لماذا تراجع الحماس الخليجي عن الاستثمار في مصر؟ هذه أهم الأسباب

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/01 الساعة 15:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/07 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
حوالي نصف المصريين يعيشون الآن عند خط الفقر/ رويترز

قبل عام من الآن، بدت الأمور كما لو أن صناديق الثروة السيادية في دول الخليج تتسابق على ضخ استثمارات في مصر، من خلال شراء الأصول المملوكة للدولة، فلماذا تراجع هذا الحماس؟

كانت صحيفة Financial Times البريطانية قد نشرت تقريراً قبل أيام يشير إلى تعليق صندوق أبوظبي السيادي، وهو أداة الاستثمار الرئيسية في الإمارات، خطط ضخ مزيد من الاستثمارات في مصر في الوقت الراهن، وهو أمر يثير التساؤلات بشأن الأسباب التي أفقدت الإمارات "شهيتها" للاستثمار في الاستحواذ على الشركات المصرية المعروضة للبيع.

لكن الأمر لا يتعلق بالإمارات فقط، فالأمر نفسه ينطبق على صناديق الثروة السيادية في السعودية وقطر، وإن تباينت المواقف والأسباب. وكان تقرير لشبكة CNN الأمريكية مطلع مارس/آذار الماضي قد تحدث أيضاً عن النقطة ذاتها، أي التردد الخليجي في ضخ استثمارات في مصر.

وعود بالاستثمار واستعداد مصر لبيع الأصول

بالعودة إلى الوراء قليلاً، نجد أن الدول الخليجية، التي قدمت لمصر مساعدات مالية ضخمة على مدار العقد الماضي، قد اتجهت نحو تغيير في مسار مساعدة الاقتصاد المصري المترنح بشدة، من خلال الاستثمار في شراء الأصول المملوكة للدولة، وبدأ بالفعل ما يمكن وصفه بالسباق على هذا الطريق.

وفي ظل معاناة الاقتصاد المصري بشدة من نقص حاد في العملات الأجنبية وفجوة دولارية تزداد اتساعاً كل يوم، قررت القاهرة عرض كثير من الشركات العامة والمملوكة للجيش للبيع، سواء كلياً أو جزئياً، وكانت آخر خطوة في هذا الاتجاه الإعلان عن عرض 32 شركة للبيع، وكان ذلك قبل أكثر من 6 أشهر.

وكان تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية عنوانه "منافسة خليجية على محطة طاقة وشركة وقود للجيش المصري"، قد رصد سعي 3 دول خليجية لشراء حصص في شركة توزيع وقود مملوكة للجيش المصري ومحطة طاقة، وذلك في إطار تعهداتها الاستثمارية، وفقاً لما نقلته عن الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان.

وأشار المسؤول المصري وقتها إلى أن "العديد من المستثمرين الدوليين، ومن بينهم صناديق الثروة السيادية الخليجية، أظهروا اهتماماً بالشركة الوطنية ومحطة طاقة شيدتها شركة سيمنز (Siemens)" وهي شركة ألمانية متعددة الجنسيات، وأوضح أن المخطط يشمل إتمام عمليات البيع هذا العام، إما عن طريق طرح اكتتاب أولي، أو عن طريق شراكة مع مستثمر استراتيجي، أو عن طريق مزيج من الأمرين.

وفي المقابلة مع الوكالة الأمريكية، أضاف سليمان: "أرى أن علينا تأمين وجود مستثمر استراتيجي قبل طرح الاكتتاب الأولي. يمكن إتمام طرح الاكتتاب الأولي عبر اكتتاب خاص يُسند إلى صناديق ثروة سيادية"، مضيفاً أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي وجهاز قطر للاستثمار وشركة أبوظبي "القابضة" أعربت جميعها "عن اهتمامها بدعم وتسريع برنامج طرح الاكتتاب الأولي".

ديون مصر
تعاني مصر من أزمة ديون حادة

كان ذلك خلال شهر أبريل/نيسان 2022. انتهى العام ومرّ من العام الجاري (2023) أربعة أشهر كاملة دون أن تتم تلك الصفقة أو أي صفقات أخرى، فما هي الأسباب؟

مصدر مصرفي مطلع قال لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، في تقريرها المنشور الجمعة 28 أبريل/نيسان 2023: "ليست هناك شهية لأي استثمارات جوهرية في الوقت الراهن"، مضيفاً أن الأوضاع قد تتغير عقب زيارة رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، للقاهرة خلال الأيام المقبلة.

وقال أشخاص مطلعون على المسألة للصحيفة إن الإمارات حافظت على التزامها بمساعدة القاهرة، لكن أبوظبي صارت أكثر ميلاً لتقديم الدعم عبر برامج صندوق النقد الدولي.

هل تأخير بيع الأصول مصدره مصر؟

رغم أنه من الصعب الحصول على إجابات رسمية مباشرة حول أسباب هذا التأخير في عملية بيع الأصول المصرية، وذلك أمر مفهوم نظراً لطبيعة العملية نفسها من تفاوض حول التقييم وملابسات أخرى معقدة، إلا أن المؤكد هنا هو أن ما يحدث من تأخير لضخ تلك الاستثمارات ليس في مصلحة القاهرة.

فالاقتصاد المصري يئن تحت وطأة سلسلة من الأزمات أفقدت العملة المحلية (الجنيه المصري) أكثر من 60% من قيمته خلال عام واحد، وربما أكثر، كما تسببت في ارتفاع مؤشر تضخم الأسعار بالنسبة للمستهلك إلى نسب قياسية غير مسبوقة على الإطلاق.

إذ انعكس هذا الانخفاض في قيمة الجنيه مقابل الدولار على أسعار السلع وتكاليف المعيشة في مصر بصورة مباشرة، وكان التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية قد تسارع إلى أعلى مستوى في 5 سنوات عند 18.7%، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، من 16.2% في أكتوبر/تشرين الأول الذي يسبقه، كما تسارع التضخم الأساسي إلى 21.5% من 19% في أكتوبر/تشرين الأول.

وازدادت وطأة الأزمة الاقتصادية أكثر وأكثر منذ بداية العام الجاري، فسجل المعدل السنوي للتضخم العام 32.7% في مارس/آذار 2023، مقابل 31.9% في فبراير/شباط 2023، ومن المتوقع أن تتواصل الزيادة خلال أبريل/نيسان. ومع نهاية أبريل/نيسان، فاجأت الحكومة المصريين بقرار رفع أسعار السلع الأساسية المدعومة، وهو القرار الذي أثار غضباً شعبياً عكسته التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.

مصر
رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي – رويترز

وزارة التموين المصرية أعلنت عن زيادة أسعار السلع التموينية؛ بداية من الإثنين 1 مايو/أيار 2023، والتي تتضمن 32 صنفاً من السلع المصروفة على بطاقات التموين، من بينها سلع أساسية مثل الأرز الأبيض والسكر وزيت الطعام والمعكرونة والعدس والفول والدقيق (الطحين).

الصورة إذاً لا تحتاج لإيضاح أكثر، وبالتالي، من الصعب تصور أن التأخير في عملية بيع الأصول نابع من الجانب المصري، خصوصاً أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قال الأحد 30 أبريل/نيسان إن مصر لن تتراجع عن برنامجها لبيع أصول حكومية، مؤكداً أنها ستفي بالتزاماتها المالية.

لماذا التردد الخليجي في الاستثمار في مصر إذاً؟

الأرجح إذاً أن التأخير نابع من الطرف الساعي للشراء، أي صناديق الثروة السيادية الخليجية. ويكشف تقرير فايننشيال تايمز جانباً من القصة، يرجع إلى اتخاذ الدول الخليجية موقفاً أكثر صرامة يتمثل في الإصرار على تطبيق الحكومة المصرية إجراءات بعينها تتعلق بالإصلاح الاقتصادي وكف يد الدولة عن المنافسة مع القطاع الخاص، إضافة إلى التباين الضخم في عملية تقييم سعر الشركات محل التفاوض.

أحد المصرفيين الدوليين المشاركين في عمليات التقييم، قال للصحيفة البريطانية: "موقف مصر قائم على تقييم الأصول بأسعار سوقية مرتفعة للغاية لأن الجانب المصري يجادل بأن الأسعار السوقية الحالية متدنية ولا تعكس القيمة على المدى البعيد". ويضيف المصدر أن هناك "اختلافاً شاسعاً بين الجانبين".

أما السبب الآخر لفتور الحماس الخليجي فمرده وضع الجيش في الأنشطة الاقتصادية، إذ شككت مصادر للفايننشيال تايمز في رغبة قيادات الجيش المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في إدخال إصلاحات اقتصادية من شأنها أن تحد من المصالح الاقتصادية للمؤسسة العسكرية، التي توسعت أنشطتها بشدة لتشمل الزراعة وصيد الأسماك والمقاولات ومصانع الأغذية.

وقال مصرفي آخر للصحيفة إن "هناك ضيقاً شديداً وإحباطاً في السعودية دفع البعض في الرياض إلى القول إنهم (المصريون) يظنون أنه من السهل أن يخدعونا. إنهم "السعوديون" يريدون إصلاحات حقيقية وخطة إصلاح اقتصادي ممنهجة".

ويعكس هذا الكلام ما صرح به وزير المالية السعودي محمد الجدعان، في يناير/كانون الثاني الماضي في دافوس، حين قال: "كنا في الماضي نقدم منحاً مجانية مباشرة بدون قيود، ونقوم الآن بتغيير هذا (السلوك). إننا نفرض ضرائب على أبناء شعبنا ونتوقع من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه".

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

لم يذكر الوزير السعودي مصر بالاسم، لكن المعنى واضح والرسالة لا تحتاج لتفسير. ومؤخراً انسحب صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي كان قد أعلن عن خطط لاستثمار 10 مليارات دولار أمريكي في السوق المصري، من مفاوضات صفقة الاستحواذ على بنك المصرف المتحد المملوك للحكومة المصرية، في أعقاب انخفاض قيمة الجنيه المصري أكثر وأكثر، ليختلف الجانبان المصري والسعودي على تقييم سعر البنك.

الخلاصة هنا هي أن أسباب فتور الحماس الخليجي نحو الاستثمار في السوق المصري عبر شراء الشركات المعروضة للبيع، بالكامل أو جزئياً، تبدو واضحة، وأبرزها الاختلاف حول القيمة السوقية الحالية لتلك الشركات من جهة، ووجود سعرين للعملة المحلية مقابل الدولار من جهة أخرى، إضافة إلى التردد المصري في إدخال إصلاحات اقتصادية حقيقية للحفاظ على الشفافية والمنافسة العادلة.

ففي الوقت الذي تبلغ قيمة الدولار الأمريكي 30.9 جنيه مصري بالسعر الرسمي في البنوك، يتم تداول العملة الخضراء بسعر يقترب من 40 جنيهاً في السوق السوداء، كما يتم إبرام العقود الآجلة على أساس أن الدولار بقيمة 44.5 جنيه مصري، بحسب وسائل الإعلام المحلية.

تحميل المزيد