الواقع، يبقى القرار والتوقيت وأيضاً المضمون دائماً بيد الملك، بحكم أنه المعنيّ دستورياً بالحفاظ على الأمن والسير العادي للمؤسسات.
يبقى السؤال الذي يثير الرأي العام المغربي أكثر هو نوع الإضافة التي يمكن أن يشكلها دخول الاتحاد الاشتراكي لحكومة أخنوش؟ وما إذا كان هذا الاختيار يقدم الجواب المناسب عن التحديات القائمة؟
ثمة جزء من الاتحاديين المقربين للكاتب الأول للحزب، سيعتبرون دعوة حزبهم للالتحاق بالحكومة بمثابة تصحيح خطأ ارتكبه رئيس الحكومة، حين اضطر أن يتخلى عن حليف قام بالدور الأكبر في الإطاحة برئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بن كيران، وقدم خدمة "جليلة" لـ"الأحرار" حتى تصدر المشهد السياسي. لكن، أكثر مناضلي الحزب الغاضبين على القيادة ومعهم المزاج الشعبي العام، يرون أن تعديلاً بهذا النحو سيحمل طابعاً إرضائياً، ولن يكون له أي علاقة بالتحديات التي يواجهها النسق السياسي، فقد سبق لحكومة سعد الدين العثماني، أن أقحمت "الاتحاد الاشتراكي" للتشكيلة الحكومية، وتم ذلك بمبرر الكفاءة في خدمة القضية الوطنية، لكن التقييم العام لأداء الاتحاديين في هذه الحكومة، لم يترجم هذا التطلع، ولم يعكس جدية هذا المبرر.
المزاج الاتحادي المناضل، ويوافقه في ذلك المزاج الشعبي العام، يرى أن هوية "الاتحاد الاشتراكي" التي تأسست قريباً من هموم القوات الشعبية، حصل فيها انحراف كبير في ظل قيادة إدريس لشكر، وأن دخول هذا الحزب بهويته الجديدة لا يمكن أن يضفي أي طابع اجتماعي أو لمسة شعبية على حكومة أخنوش، فالرأي العام تابع السلوك السياسي للسيد إدريس لشكر، منذ أن فاوض بحزبه من أجل أن يدخل إلى حكومة عباس الفاسي بمنصب صغير، وتابعوا بعد ذلك كيف تحول حزبه إلى خصم يبعد المناضلين ويقرب المنتهزين، ويسير بعيداً عن هموم الجماهير، وكيف أصبح خادماً لأجندة أحزاب المال والأعمال.
في حكومة سعد الدين العثماني، كان تبرير دخول الاتحاد إليها كفاءة بعض شخصياته في الدفاع عن القضية الوطنية، لكن، اليوم، ثمة تحولات كبيرة في سياق القضية الوطنية، ولم تعد هناك حاجة إلى تقديم مثل هذا التبرير، فالإضافة أصبحت تتبرر بأحد أمرين، إما بأن يحمل دخول هذا الحزب بُعداً سياسياً، بأن تُضفى اللمسة الاجتماعية على حكومة أخنوش، وهو ما لا يستطيع هذا الحزب أن يضمنه بسبب تحولات هويته ومسلكيته النضالية، وإما أن يحمل هذا الدخول بُعداً استراتيجياً، يهم إعادة بناء التحالف الحكومي، بالشكل الذي يتم فيه ترتيب أوضاع السياسة القادمة، بإعادة معادلة السياسة إلى ما قبل ميلاد "الأصالة والمعاصرة"، وذلك بتعديل حكومي، يبعد "البام" عن التشكيلة الحكومية، ويعيد الكتلة الديمقراطية إلى مواقع التدبير، برئاسة التجمع الوطني للأحرار، ويضفي قدراً من الحيوية على الحكومة، ويخلق شروط توازن سياسي طبيعي، ويجعل الصراع يدور في محور الخلاف في السياسات العمومية، وينأى بالسياسة من مربع الصراع بين الإسلاميين ونخب المال والأعمال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.