غارتان غامضتان لإسرائيل بالجولان وحمص.. فهل هما محاولة لإجهاض خطة إيران لتقريب أسلحتها من تل أبيب؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/05/01 الساعة 14:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/01 الساعة 23:33 بتوقيت غرينتش
طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي من طراز F-35 تحلق خلال عرض جوي في حفل تخرج طياري سلاح الجو الإسرائيلي في 2017/رويترز، أرشيفية

"خطة إيرانية لتوحيد الجبهات المضادة لإسرائيل وتقريب الميليشيات الشيعية الموالية لطهران من حدود الدولة العبرية"، هكذا تقول تقارير صحفية إسرائيلية تزعم أن هذا جزء من مخطط أوسع يبدأ من الجولان السوري بهدف تغيير موازين القوى بين إسرائيل وإيران عبر تعزيز الأخيرة لوسائلها لردع تل أبيب عن مهاجمتها.

ويبدو أن تل أبيب تحاول أن تجهض خطة طهران المزعومة لتغيير توازن الردع القائم بين إسرائيل وإيران، أو تحاول المصادر الإسرائيلية الترويج لذلك على الأقل.

وفي هذا الإطار، نفذت إسرائيل عدة هجمات ضد أهداف يعتقد أنها تابعة لإيران في سوريا، آخرها القصف الذي وقع الليلة الماضية ضد مطار حلب، الأمر الذي ينذر بتصعيد خطير في المنطقة.

عمليتان غامضتان لإسرائيل بالجولان وحمص

وقبل القصف الإسرائيلي لمطار حلب الذي وقع في ساعة متأخرةٍ من يوم الإثنين 1 مايو/أيار 2023، نفذت إسرائيل عمليتين عسكريتين غامضتين في الجولان وحمص.

ففي الإثنين 24 أبريل/نيسان 2023، أفادت وسائل إعلام رسمية سورية بأن إسرائيل قصفت أهدافاً بجنوب سوريا، في ساعة مبكرة من صباح ذلك اليوم، قرب مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، ما تسبَّب في أضرار مادية لم تحددها.

وتلمح تقارير عدة إلى أن هذا القصف الذي استخدم فيه 20 صاروخاً وقذيفة، جاء رداً على تحركات عسكرية من القوى الموالية لطهران في سوريا، وهي حزب الله على الأرجح، وتحديداً وصول مسؤول كبير من الحزب للمنطقة برفقة رئيس مخابرات النظام السوري.

وأفادت تقارير بأن سلاح الجو الإسرائيلي هاجم بعد ذلك بأيام أهدافاً في منطقة حمص وسط سوريا، وتشير مزاعم الإعلام الإسرائيلي إلى أن الهجوم كان يستهدف قافلة شاحنات محملة بالأسلحة حاول الإيرانيون وحزب الله نقلها من سوريا إلى لبنان. كجزء من عملية تعزيز قوة التنظيم الشيعي في لبنان.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي المضاد للصواريخ أثناء محاولته اعتراض الصواريخ التي أُطلقت من قطاع غزة باتجاه إسرائيل في مايو 2022/رويترز

وتقول إيران إنها تعمل على استراتيجية جديدة ضد إسرائيل. وتصف وسائل الإعلام الإيرانية وأعضاء في النظام هذه الاستراتيجية بأنها محاولة "لتوحيد" جبهات متنوعة ضد إسرائيل. 

ويزعم تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية "أن هذه الجبهات المتنوعة ظهرت في شهر إبريل/نيسان 2023، حين شجعت إيران حماس على إطلاق صواريخ من غزة، ثم من لبنان، ثم دفعت مجموعة أخرى تسمى لواء القدس في سوريا لإطلاق مزيد من الصواريخ خلال اليوم التالي لعيد الفصح اليهودي."

"وتتفاخر إيران أيضاً بأن لها أيادي "خفية" تنقل الأسلحة إلى الضفة الغربية"، حسبما ورد في تقرير الصحيفة الإسرائيلية.

بالطبع تتجاهل الصحيفة أن معظم التحركات الفلسطينية جاءت رداً على استفزازات إسرائيلية في الضفة، والقدس ولاسيما تلك التي ارتكبت بحق المسجد الأقصى.

وبينما تلوح حركات المقاومة الفلسطينية في غزة أحياناً بالتدخل في النزاع بين إسرائيل وإيران، إلا أنها عملياً لا تربط عادة عملياتها ضد إسرائيل بإيران وحزب الله، وتفصل بين الجبهتين، وكذلك يفعل حزب الله وهو ما ظهر في حرب غزة العام الماضي والتوتر في فلسطين ولبنان العام الجاري.

ميزان القوى بين إسرائيل وإيران سيتغير، وفقاً للخطة المحتملة

مسعى طهران لتغيير توازن الردع بين إسرائيل وإيران يشمل أيضاً، توحيد الجبهات المضادة لإسرائيل في ظل تفوق تل أبيب في المجالات الأخرى التي بإمكان التكنولوجيا المتطورة الإسرائيلية هزيمة إيران فيها، وفقاً لصحيفة The Jerusalem Post.

هدف إيران هو إبقاء إسرائيل في حالة دفاع والدفع بالحرب قرب حدودها، لتقويض تفوقها في الجو والبحر، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

وتعزيز وجود طهران وحلفائها في الجولان السوري تحديداً، يقربها من مدن شمال إسرائيل، وكذلك تل أبيب المركز الاقتصادي والسياسي للبلاد، الأمر الذي قد ينعكس على قدر ميزان الردع بين إسرائيل وإيران.

وذلك بهدف حماية برنامج إيران النووي

ويأتي ذلك في ظل قيام تل أبيب باستهداف البرنامج النووي الإيراني ومخاوف طهران من عمليات إسرائيل أكثر حدة وبالأخص احتمال شن غارات جوية إسرائيل مباشرة وواسعة على المنشآت النووية الإيرانية، في ظل ضعف سلاح الجو التابع لطهران.

فإذا كانت إسرائيل لديها أذرع طويلة، منها أجهزتها الاستخباراتية والمقاتلات بعيدة المدى "إف 15″، وكذلك "إف 35" الشبحية، فإن إيران ترد على ما يبدو بإرسال أذرعها لتكون قرب تل أبيب نفسها، خاصة أن طبيعة هضبة الجولان البشرية والسياسية وضعف نظام الأسد أمام النفوذ الإيراني يسمحان بإطلاق عمليات منها أكثر من لبنان، الذي بات سكانه حساسين من أي عمليات يشنها حزب الله ضد إسرائيل، قد تؤدي لاندلاع حرب واسعة النطاق.

وهذا التوجه الجديد في جوهره يسعى لتغيير مسار استراتيجية "المعركة بين الحروب" بحيث لا تعود إيران تعاني من صعوبات تثبيت وجودها في سوريا، وإنما تحرك القوى التابعة أو الحليفة لتصبح أقرب لإسرائيل.

نفوذ طهران في الهضبة السورية بدأ قبل سنوات

ورغم أن هذا التوجه موجود منذ عودة النظام السوري إلى حدود هضبة الجولان عام 2018، فقد ظهر جلياً مؤخراً، حين ردت المدفعية الإسرائيلية على تهديدات مدعومة من إيران بالقرب من الجولان، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

وفضلاً عن ذلك، عرضت حسابات على الشبكات الاجتماعية في سوريا صوراً لما قالت إنها منشورات تنبه الناس هناك إلى الابتعاد عن حزب الله. وبحسب التقارير، تذكر المنشورات بشكل مباشر قائد في النظام السوري وضابط في حزب الله. ووقع حادث آخر يوم الثلاثاء 18 أبريل/نيسان.

وموقع هضبة الجولان المرتفع استراتيجي بالنسبة لإسرائيل سوريا على السواء، في تقع إلى الجنوب من نهر اليرموك وإلى الشمال من جبل الشيخ وإلى الشرق من سهول حوران وريف دمشق، وتطل على بحيرة طبرية ومرج الحولة غرب الجليل بشمال إسرائيل(أراضي 48). وتعتبر مدينة القنيطرة أهم مدينة في الهضبة التي تبعد 50 كيلومتراً إلى الغرب من مدينة دمشق.

دروز سوريون يشاركون في مسيرة في مجدل شمس بالقرب من خط وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان المحتلة المطلة على الجانب الآخر من الحدود في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2018-رويترز أرشيفية

في التاسع من يونيو/حزيران 1967، غزا الجيش الإسرائيلي منطقة الجولان، واحتل 1260 كم2 من مساحة الهضبة، بما في ذلك مدينة القنيطرة.
في أكتوبر/تشرين الأول 1973 اندلعت حرب تشرين وشهدت المنطقة معارك عنيفة استرد فيها الجيش السوري مساحة قدرها 684 كم2 من أراضي الهضبة لمدة بضعة الأيام، ولكن الجيش الإسرائيلي أعاد احتلال هذه المساحة قبل نهاية الحرب.
في 1974 أعادت إسرائيل لسوريا مساحة 60 كم2 من الجولان تضم مدينة القنيطرة وجوارها وعدّة قرى، في إطار اتفاقية فك الاشتباك، وقد عاد إلى هذا الجزء بعض سكانه، باستثناء مدينة القنيطرة التي ما زالت مدمرة.

وكان عدد سكان الجولان 138 ألف نسمة تقريباً قبل حرب 1967، ولم يبق من أهل الجولان بعد التهجير سوى 6369 نسمة، ويبلغ عدد سكان الجولان اليوم نحو 27 ألفاً، حسبما ورد في تقرير لقناة الجزيرة نشر نهاية 2021.

إيران تطلق مسيّرة فوق الجولان، وتحاول استغلال الفجوات بين مناطق وجود أمريكا بسوريا

وظهر تهديد آخر لإسرائيل في أوائل أبريل/نيسان المنصرم حين أطلقت إيران طائرة مسيرة من سوريا فوق الجولان وتم إسقاطها. 

وهذا يرفع عدد الحوادث المشابهة إلى ثلاث حوادث في المنطقة خلال شهر. وكثيرة هي الحوادث التي تمثل توجهاً جديداً ومرحلة جديدة في المعركة بين الحروب. 

تعود بداية هذه التغييرات في وضع القوى الموالية لإيران في الجولان لسنوات مضت. 

ففي خريف عام 2017، ذكرت تقارير أن روسيا رفضت مطالب من تل أبيب لحث النظام السوري على إبقاء إيران والوحدات المدعومة منها على بعد 60 كيلومتراً من الحدود حين عاد النظام إلى المنطقة. وذلك لأن روسيا كانت ترسل قوات من الشرطة العسكرية إلى المنطقة حينذاك، وقوات المعارضة كانت تتصالح مع النظام. 

إسرائيل وإيران
طائرة مسيرة إيرانية أثناء إطلاقها في مناورة للجيش الإيراني/رويترز

والولايات المتحدة لديها أيضاً حامية في التنف على بعد حوالي 260 كيلومتراً من الحدود. وتضم حامية التنف منطقة حظر بطول 55 كم حولها. وبطرح 60 كم من 260 ثم 55 كم أخرى، يتبقى فجوة بطول 145 كم تتمتع فيها إيران بنفوذ بين منطقة التنف المحظورة ومنطقة مقترحة بالقرب من الجولان تخلو من الوجود الإيراني.

لكن إيران لا تريد ذلك، بل يتمركز النفوذ الإيراني في وحدات مختلفة بين البوكمال ودير الزور على طول وادي نهر الفرات الأوسط قرب حدود العراق، حيث تَستهدِف المجموعات الموالية لإيران القوات الأمريكية أحياناً، ثم بالقرب من التنف والجولان وقاعدة التياس الجوية العسكرية القريبة من تدمر بجنوب سوريا. 

ها هي طهران تنشر القوات الموالية في كل أنحاء سوريا

وهكذا تعمل إيران في جنوب ووسط سوريا. أما في الشمال فترسل أسلحة أيضاً إلى حلب تحت غطاء مساعدات لمواجهة الزلزال، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

والخلاصة بصفة عامة أن إيران تنشط بدرجة كبيرة في سوريا، وأنه رغم مواجهتها لتحديات، فحوادث المدفعية القريبة من الجولان تشير إلى استمرار النشاط المدعوم من إيران بالقرب من الحدود. وهذا تحوُّل عن تحرُّك إيران باتجاه حلب في فبراير/شباط ومارس/آذار الذي أدى إلى ظهور تقارير في إعلام النظام السوري والإيراني عن غارات جوية عديدة على شحنات إيرانية في سوريا في مارس/آذار. وردت إيران عليها بحادثة الطائرة المسيرة في أوائل أبريل/نيسان وأتبعتها بحملة "توحيد الجبهة" في عيد الفصح، والآن هذه التهديدات الواضحة بالقرب من الجولان بقيادة القائد الإيراني في الفرقة الرابعة في الجيش السوري وضابط استخباراتي بارز في حزب الله. وتجدر الإشارة إلى أنه في أغسطس/آب عام 2019، نقل حزب الله أيضاً وحدة طائرات مسيرة إلى منطقة بالقرب من الجولان. وقد تم تحييد هذه الوحدة في أغسطس/آب عام 2019. لكن حزب الله لم يتوقف عند هذا الحد، بل واصل بناء ملف للجولان، وفقاً لتقرير مركز ألما للبحوث والتعليم صدر عام 2020. والتهديدات الأخيرة ربما تكون أحد ملامحه.

وتقول صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية في ختام تقريرها "خلال الحرب الأهلية السورية، نشأت تهديدات في أحيان كثيرة للجولان. ويبدو أن الهدوء النسبي قد ازداد بعد عام 2018. والآن عام 2023، يبدو أن التوترات تتصاعد مرة أخرى".

تحميل المزيد