بدأ مئات الآلاف من المواطنين الأتراك بالخارج الإدلاء بأصواتهم في البلدان التي يعيشون بها وفي المراكز الحدودية التركية، يوم الخميس 27 أبريل/نيسان 2023، قبل 17 يوماً من تنظيم تركيا للانتخابات الحاسمة.
ويوجد 3.4 مليون ناخب تركي مُسجَّل يعيشون خارج البلاد، أي أكثر من 5% من إجمالي الناخبين البالغ عددهم 64.1 مليون ناخب، وعلى الرغم من أنَّ نسبة المشاركة بالخارج تتراوح باستمرار عند مستوى أعلى من 50% بقليل (مقارنةً بنسبة 85% تقريباً داخل تركيا نفسها)، فإنَّ تلك الأصوات مهمة.
لمن ستذهب أصوات الأتراك في الخارج؟
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنَّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ومنافسه الرئيسي، كمال كليجدار أوغلو، متقاربان للغاية بالفعل. فيشير متوسط 7 استطلاعات رأي أُجريَت في أبريل/نيسان الجاري، إلى أنَّ كليجدار أوغلو قد يحصل على 50.3% في جولة الإعادة، في حين يحصل أردوغان على نحو 49.7%، كما يقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وتجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، في 14 مايو/أيار المقبل، ومن المنتظر إجراء جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة بعد أسبوعين، في حال لم يحصل أي مرشح على أكثر من نصف أصوات الجولة الأولى.
يقول أولاس تول، مدير البحث في مركز دراسات التأثير الاجتماعي، لموقع Middle East Eye البريطاني، إنَّ الأصوات الآتية من الخارج قد تُرجِّح الكفة لصالح أردوغان، لأنَّه يؤدي بقوة في استطلاعات الرأي في أوروبا، حيث يعيش معظم المهاجرين الأتراك، الذين هم في الغالب من المحافظين.
وقال: "حصل أردوغان على نحو 60% من الأصوات الآتية من الخارج عام 2018". وأضاف: "يعيش نصف الناخبين بالخارج في ألمانيا، حيث يصعب الوصول إلى مراكز الاقتراع بسبب محدودية عددها. ولهذا فإنَّ مَن يستطيع دفع الناخبين للذهاب إلى مراكز الاقتراع يفوز أيضاً بأغلبية الأصوات".
وقال عاكف شاتاي كيليش، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، لمحطة CNNTurk التركية، إنَّ السلطات الألمانية رفضت مضاعفة عدد مراكز الاقتراع في البلاد.
وقالت السفارة الألمانية في أنقرة إنَّ ألمانيا سمحت بإقامة 16 مركز اقتراع في البعثات الدبلوماسية وبعثات الشرف التركية، وهو ما يزيد بواقع ثلاثة مراكز مقارنةً بالسنوات الماضية. وأرادت أنقرة إقامة 26 مركز اقتراع لزيادة مشاركة الناخبين.
قال أولاس تول إنَّ أصوات الخارج قد تؤثر على الانتخابات الرئاسية بواقع نصف بالمئة. وأضاف: "إذا ما بقيت نسبة المشاركة على حالها وحصل أردوغان على نفس مستوى الدعم الذي حصل عليه في 2018 –نحو 60%- سيكون التأثير بين 0.4 إلى 0.5%. فعلى سبيل المثال، إذا ما حصل على 47% من الأصوات داخل تركيا يمكنكم إضافة 0.5% للحصيلة النهائية التي ستكون 47.5% بالنسبة له".
كيف تحاول المعارضة الاستفادة من أصوات الأتراك في الخارج؟
المسألة الثانية هي السباق البرلماني، إذ يجري توزيع إجمالي الأصوات الآتية من الخارج على المحافظات الـ81 في تركيا كلها، وفقاً لإجمالي أصوات كل حزب، وبناءً على عدد السكان في كل دائرة انتخابية.
يقول تول إنَّه نتيجة لذلك ستذهب أصوات الخارج التي أُدلي بها لصالح الأحزاب التي لا تُقدِّم مرشحين في بعض المحافظات هباءً، وستصب بشكل غير مباشر في صالح حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان.
من جهته، يقول أيدن أنيس سيدانلي أوغلو، وهو مرشح للبرلمان عن حزب المعارضة القومي التركي "الحزب الجيد" في مدينة مرسين، وهو مواطن تركي-ألماني، لموقع Middle East Eye، إنَّ الأصوات القادمة من الخارج مهمة للغاية في الانتخابات البرلمانية محتدمة المنافسة في بعض المحافظات، والتي قد يفوز فيها حزب العدالة والتنمية أو يخسر، اعتماداً على الناخبين الموجودين في أوروبا.
وأضاف: "خسرت بعض الأحزاب سابقاً ثلاثة أو أربعة مقاعد لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة بسبب أصوات الخارج. أتوقع أنَّ هذا الأمر سيتغيَّر في هذه الانتخابات".
تُعَد فرص "تحالف الجمهور" بقيادة أردوغان للحفاظ على السيطرة على البرلمان أعلى من فرص منافسه، "تحالف الأمة"، لكن حتى لو نجح في ذلك يُتوقَّع أن تكون أغلبية التحالف الحاكم ضئيلة للغاية.
هل يمكن أن تتراجع حصة حزب العدالة والتنمية من أصوات الخارج؟
يتمتع مصطفى ينر أوغلو، وهو مواطن تركي-ألماني ومرشح للبرلمان في إسطنبول عن "حزب الشعب الجمهوري"، بزعامة كليجدار أوغلو، بسنوات من الخبرة في السعي للحصول على الأصوات بالخارج. وهو يتوقَّع تراجع حصة أردوغان من الأصوات في هذه الانتخابات.
ويقول للموقع البريطاني: "أعتقد أنَّ الكثير من أنصار أردوغان السابقين سيُغيِّرون رأيهم بشأنه، بسبب المصاعب الاقتصادية في تركيا. يشعر الكثير من الناخبين بالمشكلة من خلال أقاربهم الذين يعيشون في تركيا"، حسب تعبيره.
ويضيف أنَّ قرار أردوغان برفع رسوم الإعفاء من الخدمة العسكرية للمواطنين المقيمين بالخارج من 1000 يورو (1099 دولاراً تقريباً) إلى 5563 يورو (6113 دولاراً تقريباً) في السنوات الأخيرة أثار غضب بعض الناخبين، بل وحتى دفع البعض للتخلي عن جنسيته التركية.
ويعتقد المرشح أنَّ هنالك داعمين للمعارضة كانوا يتجنَّبون إلى حدٍّ كبير الذهاب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات السابقة، لكنَّهم سيُصوِّتون هذه المرة ضد أردوغان.
وأصدر كليجدار أوغلو بياناً، يوم الخميس، يعد بتعديلات قانونية وتنظيمية لصالح المغتربين الأتراك، مثل السماح لهم بالحصول على مدفوعات تقاعدية أفضل إذا كانوا يعيشون في أوروبا، أو تمديد الاستخدام المؤقت للسيارات أو الهواتف التي يشترونها في الخارج خلال وجودهم في تركيا.
وعود المعارضة للمغتربين الأتراك ليست عملية
في السياق، يرى أوغوز أوجونجو، وهو تركي-ألماني آخر يترشَّح للبرلمان عن حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، أنَّ وعود كليجدار أوغلو عملياً ليست جديدة.
فقال: "العديد من الأحزاب لديها نفس التعهُّدات الانتخابية… لا أعتقد بصفة خاصة أنَّ المعارضة ستحصل على المزيد من الأصوات من أوروبا".
في الواقع، يعتقد أوجونجو العكس، إذ يقول إنَّ المزيد من الناخبين الميَّالين لأردوغان سيشاركون بحماس لتجنُّب تبديد "الإنجازات" التي حققها حزب العدالة والتنمية على مدار أكثر من عقدين في الحكم.
وأضاف: "سنزيد أصواتنا، وليس ذلك لأنَّ الناس خائفون، بل لأنَّهم يعتقدون حقاً أنَّ أردوغان هو الخيار الأفضل، هم لا يريدون العودة إلى فترات الحكومات الائتلافية من خلال تحالف (طاولة الستة) المعارض".