للأسبوع الثالث على التوالي، لا تزال جثث لا حصر لها في شوارع الخرطوم جراء الاشتباكات بين الجيش السوداني و"الدعم السريع"، ما ينذر بأزمة بيئية خطيرة، وسط شلل المؤسسات الصحية في البلاد.
ومع دخول المعارك بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" أسبوعها الثالث، ما زالت الكلفة الإنسانية آخذة في التضاعف، فبينما تناهز حصيلة أعداد القتلى زهاء 500 شخص منذ بداية الاشتباكات في 15 أبريل/نيسان الماضي، تتناثر في عدة مناطق من الخرطوم ومدن أخرى مئات الجثث، ما ينذر بكارثة صحية وبيئية، في ظل شلل تام أصاب المؤسسات الطبية في البلاد جراء الأزمة الحالية.
والسبت، أعلن وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، العمل مع الجيش وقوات "الدعم السريع" وعدد من المنظمات من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في البلاد من أجل الوضع الإنساني.
وذكر إبراهيم في تغريدة: "هناك جثث على الأرض، وجرحى يحتاجون للوصول إلى المستشفيات".
ورغم هدنة إنسانية تتجدد باستمرار منذ 21 أبريل/نيسان الماضي، فإن استمرار الاشتباكات بين الطرفين يصعّب الوصول إلى الجثث الملقاة على الطرقات، ويزيد من احتمالية ارتفاع أعدادها، وسط جهود فرق تطوعية للوصول إليها والتعامل معها.
أعداد الضحايا
وفق إحصائيات وزارة الصحة السودانية، فإن حصيلة ضحايا الاشتباكات منذ اندلاعها حتى 27 أبريل/نيسان الماضي، بلغت 4 آلاف و599 إصابة و528 حالة وفاة بولايات السودان المختلفة (18 ولاية).
وتشير الصحة السودانية إلى أنها "تصدر تقارير الوفيات والإصابات حسب ما يصل من المستشفيات العامة والخاصة بولايات السودان المختلفة".
بينما ذكرت نقابة أطباء السودان (غير الحكومية)، الإثنين، أن عدد الوفيات منذ بداية الاشتباكات ارتفع إلى 436 حالة وفاة بين المدنيين، وألفين و175 حالة إصابة بين المدنيين.
وأوضحت النقابة في بيان أن "العديد والكثير من الإصابات والوفيات غير مشمولة في هذا الحصر، ولم تتمكن من الوصول للمستشفيات لصعوبة التنقل والوضع الأمني في البلاد".
جثث الشوارع
وللأسبوع الثالث على التوالي، لم تستطع المؤسسات الرسمية والتطوعية في السودان إصدار إحصائيات حول عدد الجثث الملقاة بالشوارع جراء الاشتباكات أو التي تم دفنها.
ووفق الناطق باسم الهلال الأحمر السوداني أسامة أبو بكر، فإن جثث قتلى الاشتباكات "تمثل مشكلة كبرى، حيث إن هناك مئات الجثث وآلاف المصابين جراء الاشتباكات".
وذكر أبو بكر في تصريحات إعلامية أن "التقديرات تشير لوجود نحو 500 جثة لقتلى الاشتباكات".
وفي 24 أبريل/نيسان الماضي، قال عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا إن خسائر "الدعم السريع" بلغت "آلاف القتلى وقرابة 10 آلاف من الجرحى، لكن لم يتم الحصر الدقيق حتى الآن".
وذكر العطا في تصريحات لصحيفة "السوداني" الخاصة أن قتلى الدعم السريع "أكثر من ألفين في اتجاه معين من المعارك التي أشرف عليها، أما بقية القطاعات فقتلاها لا حصر ولا عدد لهم، وجثثهم تملأ الشوارع، حتى قامت عناصر من الجيش بدفنهم حتى لا يؤثروا في الصحة العامة".
أبرز الأماكن
منذ اندلاع الاشتباكات، لم تنقطع شكاوى المواطنين في السودان من مناظر الجثث الملقاة بالشوارع، لاسيما في العاصمة الخرطوم التي شهدت أعنف المعارك بين الجيش و"الدعم السريع".
ووفق شهود عيان للأناضول، فإن أكثر الأماكن التي شوهدت فيها الجثث بالشوارع، تركزت في مدينة مروي (شمال) وغربي السودان، ومنطقة وسط الخرطوم وشرق النيل (شرق) وشمبات والحلفايا (شمال شرق) وأم درمان الصالحة (غرب).
وخارج ولاية الخرطوم، تنشط جمعية الهلال الأحمر السوداني في الوصول إلى الجثث الملقاة في الشوارع، ففي مدينة الجنينة (غرب) أعلنت الجمعية "إجلاء عدد 7 جثث من مواقع مختلفة بمدينة نيالا بعد 8 أيام من الاشتباكات التي حدثت بين القوات المسلحة والدعم السريع، وتم تسليم الجثامين إلى جهات الاختصاص".
وفي 22 أبريل/نيسان الماضي، قال "الهلال الأحمر" السوداني، إن فِرَقه قامت "بإجلاء عدد 9 جثث من مواقع مختلفة بمدينة زالنجي (غرب)، إثر الاشتباكات التي حدثت بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وإنه "تم دفن الجثث بعد اكتمال الإجراءات القانونية".
وذكرت الجمعية في بيان، أن "وزارة الصحة الولائية وفرت اللبس الواقي للمتطوعين وأكياس جمع الجثث".
أزمة بيئية
ومع تحذير منظمات إنسانية من أزمة بيئية في العاصمة الخرطوم بسبب تكدس الجثث في المستشفيات والشوارع، سارعت وزارة الصحة السودانية، السبت، إلى إصدار بيان بعنوان: "تعامل المواطنين مع جثث الحرب"، احتوى على توجيهات إرشادية.
ودعت الوزارة، المواطنين إلى ارتداء الكمامات والملابس الواقية أثناء التعامل مع الجثث الملقاة على الطرقات، مطالبة بـ"رش الجثة المتعفنة بالمبيدات المتوفرة في المنطقة، وترقيم الجثامين وكتابتها في ديباجات (قطعة ورق مقوى)، ووضعها بالقرب من الجثة، ثم تصويرها من عدة اتجاهات".
كما أرشدت إلى "عدم نزع ملابس الجثث"، لافتة إلى أن "كل جثة تدفن على حدة، ويتم كتابة رقم تعريفي لها، ويوضع في باقة بلاستيكية (كرستالة)، ويتم دفنها مع الجثة، ووضع شاهد لكل قبر، ويكتب عليه الرقم التعريفي للجثة".
وأشارت الوزارة إلى "تجميع هذه البيانات وتسليمها لأي مكتب لوزارة الصحة في أي منطقة في البلاد".